مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_دَوْرُ_إيران_الذي_تُريده_أمريكا_بُعْبُعٌ_يُخيف_دُول_المنطقة
كثير من المسلمين والعرب خُدِعُوا بشعارات الدعايات العدائية والهجومية المتبادلة بين إيران وأمريكا، ظناً منهم أنَّ إيران هي عدو أمريكا الأول في العالم، بل إن هذا الخداع قد انطلى على كثير من المُحَلِّلين والمراقبين، مما أوجد قاعدة شعبية لا بأس بها لإيران داخل الدول العربية، كما يجب علينا ألا ننسى دور بعض الأقلام المأجورة ممن أغرتهم خزائن طهران ودولارات الحرس الثوري، الذي يُنْفِقُ ببذخ شديد على كل من يُرَوِّجُ للمشروع الإيراني في منطقتنا العربية والإسلامية، وهذه الأقلام المأجورة والمفتونة أسهمت كثيراً في تضليل الرأي العام، والتعمية على خطورة المشروع الإيراني على العالمين العربي والإسلامي.
وحتى نفهم طبيعة العلاقة بين أمريكا وإيران وأوجه الاتفاق والاختلاف بين الطرفين، لا بُدَّ لنا أن نعرف أن العلاقة بينهما قائمة على المصلحة المَحضة والأهداف المشتركة، وما الذي تريده أمريكا من إيران، وما الذي تريده إيران من أمريكا، وأين تلتقي العلاقة بينهما، وأين تقف.
أمريكا تريد من إيران عدة أمور، وإيران توافقها وتسايرها فيها لأنها توافق عندها رغبات وأحقاد دفينة، على رأسها وأهم أولوياتها إضعاف العالم الإسلامي السُنّي، وإفشال أسباب وحدة أبنائه وشعوبه وحتى حكوماته، فأمريكا أفسحت المجال لإيران حتى تنشر الطائفية الدموية التي تنخر في كل بلد أفسحت أمريكا فيه المجال لإيران حتى تعبث فيه، مثل العراق وسورية وأفغانستان وباكستان ولبنان واليمن، فإيران لم تتدخل بنشر الطائفية التي تُفَرِّقُ الصف وتُزَكِّي الصراعات وتُحَرِّكُ الأحقاد إلا بمساعدة أمريكا التي تولَّت تحييد كل القوى القادرة على التصدي للطائفية الإيرانية، في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن.
أمريكا أيضا تريد من إيران تفتيت العالم الإسلامي بتزكية الصراعات الدينية والمذهبية فيه، وتحريك الأقلّية الشيعية في كل مكان بالثورة والاضطرابات والمناداة بالانفصال، كما حدث مع الحوثيين في اليمن وشيعة الجنوب العراقي، وشيعة القطيف والإحساء، وشيعة الهزارة الأفغانية، وشيعة لبنان، وهكذا نرى أن أصابع إيران تعبث باستقرار ووحدة البلاد العربية والإسلامية، وتساهم بأقصى جهد في تمرير مشروع أمريكا الخاص بتفتيت العالمين العربي والإسلامي، خاصة الكيانات الكبرى فيه مثل السعودية ومصر والسودان واليمن والعراق وسورية وباكستان وأفغانستان والبقية تأتي.
أمريكا أيضا تريد من إيران أن تقوم بِدورِ بُعْبُعٍ يُخيف ويُرعب الدول العربية والإسلامية خاصة في منطقة الخليج، لِتُبقي دول المنطقة أسيرة لدى الوجود الأمريكي في المنطقة، ويكون لدى حكومات هذه الدول المبرر لتواجد القوات الأمريكية بأحدث وأقوى الأسلحة التي ترهق ميزانيات دول المنطقة، التي تدفع فاتورة الضيافة الأمريكية بأعلى ما يكون من ثمن، وبالتالي يكون البُعْبُع الإيراني وتهديداته المتواصلة للبحرين والإمارات والكويت وغيرها من دول المنطقة سبباً لنكبتين، الوجود الأمريكي بِكُلِّ ما فيه من مفاسد ومُنكرات، وإضعاف ماليات واقتصاديات الدول العربية والإسلامية.
وعطفاً على ما تَقدَّم فإن كل الذي يجري في سورية والعراق من ضربات لبعض قواعد الميليشيات الموالية لإيران والمصنّعة على عين الولي الفقيه خامنئي؛ هي مجرد مسرحيات متفق عليها بين واشنطن وطهران، فالصراع بين أمريكا وإيران مسرحية منذ وصول الخميني إلى سُدَّةِ الحُكْمِ عام 1979م، والصراع بين الاحتلال الصهيوني وحزب الله مسرحية، وتأسيس تنظيم الدولة وكل ما قام به منذ نشوئه إلى حين هزيمته الميدانية هو الآخر مسرحية، وينطبق الأمر على العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة، وربما على كل الظواهر السياسية والاجتماعية المُعقَّدة.
ثَمَّة أساس يبدو ’’منطقيا‘‘ لهذه التحليلات بالنظر لتاريخ المنطقة، فقد تَعَرّضَ العرب للكثير من المؤامرات والظلم عبر التاريخ الحديث، ابتداء من سايكس بيكو وتقسيم المنطقة، مروراً بِوَعْدِ بلفور وما تبعه من احتلال لفلسطين وإقامة الدولة العِبْرِيَّة، وحروب العرب مع الاحتلال الصهيوني، وغزو العراق، وغيرها من الأحداث التي لا تكاد تتسع لها قائمة.
فدولة مثل أمريكا لم تتعامل مع إيران بطريقة ثابتة وأحادية، ولم تجعل التجربة التاريخية تحكم علاقاتها مع هذه الدولة، بل اتبعت معها سياسات مُتغيرة حسب تغير الظرف، ودائما حسب المصالح القومية الأمريكية.
وعلاوة على حضور التاريخ الكثيف في فرض هذا النوع من التفسيرات، فإن الواقع العربي يساهم في تعزيزها أيضا، فالشعوب المهزومة والأمم المتأخرة تميل للتفسير التآمري على حساب التحليلات العلمية القائمة على فهم التعقيدات السياسية.
ومع تَفَهُّمِ هذه الأسباب التاريخية لانتشار التحليلات الاختزالية (والمصطلح هو للراحل عبد الوهاب المِسيري) لأحداث المنطقة، إلا أن الحقيقة هي أن الأحداث المُعقَّدة والمركبة مثل الصراعات السياسية؛ لا يمكن تفسيرها بشكل اختزالي بل إنها تحتاج لتحليل مُرَكَّب مُعقَّد يتوافق مع طبيعة الأحداث.
وهناك ثَمَّة مؤشرات عديدة على وجود توافق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه نلحظ تعاونا كبيرا بين الإدارة الإيرانية والإدارة الأمريكية في كثير من الملفات، كان التعاون بينهما في الحرب على العراق باعتراف الجانبين، من ناحية الخلفية الفكرية التي تُحرِّك كلا الطرفين في كل ما يتعلق بالمنطقة العربية عموما ولاسِيَّما العراق، حيث لا نجد تباينا في وجهتي النظر، كلاهما لهما مصالح في العراق والأقطار العربية الأخرى، حتى وإن اختلفت رؤيتهما، فالصفة الغالبة على المصالح الإيرانية هي الصفة الفكرية.
كما توصلت طهران مع واشنطن بوساطة قَطَرِيَّة لاتفاق يتم بموجبه إلغاء تجميد 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية في كوريا الجنوبية، وإرسالها إلى حسابات إيرانية في بنوك قَطَرِيَّة ، لِتُستخدم في حاجات إنسانية مقابل تبادل للسجناء بين البلدين.
ويمكن أن نستعرض تحليلات لكافة الأحداث التي ذكرت في مقدمة المقال وتفسر على أنها مسرحيات، ولكن المقام لا يحتمل مثل هذه الإطالة، ولكننا نكتفي بالتركيز على تحليل العلاقة بين إيران والولايات المتحدة في ظل تصاعد الصراع والتوتر بينهما، وأيضا في ظل ارتفاع الأصوات التي تعتبر هذا الصراع مجرد مسرحية!
قامت ’’الثورة الإسلامية الإيرانية‘‘ منذ بدايتها على التصادم مع الولايات المتحدة، فالثورة حَسْبَ كثيرٍ من خبراء الشرق الأوسط لم تكن سوى امتداد لتجربة رئيس الوزراء محمد مصدق الاستقلالية عن الغرب، والتي استمرت عامين قبل أن يتم الانقلاب عليها في عام 1953م بدعم وتخطيط أمريكي. وبهذا المعنى فإن ’’الثورة الإيرانية‘‘ هي في الأصل ضد المصالح الأمريكية كما يدَّعي مُعَمِّمُو ’’قُمْ‘‘.
يبقى القول إن الدرس الأهم الذي يُمكن قراءته من هذه العلاقة المضطربة المتغيرة بين واشنطن وطهران هو أنَّ السياسة الخارجية الواعية لأي دولة لا يجب أن تقوم على توجه واحد، ولا على وضع البيض كله في سلة واحدة.
وإذا كان هناك من شك لدى أمريكا عن توجهات السياسة الإيرانية تجاهها، فقد ثبت العداء بين الجمهورية الجديدة وبين واشنطن بعد حادثة احتجاز 52 دبلوماسيا أمريكيا كرهائن في سفارة واشنطن بطهران لمدة 444 يوما بين نهاية عام 1979م وبداية عام 1981م.
ومع ذلك، فإن دولة مثل أمريكا لم تتعامل مع إيران بطريقة ثابتة وأحادية، ولم تجعل التجربة التاريخية تحكم علاقاتها مع هذه الدولة، بل اتبعت معها سياسات متغيرة حسب تغير الظرف، ودائما حسب المصالح القومية الأمريكية، آخذة بالاعتبار مصالح إيران.
ولعل هذا التغير هو ما يسمح بتبني تفسيرات ’’مسرحية‘‘ للأحداث، إذ يتساءل أصحاب هذه النظرية مثلا عن فضيحة ’’إيران كونترا‘‘ وتزويد أمريكا طهران بأسلحة متطورة أثناء حربها مع العراق، كما يتساءلون عن عدم حصول حرب حقيقية حتى الآن بين البلدين، وعن تعاون البلدين في ملفات مثل غزو العراق والحرب على طالبان.
هذه الأسئلة كلها مشروعة ولها أصل حقيقي مرتبط بالأحداث، ولكنها جميعا تسقط التفسيرات ’’المسرحية‘‘ عند قراءتها في سياقاتها التاريخية والسياسية.
فتصدير الأسلحة لإيران مثلا كان جزءا من سياسة واشنطن المعروفة بـ’’الاحتواء المزدوج‘‘ للخطر الإيراني والعراقي من خلال تأجيج هذه الحرب عبر مد الطرفين بالسلاح اللازم لإطالتها، وهو ما حصل فعلا حيث خرج البَلدان مُنهكين تماماً من الحرب.
أما عدم مواجهة إيران للغزو الأمريكي للعراق فهو يرتبط بعداء إيران لنظام صدام حسين ودعمها للمعارضة ’’الشيعية‘‘ التي دعمتها واشنطن، ولكن حتى هذا ’’التوافق‘‘ بين البلدين في غزو العراق لم يلبث إلا ليتحول إلى حالة من العداء والصراع على النفوذ السياسي والاقتصادي، ثم ليتحول إلى توافق من جديد في الصراع مع تنظيم الدولة في الموصل. وينطبق نفس التحليل على وقوف إيران ضد طالبان لأسباب تتعلق بدعمها لأطراف أقل عَداء للشيعة في الساحة الأفغانية.
أما عن عدم حصول حرب عسكرية بين البلدين، فإن تفسيره ينطلق من قدرة أمريكا على إنهاك إيران عبر العقوبات الاقتصادية، ومن سياسة طهران الانسحابية التي تتراجع عند شعورها بوصول الصراع مع أمريكا إلى حافة الحرب، كما حصل عند توقيع الاتفاق النووي عام 2016م، وأيضا يمكن تفسيره بتراجع الرغبة لدى الدولة والمؤسسات الأمريكية عن فكرة الحرب بعد تجربتها المريرة في كل من العراق وأفغانستان.
إن متابعة السياسة الخارجية لكل من إيران والولايات المتحدة بشكل تحليلي، يوصلنا لنتيجة مفادها أن كلا البلدين لديهما سياسة ’’نشطة‘‘ لا تقوم على العداء الدائم أو التحالف الدائم، أو الخضوع الدائم من طرف لطرف آخر، ولكنها سياسة متغيرة حسب المصالح المرحلية والاستراتيجية لكل دولة.
ويبقى القول إن الدرس الأهم الذي يمكن قراءته من هذه العلاقة المضطربة المتغيرة بين واشنطن وطهران هو أن السياسة الخارجية الواعية لأي دولة لا يجب أن تقوم على توجه واحد، ولا على وضع البيض كله في سلة واحدة، ولعل هذا ما يفسر قدرة إيران على تحقيق إنجازات في أكثر من ساحة (مثل العراق، وسورية، ولبنان، واليمن) بينما تخسر الدولة العربية التي تتبنى سياسة خارجية خاملة تحكمها أساسا متطلبات العلاقة مع الولايات المتحدة!
المراجع
عربي21 – 21/5/2019م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_دَوْرُ_إيران_الذي_تُريده_أمريكا_بُعْبُعٌ_يُخيف_دُول_المنطقة