الخميس, يناير 9, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالات سياسيةسورية بين طغيان نظام سادي وثورة شعب يتوق للحرية (5-24)

سورية بين طغيان نظام سادي وثورة شعب يتوق للحرية (5-24)

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(5-24)_الانقلابات_التي_عصفت_بالحياة_السياسية_وقلبت_ الأمور_وغيَّرت_الأحوال

الانقلابات التي عصفت بالحياة السياسية وقلبت الأمور وغيَّرت الأحوال

موضوع حلقتنا اليوم يدور حول الانقلابات، التي عصفت بالحياة السياسية السورية، وقلبت الأمور، وغيَّرت الأحوال، وذاقَ من علقم كأسها الشعب السوري، مرارةَ الظُلمِ والاستبداد، والقهرِ والإذلال، والتخلف والفقر، والفسادِ والإفساد.

لقد اتخذ الانقلابيون من الهزيمة العسكرية، التي لحقت بالجيوش العربية في فلسطين، أمام حفنة من اليهود الصهاينة عام 1948م، تكأة وسبباً لانقلاباتهم، التي زعموا أنهم قاموا بها من أجل تحرير فلسطين، ورد الكرامة للجيش السوري.

ولمَّا يمضِ على خروج المستعمر من بلادنا سوى ثلاث سنوات، وهذه السنوات الثلاث لم تكن كافية ليلتقط الوطنيون الذين تسلموا الحُكْم أنفاسهم، فقد ترك الفرنسيون سورية بلا أي مقوّمات للدولة أو أي بنية تحتية. وبالرغم من ذلك فقد بذل الوطنيون الذين تسلموا مقاليد الحُكْم عبر انتخابات ديمقراطية شفافة كل ما باستطاعتهم أن يفعلوه، وكان لا بُدَّ من مُضي عشر سنوات على الأقل لتظهر نتائج ما قاموا به وخططوا له من برامج تنمية وهيكلة للدولة لتأخذ مكانتها بين الدول المستقلة.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(5-24)_الانقلابات_التي_عصفت_بالحياة_السياسية_وقلبت_ الأمور_وغيَّرت_الأحوال

ونجد من الفائدة ذِكر هذه الانقلابات بِعُجالة، لما كان لها من تأثير وتداعيات على الدولة والمجتمع، وهي:

الانقلاب الأول – انقلاب الزعيم حسني الزعيم: وقع في فجر يوم الأربعاء، 30 آذار 1949م، وكان الانقلاب الأول في سورية. يقول خالد العظم في مذكراته: ’’لا بُدَ لي من القول، بأن الأسباب الحقيقية لقيام الانقلاب الأول، لم تكن كما يُظن، سوء الحالة في البلاد، ورغبة الشعب في التخلص من القائمين على الحُكْم. فأنا لا أنكر سوء الحالة، لكني لا أعتبره سبباً حقيقياً لوقوع الانقلاب، بل أعتبره من عوامل نجاحه‘‘.

’’أما الأسباب الحقيقية، فتنحصر في كونها حركة طائشة، قام بها رجل أحمق متهور، هو (حسني الزعيم) الذي أراد حماية نفسه من العزل، والإحالة على المحاكمة، بتهمة الاشتراك في صفقات مُريبة وخاسرة، تعاقدت عليها مصلحة التموين في الجيش، مع الملتزمين الذين قدموا بضاعة فاسدة، وقبضوا ثمناً مضاعفاً. إلا أنني لا أستبعد الدور، الذي قامت به بعض الدول الأجنبية‘‘. في إشارة إلى الولايات المتحدة، التي كانت وراء الانقلاب (تحدث ’’مايلز كوبلاند‘‘ في كتابه لعبة الأمم عن انقلاب حسني الزعيم فقال: ’’كان انقلاب حسني الزعيم من إعدادنا وتخطيطنا. فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة (الميجر ميد) بإنشاء علاقات صداقة منتظمة مع حسني الزعيم ومن خلال هذه الصداقة أوحى (الميجر ميد) لحسني الزعيم بفكرة القيام بانقلاب عسكري وضعت السفارة كامل خطته‘‘).(1)

وجاء في مذكرات رئيس الأركان الأردني (اللواء علي أبو نوار): ’’سورية ولبنان، أقدم جمهوريتين عربيتين في الوطن العربي، وقد أصابتا تقدماً علمياً وصناعياً واستقراراً، في أوضاعهما الاقتصادية، مع تخلّف في المناطق البعيدة قليلاً عن العواصم. والحُكْم فيهما ديمقراطي إلى أبعد ما تسمح به الخيارات الشعبية، وقدرة تنظيماتها السياسية على الاختيار.

إلا أن نفاذ المخابرات المركزية الأمريكية، في أول تجاربها في الشرق الأوسط، إلى حسني الزعيم ورهطه، أدخل السوريين في مرحلة العسكريين على الساحة السياسية القديمة والجديدة في خدمتهم، وظهور الديكتاتورية العسكرية، كبديل مقبول، بدلاً عن الديمقراطية البرلمانية‘‘.

وبدأ الزعيم بعد أن استقرت الأوضاع، يشيع جواً من القمع السياسي الرهيب، بفرض الرقابة على الصحف، وإلغاء أي نوع من أنواع التظاهر الشعبي. ظن الديكتاتور الأرعن، أن العناية الإلهية قد خصته بِحُكْم البلاد، فجعل من نفسه الحاكم الفرد، والمتسلط الأوحد، حتى صار من كان يؤيده وينصره بالأمس، قد تحول إلى خصمٍ لدود، يتربص به الفرصة السانحة، للإطاحة به. ولم تكن سياسته الداخلية والعربية أو الدولية، إلا سلسلة من الأخطاء، التي كانت تثير حَنَقُ الجميع، وتدفع بالتالي كافة القوى السياسية، إلى صفوف المعارضة. ثم إنه ما أقام من سلطات بوليسية وحُكْم فردي، وتعاونه مع شخصيات مكروهة في الأوساط الشعبية، ومشبوهة باتصالاتها الخارجية، قد أفقده تأييد القوى الوطنية والعسكرية، على حد سواء. حتى على صعيد الجيش، فإن التململ أخذ يظهر بوضوح، بعد أيام من انقلابه، إلى درجة بات فيها أكثر المتحمسين له، قد تخلوا عنه. وكانت النهاية المحتومة للطاغية حسني الزعيم، على يد رفاق الأمس، فقد توجه صباح الثالث عشر من آب 1949م، عدد من المصفحات، إلى دار حسني الزعيم، فدخلها الجند عنوةً، واقتادوه بقميص النوم إلى سجن المزة، حيث أُعْدِم مع رئيس وزرائه محسن البرازي.(2)

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(5-24)_الانقلابات_التي_عصفت_بالحياة_السياسية_وقلبت_ الأمور_وغيَّرت_الأحوال

الانقلاب الثاني – انقلاب سامي الحناوي 14 آب 1949م: لم يَطل العهد بالزعيم حسني الزعيم سوى شهور قليلة، فكان انقلاب سامي الحناوي، الذي باغته في بيته مع رئيس وزرائه محسن البرازي، ليُقتادا في عربة مدرعة، إلى سجن المزة، حيث أُجْرِيت لهما محاكمة سريعة، لم تستغرق إلا ساعة، لينالا (حُكْم الإعدام) الذي نُفِّذَ فيهما فوراً في السجن، رمياً بالرصاص.

لم يكن ما حدث مفاجئاً للأوساط الشعبية والسياسية، فالساسة خططوا له، والشعب بارك وهلَّل لكل خطوة، من شأنها إزالة هذا الكابوس، الذي جثم على صدر سورية العروبة، والحضارة، والزهو، والمدنية. وأذاع الانقلاب البيان الأول، الذي أعلن فيه عودة الجيش للثكنات، ويكون سامي الحناوي بذلك، أول قائد انقلاب عربي، يطيح بالعسكر، ويعود إلى الثكنات، ويسلم مقاليد الحكم للمدنيين.

البيان رقم (1) الذي صدر عن انقلاب سامي الحناوي:

(لقد قام جيشكم الباسل بالانقلاب، يوم الثلاثين من آذار الماضي، لينقذ البلاد من الحالة السيئة التي وصلت إليها، لكن زعيم ذلك الانقلاب، أخذ يتطاول هو وحاشيته على أموال الأمة، ويبذرها بالإثم والباطل، ويعبث بالقوانين وحريات الأفراد… ولهذا، وبعد الاعتماد على الله، عزم جيشكم، الذي لا يريد إلا الخير بالبلاد، أن يخلصها من الطاغية، الذي استبد هو ورجال حكومته، وقد أتم اللهُ للجيش ما أراد، فأنقذ شرف البلاد، وآلى على نفسه أن يُسَلِّمَ الأمر إلى الأحرار المخلصين، من رجالات سورية، وسيترك الجيش لزعماء البلاد أنفسهم، قيادة البلاد، وسيعود الجيش إلى ثكناته، وسيترك السياسة لرجالاتها).(3)

الانقلاب الثالث والرابع للشيشكلي – الأول في 19 كانون الأول 1949م، والثاني في 2 كانون الثاني 1951م:

لم يمضِ على انقلاب سامي الحناوي وتَسلّم المدنيين الحُكْم نحو خمسة أشهر، إلا وانقضّ العقيد أديب الشيشكلي على الحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطياً، مُطيحاً بالحناوي ومجموعته، فجر يوم التاسع عشر من كانون الأول 1949م، مُبقياً على المدنيين كواجهة للحُكْم، في حين كان هو من يدير شؤون الحُكْم من وراء الكواليس، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، إلى أن قام بانقلابه الثاني في الثاني من كانون الثاني 1951م.

لقد انصب اهتمام الشيشكلي، نحو ترسيخ جذور الديكتاتورية في البلاد، من خلال انقلابه الثاني، ومباشرة الحُكْم العسكري، والذي كان واجهته الزعيم فوزي السلو، بعد تعيينه رئيساً للدولة، وحقيقته العقيد أديب الشيشكلي رئيس الأركان، وقضى على كل معالم الحياة السياسية، فَحلَّ البرلمان، وألغى جميع الأحزاب السياسية، وأوقف الصحف، مبقياً على أربعة منها، ناصرته وأيدته وباركت انقلابه.

عُرِفَ عهد الانقلاب الثالث بعهد الحُكْم المزدوج (أديب الشيشكلي وهاشم الأتاسي)، ولمَّا كان الشيشكلي عضواً في مجلس العقداء، ومسيطراً عليه، فقد حلَّ هذا المجلس، وألّف بديلاً عنه مجلساً أسماه (المجلس العسكري الأعلى).

وبعد أن وضع دستوراً جديداً للبلاد، انتخب رئيساً للجمهورية، طبقاً لأحكام هذا الدستور، وهكذا مَهَّدَ لمرحلة فرض الديمقراطية، من خلال الديكتاتورية العسكرية. أما قيادة الأحزاب السياسية المعارضة، فقد ألّفت جبهة شعبية معارضة، تصدت لسياسة الشيشكلي عَبْرَ المظاهرات، ثم تنادى السياسيون من الأحزاب والهيئات، إلى عقد مؤتــمر في حِمـص، لعقد (ميثاق وطني)، قرر (الدعوة إلى الديمقراطية والحريات العامة، وشجب الحُكْم الفردي والنظام البوليسي)، ووجهوا إنذاراً إلى الشيشكلي، لإعادة الأوضاع الدستورية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وكان رد العقيد على الإنذار، باعتقال كل من وقع عليه، واعتقاله كبار الساسة السوريين، وشهدت البلاد حالة من الاضطراب، وعمَّت المظاهرات المدن السورية وهي تنادي بسقوط الديكتاتورية وإلغاء البرلمان، وعودة الحياة الدستورية إلى البلاد، فكانت التمهيد الشعبي لإسقاط الشيشكلي.(4)

الانقلاب الخامس – انقلاب تجمع القوى الوطنية 25 شباط 1954م: يمكننا أن نعتبر الانقلاب الخامس، نقطة تحوّل أساسية في تاريخ البلاد. لقد وضع البلاد وللمرة الأولى، بعد انقلاب عسكري على طريق الديمقراطية الدستورية. ولعل السبب في ذلك هو، أن الضباط الشباب الذين نفَّذوا الانقلاب، لم يكونوا مؤهلين للتشبث بالسلطة، من حيث الفكر والإمكانيات والرتب، فلم يكن أمامهم إلا الانسحاب إلى ثكناتهم، وتسليم السلطة لرجال السياسة المدنيين.(5)

المراجع

1-مذكرات العظم – ص (179-180). لعبة الأمم – مايلز كوبلاند – ص (49) وما بعدها.

2-العظم – نفس المصدر- ص (89). مصطفى دندشلي – حزب البعث العربي الاشتراكي – ص (133).

3-غالب العياشي – الإيضاحات السياسية ص (595).

4-العياشي – نفس المصدر – ص (610).

5-مذكرات العظم – ص (28)، وباتريك سيل – الصراع على سورية – ص (159).

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(5-24)_الانقلابات_التي_عصفت_بالحياة_السياسية_وقلبت_ الأمور_وغيَّرت_الأحوال

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات