مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_نبيل_العتوم_الثورة_الإيرانية_تأكل_أبنائها_جناح_نجاد_نموذجاً
أصدر رئيس دائرة المحاكم في مدينة طهران حُكْمَاً بالسجن لمدّة ست سنوات ونصف السنة بحق ’’اسفنديار رحيم مشايي‘‘، صهر الرئيس السابق أحمدي نجاد ومدير مكتبه وأبرز مستشاريه، ووفقا لما قاله رئيس دائرة المحاكم، فإن هذه الأحكام قابلة للاستئناف.
وَجَّهَت المحكمة الثورية لـ ’’اسفنديار رحيم مشايي‘‘ تُهمة الإساءة للمرشد الإيراني ’’علي خامنئي‘‘، كما وجهت المحكمة له تهم الاستغلال غير الشرعي لأموال الحكومة وتوجيه الإهانة للمسؤولين في النظام، علاوة على نشر الأكاذيب، كما أصدرت محكمة الثورة حُكْمَاً غيابياً بالسجن لمدّة أربع سنوات بحق ’’علي أكبر جوانفكر‘‘، المستشار الإعلامي السابق في حكومة ’’أحمدي نجاد‘‘.
السؤال المهم والمحوري ما هي أسباب ودوافع هذه الأحكام بحق ’’مشايي‘‘؟
لقد شهدنا في الشهور الماضية ارتفاعاً ملحوظا في حدّة التوتر بين تيار ’’أحمدي نجاد‘‘، والمرشد من ناحية، والسلطة القضائية من ناحية أخرى، وهذا التطور قد تعمّق لاسِيَّما بعد صدور حُكْم بحق السيد ’’إبراهيم بقائي‘‘، نائب الرئيس الإيراني السابق ’’أحمدي نجاد‘‘، ما حدا بـ ’’مشايي‘‘، إضرام النار بهذا الحُكْم الذي صدر بحق ’’إبراهيم بقائي‘‘، أمام السفارة البريطانية في طهران، متهماً أنّ هذا الحكم قد صدر بأمر من ملكة بريطانيا، وأصدرت أوامرها إلى وزارة الخارجية البريطانية، والتي بدورها وَجَّهَت السفارة البريطانية في طهران السلطة القضائية الإيرانية لإصدار هذا الحكم بحق ’’إبراهيم بقائي‘‘، مما استدعى السلطات الإيرانية لإلقاء القبض عليه، وأُودِعَ في السجن، وقد مضى على فترة اعتقاله ما لا يقل عن ستة أشهر. وما يلفت النظر هنا أنّه وبعد توجيه التهم لـ ’’مشايي‘‘، من جانب الجهاز القضائي، لم تبدأ أولى جلسات محاكمته إلا في بداية شهر أغسطس من هذا العام، حيث كانت هذه الجلسة غير علنية ولم يُسمح لأحد من محاميه بالحضور إلى هذه الجلسة، وكان هذا خلافا لما قاله الادعاء العام، أما الجلسة الثانية فكانت بعد أسبوعين من بداية شهر أغسطس، وقد انتهت مجريات المحاكمة بشكل سريع جداً إلى أن أصدرت المحكمة وبعد عشرة أيام على بدء محاكمته أحكاما قاسية بحق أحد المقربين والمحسوبين على الرئيس السابق ’’أحمدي نجاد‘‘.
لا شك بأنّ هذه الأحكام كانت متوقعة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أساليب السلطة القضائية، وقياساً على آلية تعامله مع ملف ’’إبراهيم بقائي‘‘ سابقاً، وآلية تعامله مع ملف ’’مشايي‘‘ لاحقاً، وظروف اعتقاله، ناهيك عن الآلية والظروف التي شكّلت فيها المحكمة التي أصدرت هذا الحكم بحقه، فعلى ما يبدو أنه كان لا بُدَّ عليها من إصدار حُكْمَاً بحقه، وهذا ما حصل. أما المستغرب في هذه المحاكمة هو الاستعجال الذي أقدم عليه الجهاز القضائي، وذلك على خلفيّة ما قام به الرئيس السابق ’’أحمدي نجاد‘‘، من تحركات أراد من خلالها توقيف هذا الحُكْم، إلا أن الجهاز القضائي استطاع أن يفشل هذه المساعي والتحركات التي قام بها ’’أحمدي نجاد‘‘ والذي هاجم بها رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، أحد أهم المرشحين لخلافة ’’خامنئي‘‘ لتولي منصب الإرشاد، بِتُهم مختلفة من ضمنها التعسف والظلم، وإصدار أحكام خارج إطار التقاضي الصحيح، وإثارة التساؤلات حول حالات الانتحار الغامضة للمعتقلين القابعين في سجون الدولة.
بطبيعة الحال كانت التهم التي وجهتها المحكمة إلى ’’مشايي‘‘ تهم خطيرة، حيث وَجَّهَت المحكمة إليه تُهمة كونه -حسب رأي المحكمة – كان على صلة وعلاقة بطريقة أو بأخرى بالتجسس لصالح أمريكا وإسرائيل، والتواطؤ والتآمر ضد النظام بُغية الإخلال بالأمن القومي الإيراني، ونشر أكاذيب ضده دون أن يكون لدى المحكمة مستندات ووثائق يمكن لوسائل الإعلام الاعتماد عليها، وبالتالي نشرها في الإعلام.
لكن هل تعني هذه الأحكام التي صدرت بحق المقربين من ’’أحمدي نجاد‘‘، أنهم يريدون تضييق الخناق عليه، وحرمانه من أية فرصة سياسية قد تؤدي به إلى كرسي الإرشاد، أو حتى الإسهام في إيصال أحد الشخصيات التي تدور في فلكه؟ لا شك بأنه قد تضاعفت في الشهور الماضية حالة التحرش التي تعرَّض لها تيار ’’أحمدي نجاد‘‘، وبخاصة بعد سلسلة الرسائل التي أبرقها ’’أحمدي نجاد‘‘ في شهر كانون الثاني وشهر شباط، واتهم المرشد ضمناً بتخريب إيران، ونهب أموالها، وقد عَبَّرَ كذلك عن سخطه الشديد من سياسات الدولة الداخلية والخارجية، كما طالب فيها بإقالة رئيس السلطة القضائية، فضلا عن السيطرة على سياسات الحرس الثوري، كما طالب في هذه الرسائل بتقييد صلاحيات مجلس صيانة الدستور الإيراني واللجنة الرقابية والإشرافية فيه، وبالمحصلة عبّرت هذه الرسائل عن وجهة نظر ’’أحمدي نجاد‘‘، والتي تدعو إلى إيجاد تغيير في بُنية النظام الحاكم، مما جعل السلطة القضائية توجه تحذيراً واضحاً بأنه إذا استمر على هذا النهج فسيتم الحجر عليه ومحاكمته، ووصلت الأمور إلى توجيه تهديدات بتصفيته، على الرغم من كونه رئيساً سابق لإيران، ويتمتع بشعبية كبيرة داخل المناطق المهمشة والفقيرة، وكونه لا زال عضواً بارزاً في مجلس تشخيص مصلحة النظام.
بُعَيْد هذه الرسائل المتبادلة بين نجاد والسلطة، والاعتقالات والأحكام التي صدرت بحق المقربين منه، لم يتوقف ’’أحمدي نجاد‘‘، من القيام بالعديد من القيام من الزيارات إلى المدن الإيرانية المختلفة لنشر آرائه وأفكاره، بموازاة ذلك نشطت السلطات الإيرانية في الترويج لفيديوهات تصور حالة البذخ والمجون التي يعيشها أبناء ’’أحمدي نجاد‘‘ في الخارج لتشويه صورته، والنَّيْلِ من شعبيته.
اليوم في إيران يتحدثون أنه لم تجرِ العادة والعُرف الدارج في إيران أن يقوم شخص بهجوم على رئيس السلطة القضائية من قبل، لذلك كان من الواضح أنّه سيتعرض لعقوبة السجن أكثر صرامة وغِلظة مما هي عليه الآن، نظراً لذلك الهجوم الشرس الذي شنّه السيد ’’مشايي‘‘، على السلطة القضائية، لكن المحكمة اكتفت بست سنوات ونصف السنة، ومن المحتمل أن يقوم ’’مشايي‘‘ بالاعتراض على هذه الأحكام كونه لم يكن ليقبل أو يعترف بهذه المحكمة معتبرا أنّها محكمة غير شرعية، لكن التسريبات الإعلامية تؤكد بأن لا يقوم ’’مشايي‘‘، بتقديم طلب استئناف لإحراج السلطة القضائية، ومن خَلْفِهم خامنئي، إذ لا يمكن أن تصدر مثل هذه الأحكام بدون ضوء أخضر من المرشد الذي يريد تصفية خصومه ومنافسيه.
أعتقد أن المسألة التي باتت مطروحة الآن وهو تعرّض ’’أحمدي نجاد‘‘، نفسه لملاحقة قضائية، وهذا بات يتوقف على ما سيفعله في قادم الأيام، فإن استمرّ ’’أحمدي نجاد‘‘، في هذا الهجوم المباشر وغير المباشر ضدّ شخص المرشد الإيراني، فليس من المستبعد أن يكون ’’أحمدي نجاد‘‘، هو الشخص التالي الذي سَيُقبض عليه، أو حتى تصفيته ليلقى مصير رفسنجاني؛ وما بات من سبيل أو خيار أمام ’’الثورة الإسلامية‘‘ الإيرانية سوى أن تآكل أبنائها.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_نبيل_العتوم_الثورة_الإيرانية_تأكل_أبنائها_جناح_نجاد_نموذجاً