مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_أحمد_كاسر_الحاجي_زوال_الاستبداد_وتأثيره_على_العقول_والنفوس_(ظاهرة_التَّكويع)
تتناول هذه المقالة زوال الاستبداد وتأثيره العميق على نفوس الشعوب، حيث لا يقتصر زوال المستبد على القضاء على الأنظمة القمعية فحسب، بل يمتد ليشمل تحرير العقول والقلوب من آثار الاستعباد. تشير الأفكار إلى أن المجتمعات التي عانت من الاستبداد تحتاج إلى عمليات تربوية مكثفة لتحرير نفسها، كما أن تاريخ الشعوب النضالية يظهر التناقضات التي قد تبرز عند محاولة التحرر. من خلال استعراض أمثلة تاريخية معاصرة، مثل الحالتين المصرية والسورية، يمكننا فهم كيفية تفاعل الأفراد مع التغيير والحرية، وكيف أن بعض الشعارات المناهضة للاستبداد قد تتناقض مع القيم الحقيقية للحرية والكرامة. في النهاية، تتطلب المرحلة الحالية من الشعوب المقهورة اتخاذ خطوات جدية نحو التغيير والمساهمة في بناء مجتمعات خالية من الاستبداد والظلم.
زوال الاستبداد ليس بزوال المستبد فقط
إن زوال الاستبداد لا ينتهي بزوال المستبد، بل يستمّر طويلاً في قلوب وعقول ونفوس العبيد، فضلاً عن ثقافتهم وشبكة علاقاتهم الاجتماعية، كما يُشير إلى ذلك، فرانز فانون عند حديثه عن احتلال العقول، ومالك بن نبي، في أثناء كلامه عن الأفكار القاتلة والأفكار الميتة. فلا بُدَّ لهذه الشعوب المستعبدة من عمليات تربوية مُكثّفة (تنقية وفلترة) تحرّر نفوسهم من قابلياتها للاستعباد، وعقولهم من قابليتها للاستحمار، وقلوبهم من قابليتها للهوان. فالعبيد قد يصومون عن الكلام دُهوراً طالما يرزحون تحت نَيْر الاستعباد، ولكنّهم حين يأتي من يُعْتِقَهُم يُظْهِرون له العِناد والعصيان!
مقاومة الشعوب للتحرّر والانقياد للمستبد
فها هُم بنوا إسرائيل الذين مَرَدُوا على الذلّة زمناً طويلاً، حينما جاءهم موسى عليه السلام، وخَلَّصهم من طُغيان فرعون وقادهم إلى شاطئ الأمان. لم يُظهروا له الطاعة ولم ينقادوا له أبداً كما كانوا مُنقادين لفرعون! بل كانوا يعترضون عليه في كلِّ شيءٍ، يجادلونه بغير عِلْم، بينما يتّبعون كلّ ناعق دون أيّ برهان!
فقد أَمَرَهُم نبيهم بالإيمان فقالوا: (لن نؤمن لك…) ونَدَبَهُم إلى الجهاد فقالوا: (لن ندخلها حتى يخرجوا منها…) ووَقَعُوا في التيه فقالوا: (لن نصبر على طعام واحد)! وحين غاب عنهم فترة قصيرة، عَبَدُو العجل بل (وأُشْرِبوا في قلوبهم العجل)!
مثال تطبيقي: الواقع المصري والسوري
أمثال هؤلاء في زماننا قد صبروا على حُسني مبارك ثلاثين سنة دون أن يَنْبِسوا ببنت شفة، ولما جاءهم رئيس نزيه مُنتخب، شرعوا بالتمرّد عليه وأخذوا يتصيّدون له الزلّات، ثم عادوا مرّة أخرى إلى خُنًوعَهم القديم حينما جاءهم مستبد آخر!
وفي سوريّة ظلّوا أكثر من خمسين سنة يلعقون الأحذية العسكرية، وجعلوا من أنفسهم أبواقاً ينعقون دفاعاً عن السفاح ويحرّضونه على مزيدٍ من البغي والظلم،
تناقضات الحرية والدين والقيم
تحرير المرأة
ولمّا جاءهم من خَلَّصَهم من ظُلمه وحرّرهم من بغيه، شرعوا منذ الساعات الأولى ينتقدونه ويثيرون حوله الشبهات، ثم راحوا يطالبون بالحريّة التي لم يعرفوا عنها شيئاً! عن أي حرية يتكلمون وهم أعداؤها؟! لعلهم يقصدون (حريّة التعرّي، والسُّكْرِ، والمُجون، والكبتاجون). إنهم يرفعون شعار تحرير المرأة، ونَسوا أنّ أكثر من عانى من العنصرية والطائفية زمن الأسد هي المرأة؛ (المرأة الأم والطالبة والوالدة والأسير والزوجة والداعية…) ولما تحرّرت سورية من طُغيان الأسد نجد أنّ المرأة كانت الأكثر فرحاً بزواله! إنهم يحاربون الحجاب والعفّة تحت شعار تحرير المرأة،
العلمانية
كما يحاربون كلَّ مظاهر التدين تحت شعار العلمانيّة، ألم يجرّبوا خلال فترات حُكْمَها الطويلة كلّ أنواع الظلم والقهر والفقر والتهميش؟ يطالبون بالعلمانية التي غيّبت ملايين الأحرار في أقبية التعذيب حيث المسالخ البشرية التي يندى له الجبين. يطالبون بالعلمانية التي تركتهم بلا راعٍ يزود، ولا مرعى يجود، ولا حظيرة تؤوي. شَرعوا بالهجوم على مُحرّرهم ومنقذهم، وما تزال الكثير من السجون السّريّة مجهولة المصير، والمقابر الجماعية لم تكتشف بعد! فهؤلاء وأضرابهم كعصافير الحصاد يزقزقون للحبّة ولا يزقزقون للروض، وينشغلون عن السماء بالأرض، عاشوا في القاع (أسفل سافلين) كلّ حياتهم وأناخوا رؤوسهم زمناً طويلاً دون أن يَشخصوا بأبصارهم نحو القمة، يمشون مُكبين على وجوههم أذلّة صاغرين. لم يعرفوا عن الحريّة إلا لفظها ولا عن الكرامة إلا رسمها! ليتهم ظلّوا ساكتين كما كانوا من قبل، وليتهم اكتفوا بالفرجة كما كانوا يتفرجون علينا ونحن نُسَامُ الخَسْفَ ونُقتّل ونُهجّر ونُمزّق في مهامه الأرض كلّ مُمزّقٍ!
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_أحمد_كاسر_الحاجي_زوال_الاستبداد_وتأثيره_على_العقول_والنفوس_(ظاهرة_التَّكويع)
العبيد ومعضلة التغيير الحضاري
فالعبيد المقهورون المغلوبون كما يَصِفهم ابن خلدون دائماً مولعون بتقليد الغالب ومحاكاته، فالشعارات التي كان يردّدها نظام البراميل متستراً بها طيلة فترة حُكْمِه (هي هي) التي يردّدونها اليوم! فهؤلاء على شاكلة زمانهم (قانون الشاكلة الحضارية)، إنّ هؤلاء وأضرابهم لو أمطرت السماء حريّة وعزّة وكرامة لدخلوا جحورهم مختبئين خشية أن يتحرّروا أو يتطهّروا من أرجاسهم!
دعوة للصمت والتغيير
أيها العبيد ألا فلتعودوا وتصمتوا وتعتذروا وحاولوا أن تتغيروا. و(كوّعوا) أو تظاهروا بـ (التكويع). فإن كان لديكم عُذراً أنّكم كنّتم مجبرين على مهاجمتنا، فاليوم لا عذر لكم فأنتم مسؤولون عن كلِّ كلمة تقولونها وعن كلّ حركة تحركونها لطالما سمحت لكم ثورة الحرية والكرامة أن تتظاهروا وتتكلموا! فالثورة التي بعثت الحريّة من قبرها، وأطلقت العقول من أسرها، وخلَّصت النفوس من ذلها، وأسقطت الأسديّة من عرشها – رغم كلّ الدعم الدولي التي حظيت به خلال نصف قرن – كفيلة بأن تسقطكم، وكما رحلت الأسدية إلى مزابل التاريخ إلى غير رجعة فالمصير نفسه ينتظركم، وإنّ بلاد الشام أرض مباركة طاهرة لا يعمّر فيها المفسدون طويلاً، والظالمون بكل أشكالهم وجنسياتهم وهوياتهم سوف يرحلون. وإنّ غداً لناظره قريب.
_________
أ.أحمد كاسر الحاجي: كاتب وباحث سوري.
تقدير الموقف هذا يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_أحمد_كاسر_الحاجي_زوال_الاستبداد_وتأثيره_على_العقول_والنفوس_(ظاهرة_التَّكويع)