مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_متى_سنرى_طحيناً_لجعجعة_إيران؟
كان العلماء فيما مضى يتزاورون في رحلة سَنوية أو نصف سَنوية؛ يرافقهم عدد من طلبتهم، وكان من هذه الزيارات زيارة الشيخ محمد أبو النصر (حِمص) إلى أخيه الشيخ محمد الإمام (عندان – حلب)، وكان للشيخ محمد زاوية كبيرة وقد امتلأت بعدد كبير من الطلبة والمحبين ليشهدوا ذلك اللقاء السنوي الكبير، وبعد استراحة وعشاء طلب الشيخ أبو النصر من أخيه الشيخ محمد أن يُكلِّف أحد تلامذته أن يخطب الناس خطبة وجيزة مُعَبِّرَة، فأشار الشيخ محمد إلى أحد تلامذته الذي يثق به وبعلمه أن يؤدي خطبة رصينة في حضرة الشيخ أبو النصر، فوقف الطالب وسَمَّى الرحمن ثم تَلا آية وأتبعها بحديث، ثم توقف وهو يردد (أقول.. أقول.. أقول) ولم يتوقف وهو يعيد ويكرر أقول، حتى ضاق صدر الشيخ أبو النصر منه وقال: قول شو بدك تقول بس قول.
وهذه الحادثة تذكرنا بالثورة الإيرانية التي انطلقت عام 1979م وهي حتى الآن وقادتها يرددون بصوت عال وفي جعجعة مبتذلة: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل، فلا أمريكا ماتت ولا إسرائيل اختفت، وكل ما فعلته هذه الثورة الخمينية خوض حرب مُدمِّرة مع العراق لثماني سنوات متتالية، قَدَّمت على مذبحها أكثر من مليون قتيل من العراقيين والإيرانيين، وبعد إخفاقها في تلك الحرب أمر خميني بوقفها ولعق مرارتها.
وفيما بعد تمكنت إيران؛ بفضل دعم وتآمر إسرائيل وأمريكا، من فرض سيطرتها على أربع عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)، متناسية كل شعاراتها السابقة مُضيفةً إلى ترسانتها شعارات جديدة: الطريق إلى القدس يمر عَبْرَ القلمون ثم حِمص وحماة وحلب والرقة ودير الزور، عَبْرَ شلال من دماء السوريين المسلمين السُنَّة.
واليوم وضع خبراء ومحللون عدة سيناريوهات لطبيعة الرد الذي تنوي إيران توجيهه إلى إسرائيل، بعد عملية الاغتيال التي تعرَّض لها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هَنِيَّة في طهران نهاية يوليو / تموز الماضي على الأراضي الإيرانية وفي أَعزّ وأمنع حصونها الأمنية.
ويأتي هذا الرد المحتمل في خِضَمِّ تهديدات إيرانية أطلقها الأحد 4/8/2024م حُجَّة الإسلام طائب مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني بأن ’’السيناريو مُصَمَّم للانتقام لدم الشهيد هَنِيَّة هو من السيناريوهات التي لا يمكن قراءتها‘‘.
ويتزامن مع هذه التهديدات ترقّب في إسرائيل؛ إذ رفعت حالة التأهب إلى الدرجة القصوى، بعد اغتيال هَنِيَّة في طهران فجر الأربعاء الماضي، وإعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في اليوم الذي سبقه.
كما ترافق ذلك مع استمرار حشد الولايات المتحدة مزيدا من السفن الحربية والطائرات المقاتلة، لِمَا تقول إنها لحماية قواتها وربيبتها إسرائيل من تهديدات إيران والفصائل المرتبطة بها.
تحديد طبيعة الرد الإيراني مرتبط بمدى الخرق الأمني الذي تعرضت له طهران باغتيال هَنِيَّة أو ما وقع لحزب الله في لبنان باغتيال فؤاد شكر، لذلك يرى المحللون أن ما تعرضت له إيران يُعَدُّ خرقاً أمنياً كبيراً وضَرباً للسيادة الإيرانية.
وأنَّ طبيعة الضربة التي تعرّضت لها إيران تجبرها على الرد باختراق سيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة، مما يرجح مسألة الضرب بالمِثل عَبْرَ استهداف قيادات سياسية، وهذا قد يُبَيّن سبب تأخر الضربة الإيرانية حتى هذه اللحظة.
من جانب آخر قد يكون تأخر الرد بانتظار إتمام إيران قنبلتها النووية، حتى تكون المقابلة بين الطرفين إسرائيل وإيران عادلة، فليس من المعقول أن تجابه إيران بغير حصولها على القنبلة النووية إسرائيل وهي دولة نووية.
وقد اعتبر عدد من المحللين أن اغتيال هَنِيَّة هو تحدي كبير لإيران على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية، ’’ومن هنا لا يمكن لإيران أن تقوم بِرَدٍ باهت أو محدود، وسترد بمستوى التحدي الذي واجهته في عملية اغتيال القائد الكبير إسماعيل هَنِيَّة‘‘.
واليوم وبعد وقوع جريمة اغتيال إسماعيل هَنِيَّة التي لم يكن الإيرانيون بعيدون عن مؤامرة اغتياله، سواء عن اختراق أجهزتهم الأمنية أو مشاركتهم الفعلية في عملية الاغتيال، ينادون بالثأر لإسماعيل هَنِيَّة بأعلى الصوت، ويدقون طبول الحرب، في جعجعة لم نَرَ من ورائها لا طحيناً ولا خُبزاً، وفي المقابل تقتل إسرائيل أهل غَزَّةَ
وأهل الضِفَّة بكل عنجهية ولؤم ووقاحة وحقد ودموية، وخامنئي يشحذ سكينه ولا نعرف مَنْ غير المسلمين سيكونون الضحية.
المراجع
الجزيرة – 5/8/2024م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_متى_سنرى_طحيناً_لجعجعة_إيران؟
