الأربعاء, يناير 8, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسيما يجري في سورية ليست حرباً أهلية

ما يجري في سورية ليست حرباً أهلية

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_ما_يجري_في_سورية_ليست_حرباً_أهلية

تستخدم بعض وسائل الإعلام، عن جهل أو عن قصد، مصطلح ’’الحرب الأهلية‘‘ لوصف ما يحدث في سورية، تعبيراً عن مقاصد الجهات التي تقف وراء هذه الأبواق المعادية للحرية، أو المشتراة من قبل النظام الديكتاتوري المتسلط على سورية منذ ستين عاماً.

إن ما يجري في سورية في حقيقة الأمر هو ثورة من ثورات الربيع العربي التي تسعى إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فقد خرج الشعب السوري في مظاهرات سلمية تطالب بالإصلاحات والحريات في بلد يحكمه نظام ديكتاتوري مجرم أفسد البلاد والعباد.

لقد بقيت المظاهرات سلمية طوال ستة أشهر رغم عُنف النظام وسقوط العديد من الشهداء والمصابين، ثم تطورت أحداث الثورة إلى حرب بين نظام يمتلك قوة الدولة وجميع أنواع الأسلحة، وبين مجموعات شعبية موزعة ومتفرقة على معظم الأراضي السورية، لم تحمل السلاح إلا بهدف الدفاع عن النفس حُباً في الحياة وإصراراً على الاستمرار في مشوار التغيير حتى آخره.

وحتى نكون منصفين وحياديين، لا يمكن النظر إلى الحرب الدائرة على أنها حرب بين طرفين متساويين في القوة أو التنظيم، فهي حرب بين نظام ديكتاتوري اختطف الدولة ومعه شريحة من المنتفعين من لون طائفي واحد، ترى مصالحها معه من جهة، وبين الغالبية العظمى من الشعب السوري.

ولعل أهم الفروق التي تميز بين الحروب الأهلية والثورات هي مطلب التغيير الجذري الذي تحمله الثورات والذي يمنحها بدوره الحيوية والاندفاع. الثورة في سورية بدأت بمطالب التغيير للواقع السياسي والاجتماعي ولم تكن موجهة ضد أي فئة أو طائفة أو طبقة محددة، بل على العكس من ذلك كانت شعارات الثورة تعج بقيم المواطنة والوحدة بين أبناء الشعب الواحد. فقد كان أهم شعاراتها ’’واحد.. واحد.. واحد.. الشعب السوري واحد‘‘.

إن المتتبع لتفاصيل الحياة في ظروف تلك الحرب سيلحظ أن مطالب وأحلام التغيير الشامل لا تزال حية وموجودة بقوة في نفوس وأحلام الغالبية من الشعب السوري، وإن تراجعت في الخطاب اليومي نتيجة اختلاف ترتيب الأولويات لصالح تأمين الاحتياجات الأساسية في ظروف الحصار والتشريد والهجرة والنزوح.

أحلام التغيير التي يحملها السوريون اليوم هي الحامل المعنوي الذي يمنح المدنيين والعسكريين الأمل في الحياة والقدرة على الاستمرار رغم هذا الكم من الكوارث، مما يدعونا بقوة إلى وصف ما يحدث في سورية بأنه ثورة من أجل الحرية، وحرب من أجل تحقيق التغيير والدفع به إلى غاياته.

إن صناعة التغيير ليست قراراً بمرسوم جمهوري أو حدثاً عابراً، وإنما مسيرة مؤلمة من الأحداث التي قد تستغرق جيلين كي تصل إلى مبتغاها. فتغيير التوازنات المستقرة للنفوذ والسلطة في المجتمع بشكل مستدام يتطلب تغييراً موازياً في تركيبة المجتمع وطرائق تفكير وحياة الإنسان فيه. ولهذا السبب كانت مهمة تغيير المجتمعات على الدوام من نصيب الأنبياء أولي البأس، والعظماء الذين خَلَّدَ التاريخ ذكراهم.

منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سورية عام 2011م، ظهر مصطلح ’’الحرب الأهلية‘‘ على الألسنة وفي الإعلام الدولي لوصف ما يجري، ولكن دعونا نكون واضحين: إن تسمية الثورة السورية المباركة وما يحدث في سورية بالحرب الأهلية ليس فقط غير دقيق، بل هو تمييع متعمد للحقائق ومحاولة لإخفاء الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام بشار الأسد وحلفاؤه القتلة شُذَّاذ الآفاق، الذين جلبهم النظام الباغي من روسيا وإيران ولبنان وأفغانستان وباكستان لذبح السوريين وقتلهم وتهجيرهم.

عندما خرج السوريون إلى الشوارع في مارس / آذار 2011م، كانت مطالبهم واضحة وبسيطة: الحرية، الكرامة، والعدالة. ولم يكن هناك طوائف متصارعة ولا مجموعات متناحرة، بل كان هناك شعب يريد تغيير النظام الديكتاتوري الذي حكم البلاد بالحديد والنار لستة عقود. لذلك، فإن ما حدث في سورية لم يكن نزاعاً داخلياً أو صراعاً على السلطة بين جماعات متنافسة، بل كان ثورة شعبية بكل المعاني تهدف إلى استعادة الحرية المسلوبة منذ تسلّق حزب البعث جدران السلطة في دمشق عام 1963م، واستظل بهذا الحزب الفاشي الديكتاتور حافظ الأسد، وكرّس الديكتاتورية الطائفية المقيتة على سورية وشعب سورية، دون أن تنجو طائفة من النسيج السوري المتنوع من ظلمه وبغيه.

لقد كان وصف الثورة في سورية بالحرب الأهلية يخدم مصالح النظام الأسدي المجرم وحلفائه الطائفيين، فهذه التسمية توحي بأن جميع الأطراف ارتكبت جرائم بشكل متساوٍ، وتغفل عن حقيقة أن نظام الأسد هو الوحيد الذي ارتكب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب السوري. وإن استخدام السلاح الكيماوي، وحصار المدن، وقصف المستشفيات والمدارس، وتدمير البنى التحتية للمدن والبلدات والقرى، وتدمير الجوامع والكنائس في طول الجغرافية السورية وعرضها، وتهجير الملايين من السكان، لا يمكن أن يُختصر في عبارة ’’حرب أهلية‘‘. فهذه الحرب هي أفعال نظام يحاول التمسك بالسلطة على حساب أرواح أبناء الشعب السوري.

الأبعاد القانونية والسياسية:

الحديث عن حرب أهلية يُسقط البعد القانوني للجرائم التي ارتُكِبَت بحق الإنسانية. فالأنظمة الاستبدادية عندما تواجه حركات شعبية سلمية تطالب بالتغيير، تسعى إلى تحويل النزاع إلى ’’حرب أهلية‘‘ لتمييع المسؤوليات وتجنب المحاسبة القانونية. فقد استغل النظام الأسدي المجرم هذه التسمية ليصور نفسه كحامي للأقليات، وللتملص من المحاسبة، في حين أنه كان يقمع ثورة الشعب بوحشية غير مسبوقة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها.

مسؤولية المجتمع الدولي:

إن اعتماد مصطلح ’’الحرب الأهلية‘‘ يخفف من مسؤولية المجتمع الدولي في التدخل لحماية المدنيين ومعاقبة مرتكبي الجرائم. فقد تعاملت العديد من الدول مع الأزمة السورية على أنها نزاع داخلي، متجنبة التدخل الحاسم. والحقيقة هي أن ما يحدث في سورية هو ثورة ضد طغيان نظام قاتل، وأن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤوليته في محاسبة النظام على جرائمه.

وبناءً على ما تقدم، نطالب المجتمع الدولي بالتوقف عن استعمال مصطلح ’’الحرب الأهلية‘‘ أو أي مصطلح آخر يهدف إلى تحريف جوهر ما يحدث في سورية، كما ندعو إلى اعتماد المصطلح الصحيح الذي يُعَبِّرُ عن الواقع، وهو ’’الثورة السورية‘‘ أو ’’الثورة الشعبية‘‘. وإن استخدام المصطلحات الدقيقة هو خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة والتأكيد على أن ما يحدث هو انتفاضة شعبية ضد الاستبداد، وليست صراعاً داخلياً بين أطراف متساوية في المسؤولية.

ولعل ما يجري على الساحة السورية الآن من انكفاء النظام المهزوم إلى إعادة الانتشار والتموضع أمام زحف الثوار من الشمال والجنوب، وفرار جنوده وضباطه واستسلام البعض وانشقاق البعض الآخر وانضمامهم إلى الثوار، دليل على أنه علينا أن نكون دقيقين في توصيف الأمور، حتى لا نتجاهل تضحيات الشعب السوري ولا نسمح للجرائم التي ارتُكِبَت بالمرور دون عقاب. إنها ثورة يا سادة، وليست حرباً أهلية، وستثبت الأيام القابلة صحة ما ذهبنا إليه.

المراجع

– القبة الوطنية – 20/8/2024م.

– الجزيرة – 8/2/2014م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_ما_يجري_في_سورية_ليست_حرباً_أهلية

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات