مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_لن_تكون_هناك_علاقة_بيننا_وبين_زعيمة_محور_الشر_إيران
بعد سقوط نظام البعث الفاشي والعصابة الأسدية الحاكمة في دمشق، تلقّت إيران الصفوية ضربة لا يمكن تعويضها في سورية، التي يمكن القول إنها تمثل الركيزة الأهم لسياسة ’’محور الشر‘‘ المتمثل في نظام عائلة الأسد وحزب الله اللبناني وروافض العراق وميليشيات الحوثيين في اليمن، وذلك بعد استثمارها الكبير اقتصادياً وعسكرياً على مدى 24 عاماً.
وهذا التأثير السلبي قد يمتد ليؤثر على وجود إيران ومستقبلها في دول أخرى مثل: العراق، ولبنان، واليمن، والبحرين.
ولذلك، لا يؤثر سقوط مجرم الحرب بشار الأسد على الوجود الإيراني في سورية فقط، بل ألحق أيضاً أضراراً جسيمة بمصالح إيران في الدول الأخرى التي تُعَدُّ جزءاً من سياسة ’’محور الشر‘‘.
وفي هذا السياق، تتعامل إيران مع مسألة نهاية حُكْم مجرم الحرب بشار الأسد وصعود الثوار إلى السلطة من خلال مسارين؛ الأول يتعلق برد فعل الشعب الإيراني، أما الثاني فيتعلق بالجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في المنطقة.
وفي خطاب ألقاه المرشد الأعلى لإيران الصفوية، مُعمم قُمّ خامنئي، بعد سقوط نظام ’’البعث الأسدي‘‘ بأربعة أيام، إلى جانب تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الآخرين، ظهرت رسائل واضحة موجهة إلى الشعب الإيراني والجماعات المسلحة المنضوية تحت مظلة ’’محور الشر‘‘.
ومن خلال هذه الرسائل، أظهرت إيران أنها تعتبر أولويتها الاستراتيجية هي ’’كَبْح ردود الفعل الداخلية، واحتواء التشاؤم واليأس بين الجماعات المسلحة المدعومة منها‘‘.
لقد تلقَّت إيران بسقوط مجرم الحرب بشار الأسد في سورية ضربة أفقدتها توازنها وهيبتها إقليمياً ودولياً، حيث أنفقت إيران مليارات الدولارات، وفقدت العديد من قادتها البارزين، وأثارت غضب الشعب الإيراني ضد المرشد الأعلى خامنئي والحرس الثوري الإيراني.
إذ بدأ الشعب الإيراني يُعَبِّرُ عن رأيه بأن الادعاء الذي تُروِّج له السلطات الإيرانية بشأن ’’قوة إيران وتأثيرها الحاسم في المنطقة‘‘ ليس سوى وَهْمٌ وسراب.
وهنا، يمكن التأكيد على أن سقوط نظام السفاح بشار الأسد تسبب في تصدعات خطيرة داخل الحرس الثوري الإيراني وقوات ’’الباسيج‘‘، وهي قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين، وكذلك على المستوى السياسي في إيران.
ويبدو أن الحكومة الإيرانية قلقة بشدة من تأثير هذا التغيير في سورية على المجتمع الإيراني، ونتيجة لذلك، يُتعامل مع حالة الضعف وخيبة الأمل التي ظهرت بين الشعب الإيراني وفصائل المحور كأولوية قصوى في الوقت الحالي.
وفي خطاب ألقاه يوم الأربعاء، 11 ديسمبر / كانون الأول 2024م، وجّه المرشد خامنئي أصابع الاتهام بشكل صريح إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما لم يَذْكُر تركيا بالاسم، لكنه أشار إليها كمسؤولة بشكل غير مباشر عما حدث.
وأكد خامنئي أن ما جرى في سورية لن يضعف إيران، واصفًا من يعتقدون بذلك بـ ’’الجهل‘‘.
وفي هذا الصدد، قال خامنئي ’’وَاهِمَاً‘‘: ’’هناك محللون جهلة يظنون أن سقوط النظام في سورية سيضعف إيران، ولكن بإذن الله وقوته، إيران قوية وستصبح أقوى‘‘.
ويمكن اعتبار أن هذه التصريحات تهدف إلى تقليل الانتقادات، وتعزيز الآمال المتراجعة، ورأب التصدعات في المجتمع الإيراني.
ففي النهاية، أذهل سقوط نظام ’’البعث الأسدي‘‘ الذي دعمته إيران اقتصادياً وعسكرياً لمدة 13 عاماً خلال 12 يوماً العالم، وأثار دهشة وغضب الشعب الإيراني.
وفي خطابه، صَرَّح خامنئي قائلاً: ’’ما حدث في سورية هو نتيجة خطة مشتركة بين الولايات المتحدة والصهاينة، ولا شك في ذلك، فنحن لدينا أدلة واضحة لا تقبل الجدل‘‘.
وبالحديث ضمناً عن دور تركيا، قال خامنئي: ’’بالإضافة إلى أمريكا وإسرائيل، هناك دولة مجاورة لسورية لعبت دوراً واضحاً في هذا الأمر، وتواصل القيام به، وهذا أمر مرئي للجميع‘‘.
لقد حاول خامنئي من خلال هذه التصريحات تبرير خسارة نظام بشار الأسد، والإيحاء بأنه لم يُهزم من قِبل جماعات مسلحة، بل من قِبل تحالف دولي تقوده دول كبرى.
إلى جانب ذلك، أدى سقوط النظام السوري إلى تداعيات كبيرة على جماعات مثل الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.
وبتخصيص جزء من خطابه لتوجيه رسائل إلى الجماعات التابعة لـ ’’محور الشر‘‘، قال خامنئي: ’’المستكبرون يفرحون بالأحداث في سورية، ويظنون أن سقوط الحكومة السورية المؤيدة للمقاومة أضعف جبهة المقاومة، لكنهم مخطئون بشدة؛ من يعتقد أن جبهة المقاومة ضعفت بسبب هذه الأحداث لا يفهم المقاومة، ولا يعرف معناها‘‘.
وتابع: ’’إن المقاومة ليست كياناً يمكن قطعه أو القضاء عليه، المقاومة إيمان وفكرة وقرار لا يتزعزع ومدرسة عقدية، ما تؤمن به أي جماعة لا يضعف، بل يزداد قوة تحت الضغوط، كما أن جبهة المقاومة تزداد قوة ويتسع نطاقها عندما ترى الشرور‘‘.
وبشكل جلي، تُظهر هذه التصريحات بوضوح حالة الإحباط وفقدان الأمل التي سادت بين الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران.
إحدى أبرز النقاط في خطاب خامنئي كانت الإشارة إلى حزب الله كدليل على قوة جبهة الشر، حيث أشار إلى أن حزب الله أصبح أقوى بعد مقتل قائده حسن نصر الله خلال هجوم إسرائيلي.
وخلال حديث مع ثلاثة أشخاص من داعمي الثورة الخمينية في إيران: أكاديمي وصُحفيين، قال الأخيران، اللذان فضّلا عدم الكشف عن اسميهما، إن ’’تصريحات خامنئي حول سقوط النظام السوري لم تكن مُقْنِعَة لمعظم الشعب الإيراني الغاضب‘‘.
وأشار أحد الأكاديميين السياسيين إلى أن ’’التغيير في سورية سَبّب خيبة أمل كبيرة لدى الشعب الإيراني، وأضعف ثقته في تصريحات المسؤولين‘‘.
إن سقوط نظام الديكتاتور بشار الأسد في سورية، الذي تعتبره إيران أهم مكوّنات محور الشر، كان له تأثيرات مادية ومعنوية كبيرة على محور الشر.
ومن المعروف أن نُفُوق حسن نصر الله وغيره من القادة البارزين خلال الهجمات الإسرائيلية قد تسبب في ظهور خلافات داخلية في صفوف حزب الله، إذ تعمقت هذه الخلافات بين المجموعات التي تضم أفراداً من توجهات مختلفة، خاصة بعد مقتل نصر الله حيث برزت اختلافات حول استراتيجية حزب الله وعلاقته بإيران.
وبالإضافة إلى ذلك، وردت تقارير عن وجود انقسامات عسكرية داخل منطقة الضاحية جنوب بيروت، التي تُعَدُّ معقل حزب الله.
وفي ظلِّ تفاقم هذه الخلافات داخل الحزب، يمكن القول إن ’’تغيير النظام في سورية قد يُعزز موقف التيار الذي يدعو إلى تبنّي سياسة أكثر استقلالية عن إيران، على حساب التيار المؤيد للاستمرار تحت السيطرة الإيرانية‘‘.
كذلك، يمكن أن نشهد تعزيزاً لتيار داخل حزب الله يطالب بالتركيز على الأنشطة السياسية وإعطاء الأولوية لها على حساب الأنشطة العسكرية، باعتبار ذلك استراتيجية أكثر ملاءمة لضمان استمرارية حزب الله بعد الضربات القاتلة التي تلقاها من إسرائيل.
ومن المتوقّع أيضاً أن تتيح التطورات في سورية فرصة للأمين العام الجديد لحزب الله، نعيم قاسم، للعمل على إعادة تشكيل الحزب بشكل أكثر استقلالية عن إيران.
ومن أبرز النقاط المهمة هنا أن الطريق الذي كانت إيران تستخدمه لتزويد حزب الله بالأسلحة قد انقطع بسبب التطورات في سورية.
من جهة أخرى، أَثَّرت التطورات في سورية بشكل كبير على الحشد الشعبي في العراق وحركة الحوثيين في اليمن.
ووفقاً لمصدر داخل حركة ’’الحوثيين‘‘، طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن الأحداث في سورية أثَّرت بشكل كبير على الحركة، حيث ظهرت خلافات داخلية وشهدت الحركة تراجعاً في الثقة والأمل.
وأشار المصدر إلى أن حركة الحوثيين التي تسعى للسيطرة في اليمن، قد تضطر إلى إعادة النظر في استراتيجيتها بعد سقوط بشار الأسد في سورية.
أما عن مستقبل العلاقات الإيرانية – السورية فمن الواضح من تصريحات مرشد إيران الصفوية خامنئي وغيره من المسؤولين الإيرانيين أنه لا توجد أي نية لإقامة علاقات مع الحكومة الجديدة في سورية في الوقت الحالي.
ويبدو أن إيران تعطي الأولوية لمعالجة الانقسامات الداخلية – التي سببها تغيير النظام السوري – داخل إيران، وداخل ’’محور الشر‘‘.
ومع ذلك، هناك معلومات تشير إلى أن إيران تواصلت مع الحكومة الجديدة في سورية عَبْرَ طرفٍ ثالث، وذلك لتسهيل عملية إجلاء المواطنين الإيرانيين العالقين هناك.
وعند سؤال أحد الصحفيين الإيرانيين عن مستقبل العلاقات الإيرانية – السورية، قال إن: ’’إيران لا يمكنها أن تقطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية إلى الأبد، وإنها ستراقب المرحلة الانتقالية‘‘.
وأضاف الصحفي أن ’’إيران قد تُفضل إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة التي ستُشكل بعد الانتخابات، بدلاً من التعامل مع الحكومة الانتقالية الحالية‘‘.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن علاقة إيران مع الحكومة الجديدة في سورية ستظل محدودة وقاصرة على جهود إجلاء مواطنيها من خلال وسطاء.
ختاماً:
إن سورية بعد انتصار الثوار وإسقاط نظام مجرم الحرب بشار الأسد لن تكون بيننا وبين إيران أيَّة علاقة، وهي التي قتلت أطفالنا ونساءنا ورجالنا، وأرادت استئصال ديننا الإسلامي الحنيف، وعبثت وخرّبت أضرحة ومقامات أعلام أمتنا الذين نشروا الإسلام في آفاق الأرض، وتطاولوا على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده، وطعنوا بعرض أمهات المؤمنين العفيفات الطاهرات، ومنعوا المسلمين في إيران من بناء مسجد واحد يقيمون فيه الصلاة، واحتلوا إمارة المحمرة ’’الأحواز‘‘ العربية والجزر العربية في الخليج العربي.
المراجع
الجزيرة – 14/12/2024م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_لن_تكون_هناك_علاقة_بيننا_وبين_زعيمة_محور_الشر_إيران