الجمعة, يناير 10, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسيمؤتمر أستانا ودور المعارضة السورية

مؤتمر أستانا ودور المعارضة السورية

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_مؤتمر_أستانا_ودور_المعارضة_السورية

منذ صيف 2022م، برزت تغيرات في سياسات دول إقليمية فاعلة تجاه الملف السوري، كتركيا والمملكة العربية السعودية، إذ اتجهت هذه الدول إلى تعزيز قنوات اتصالها مع نظام الأسد، في مسعى لتطبيع علاقاتها معه بعد نَبْذِهِ لسنوات.

وكان الحدث الأبرز الذي أرّق السوريين، وهو إعادة منح الجامعة العربية مقعد سورية، ثم حضور مجرم الحرب بشار الأسد، اجتماعات القمة بمدينة جدة السعودية بدورتها الـ 32، في 19 مايو / أيار 2022م؛ لتتلقى الثورة السورية خسارة فادحة تضاف إلى قائمة التراجعات والخيبات التي اعترضتها خلال أكثر من عقد، وقد قدم العرب جائزة كبرى لطاغية الشام عندما سمحوا لهذا المجرم بالمشاركة في القمة العربية، مكافأة له على جرائمه بحقّ الشعب السوري، متجاوزين التضحيات التي قدمها السوريون في مواجهة هذا الطاغية، ’’مليون شهيد ونصف مليون معتقل ومغيب ومفقود، ونصف الشعب مهجر ونازح داخل سورية وخارجها، إضافة إلى تدمير عشرات المدن والبلدات والقرى السورية، وإلى فتحه أبواب سورية للمحتل الروسي والمحتل الإيراني، مكافأة لهم على منعهم سقوط النظام المجرم‘‘، وهم المنتظرون من أشقائهم إنصافهم وتحقيق العدالة المُغَيّبة في سورية منذ ما يزيد على نصف قرن، وأن سورية العظيمة لا يمثلها الأسد المجرم، وإن وجود النظام المجرم في مقعد سورية في الجامعة العربية يعني أن إيران وروسيا تحضران القمة، عبر مندوبيها حاملين أجندتهما وإحدى أدواتهما في تنفيذ مشروعهما التوسعي الحاقد في الدول العربية، كما أن العذر بإعطاء فرصة لنظام الأسد المجرم هو هدر للوقت ومماطلة لن تفضي إلا إلى مزيد من القتل والاعتقال والمأساة، لأن لنظام الأسد الديكتاتوري سجلًّا واسعا بالخداع والكذب وعرقلة أي عملية سياسية ذات صلة بسورية.

أما محاولة دفع تركيا للتطبيع مع النظام المجرم فلم يأخذ مداه كما يتمنى الإيرانيون والروس، كون تركيا كانت على الدوام تقدم جملة تطمينات للسوريين، بأن التطبيع مع دمشق لن يتجاوزها، ولن يحيد عن مسار جنيف التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة وعن قرارها رقم 2254، وأن الاحتفاظ بالتمثيل القائم والمعترف به دوليًّا للائتلاف كممثل للشعب السوري من قبل أكثر من مئة دولة، وهذه مسألة مهمة، تصب في مصلحة الثورة، وعلى الجميع دعمها بطاقات سورية فاعلة تتمكن من فهم ما يجري، وتتحرك ضمنه بمشروع يجعل من ملايين السوريين الرقم الصعب والعنوان الذي يستحيل تجاوزه، خاصة في ظل ما نشهده من غليان في الشارع وتحديدا في الشمال المحرر، الرافض للمتسلقين على أكتاف الثوار والمتحدثين باسم السوريين.

وهذا لا يعني حل أو فرط عقد الائتلاف الوطني، بل يعني إصلاحه وإدخال دماء جديدة إلى مكوناته ليزيده ديناميكية وحيوية، حتى يضمن الإصلاح أن يكون لدى حلفاء الثورة السورية شريك سياسي قادر على أداء مناسب وتأثير واسع في أي استحقاق قادم في القضية السورية.

ولا تصبح المعارضة التي تقود الملف السياسي رقما صعباً، وتكتسب قيمة ذاتية إلا عندما تتحول إلى قوة مؤثرة، ولا تتحول إلا عندما ترتبط عمليًّاً بالشعب والجمهور وتتفاعل معه ويتفاعل معها، لإدراكه أنها تجسّد في نشاطها السياسي وخياراتها مصالحه وقضيته.

ويظهر أنه ليس للمعارضة وفق الظروف الحالية سوى انتظار ما ستسفر عنه المناورات السياسية والاستراتيجية القادمة للدول المعنية والمشاركة في الصراع على سورية وفيها، فلا أحد من هذه القوى الأجنبية أو السورية ينتظر المعارضة لإعطائها أي دور في الوقت الحالي.

بالمقابل، لا تُعَدُّ المعارضة خاسرة إن استطاعت أن تحسّن من وضعها الداخلي، ومن موقعها من القضية السورية على المستوى السياسي والحقوقي والقانوني، لاسِيَّما أن التطبيع العربي وضع النظام على المحكّ فيما يتعلق بإلزامه بتنفيذ مطالبهم التي يحاول النظام التهرب منها، خاصة مطلب إعادة اللاجئين.

قد يتبادر إلى الذهن تساؤل عن إمكانية المعارضة خلع العباءة التركية والتوجُّه إلى معسكر أكثر فاعلية في التعامل مع قضية السوريين، إلا أن ما يضعف هذا التساؤل أنها لو تخلّت عن هذه العلاقة لفقدت مصالحها ومصالح الشعب السوري، لأن استمرار وجودها مرتبط بتبعية موقعها، وما يقدمه هذا الموقع من خدمات للقوى التي تقوم برعايتها، وهذا ليس خاصّا بالمعارضة فحسب، بل بنظام المجرم بشار الأسد أيضاً الذي يستمد قوته نتيجة الخدمات التي يقدمها لحلفائه الإيرانيين والروس وحزب اللات اللبناني.

كما يمكننا القول إن المعارضة السورية ليست في أسوأ حالاتها، بل النظام إعلاميّاً وسياسيّاً يتنفس الصعداء، إذ يأمل أن يتحول هذا التنفس الإعلامي والسياسي إلى دعم مادي قادر على انتشاله وإنعاشه، وهذا مستبعَد حتى لو حصل التطبيع العربي معه، لأن الشروط التي وُضعت على النظام – رغم أنها شروط شكلية – لن يلتزم بها.

ولا يتوقع أن تبذل الدول شيئا مقابل لا شيء، فهي ليست جمعيات خيرية، وبالتالي لن يستفيد النظام إلا على المستوى الإعلام السياسي من التطبيع معها، في حين الدعم السياسي والمعنوي والمادي بالأصل مقطوع عن المعارضة من هذه الدول المطبّعة.

ويبدو أن التطبيع العربي أعطى النظام نشوة الانتصار الإعلامي فقط، والتي أثَّرت سلبا على المبادرة الروسية للتطبيع التركي مع النظام، فالتطبيع التركي مع النظام هو المعوَّل عليه في أن يكون ذا فائدة أكبر بالنسبة للنظام، إلا أن انعكاس التطبيع العربي وما سينتج عنه من فشل اختبار جديد للنظام، سيساهم في تقليل فرص نجاح مسار التطبيع التركي مع النظام الذي يهدد وجود وديمومة الثورة السورية، رغم التطمينات التركية لها، لاسِيَّما وأن تركيا باتت الضامن الوحيد للثورة السورية في المسارات التفاوضية كمسار آستانة، الذي تحكم تفاهماته مجمل الأوضاع في الشمال السوري الخاضع لفصائل المعارضة؛ التي باتت مدعومة بشكل أساسي من الجيش التركي، ولا يمكن لأنقرة أن تدير ظهرها للثورة السورية أو تنسحب كاملا من الشمال السوري لاعتبارات أمنية وسياسية تخصها، فضلًا عن احتوائها ما يزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، وبالتالي فإن الثورة السورية ليست بحاجة للبحث عن بديل لحلفائها الحاليين، بل على العكس تماما، فالمعارضة بحاجة لتوثيق حضورها ودورها لدى الحلفاء الحاليين وفي مقدمتهم تركيا، عبر بناء النموذج الصحيح في مناطقها على المستوى السياسي والعسكري والداخلي ومستوى المجتمع المدني، بحيث تكون قِبْلَةَ لكل مناطق سورية، وهذا سيحوّل المواقف الغربية من مواقف إعلامية وسياسية إلى مواقف عملية أو مبادرات ومشاريع حقيقية.

كما أنه علينا أن لا ننسى دور الرفض الغربي للتقارب مع نظام الأسد، ففي اليوم الذي وُجّهت فيه دعوة بشار الأسد إلى السعودية للمشاركة في أعمال القمة العربية، أكّدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها لا تدعم قيام الحلفاء بالتطبيع مع النظام، وقال فيدانت باتيل، نائب متحدث الخارجية: ’’لا نعتقد أن سورية تستحق إعادة القبول في جامعة الدول العربية في هذا الوقت، وهذه نقطة بحثناها مباشرة مع شركائنا الإقليميين وفي العالم العربي‘‘، وتابع: ’’موقفنا واضح، لن نطبّع العلاقات مع نظام الأسد، وبالتأكيد لا ندعم الآخرين الذين يفعلون ذلك أيضا‘‘.

ودائما ما كانت المعارضة السورية تعوّل على الموقف الغربي من النظام، وفي مقدمتها العقوبات الأمريكية؛ رغم أنها عقوبات ومواقف سياسية تشريعية لا تلقى تنفيذًا مؤثرا على النظام ومفيدا للشعب السوري.

وعلينا أن لا ننكر أن مواقف أوروبا وأمريكا في مسألة التطبيع مع النظام غاية في الأهمية؛ حتى لو كانت رخوة وفيها مصالح أو تلاعب، فالقوانين التي صدرت وما هو قادم من قوانين أخرى، كتقديم قانون مناهضة التطبيع وقانون قيصر الذي سيتم توسعته والكبتاغون، تخنق منظومة الاستبداد الإجرامية على كل الأصعدة، لاسِيَّما إن وجدت معارضة حقيقية تقدم بقوة طموحات الشعب السوري بالتخلص من وباء النظام، وبناء سورية حرة تتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية.

ويتداول في هذه الأيام بأن الأطراف المنخرطة في ’’مسار أستانا‘‘ حول سورية، سوف تَعْقِدُ جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة الكازاخية.

وأن المبادرة جاءت من المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون الذي أجرى جولات حوار تمهيدية مع الأطراف قبل الإعلان عن تحديد الموعد.

وكانت الجولة السابقة قد عُقدت في يونيو (حزيران) الماضي، جرى التركيز خلالها على ملفات إعادة بناء الثقة، التي تشمل موضوعات المسجونين، وتحسين الظروف لتسهيل العودة الطوعية للاجئين، والوضع في المناطق التي لا تخضع للنظام السوري.

وعلى الرغم من أن موسكو لم تعلن رسمياً عن ترتيبات عقد الجولة الجديدة من المفاوضات، لكن دبلوماسياً روسياً أوضح؛ أن موسكو لا يمكنها إلا أن ترحب بأي جهد يهدف إلى مواصلة تقريب وجهات النظر وتخفيف التوتر وتنشيط الاتصالات بين الأطراف المعنية بالتسوية في سورية، مُفضِّلةً ألا يتم التسرع بتحديد موعد للجولة الجديدة من المفاوضات، خصوصاً على خلفية تفاقم التوتر في المنطقة وانشغال العالم بالوضع حول غَزَّةَ، والتطورات في البحر الأحمر، والمخاوف من اتساع رقعة الصراع الدائر.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_مؤتمر_أستانا_ودور_المعارضة_السورية

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_مؤتمر_أستانا_ودور_المعارضة_السورية

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات