الخميس, يناير 9, 2025
spot_img
الرئيسيةUncategorizedكيف يمكن السيطرة على التضخم في سورية خلال الفترة المُقْبِلَة؟

كيف يمكن السيطرة على التضخم في سورية خلال الفترة المُقْبِلَة؟

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_اقتصادية_عبد_الحافظ_الصاوي_كيف_يمكن_السيطرة_على_التضخم_في_سورية_خلال_الفترة_المُقْبِلَة؟

يُعَدُّ ارتفاع معدل التضخم من الآفات الاقتصادية، التي تنعكس آثارها على الواقع الاجتماعي بشكل كبير، وما لم يتم تبني سياسات جادة لمكافحة هذا العرض، تظهر عديد من الظواهر السلبية، منها فقدان الثقة في العملة المحلية، والاحتفاظ بالعملات الأجنبية أو الذهب، أو الاحتفاظ بالمُدَّخَرَات في شراء الأصول.

وتُعَدُّ مناطق الصراع مؤهَّلة بشكل كبير لبروز مشكلة التضخم، وقد كانت سورية واحدة من هذه المناطق، لاسِيَّمَا أنها شهدت صراعا مسلحا على مدار 13 عاماً، وتدهور فيها الاقتصاد بشكل كبير، وقُدِّرَت فيها معدلات التضخم بنحو 135% بنهاية عام 2023م، وكانت التوقّعات أن يصل بنهاية 2024م إلى 85%، وذلك وِفْقَ أرقام نشرة ضمان الاستثمار الصادرة عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات عن فترة أكتوبر / تشرين الأول – ديسمبر / كانون الأول 2024م.

ومن بين عدة أسباب، كان على رأسها ارتفاع معدلات التضخم، زادت معدلات الفقر في سورية إبان عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى قرابة 90% من الشعب السوري.

واقع جديد:

بعد الثامن من ديسمبر / كانون الأول 2024، وسقوط نظام الأسد، ونجاح الثورة السورية في السيطرة على غالبية الأراضي السورية، بدأت مظاهر جديدة على الصعيد الاقتصادي، وإن كانت الأمور لم تستقر بعد بشكل كامل على الصعيد السياسي والأمني.

ففي الأيام الأولى لتولي الثوار لإدارة البلاد على الصعيد الاقتصادي، ظهرت مؤشرات تدل على إمكانية تحسن اقتصادي بشكل عام، وتراجع معدلات التضخم بشكل خاص، ومن هذه المؤشرات أن سعر الليرة السورية شَهِدَ تحسنا ملحوظا أمام العملات الأجنبية، فوصل إلى 12 ألف ليرة للدولار عند الشراء و12.5 ألف ليرة عند البيع.

وحسب أسعار الصرف المُعلنة من خلال المصرف المركزي السوري، عاود الدولار الارتفاع أمام الليرة مجدداً، وإن كان بشكل غير مبالغ فيه كما كان الوضع وقت سيطرة النظام السابق.

وانعكس هذا – بدوره – على أسعار السلع والخدمات في سورية، إذ انخفضت أسعار السلع، وخاصة في العاصمة دمشق، حسبما ذكرت بعض وسائل الإعلام، أو مدونو وسائل التواصل الاجتماعي.

مُقوِّمات تراجع التضخم:

لا بُدَّ أن نأخذ في الاعتبار أن الأيام الأولى بعد نجاح الثورة السورية قد تعطينا أرقاما ستكون بلا شك محل إعادة نظر.

لكن الأداء الحقيقي سيظهر خلال الفترة المقبلة، بعد أن تتضح طبيعة إدارة الاقتصاد، سواء فيما يتعلق بالهوية الاقتصادية للبلاد، أو انطلاق النشاط الاقتصادي لإعادة الإعمار، وعودة العمل والإنتاج، ومدى اعتماد البلاد على الخارج، والأكثر أهمية البنية التشريعية المنظمة للنشاط الاقتصادي.

يُضاف ذلك إلى تفعيل المقدرات الداخلية للنشاط الاقتصادي، بحيث تزيد السلع والخدمات المحلية، ويتقلص الاستيراد على ما هو مهم وضروي، لكن من المقومات التي يمكن أن نتوقع من خلالها تراجع التضخم بسورية خلال المرحلة المُقْبِلَة، ما يلي:

قرارات استعادة النشاط الاقتصادي، وعودة المؤسسات الحكومية الخاصة بالجوانب الاقتصادية، والتي كان على رأسها، أو أهمها، عودة المصرف المركزي لممارسة نشاطه وكذلك باقي مكوّنات الجهاز المصرفي، والوزارات المعنية بالنشاط الاقتصادي.

طمأنة الأفراد على مُدَّخَرَاتِهم لدى البنوك وأن التسويات الخاصة بالمستوردين لدى الحكومة خلال سيطرة النظام السابق سيتم ردها، ويتم العمل وِفْقَ نظام جديد للاستيراد يتعامل فيه المستوردون مع السوق الخارجي مباشرة، وهو ما يعني تقديم الشواهد من قِبل الحكومة المؤقتة لاستعادة الثقة بين الشعب والحكومة فيما يخص الأوضاع الاقتصادية.

وكان للإعلان عن أن العملة المعتمدة في سورية الجديدة هي الليرة السورية أثر إيجابي في تخفيف حدة الطلب المصطنع على العملات الأجنبية، وهو ما يُعَدُّ أحد أسباب تحسّن سعر صرف العملة المحلية.

سهولة الحركة داخل جزء كبير من سورية ساهم في سرعة وإمكانية نقل البضائع، وبالتالي توفيرها بالكميات المطلوبة، مما يعزز عدم وجود نقص في العرض، وهو ما يساعد على وجود أسعار حقيقية بعيدة عن حالة التشوه الناتجة عن الاحتكار.

تدفق السلع من دول الجوار، فتدفق السلع من الجانب التركي لم يتوقف، بعد سقوط الأسد، بل زاد، والجديد هو إعلان السلطات الأردنية عودة عمل معبر الجابر لتدفق السلع والمسافرين من الأردن إلى سورية يوم 18 ديسمبر /  كانون الأول 2024م.

انخفاض تكلفة السلع والخدمات بالسوق السورية، إذ كان التجار والمنتجون يتكبدون تكلفة إضافية على السلع والخدمات، نتيجة فرض الإتاوات من قبل النظام البائد أو الشبيحة، أو محترفي الفساد.

تحسّن سعر صرف الليرة أمام الدولار بمعدلات كبيرة مقارنة بما كانت عليه قبل سقوط الأسد، وهو ما يعني زيادة القوة الشرائية للعملة المحلية.

وفي ضوء حركة عودة المهاجرين السوريين، يتوقع أن تزيد تدفقات النقد الأجنبي لسورية، وخاصة تحويلات العاملين السوريين بالخارج، من أجل توفير حياة كريمة لذويهم، وهو ما يعني زيادة المعروض من النقد الأجنبي، وبالتالي إمَّا حالة استقرار لسعر الصرف الحالي، أو مزيد من تحسّن وضع الليرة أمام العملات الأجنبية، وفي كلتا الحالتين سيكون التضخم عند معدلات مقبولة.

مكافحة الفساد في مؤسسة الجمارك، للقضاء على ظاهرة الرشاوي، ومن جهة أخرى عدم عرقلة تدفق السلع المستوردة، ففي النهاية يُحمِّل التاجر أي تكلفة على عاتق المستهلك، ويتوقع أن يكون هذا الأمر محل نظر الحكومة المؤقتة، وسيساعد على تحقيق هذا الأمر وعد الحكومة بدراسة زيادة الرواتب لموظفي الحكومة.

تدفق المساعدات الإنسانية لسورية خلال الفترة المقبلة، ولها دور في توفير بعض السلع، التي يمكن أن تساهم في تراجع الطلب المحلي إلى حد ما، وهو ما يعني السيطرة على معدلات التضخم عند حدود منخفضة، مما كانت عليه من قبل.

لكن يشترط لذلك حُسن إدارة هذه المساعدة، والاجتهاد قدر المستطاع لتصل للمحتاجين، والمُهمَّشين والمُضَارِّين من تداعيات الفترة الماضية.

مخاوف ومحاذير:

تحتاج إدارة السياسة النقدية المعنية بمكافحة التضخم – وإن كان المصرف المركزي هو من يديرها – إلى تنسيق بين مكوّنات السياسة الاقتصادية كافة: المالية، النقدية، التجارية، التوظيف والاستثمار.

وثمَّة مخاوف لا بُدَّ من أخذها في الاعتبار، من أجل أن تكون الفرصة كبيرة أمام صانع سياسة مكافحة التضخم، لكي لا يعود التضخم بمعدلات مخيفة في سورية الجديدة، فيكون في معدلات مقبولة، مكوّنة من رقم واحد، وعلى رأس هذه المخاوف، أن تتسع مساحة الاستيراد من الخارج، لكل شيء، فتكون تكلفة الاستيراد عبئاً على موارد البلاد المحدودة من النقد الأجنبي، مما يُسَهِّل زيادة الطلب على النقد الأجنبي، وبالتالي خفض قيمة العملة المحلية، وتطل علينا أفعى التضخم المقيتة، وثمَّة أن تؤتى البلاد في مجال التضخم من باب ما يعرف بالتضخم المستورد.

ومؤخراً صَرَّحَ القائد أحمد الشرع بأنهم يدرسون زيادة الرواتب بنسبة 400%، وإن كان رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير كان قد تحدث عن نسبة أقل من تلك، عند 300%.

وأيَّا كان الأمر، فزيادة الرواتب من غير موارد حقيقية سوف يؤدي بلا شك إلى زيادة معدلات التضخم، خاصة أن الوضع المالي لحكومة سورية الجديدة مشوب بالضبابية، ومأزوم، نتيجة ما تركه الهارب بشار الأسد من وضع مالي سيئ للغاية.

وعلى كل الأحوال، سيكون معدل التضخم، بنهاية 2024م أقل مما كان مُقدرا له بقليل على الأرجح، بسبب التحسن الذي شهدته الأيام الأخيرة من ديسمبر / كانون الأول 2024م.

إلا أن قياس معدلات التضخم بنهاية يناير / كانون الثاني 2025م سيعطينا نتائج أكثر إيجابية بخصوص معدل التضخم، ليكون أقل بكثير عند مقارنته بشهر يناير / كانون الثاني 2024م، أو ديسمبر / كانون الأول 2025م، إذا ما استمرت الحكومة المؤقتة في التعاطي الإيجابي مع المشهد الاقتصادي للبلاد.

_______

رابط المقال الأصل:

https://www.aljazeera.net/ebusiness/2024/12/22/inflation-reduced-syria

هذا المقال يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_اقتصادية_عبد_الحافظ_الصاوي_كيف_يمكن_السيطرة_على_التضخم_في_سورية_خلال_الفترة_المُقْبِلَة؟

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_اقتصادية_عبد_الحافظ_الصاوي_كيف_يمكن_السيطرة_على_التضخم_في_سورية_خلال_الفترة_المُقْبِلَة؟

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات