الأربعاء, يناير 8, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسيبعد أن هُجِّرُوا من أوطانهم صغاراً.. عادوا إليها شباباً

بعد أن هُجِّرُوا من أوطانهم صغاراً.. عادوا إليها شباباً

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_ياسين_أقطاي_بعد_أن_هُجِّرُوا_من_أوطانهم_صغاراً_عادوا_إليها_شباباً  

يبدو أن العملية التي أطلقتها المعارضة السورية لاستعادة مدينة حلب قد تقدمت بوتيرة أسرع بكثير مما كان متوقعاً، حتى من قِبَلِ المقاتلين أنفسهم. فبدلاً من أن تستغرق أشهر، أو أسابيع على الأقل كما كان متوقعاً، انتهت العملية خلال يومين تقريباً بعد انهيار سريع لصفوف قوات النظام، ما أدى إلى بسط سيطرة المعارضة على المدينة ومحيطها بالكامل. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فبعد حلب تمكنت المعارضة من السيطرة على كامل أجزاء إدلب بسرعة مماثلة.

ولا شك أن هذا التقدم السريع وانهيار قوات النظام عزَّز بشكل كبير من معنويات مقاتلي قوات المعارضة. وانتشرت مشاهد لمقاتلين المعارضين وهم يدخلون مدينة حلب وسط هتافات التكبير ودموع الفرح والسجود شكرا لله، لتلقى صدى واسعاً في جميع أنحاء العالم.

ومع هذه المعنويات المرتفعة بدأت الأخبار تتوالى من مختلف أنحاء سورية حول انهيار النظام، وفرار جنوده، واستمرار تَقدُّم المعارضة بوتيرة متسارعة. وتوالت الأحداث بسرعة كبيرة، لكن هذا الانتصار السريع والانهيار المفاجئ للنظام أثار بعض المخاوف. وقد كان معروفاً مسبقاً أن النظام لن يستطيع الصمود أمام المعارضة لبضع ساعات بمجرد أن يُترك وحيداً، لكن هذا الانهيار السريع أكد هذه الحقيقة مرة أخرى وبصورة واضحة أمام الجميع.

للأسف، إن النظام الإجرامي الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية في سورية، والذي لا يتمتع بأي دعم شعبي منذ الماضي وحتى يومنا هذا، قد استمر في الصمود بفضل دعم إيران وروسيا، بالإضافة إلى دعم الولايات المتحدة التي لا نعرف بدقة ما تُدَبِّره في سورية (أو ربما أصبح واضحاً لنا الآن). ومن المثير للدهشة أن هناك من يظن حتى الآن أن أي تحرك أو عمل أو انتفاضة ضد الأسد هي مؤامرة أمريكية إسرائيلية. ويبدو أن هؤلاء يعتقدون أن الولايات المتحدة، بِحُجَّةِ محاربة داعش، تعمل مع ’’تنظيم بي كي كي‘‘ الإرهابي، وهو الابن البار لنظام البعث، ضد الأسد أو على الأقل بشكل مستقل عنه. هذا التفكير ساذج للغاية، فكيف يمكن لأشخاص يتبنون نفس المشاعر أن يختلفوا في رؤيتهم؟ وحتى في الوقت الحالي، عندما تنسحب قوات النظام من مناطق في حلب، فإنها تسلمها بكل أريحية إلى تنظيم ’’بي كي كي / واي بي جي‘‘ الإرهابي والتابع المخلص للولايات المتحدة، فما مصدر هذه الثقة المتبادلة برأيكم؟

أمَّا ’’طوفان الأقصى‘‘، الذي قلب الموازين وأحدث هزات كبيرة في المشهد العالمي، فقد فعل الشيء ذاته في سورية. حيث بات واضحاً أن هذا الحدث زعزع العديد من التحالفات القذرة، سواء السّرِيَّة أو المعلنة، وأربك توازن المصالح بينها. في أوائل أكتوبر، ترددت أنباء عن أن وزير الخارجية الأردني نصح الأسد بالابتعاد عن محور إيران وحزب الله إذا كان يريد البقاء، والتوجه نحو المحور الأمريكي الإسرائيلي. ولم يتضح لنا صحة هذا الخبر من عدمه، إلا أن سلوك الأسد يشير إلى أنه، من دون الحاجة إلى نصيحة أحد، قد بدأ بالفعل في إعادة تقييم خياراته، مدفوعاً بهاجس البقاء، وبدأ في تقديم إشارات، صريحة أو ضمنية، تُقربه من الولايات المتحدة وإسرائيل.

كان يُتوقع أن يؤدي هذا الوضع إلى إزعاج كل من روسيا، المشغولة بالفعل بالأزمة الأوكرانية، وإيران التي تواجه صعوبات في لبنان بسبب حزب الله. ومن المعروف أن العلاقات بين إيران وروسيا ليست كما كانت في السابق. هذه العوامل مجتمعة شَكَّلت تحذيرات بأن حماية الأسد ضمن هذا المحور ستكلف أكثر مما كانت عليه في السابق.

ولكن، بالنظر إلى أن الأسد استطاع البقاء في السلطة حتى الآن بفضل دعم إيران وروسيا، فما مدى احتمالية أن يوفر له التقارب مع الولايات المتحدة، التي لم تكن علاقاته بها سيئة أصلاً، دِرْعَاً واقياً؟

لم تتوانَ السعودية ومصر والإمارات في الإعلان عن دعمها للأسد في مواجهة تَقدُّم المعارضة السريع. إن موقف هذه الدول، التي لم تُقَدِّمُ أي مساهمة تُذكر في حل الأزمات الإنسانية التي تشهدها سورية على مدى سنوات، في الوقوف إلى جانب الأسد، المسؤول الرئيس عن الأزمة، والعدو لشعبه، أمرٌ مؤلم للغاية. وإذا تجاوزنا كونهم مسلمين والذي يبدو أنه لا يعنيهم، فكل هؤلاء الملايين من القتلى واللاجئين والنازحين الذين تعرَّضوا للظلم هم عرب. فإذا كان اهتمامهم بالدين لا يُحَرِّكُهم، فيجب أن على الأقل أن تُحَرِّكُهم عروبتهم. فكل لاجئ سوري يُقتل ظُلماً أو يُجبر على اللجوء إلى بلد آخر يُسلب من شرف قيادات هذه الدول شيئاً من قيمته. وهذا ما تؤكده التقاليد العربية. وللأسف، فإن الموقف الذي اتخذته هذه الدول لم يفاجئنا على الإطلاق. فكيف يمكن لمن لم يُبدِ أي تعاطف مع الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المسلمون العرب في غَزَّةَ على مدار 14 شهراً أن يظهر مشاعر إنسانية مختلفة تجاه الوضع في سورية؟

في سورية، أصبح الدفاع عن كرامة العرب المُنْتَهْكَة، والوقوف إلى جانب من تم تهجيرهم قسراً، مسؤولية تركيا وبعض الدول الأوروبية غير العربية. هذا العار ذاته يكفي ويزيد ليتسبب في إحراج بعض الحُكام العرب. ولكن بدلاً من أن يشعروا بالخجل من ذلك، أو أن يَتَّعِظُوا ويستخلصوا العِبَر، فإنهم ما زالوا يُعَبِّرُون عن دعمهم لنظام الأسد، الذي يواصل إذلال العرب في جميع أنحاء العالم، ويحولهم إلى لاجئين. فكيف نستغرب ذلك؟

من ناحية أخرى، يجب ألا ننسى أن هناك حقائق هامة تقف خلف النجاح الذي حققته المعارضة السورية، بدءاً من حلب، وفي جميع أنحاء سورية بهذه السرعة. والتي يمكن تلخيصها كما يلي:

أولا: هذه المعارضة هي في الحقيقة الشعب السوري نفسه. وليست مجموعات مُحتلة قادمة من الخارج، بل هُم أُنَاسٌ يسعون للعودة إلى بيوتهم التي تم تهجيرهم منها. كلمات الأطفال الذين تم تهجيرهم من حلب قبل 8 سنوات ما زالت تتردد في الذاكرة بوضوح: ’’نحن نغادر الآن، لكن عندما نكبر قليلاً، سنعود لاستعادة بيوتنا‘‘. هؤلاء الأطفال الذين كانوا في العاشرة أو الثانية عشرة من عمرهم آنذاك، أصبحوا الآن في الثامنة عشرة أو العشرين من أعمارهم، وهم يعملون بِجَدٍ وبإخلاص وحماسة من أجل العودة إلى بيوتهم، مؤمنين بحقهم في ذلك.

ثانيا: يسود حالياً جو من الوحدة التامة بين قوى المعارضة في سورية، وذلك على النقيض من الخلافات والصراعات التي كانت سائدة بينها في بداية الثورة. لقد جَفَّت بذور الفتنة التي زرعتها الولايات المتحدة وإيران وقوات النظام بين فصائل المعارضة قبل نحو ثماني سنوات. وقد أدرك الشعب السوري، بعد أن عايش تجربة داعش وما ارتكبته من فظائع، أهمية الوحدة والتكاتف والتعاون.

ثالثا: تُظهر القوى المعارضة حماساً شديداً في تحرير مدنها من المحتلين، مع الحرص الشديد على تجنب أي مشاعر أو تصرفات انتقامية. حيث إنها تتلقى تعليمات صارمة بعدم إيذاء كبار السن والأطفال والنساء، وعدم المساس بالمدنيين العُزّل، وعدم الاعتداء على الممتلكات والمنازل، وذلك اتباعاً للسُنَّة النبوية في الفتوحات الإسلامية،. كما أن هذه الحركة لم تشهد أياً من الانحرافات التي أضرَّت بالثورة السورية وإعاقتها في السابق، مما منحها زخماً معنوياً كبيراً، سواء في مواجهة النظام أو في التعامل مع المدنيين الذين حررتهم.

إن التزامهم بالقيم الأخلاقية والرحمة وتوفير الأمان لشعبهم يُظهر بوضوح أن جذورهم الممتدة في هذه الأرض لا يمكن اقتلاعها.

_________

رابط المقال الأصل:

https://www.yenisafak.com/ar/columns/yasinaktay/4078672

هذا التحليل السياسي يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_ياسين_أقطاي_بعد_أن_هُجِّرُوا_من_أوطانهم_صغاراً_عادوا_إليها_شباباً  

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات