الأربعاء, يناير 8, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسيقطار التغيير الجامح فَرَضَ على محور الشّر الإيراني تغيير مواقفه

قطار التغيير الجامح فَرَضَ على محور الشّر الإيراني تغيير مواقفه

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_قطار_التغيير_الجامح_فَرَضَ_على_محور_الشّر_الإيراني_تغيير_مواقفه

فصائل الثورة التي أسقطت النظام الفاشي في سورية أحدثت زلزالاً ذا أبعاد عميقة، ما زالت تفاعلاته تتوالى وتتكشف تباعاً. فسورية التي قَبَعَتْ ضمن دوائر النفوذ الإيراني والروسي خلال العقد الأخير تحديداً شهدت انسحاباً كاملاً للقوات التابعة لطهران، فيما بدأت موسكو بنقل جُلَّ عتادها العسكري من الأراضي السورية إلى خارجها، بينما أصبحت تركيا الحليف الأبرز للقوى الثورية السورية في تماسٍ مباشر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي عمل على قضم المزيد من الأراضي جنوب سورية، فضلاً عن تدميره ما تبقى في معسكرات جيش الأسد من طائرات وصواريخ ومخازن أسلحة وأنظمة دفاع جوي وأسلحة ثقيلة.

فما كان احتمالاً مُستبعدا وافتراضاً خيالياً قبل بضعة أسابيع أصبح واقعاً مُشاهَداً، فالجولاني الذي وضعت الولايات المتحدة على رأسه عشرة ملايين دولار، وتصدر اسمه قوائم الإرهاب والمطلوبين، أصبح اسمه المعتمد إعلامياً ’’أحمد الشرع‘‘، وكشف وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن عن بدء التواصل معه للتباحث حول مستقبل سورية، فيما يجلس ’’الشرع‘‘ في دمشق مُسْتَقْبِلًا وفود الزائرين من أنحاء العالم، ومن بينهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية ’’غِيْر بيدرسون‘‘.

إن معادلات القوة تفرض نفسها، وتدفع الآخرين لمراجعة مواقفهم، والبحث عن مصالحهم في ضوء الواقع الجديد، وهذا الواقع الجديد جعل حزب الله في خطاب تجاوزَته الأحداث، والبكاء على أطلال الماضي الذي يتدحرج يومياً ليصبح جزءاً من التاريخ لا الحاضر، فضلاً عن المستقبل. ومن ثم بدأت تغيب خطابات ’’مواجهة التكفيريين‘‘ و’’حماية المراقد والعتبات المقدسة‘‘، لتتردد خطابات تتحدث عن احترام خيار الشعب السوري، والحرص على بناء علاقات إيجابية تخدم المصالح المشتركة.

لم يكد الحبر المُوَقّع به اتفاق وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني في لبنان يجف، إلا وأطلقت مجموعة من فصائل الثورة السورية عملية ’’ردع العدوان‘‘ في 27 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، وسرعان ما سيطر الثوار على مدينة حلب ثم حماة، واقتربوا من مدينة حمص الواقعة قرب خطوط إمداد حزب الله بالسلاح القادم من إيران والعراق إلى لبنان مروراً بالأراضي السورية.

رأى حزب الله فيما يحدث محاولة لخنقه بعد الضربات الثقيلة التي تلقاها خلال الحرب مع جيش الكيان الصهيوني، ولذا سارع الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في 5 ديسمبر / كانون الأول الجاري للتصريح بأن ’’حزب الله سيقف إلى جانب سورية في إحباط أهداف العدوان‘‘، ووصف الثوار بأنهم ’’مجموعات تكفيرية تستخدمها أمريكا وإسرائيل أدوات لهما منذ عام 2011م‘‘، وأوضح أن هدف العملية هو ’’نقل سورية من المربع المقاوم إلى موقع آخر مُعادٍ يخدم العدو الإسرائيلي‘‘، حسب تعبيره.

ولكن قطار الثوار دهس دفاعات جيش الأسد، وتهاوت قواته بسرعة وسط اندهاش الجميع، الجميع بما تعنيه الكلمة، الثوار وبشار الأسد وحزب الله وموسكو وطهران وتل أبيب وأنقرة وإلى آخر القائمة، ففرّ مجرم الحرب بشار الأسد إلى موسكو، ولم يجد حزب الله من يقف بجواره، فقد تبخّر جيش النظام، وخلع جنوده ثيابهم العسكرية وفرّوا مولين الأدبار طلباً للنجاة.

هنا تغيرت الحسابات، ولم يَعُدْ من الحكمة ولا السياسة السير عكس اتجاه الريح أو مصادمة الأمواج الهادرة، فألقى نعيم قاسم خطاباً جديداً في 15 ديسمبر / كانون الأول الجاري، قدّم خلاله خطاباً يمكن وصفه بالحذر، قائلاً: ’’نحن لا يمكننا الحُكْم على هذه القوى الجديدة إلا عندما تستقر، وتتخذ مواقف واضحة وينتظم وضع النظام في سورية‘‘.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_قطار_التغيير_الجامح_فَرَضَ_على_محور_الشّر_الإيراني_تغيير_مواقفه

وتضمن خطاب قاسم في ثناياه إشارات إلى مصالح حزب الله في سورية، والدوافع التي حرّكته للوقوف بجوار نظام الأسد، في إشارة إلى استعداد الحزب للتعاون مع من يكفل له تلك المصالح في النظام الجديد الذي يتشكل. فأشار قاسم إلى أن حزب الله ’’دعم نظام الأسد لأنه وقف في الموقع المعادي لإسرائيل، وأسهم في تعزيز قدرات المقاومة عَبْرَ نقل الأسلحة من الأراضي السورية إلى لبنان وفلسطين‘‘.

وفتح قاسم نافذة للتعاون المستقبلي قائلاً: ’’نتمنى أن يكون الخيار للنظام الجديد وللشعب السوري هو التعاون بين الشعبين وبين الحكومتين في لبنان وسورية على قدر المساواة وتبادل الإمكانات، ونتمنى أن تعتبر الجهة الحاكمة الجديدة إسرائيل عدواً وألا تُطبّع معها‘‘، وشدّد على أن هذه هي العناوين التي ستؤثر على طبيعة العلاقة بين الحزب وسورية. ثم أكّد مُجدداً احترام ’’حق الشعب السوري في اختيار قيادته وحُكْمِه ودستوره ومستقبله‘‘، وأكد خطاب قاسم تغيراً في موقف حزب الله من التطورات في سورية.

ويبدو أن الأمين العام الجديد نعيم قاسم معنياً بتجنب خوض صراعات جديدة مُنْهِكَة تستنفذ ما تبقى من مُقدّرات الحزب، والحفاظ على ما أمكن من حضوره في الساحة اللبنانية في مواجهة ضغوط داخلية من الفرقاء اللبنانيين تدفع باتجاه نزع سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي وحركة اجتماعية فقط.

ووفق ما سبق، فإن نزع عباءة الخطاب الذي يتحدث عن ’’التكفيريين‘‘ لصالح خطاب سياسي يتناول ’’المصالح المشتركة‘‘ يمثل تطوراً في خطاب حزب الله، السردية على العداء لحزب الله على ما ارتكب من جرائم بحق الشعب السوري ولمساندته نظام بشار الأسد طوال سنوات الصراع بين النظام الفاشي وفصائل الثورة.

كما أنه لا يمكن لحزب الله اللبناني أن يرسم سياساته تجاه سورية بِمَعْزِلٍ عن إيران، ولذا فإن تحليل خطابه ينبغي أن تواكبه متابعة دقيقة لبوصلة الموقف الإيراني، وقد لعبت طهران دور رأس الحربة في دعم نظام بشار الأسد، فأمدّته بالمستشارين العسكريين، والميليشيات المقاتلة من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان واليمن رفقة أسلحتها وذخائرها، وتكفّلت برواتب عناصرها، وتكبّدت أكثر من سبعة آلاف قتيل ومُصاب إيراني في المعارك بحسب أمير هاشمي، رئيس مؤسسة الشهيد الإيرانية، فضلاً عن توفير دعم اقتصادي بعشرات مليارات الدولارات على صورة خطوط ائتمان ونفط.

وقد صدرت بالمقابل إشارات من أحمد الشرع، حيث تحدث عن أن الثوار لا يُعادون الشعب الإيراني، وأنهم استعادوا مدنهم من القوات التي دعمتها طهران، مما يفتح الباب جُزئياً أمام فرص لبناء علاقات جديدة تقوم على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لسورية.

وبالتالي فإن سقوط نظام الأسد الفاشي، ودخول أحمد الشرع إلى دمشق، بدّد كل ما سبق، فسحبت طهران كل مستشاريها وعناصرها من سورية، وأخلت سفارتها بدمشق وقنصليتها بحلب، فيما تعززت الخسائر التي أُصِيبَ بها ’’محور الشر‘‘ في حرب لبنان، وفي مقدمتها اغتيال أغلب قادة حزب الله الكبار، وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله.

وخرج مرشد الثورة الخمينية علي خامنئي بنفسه في 11 ديسمبر / كانون الأول الجاري ليتحدث عن دلالات وتداعيات الأحداث في سورية، وقدّم خطاباً يشبه خطاب حزب الله ما قبل سقوط الأسد، فأكّد أن ’’ما حدث في سورية هو نتاج خطة أمريكية وصهيونية مشتركة، وأن هناك دورًا واضحاً لإحدى الدول الجارة لسورية‘‘، وسعى لتقديم أدلة على فرضيته، فتحدث عن أن الطائرات الحربية الأمريكية والإسرائيلية أغلقت المجال الجوي السوري، ومنعت إرسال دعم إيراني جوي أو بري إلى سورية خلال القتال الأخير، وأشار إلى أن ’’الهدف من التطورات تثبيت موطئ قدم لأمريكا في المنطقة، واحتلال أجزاء من شمال سورية وجنوبها‘‘.

وفي خطاب للداخل الإيراني، برّر المرشد خامنئي الدعم الذي قدّمته طهران لنظام الأسد بأنه رد جميل لمساعدة حافظ الأسد لإيران في حربها ضد العراق، عَبْرَ وقف نقل النفط العراقي إلى البحر المتوسط بواسطة خط أنابيب يمر بسورية بسعة مليون برميل يومياً، مما حرّم صدام حسين من عائدات اقتصادية مهمة.

لقد حاول المرشد خامنئي رفع الملامة عن إيران في سقوط النظام السوري، فأوضح أن دور طهران اقتصر على إرسال مستشارين عسكريين لدعم الجيش السوري عبر تأسيس مراكز قيادة وتحديد الاستراتيجيات والتكتيكات، وخوض القتال في حالات ضرورية، وتعبئة شباب من المنطقة للقتال وتدريبهم، وليس القتال بواسطة تشكيلات الجيش الإيراني والحرس الثوري، وبالتالي فمع انهيار جيش النظام لم تعد هناك جهة يُقدّم لها الإيرانيون الدعم والمساندة.

إن معادلات القوة تفرض نفسها، وتدفع الآخرين لمراجعة مواقفهم، والبحث عن مصالحهم في ضوء الواقع الجديد، فلماذا سيستمر حزب الله في خطاب تجاوزته الأحداث، والبكاء على أطلال الماضي الذي يتدحرج يومياً ليصبح جزءاً من التاريخ لا الحاضر، فضلاً عن المستقبل؟ ومن ثم بدأت تغيب خطابات ’’مواجهة التكفيريين‘‘ و’’حماية المراقد والعتبات المقدسة‘‘، لتتردد خطابات تتحدث عن احترام خيار الشعب السوري، والحرص على بناء علاقات إيجابية تخدم المصالح المشتركة.

وجاء هذا التبدل بالمواقف عندما دهس قطار الثوار دفاعات جيش الأسد، وتهاوت قواته بسرعة في مفاجأة أذهلت العالم وأربكته، وهنا تغيرت الحسابات، ولم يَعُدْ من الحكمة ولا السياسة السير عكس اتجاه الريح أو مصادمة أمواج التغيير الهادرة.

المراجع

– إيران – 22/12/2024م.

– الجزيرة – 18/12/2024م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_قطار_التغيير_الجامح_فَرَضَ_على_محور_الشّر_الإيراني_تغيير_مواقفه

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات