مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_طريق_إيران_إلى_الأقصى_عَبْرَ_شمال_العراق_وشمال_سورية
لم نَنغش بادعاءات إيران ونفاقها المفضوح منذ نزول المعمم خميني سُلّم الطائرة الفرنسية التي أقلّته إلى طهران، فشكله وهيأته وأسلوب حديثه يفضح ما تجيش به نفسه الأمَّارة بالسوء بالحقد والضغينة والافتراء والنفاق، فأي باحث متخصص يُدرك أن هذا المعمم وجوقته من ملالي إيران لم يقدموا أي شيء يُذكر للقضية الفلسطينية، منذ وصولهم إلى السُلّطة عقب الثورة الإيرانية في العام 1979م، ولكن اتخذوها مَطِيَّة لتلميع صورتهم لدى الشعوب العربية والإسلامية، ومحاولة ترويج أنفسهم باعتبارهم مدافعين عن القضايا الإسلامية، ويكفيهم عاراً أنهم هم من مَهّدُوا طريق أمريكا لاحتلال أفغانستان والعراق كما زعموا عَبْرَ تصريحات كُبرائهم.
صحيح أن القضية الفلسطينية تندرج ضمن بؤر اهتمام ملالي إيران، بمختلف درجات تشددهم، ليس من زاوية الدفاع الحقيقي عن الشعب الفلسطيني، أو السعي لتسوية قضيته، ولكن من خلال توظيفها ضمن الأدوات الترويجية لنظام ملالي إيران، والادعاء الكاذب بأن طهران تقود ما يعرف بـ ’’محور المقاومة‘‘ الذي يضم إلى جانبها سفاح دمشق بشار الأسد، ومنافق الضاحية الجنوبية في لبنان حسن نصر اللَّات، وعبد الملك الحوثي دجال اليمن، وميليشيات الحشد الشعبي الباغية في العراق، في حين أن الحقيقة كاشفة؛ فلا طهران تقود محور المقاومة، ولا هي تحمّلت يوماً عبء الدفاع عن الشعب الفلسطيني، سلماً أو حربا.
قد يجادل البعض بالقول إن الملالي يُقَدِّمُون مبالغ مالية طائلة لبعض التنظيمات الفلسطينية، وهذا صحيح ولا يُنكره أحد، أضف إلى ذلك أن المبالغ المالية الإيرانية ليست سوى مخصصات من أموال الشعب الإيراني للإنفاق على الدعاية للنظام لتحقيق الهدف الأبعد والأشمل، الذي يهدف إلى قتل المسلمين السُنّة وتهجيرهم من أرضهم وبلدانهم، كما حدث ويحدث في العراق وسورية واليمن، والعبث بكتاب الله وتحريفه، والطعن بالصحابة وأمّهات المؤمنين.
ويدرك الكثيرون في منطقتنا أن الساحة تعج بتجار القضايا والحروب وسماسرة الصراعات، الذين لعبوا أدواراً بائسة في تدمير العديد من دول المنطقة، وفي مقدمتها سورية والعراق واليمن وليبيا، فادعاء البطولة وتجارة التنظيمات تحولت إلى تجارة رائجة في منطقة تقع في قلب المؤامرات الغربية، التي تخطط لإعادة هندستها.
وتحاول إيران الرافضية استغلال ما قامت به بعض الأنظمة العربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، في حين أن قنوات الاتصال بين ملالي إيران والكيان الصهيوني لم تُغلق يوما، والعلاقات السّرِيَّة القائمة بين ملالي إيران والكيان الصهيوني مُتَشَعِبَة، لا سِيَّما في المجال العسكري ومبيعات الأسلحة، والأمر ليس سرا في مجمله، فهناك الكثير من المعلومات الدقيقة التي تسربت حول التعاون الإيراني – الصهيوني في صفقات التسلح، وهي معلومات منشورة على الإنترنت وليست بحاجة إلى جهد كبير للوصول إليها.
وهناك أيضا تبادلات تجارية تتم بين إيران والكيان الصهيوني عبر وسطاء، وسبق أن تحدثت صحف صهيونية معروفة عن استثمارات للكيان الصهيوني ضخمة في إيران، وتعاون كبير في مجال النفط وعلاقات تربط بين حاخامات اليهود الإيرانيين وقادة الحرس الثوري الإيراني، الأكثر تشددا من الناحية الظاهرية في ما يتعلق بملف القضية الفلسطينية، بل إن المفارقة أن يهود إيران يتمتعون بِحُرِيَّة دينية تفوق بمراحل المسلمين السُنّة في إيران، وهذه إحدى مفارقات نظام الملالي، الذي يتشدق بشعارات لا وجود لها في الواقع، ويكفي ما يعانيه المسلمون السُنّة في المدن الإيرانية عند محاولتهم الصلاة في مساجدهم، فالعاصمة طهران التي يسكنها مليون ونصف مليون مسلم سُنّي؛ لا يوجد لهم مسجد واحد لِيُقيموا صلاتهم فيه، والأدهى من ذلك أن الملالي الأكثر تشددا بالنسبة للكيان الصهيوني مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، هم الأكثر اتصالا وتواصلا مع حاخامات يهود إيران؛ باعتبارهم قناة الوصل المباشرة مع دولة الاحتلال.
في الغرب يدركون تماما أن المشتركات بين إيران والدولة العبرية أكثر من أن تُحْصَى وتُعَدّ، وأن شعارات العداء الإيرانية ليست سوى تجارة سياسية تصب في مصلحة إيران والكيان الصهيوني معا، فالملالي يتاجرون بهذه الشعارات إقليميا لكسب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية، وهذا أمر على هوى الغرب أيضا، فهو لا يريد غطاءً عربياً للقضية الفلسطينية، أو على الأقل يريد تنازعا على أحقية رعاية القضية بين العرب وإيران.
أما دولة الاحتلال الصهيوني فهي الأكثر ربحا من هذه الادعاءات الإيرانية الخاوية، حيث توظفها في الترويج لفكرة الخطر الذي يهددها، وتحصل على المليارات من الدولارات سواء في شكل مساعدات مادية مباشرة، أو في شكل دعم عسكري بأحدث الأسلحة والتقنيات والعتاد، فالتهديدات الإيرانية كافية لتمرير منح الدولة العِبْرِيَّة أي مساعدات عسكرية متقدمة، وإقناع البرلمانات والرأي العام الأوروبي والأمريكي بأحقية الكيان الصهيوني في حماية نفسه في مواجهة تهديدات إيران.
أما التنظيمات المحروقة مثل حزب اللَّات اللبناني، وكتائب الحشد الشعبي في العراق، ونظام مجرم الحرب بشار الأسد في سورية، والحوثيون في اليمن، فهي أوراق إيران الرافضية لابتزاز الغرب والحصول على مكانة إقليمية، والمساومة على تمرير مشروعها التوسعي، فمن دون نفوذ قوي في دول ومناطق حيوية مثل لبنان واليمن وسورية والعراق وغيرها؛ لم تكن إيران تستطيع أن تنتزع الاتفاق حول برنامجها النووي مع القوى الكبرى، فمن المعروف أن هذه التنظيمات هي، في النهاية، أوراق تفاوضية مهمة بِحُكْمِ سيطرة إيران عليها ومقدرتها على التحكم في قراراتها، وتوجيه خطرها صوب من تشاء؛ وإسكاتها وقت ما تريد؛ وتحريكها وقت ما ترغب، والزعامات التلفزيونية التي تُرَوِّجُ لإيران ’’البضاعة‘‘ التي تريدها وقت الطلب، سواء من خلال تصريحات دعائية ضد هذا أو ذاك، أو من خلال عمليات يدفع ثمنها الكثير من الضحايا والواهمين الذين يعتقدون أنهم يشاركون في أعمال بطولية ويدافعون عن قضايا حقيقية.
هل يتصور أحد أن إيران يمكن أنْ تُكِنُّ وداً للعرب، وهي التي تريد حتى الآن الانتقام من القادسيتين الأولى والثانية، وهل يعتقد أحد أن مشروع إيران النووي موجه ضد الدولة العِبْرِيَّة، الحقيقة أنَّ القدرات النووية الإيرانية كانت تستهدف تصدير الرعب إقليميا لجوارها العربي وتخويف أنظمتها، فلم تُطلق إيران طلقة واحدة ضد الكيان الصهيوني، وإذا ادعت بإطلاقها فيكون الهدف شمال العراق أو شمال سورية، تحت يافطة ادعائها أنها تضرب مراكز تجسسية للعدو الصهيوني، والضحية دائماً المدنيين في شمال العراق وشمال سورية، رغم أن عناصر حرسها الثوري باتت تتمركز في سورية على حدود هذا الكيان الغاصب، وتتلقى من هذا الكيان الغاصب يومياً الضربات في هذه الأماكن، وترد إيران بضرب المدنيين في شمال سورية وشمال العراق.
وما تقوم به إيران وحرسها الثوري اليوم هو شق الطريق إلى القدس، عبر شمال سورية وشمال العراق، كما فعل صبيها حسن نصر اللَّات في مسيرته إلى الأقصى، عبر القلمون وحمص وحماة وحلب ودير الزور لنحو 12 سنة، ولا يزال يفعل ذلك، رغم تمثيليته الباهتة والمكشوفة في مواجهة العدو الصهيوني في جنوب لبنان للتخفيف عن أهلنا في غَزَّةَ الجريحة.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_طريق_إيران_إلى_الأقصى_عَبْرَ_شمال_العراق_وشمال_سورية