مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_رأس_الأفعى_بوتين_لم_يرتوِ_من_دماء_السوريين
مجرم الحرب بوتين وشريكه في البغي والإجرام نظام دمشق يستغلان انشغال العالم بالعدوان الصهيوني على غَزَّةَ، لتكثيف القصف على منطقة يرفض فيها أكثر من أربعة ملايين مواطن سوري العيش تحت سقف الحكم السلطوي للمجرم بشار الأسد.
لقد استمرأ هاذان المجرمان الصورة الدموية التي يرسمانها على أرض إدلب الخضراء، تحت دعاوي وافتراءات كاذبة مُلَفّقَة تقول إن سلاح الجو الروسي نَفَّذَ هجمات جوية على مستودع للطائرات المسيرة في محافظة إدلب السورية، وعلى مواقع الإرهابيين في تلك المناطق، وينفي القصف العشوائي للمناطق المدنية المحررة في محافظتي حلب وادلب وحماة واللاذقية، وهذا كذب صريح فإن المناطق التي يقصفها الطيران الروسي وطيران النظام هي مناطق مدنية وضحاياها مدنيون من أطفال ونساء وشيوخ ومزارعون.
لقد تدخلت روسيا عسكرياً في سورية، لصالح نظام المجرم قاتل شعبه بشار الأسد، وأنه منذ اندلاع الثورة السورية كانت روسيا داعماً أساسياً لنظام المجرم بشار الأسد، سواء من الناحية العسكرية أو المادية أو السياسية، وذلك بتوفير الغطاء في مجلس الأمن لجرائم نظام بشار الأسد، وهناك عدة اعتبارات ومصالح روسية جعلتها تتدخل عسكرياً في الصراع السوري:
1-تهدف روسيا أن تتخذ من سورية موطئ قدم لها في الشرق الأوسط وبذلك تضمن إطلالة بحرية على البحر المتوسط وحدود برية مشتركة مع كل من تركيا والكيان الصهيوني ولبنان والعراق والأردن.
2-دعم نظام الأسد يتوافق مع تطلعات بوتين لأن تصبح روسيا قوة عظمى مجدداً في المنطقة في مواجهة أمريكا وسقوط نظام الأسد يعني فقدان روسيا للقاعدة العسكرية الوحيدة خارج روسيا منذ فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي.
3-يتطلع بوتين لكسب مزيد من الشعبية وبالتالي ضمان فترة رئاسية رابعة على غرار الشعبية التي اكتسبها إثر تدخله في أوكرانيا حيث بلغت نسبة شعبيته 80% وهي نسبة لم يصل إليها رئيس قبله، وهو يأمل تكرار هذا المكسب من خلال حربه في سورية بدعوى محاربة الإرهاب في سورية.
وتتميز أهداف روسيا أيضا بالبساطة والواقعية، وتتماشى مع الموارد الروسية المحدودة، فهي تسعى لإبقاء نظام المجرم بشار الأسد ككيان سياسي يوفر له ممراً سهلاً لبسط النفوذ الروسي، ويضمن لروسيا حصة في أي تسوية سياسية ضمن البلاد في المستقبل، بمعنى أن بوتين لا يحاول السيطرة على سورية، ولا لإعادة النصيريين إلى دفة السيطرة الكاملة على البلاد بأكملها، أو للقضاء على النفوذ الإيراني، وبالتأكيد، لا يلاحق بوتين حلم بناء الديمقراطية الواهي ضمن سورية ومن هذا المنطلق، فإن الانتشار المحدود للقوة الجوية الروسية وحفنة من ’’المتطوعين‘‘، قد تكون إجراءات كافية لتحقيق الهدف الروسي بالحفاظ على الأسد ومنع هزيمته.
لقد كان صراع الدب الروسي مع العالم الإسلامي وشعوبه تاريخياً ممتد وطويل عبر القرون، ولا يرجع ذلك للأسباب العقدية والأيديولوجية فحسب، وإنما لأسباب تاريخية، فله سجل أسود حافل بشتى صور العداء والتدافع والصراع مع أمة الإسلام من خلال احتلال أراضي المسلمين وقتلهم وتهجيرهم والتنكيل بهم، ونهب ثرواتهم، والتحالف مع عدوهم، منذ عصر القياصرة مروراً بحقبة الاتحاد السوفيتي والإبادة الجماعية للمسلمين وتهجير الملايين إلى سيبيريا، ثم احتلال أفغانستان والخروج منها مدحورين على أيدي المجاهدين الأفغان، ثم عهد يلتسين والذي شهد أبشع حروب التطهير العرقي والإبادة الجماعية للمسلمين في الشيشان وداغستان، ثم عهد بوتين وميدفيدف ودعمهما لجزار أوزبكستان، وتنكيلهما بالمسلمين في موسكو وغيرها من المدن الروسية.
لقد نقلت لنا ذاكرة التاريخ ما واجهه العالم الإسلامي من ويلات الهجمات والغارات المتكررة من الاستعمار الصليبي الحاقد على مر التاريخ، لكن قد يغيب عن ذاكرة الكثير من المسلمين في العالم الإسلامي ما اقترفته روسيا في حق أمّة الإسلام، حيث يجهل الكثيرون أنّها أبادت ملايين المسلمين عبر تاريخها الدّموي، واستغلّت ثرواتهم قرونا طويلة، ولا تزال تستغل خيرات وموارد النفط والغاز في تركستان الكبرى وبلاد القفقاس، وتمنع تصرف المسلمين في مواردهم الطبيعية في آسيا الوسطى، وإذا عدنا إلى تاريخ القضية الفلسطينية نجد أن أوّل من أعطى وعدا بمنح اليهود أرض فلسطين هم الروس غداة انتصار الثورة البلشفيّة 1917م، وكانت روسيا أول دولة تعترف بدولة الكيان الصهيوني، ثمّ تنازلوا للإنجليز عن التمكين لليهود في فلسطين، أضف إلى ذلك أنّ قرابة اثنين مليون روسي يعيشون في الكيان الصهيوني المحتل ويُسَخِّرون خبرتهم العلمية والعسكرية في خدمة الكيان الصهيوني، وها هي روسيا في عهد مجرم الحرب بوتين تعاود الكَرَّة مجدداً بالهجوم على دول العالم الإسلامي بتدخلها عسكرياً في سورية لصالح مصالحها في المنطقة متحالفة مع الباغية إيران ونظام المجرم بشار الأسد، رغم تورطها في حربها على أوكرانيا.
من هذا المرور الموجز عن عداء روسيا للإسلام والمسلمين يتضح لنا مدى وحجم العداء العقدي والتاريخي، والدوافع التي تكمن وراء العداء المستمر لروسيا ضد العالم الإسلامي، والممتد منذ روسيا القيصرية حتى الآن، وبهذا نكون قد رسمنا صورة واضحة المعالم لطبيعة هذا الصراع ودوافعه وأبرز محطاته التاريخية لفهم مجريات الأحداث التي نشهد أحدث فصولها الدامية الآن في سورية.
وبحسب خبراء عسكريون يؤكدون أن نظام المجرم بشار الأسد المتهالك لا يملك في الوقت الراهن القوة العسكرية أو الموارد اللازمة لبسط سيطرته على محافظة إدلب كاملة لانشغال حليفها بوتين في عدوانه على أوكرانيا.
منذ ديسمبر / كانون الأول 2023م، نزح أكثر من نصف مليون شخص وفق الأمم المتحدة من إدلب وريفها جراء تصعيد قوات النظام عملياته بدعم روسي، وهذه المناطق واقعة تحت سيطرة فصائل الثورة السورية وتؤوي أكثر من أربعة ملايين شخص، في حين تمكن نظام دمشق بفضل الدعم الروسي والإيراني من التقدم والسيطرة على بلدات ومدن عدّة واقعة في ريف حلب وريف إدلب وريف حماة وريف اللاذقية.
وهذه المناطق مشمولة باتفاق أبرمته روسيا الداعمة لنظام الأسد، وتركيا الداعمة لفصائل الثورة السورية في سوتشي في سبتمبر / أيلول 2018م، ونَصَّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مواقع سيطرة قوات النظام وفصائل الثورة.
إن تصعيد قوات النظام المجرم في قصف إدلب ومحيطها يتم بموجب ’’ضوء أخضر‘‘ روسي لممارسة ضغوط كبيرة على تركيا، وإجبارها على تحمل المسؤولية في نزع سلاح بعض فصائل الثورة التي تتهمها بالتشدد، مقابل تعهد روسي بوقف الأعمال العدائية.
ويستشرس نظام دمشق في الوقت الراهن لاستعادة طريق ’’أم فايف‘‘ الاستراتيجية التي تربط محافظة حلب بدمشق، وتتفرع منها طريق ثانية تربط محافظة اللاذقية بإدلب.
ويعتقد عدد من المحللين السياسيين أن ’’كلفة المعارك‘‘ للسيطرة على المناطق الواقعة شمال هذه الطريق، وبينها مدينة إدلب، مركز المحافظة، وصولاً إلى الحدود التركية، هي أعلى من إمكانيات مجرم الحرب فلاديمير بوتين أو ذيله بشار الأسد تحمّله في هذه المرحلة، مع تمركز فصائل الثورة السورية بأعداد كافية فيه، تستطيع ردع النظام وحلفائه والصمود أمامها.
وبدت تركيا حازمة في تحذيرات وجّهتها إلى دمشق بعد تعرّض مواقعها في إدلب لقصف قوات النظام السوري، الذي أوقع 8 قتلى أتراك؛ بينهم 5 عسكريين، وطلب الرئيس رجب طيب أردوغان من نظام دمشق، سحب قواته من محيط نقاط المراقبة التركية في مورك والصرمان في جنوب المحافظة، وباتت هذه النقاط ضمن مناطق سيطرة النظام مع تقدم قوات هذا الأخير خلال الأشهر الماضية.
وتواصل أنقرة إرسال تعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة إدلب، وقد شاركت، في تأمين الإسناد المدفعي لفصائل الثورة السورية في اشتباكاتها مع قوات النظام كلما حاول التسلل إلى المناطق المحررة.
وتكتسب منطقة إدلب أهميتها من كونها المعقل الأخير لفصائل الثورة السورية، إذ إن نصف القاطنين فيها نازحون من محافظات أخرى، وضمنهم مقاتلون معارضون غادروا مناطقهم إثر اتفاقات إجلاء أعقبت هجمات واسعة لقوات النظام، ويبلغ عدد مقاتلي الفصائل المعارضة في إدلب نحو 30 ألفاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، و20 ألفاً من هيئة تحرير الشام.
وتخشى تركيا التي تستضيف حالياً أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، تدفق موجات جديدة من النازحين إلى أراضيها، فتغلق حالياً حدودها بإحكام.
المراجع
– الشرق الأوسط – 6/11/2023م.
– الحرة – 13/11/2023م.
– مركز أفق – 5/3/1016م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_رأس_الأفعى_بوتين_لم_يرتوِ_من_دماء_السوريين