السبت, فبراير 22, 2025
spot_img
الرئيسيةUncategorizedشهود عيان عاشوا مجزرة حماة المُرْعِبَة (2-2)

شهود عيان عاشوا مجزرة حماة المُرْعِبَة (2-2)

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_تاريخية_محمد_فاروق_الإمام_شهود_عيان_عاشوا_مجزرة_حماة_المُرْعِبَة_(2-2)

تعتبر مجزرة حماة عام 1982 واحدة من أكثر الفصول دموية في تاريخ سورية الحديث، حيث شهدت المدينة مآسي إنسانية لا تُنسى. استمرت المأساة 27 يوماً، إذ تم استخدام القوة المفرطة لقمع السكان، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف. تتجلى في الذكريات المروعة لشهادات الضحايا والمعتقلين، التي توثق الفظائع التي ارتكبت. هذه الأحداث لا تعكس فقط وحشية النظام، بل تبرز أيضاً شجاعة الناس في مواجهة القمع. إن حماة، التي كانت يوماً ما مدينة هادئة، تحولت إلى رمز للمقاومة ضد الظلم. لا يزال صدى تلك المجزرة يتردد في الأذهان، مما يستدعي أهمية توثيق هذه التجارب المروعة. إن مجزرة حماة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي جزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للشعب السوري.

شهود مجزرة حماة: مأساة العصر

تُفيد إحدى العاملات في المشفى الوطني بأنها التقت بامرأة حديثة الولادة أخبرتهم أنَّ ‏عناصر الأمن حين داهموا منزلها أخذوا طفلها الوليد حديثاً وأمسكوه من بين رجليه ثم ‏شدوه بقوة وقتلوه عن طريق تمزيق أعضائه جَرَّاء الشد، إضافة إلى أنها تحدثت عن ‏بَقْرِ بطون الحوامل وحالات اغتصاب للفتيات والنساء وحتى العجائز، وفق ما ورد في شهادتها.

42 عاماً مرت على مجزرة حماة، والتي وصفها كتاب صدر بعد حصولها لتوثيقها من المعارضة السورية بعنوانه الذي يحمله: ’’حماة مأساة العصر‘‘. أعادت الصور التي وردت من حماة بعد المذبحة، والتي بدأت في 2 شباط / فبراير 1982م واستمرت حتى نهاية الشهر نفسه، أعادت صور تاريخية عن هولاكو والمغول من بُطونِ الكتب إلى واقع معاش عاشته حماة، المدينة الوادعة والتي تقع في وسط سورية وبتعداد سكاني في حينها يصل إلى 750000 نسمة، ويمر فيها نهر العاصي الشهير ليقسمها إلى نصفين: الحاضر والسوق.

وعلى امتداد نهر العاصي الجميل تنتشر نواعير حماة، والتي اشتهرت بها المدينة وكانت تستخدم لسقي المزارع والبساتين، كما كانت مزاراً لأهل المدينة في مواقعها المختلفة والممتدة عَبْرَ حماة، ليتعلق بها الشبان والرجال فيصعدون إلى أعلاها ثم يقفزون في النهر بمهارة وجرأة اشتهروا بها. كانت حماة مدينة محافظة، عُرِفَ عن نسائها الحشمة والحياء، وعن رجالها التدين والكرم والشجاعة والجرأة وأحيانا الاندفاع.

الشهادات والاعتقالات

وتروي أنها رأت بعينيها حين خرج طبيبان من المستشفى لمحاورة الرئيس حافظ الأسد، ‏وكان من الوفد طبيب العظام عبد القادر قندقجي وطبيب العيون عُمر الشيشكلي، ‏فأعادوهما مقتولين، طبيب العظام كسروا عظامه كلها وقتلوه، وطبيب العيون قتل ‏برصاصتين في عينيه.‏

كما ذكرت أن عناصر الأمن في حي الأميرية أخرجوا الشباب من البيوت، وطلبوا منهم ‏الاستلقاء على الأرض ثم جعلوا الدبابة تسير فوقهم.‏

ويذكر عضو مجلس الشعب ومحافظ حماة سابقا أسعد مصطفى أن مقاومة واشتباكاً ‏عنيفاً كانا في حي الحميدية قُرب المستشفى الوطني القديم، ولم يستطع الجيش اجتياح ‏المكان، فطلبوا مساعدة من سرايا الدفاع، فأرسل رفعت الأسد فوجاً بقيادة علي ديب، ‏طلب منهم التدخل فسألوا عن مكان المشفى، فذهبوا إلى المشفى الجديد وليس القديم، ‏وهي منطقة لم تشترك بالأحداث ولم يحدث فيها مواجهات، وفق شهادته، واجتاحوا ‏الحي وقتلوا كل من فيه.‏

في حين يؤكد شهود عيان آخرون أن سبب الذهاب إلى منطقة المستشفى الجديد هو ‏سياسة الجيش السوري بالانتقام من الأهالي ومنع حدوث مقاومة في أحياء أخرى.‏

ويذكر شهود عيان أنه في الأسبوع الأخير من المجزرة قبل آخر جمعة في ذلك ‏الشهر، حدث تقليل لعدد الحواجز في المدينة، وسمح بالحركة البسيطة بين الأحياء، ‏فبدأ الناس بتفقد بعضهم، وبعد عدة أيام وتحديدا يوم جمعة حدث تفتيش ومداهمة ‏كبيرين لبعض الأحياء، وتم اعتقال كل الشباب والرجال واقتيادهم إلى مكان مجهول، ‏وعلى رأسهم مفتي المدينة وابنه وجميع أئمة المساجد. ‏ويذكر بعض الشهود أن أعداد من اعتقلوا يومها تتراوح بين 5 آلاف و7 آلاف.‏

الأرقام والنتائج

أما محافظ حماة السابق أسعد مصطفى فأكد وقوع الحادثة، ويسميها ’’حادثة يوم ‏الجمعة‘‘، إلا أنه يوضح أن عدد من اعتقلوا بلغ 10 آلاف و500 رجل من عمر 15 ‏عاما وحتى 50 عاما، ولم يعرف شيء عنهم منذ ذلك الحين، وتفيد روايات بعض ‏الناجين بأن الاعتقالات طالت أطفالا تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، كما طالت ‏شيوخا تفوق أعمارهم 60 و70 عاماً.‏

ويروي شاهد عيان أن عناصر الأمن جمعت قرابة 30 مدنيا، ووضعوهم في محلات ‏في أحد أسواق المدينة، ثم أحرقت المحلات بمن فيها، ومن بينهم الشيخ عبد الله ‏حلاق أحد مشايخ المدينة وأحد مُدرسي المدرسة الشرعية الثانوية للبنين.‏

ويروي شهود عيان أنه لم يسمح للنساء والأطفال الذين أرادوا الخروج من المدينة بذلك، ‏وظلوا ينتظرون على الحواجز، وفي الليل كانت الفتيات تتعرضن للاختطاف والاغتصاب.‏

ما بعد المجزرة

وتذكر هِبَة دباغ – إحدى المعتقلات سابقا في كتابها ’’خمس دقائق وحسب.. تسع ‏سنوات في سجون سورية‘‘- أن جميع أفراد عائلتها أُعدموا رميا بالرصاص في منزلهم ‏بما في ذلك إخوتها الأطفال.‏

وتؤكد شهادات مشابهة من ناجين من المجزرة حوادث القتل الجماعي، وقتل عائلات ‏في منازلها، واعتقالاً عشوائيا، والاعتقال على الاسم، ومجازر ارتكبت بطرق مختلفة، ‏كما أكدت شهادات حالات القتل والذبح بالسلاح الأبيض وتقطيع الأعضاء والتنكيل ‏بالجرحى، إضافة إلى حالات الاغتصاب والاعتداءات المختلفة.‏

نتائج المجزرة

خلّفت مجزرة حماة، التي استمرت 27 يوما، نحو 30 إلى 40 ألف قتيل مدني، وبين ‏التقرير أن الدمار طال المدينة بنسب مختلفة، فدمرت أحياء الكيلانية والعصيدة ‏الشمالية والزنبقي وبين الحيرين بشكل كامل وسويت بالأرض، في حين دمرت أحياء ‏البارودية والباشورية والحميدية والأميرية والمناخ بنسبة 80%، ويراوح الدمار في باقي ‏أجزاء المدينة بين ربعها إلى نصفها.‏

ودمر 79 مسجدا بشكل كلي أو جزئي نتيجة القصف والتفجير، كما دمرت 3 كنائس ‏على نحو كلي أو جزئي، و40 عيادة طبية، ومناطق تاريخية وأثرية من المدينة، وفق ‏ما جاء في التقرير.‏

ويعود السبب في عدم القدرة على التثبت من الأرقام إلى غياب التغطية الإعلامية، ‏وهيمنة الجيش السوري على السلطات الثلاث، وطول الفترة الزمنية من حدوث المجزرة ‏إلى محاولات التوثيق.‏

في حين يؤكد شهود عيان أن سبب الصمت وعدم الكتابة هو الخوف من أن يطال ‏الأذى أقرباء من تركوا المدينة أو من عاشوا المجزرة ثم هربوا منها، إذ إن قوات الأسد ‏كانت تعاقب عوائل كاملة بسبب فرد من أفرادها، ولا تُفَرّق بين امرأة ورجل في القتل والاعتقال.‏

الخوف ما بعد المجزرة

سيطر الخوف والرعب على أهالي المدينة، لاسِيَّمَا في الأشهر الأولى بعد المجزرة، إذ ‏كان الجميع يتوقع استدعاءه لأحد أقسام الشرطة أو مداهمة منزله واعتقاله في أي  لحظة.‏

زرع الجيش السوري أعدادا كبيرة من الموالين له في المدينة عن طريق تسكينهم في ‏البيوت التي غادرها أصحابها، فكان دور الموالين له نقل أخبار الأحياء التي يقطنون ‏بها، والإبلاغ عن أي أمر يشكّون فيه.‏

بقيت كثير من قصص المدينة طي الكتمان نتيجة الخوف والمشاهد التي عاشها الناس ‏في المجزرة، وكشف جزء مما حدث بعد الثورة السورية، إذ بدأ بعض الناجين الحديث ‏عما جرى من دون خوف.‏

أنكر رفعت الأسد دوره في مجزرة حماة، وقال في مؤتمر أُقيم في باريس في شهر ‏نوفمبر / تشرين الثاني 2011م إنه لم يذهب إلى حماة ولا يعرفها، وحين سئل عن مجزرة ‏تدمر أفاد بأن الرئيس أصدر مرسوما بعد محاولة اغتياله بإعدام كل من ينتمي ‏لجماعة الإخوان المسلمين.‏

ويتنافى هذا مع ترتيب الأحداث، إذ إن محاولة اغتيال حافظ الأسد حدثت يوم 26 ‏يونيو / حزيران 1980م، ومجزرة تدمر حدثت يوم 27 يونيو / حزيران 1980م، والمرسوم ‏التشريعي الذي حظرت فيه جماعة الإخوان المسلمين في سورية صدر يوم 7 ‏يوليو / تموز 1980م.‏

المراجع

‏- ياسمين آذار المخضب بالدم‏.

‏- ليل آذار الطويل‏.

‏- الجزيرة – 5/2/2024م.

‏ ‏

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_تاريخية_محمد_فاروق_الإمام_شهود_عيان_عاشوا_مجزرة_حماة_المُرْعِبَة_(2-2)

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات