الخميس, يناير 9, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالات سياسيةطفح الكيل فما هي الخَيارات التي يملكها الأردن؟!

طفح الكيل فما هي الخَيارات التي يملكها الأردن؟!

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_طفح_الكيل_فما_هي_الخَيارات_التي_يملكها_الأردن

حَذَّرَ الملك الأردني من إمكانية تطور قواعد الاشتباك على الحدود الشمالية إلى مواجهة شاملة بالقول: ’’سنحمي بلدنا من أي تهديدات مستقبلية تَمسُّ أمننا الوطني جَرَّاءَ الأزمة السورية‘‘، كما تطرّق إلى احتجاجات السويداء السورية ضد الوضع الاقتصادي المتردي هناك، مشيرا إلى أنها ’’قد تؤدي إلى تدفق جديد للاجئين السوريين إلى الأردن‘‘.

ويُرجع مراقبون تنامي المخاوف الأردنية إلى ’’استخدام المهربين لأساليب جديدة ومتطورة لم تكن مستخدمة من قَبْل، كالبالونات الطائرة على اختلاف أحجامها، والتي تحمل في جوفها كميات متنوعة من المواد المخدرة، إضافة إلى الطائرات المُسَيَّرَة القادمة من الجنوب السوري‘‘.

وتتفاقم مخاطر الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطق في الجنوب السوري مع تنامي عمليات التهريب والتسلل، رافق ذلك ما وصفته مصادر رسمية أردنية بـ ’’الغياب شبه الكامل لقوات النظام السوري ضمن المناطق الحدودية على الجانب السوري‘‘، وهذا الذي جعل العلاقات بين عَمَّان ودمشق مضطربة منذ عقودٍ طويلة، وما يحدث حاليا على الحدود الأردنية – السورية هو عمليا بمثابة حرب حقيقية تقوم على تهريب الأسلحة والمخدرات والإرهابيين عبر الحدود الأردنية مع سورية، وليس أمام عَمَّان سوى الدفاع عن النفس، بالإضافة إلى أن الحراك الدبلوماسي – الذي انتهجه الأردن – لم يُحدث ذلك الاختراق المطلوب‘‘.

لسان حال الموقف الرسمي الأردني يتهم النظام السوري المجرم وكأنه يريد أن يقول: إنَّ ’’الأسد يتذاكى علينا‘‘، وقد قالها الصفدي وزير الخارجية الأردني، قالها صراحة وبصيغ وقوالب غير دبلوماسية: ’’لقد طفح الكيل في الأردن، ولم يَعُدْ ممكنا تزويق أفعال نظام الأسد، فَعَلَ الأردن ذلك في مرحلة سابقة على أمل دفع نظام الأسد إلى تغيير سلوكه الضارّ بالأردن، أمنيا واجتماعيا واقتصاديا، إلى درجة بات الأردن رأس حربة مشروع تأهيل الأسد عربيا، وتخفيف حدّة العقوبات الاقتصادية‘‘.

وقد واجه الملك عبد الله الثاني الإدارة الأمريكية، وقال للرئيس بايدن شخصيا إنَّ ’’الأردن يتحرّك بواقعية، ولا بُدَّ من تغيير المقاربات السابقة التي لم تُنتج أي تَقَدُّم على صعيد حل الأزمة السورية، ولا على صعيد درء المخاطر التي ينتهجها نظام الأسد على دول الجوار‘‘، لكن يبدو أن سياسة ’’القفّازات الناعمة‘‘ التي حاول الأردن اتّباعها لم تُثمر نتائج موازية على أرض الواقع.

المفارقة أن نظام المجرم بشار الأسد الذي استفاد من الدور الأردني الذي ساهم في إقناع الأطراف العربية المتردّدة في قبول التطبيع معه يحاول تجاهل طلبات الأردن، والقفز على الدور الأردني، وترتيب علاقاته مع تلك الدول، بل ذهب وزير خارجيته فيصل المقداد، أبعد من ذلك، في اجتماعات لجنة الاتصال العربية في القاهرة، في التحريض على الأردن، واتهامه المملكة بأنها تضغط على نظام الأسد لإجباره على التسليم بشروط الخارج، كما اتهم المقداد أيضا مصر في إشاعة هذه المناخات المُعادية لنظامه.

لقد أدرك الأردن، بعد جولاتٍ مُعَقَّدَة من التفاوض مع نظام الأسد، أن هذا النظام لا يرغب بالتفاعل الإيجابي مع كل القضايا المطروحة للنقاش مع عمّان، وهي قضايا ليست تفصيلية للأردن، بقدر ما هي في صلب الأمن الأردني، إلى درجة أن استمرارها بدون حلول تشكل مخاطر وجودية على الأردن، مثل قضايا المخدّرات والمياه واللاجئين.

وبات الأردن بسببها على بُعْدِ خطوات قليلة من حصول أزمات داخلية، فكل قضية من هذه القضايا قابلة لتفجير الأوضاع في البلد، الذي يقف على تخوم ساحات متفجّرة من فلسطين إلى العراق فسورية.

ويبدو أن نظام المجرم بشار الأسد يخطّط لحرب طويلة في إطار سياسته عِقًاب الأردن والدول العربية التي يتّهمها بالوقوف ضده في الأعوام السابقة.

لقد دقّت صحافة الأردن ناقوس الخطر، عبر رسائل غير مشفّرة مرسلة إلى نظام الأسد مباشرة، محاولة إيصال حجم الانزعاج الرسمي الأردني من سلوك نظام الأسد وإفهامه أن الكيل طفح، وعليه عدم المراهنة على استمرار قدرة عَمَّان على التحمّل فوق طاقتها، ودعت إلى عسكرة الملف السوري، وإخراجه من يد السياسيين، في مؤشّر على أن نظام المجرم بشار الأسد لا يعطي أهمية للدبلوماسية، بدليل زيارات الصفدي الخائبة إلى دمشق من حيث النتائج، الأمر الذي يوجِب تغيير المقاربة وأدوات التعاطي بما يتناسب والتحدّي الذي يفرضه نظام الأسد على الأردن.

لقد اكتشف الأردن أن حرب نظام الأسد ضدّه تأخذ طابعا منهجيا تصعيديا، إذ وبعد أن عَدَّلَ الأردن قواعد الاشتباك، عبر التعامل مع مهربي المخدّرات بالنار، عمل نظام الأسد، في المقابل، على تطوير أدوات حربه باستخدام الطائرات المُسَيَّرَة لتهريب المخدرات في البداية، ثم الأسلحة والمتفجّرات، ما يعني وجود خطة لضرب الأمن والاستقرار في الأردن عبر أكثر من محور، ومن خلال دمج التهديدات الاجتماعية بالتهديدات الأمنية.

ويبدو أن لعبة الطائرات المُسَيَّرَة التي تزوده بها إيران ليست حدثا عرضيا كما يمكن تصوّرها، ذلك أن النوع الذي يستخدمه النظام، ووفق خبراء عسكريين، لا يمكن أن تراه الرادارات ليلا، لأن بصمته صغيرة جدا، ثم أنَّ حدودا طولها أكثر من 370 كيلومترا سيكون من الصعب على الأردن ضبطها، وقد يحتاج إلى جيوش رديفة من دول الإقليم والحلفاء للسيطرة عليها، أو أن يستنفد قوّة جيشه في استنفار لا يوجد أفق لنهايته، ذلك أن نظام الأسد يبدو أنه يخطّط لحرب طويلة في إطار سياسته عقاب الأردن والدول العربية التي يتّهمها بالوقوف ضده في الأعوام السابقة، ومن غير المنطقي أن يبقى الأردن تحت رحمة ما تجود به مخيّلة طرفٍ صار مُحترفاً الإجرام والتخريب والقتل وصناعة وتهريب الكبتاغون والمخدرات بكل أنواعها.

وهذا الحال الذي جعل الأردن في موقف صعب لا يُحسد عليه، ولم يَعُدْ أمامه الكثير من الخيارات لدرء الخطر عن بلاده في مواجهة نظام الأسد المجرم؛ الذي لم تنفع معه جميع الطرق الدبلوماسية التي ارتكزت على قاعدة إغرائه بالانفتاح لدفعه إلى تغيير سياساته والانخراط الإيجابي مع المحيط العربي.

ومن الواضح أن الأردن بات يملك خلال هذه الفترة بنك أهداف في سورية، سواء لمواقع مصانع الكبتاغون أو التجار والقائمين على هذه التجارة، وحتى أماكن انطلاق الطائرات المُسَيَّرَة.

وفي المرحلة المقبلة، سيعمد إلى التصرّف بنفسه داخل سورية، على قاعدة أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، إذ إن سياسة القبض على تجّار المخدرات وإسقاط الطائرات المُسَيَّرَة داخل الأردن، وإن حقّقت بعض النجاح، إلا أن نظام الأسد استطاع تجاوزها عبر تطوير أدواته، ومن غير المنطقي أن يبقى الأردن تحت رحمة ما تجود به مخيّلة طرفٍ صار محترفا بالإجرام والتخريب.

أخيراً:

 قد يجد الأردن نفسه مضطرّا إلى خيار سبق وأن رفضه، وهو خيار المنطقة العازلة، وقد تكون بمساعدة إقليمية ودولية، خصوصا بعد تَغير المعطيات، نتيجة ثورة السويداء وعودة اشتعال مناطق الجنوب، وهو ما يوفّر للأردن بيئة مناسبة للتقدّم بطرح فكرة المنطقة العازلة والحصول على تأييد خارجي، خصوصا وأنه ينطوي على حماية مكوّنات سورية من خطر الإبادة، وحينها سيكون الأسد الذي تفاخر بأن سرّ بقائه في أنه لم يقع في ’’الفخاخ التي صنعها له الغرب‘‘، في مقابلته مع ’’سكاي نيوز عربية‘‘ قد صنع فخّه بنفسه!

ثمّة تمهيد أردني واضح لتغيير المقاربة والأدوات في التعاطي مع النظام السوري، إذ لا نظام الأسد يريد أن يَتَعَقَّل ويكفّ يد الأذى عن جارته، ولا الأردن قادرٌ على الاستمرار في لعبة خطرة باتت تتطوّر بسرعة، وتضعه في قلب الاستنزاف وعلى شفا انهيار على مستويات عديدة.

المراجع

– العربي الجديد – 7/9/2023م. 

– الجزيرة – 26/9/2023م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_طفح_الكيل_فما_هي_الخَيارات_التي_يملكها_الأردن

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات