مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_مَنْ_يقود_مَنْ_أمريكا_أَمِ_الدولة_العِبْرِيَّة
يَحَارُ المحللون السياسيون والاستراتيجيون في تشخيص العلاقة الأمريكية – الصهيونية، وتتمثل هذه الحيرة في: من يستطيع فرض السيطرة والقرار على الآخر: الدولة العِبْرِيَّة أَمِ الولايات المتحدة، البعض يقول بأن الكيان الصهيوني هو من يتحكم بالولايات المتحدة، من خلال اللوبي الصهيوني فيها، ويعتمد أصحاب وجهة النظر هذه على جملة من الحقائق جوهرها: أن الولايات المتحدة لا تعصي للكيان الصهيوني أمراً، وهي ببغاء يُرَدِّدُ المقولات ووجهات النظر الصهيونية، ولعل ما فعلته الولايات المتحدة من تبنيها لكل ما قالته الدولة العِبْرِيَّة عن أسباب عدوانها الهمجي على غَزَّةَ دليل صارخ على تبعية أمريكا للدولة العِبْرِيَّة، وهناك العديد من هذه الأدلة منها: تراجع أوباما عن شروطه للدولة العِبْرِيَّة بضرورة وقف الاستيطان في الضفة الغربية؛ مقابل العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين، وهناك غيرها الكثير من الحقائق.
وفي حقيقة الأمر فإن العلاقة بين الصهيونية وأمريكا والدول الأوروبية تعود إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، أي ما قبل المؤتمر الصهيوني الأول في عام 1897م، وبعده، عندما استقر القرار الصهيوني على إنشاء الدولة العِبْرِيَّة في فلسطين.
وجاء بعدها مؤتمر كامبل – بنرمان للدول الاستعمارية في عام 1908م الذي تم الاتفاق فيه على إنشاء قوة صديقة للغرب ومعادية للعرب في فلسطين، لتمــــنع التواصل الجغرافي بين شطري الوطن العربي في آسيا وإفريقــــيا، ولتــــقف عقبة أمام تحرر العالم العربي من الاستعمار الغربي، وتُخطط لمنع توحيد أقطاره.
وتتابعت بعد ذلك الأحداث، فجاءت اتفاقية سايكس – بيكو ووعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين، والهجرة اليهودية إليها، وإقامة الكيان الصهيوني في عام 1948م، ومع أُفُول الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، وبدء تصاعد نجم الولايات المتحدة إبان وبعد الحرب العالمية الثانية، استطاع الصهاينة أن يتسللوا إلى الولايات المتحدة بِطُرق مختلفة، ويسيطروا من بداية أربعينيات القرن العشرين على المؤسسات المالية والإعلامية في الولايات المتحدة، ومن ثم على الرؤساء الأمريكيين، ابتداء من الرئيس هاري ترومان الذي أجبره اللوبي الصهيوني على الاعتراف بدولة العصابات الصهيونية بعد خمس دقائق من إعلان بن غوريون قيام دولة العصابات الصهيونية على جزء من أرض فلسطين العربية، وانتقل مركز ثقل الصهيونية من أوروبا إلى أمريكا وكان ذلك في العام 1942م (بعد مؤتمر بالتيمور) وبداية تشكليها لِلُّوبي الصهيوني، الذي كانت عناصره من الأساس موجودة ودفعت السياسة الأمريكية إلى تبني قيام الدولة العِبْرِيَّة.
وللعلم فإن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لا يتكوَّن من اليهود فقط، وإنما أيضاً من رأسماليين ومسيحيين أمريكيين، يؤمنون عقائدياً بأهمية دعم الدولة العِبْرِيَّة لأسباب دينية، وهؤلاء عُرِفُوا فيما بعد بالتيار الصهيو – مسيحي الذي يمتلك آلاف الكنائس والآلاف من الوسائل الإعلامية، والملايين من المؤيدين في كل أنحاء الولايات المتحدة، بمعنى آخر فإن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو أضعاف أضعاف عدد اليهود فيها، ولا يزال الرؤساء الأمريكيون يخضعون لهذا اللوبي الصهيوني الذي قام بقتل الرئيس جون كينيدي في سنة 1963م ولم تستطع حكومات الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم محاكمة قتلة رئيسها.
لقد قَبلت الحركة الصهيونية في أن تكون جزءاً أساسياً من منهج الرئيس الأمريكي ترومان السياسي وهو مفهوم الاحتواء الذي يرتكز على مفهوم توراتي يقول (من ليس معنا فهو ضدنا) – هذا النهج ردده بوش الابن عند احتلاله للعراق عام 2003م، ولم يكن من بنات أفكاره، واعتمدت الصهيونية أيضا منهج ترومان المتمثل في مبدأ القوة ولو تناقضت مع القانون الدولي.
لقد قَبلت الحركة الصهيونية أيضاً بأن تكون جُزءاً مهماً من الاستراتيجية الأمريكية بالنسبة للشرق الأوسط وللمنطقة، وأن تكون أيضاً جزءا من المنظومة الغربية في مواجهة الخطر الشيوعي أيام الاتحاد السوفييتي، ليس على صعيد الشرق الأوسط فقط، وإنما على الصعيد العالمي، وتطورت هذه العلاقة فيما بعد إلى الحد الذي اندمج فيه اللوبي الصهيوني تماماً في الاستراتيجية الأمريكية.
أما بالنسبة لمن يحكم الولايات المتحدة من الضروري التأكيد على: أن الرئيس الأمريكي المنتخب وبغض النظر أكان جمهورياً أم ديمقراطياً فهو واجهة للحكم الفعلي في الولايات المتحدة وهو المجمع الصناعي – العسكري -الرأسمالي، وكدليل على إثبات وجهة النظر هذه نُورِدُ بالنص بعض ما ذكره الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور في خطابه الوداعي إلى الأمريكيين مساء يوم 17 يناير من عام 1961م عن خطر هذا المجمع حيث يقول: ’’عَلَيَّ أنْ أقول صراحة أن هناك الآن مجموعة صناعية، عسكرية، مالية، سياسية، فكرية، تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية، ومع أننا نتفهم الظروف التي أدّت لنشأة هذه المجموعة، فإننا لا بُدَّ وأن نَحْذَر من استمرار وصولها إلى موقع التأثير المعنوي والسياسي والعلمي على القرار الأمريكي، لأن ذلك يُشكِّل خطراً شديداً علينا قبل أن يكون على غيرنا‘‘.
ويستطرد آيزنهاور قائلاً: ’’إذا ظل تأثير هذا المجمع على القرار الأمريكي فإن الخطر سوف يصيب حرياتنا، وممارستنا الديمقراطية، وقد يصل إلى حجب الحقائق عن المواطنين والخلط ما بين أمن الشعب الأمريكي وحرياته، وبين أهداف أطراف هذا المجمع ومصالحهم‘‘.
وإضافة إلى ما أدلى به الرئيس آيزنهاور، فإن المُراقب للسياستين الأمريكية والصهيونية؛ بالنسبة لشؤون الشرق الأوسط للتسوية مع الفلسطينيين أو مع العرب، أو بالنسبة للقضايا الدولية، فإنه سيلحظ: تماهياً كبيراً بين الطرفين.
أما أصحاب وجهة النظر الثانية فإنهم يعتمدون على جملة حقائق أبرزها: ما فرضه الرئيس آيزنهاور على الدولة العِبْرِيَّة إبان العدوان الثلاثي (الفرنسي – البريطاني – الصهيوني) على مصر عام 1956م، من تراجع بالانسحاب من سَيْنَاء وما فرضه على بريطانيا وفرنسا من انسحاب من على ضِفَّتَي القناة، ويعتمدون أيضاً على انسحاب الكيان الصهيوني من سَيْنَاء بعد اتفاقية كامب ديفـــيد في عام 1979م، وغيرها من الأدلة.
هذا لا يعني عدم وجود تَعارضات بالنسبة لهذه القضية أو تلك، لكنها ليست التَّعارضات التي تؤثر على التحالف الاستراتيجي بين الجانبين، وهو تَعارض مؤقت بالضرورة.
خِتاماً:
فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والدولة العِبْرِيَّة هي: التقاء مصالح بشكل كامل، وليس الأمر أن طرفاً بينهما يتلقّى أمراً من الطرف الآخر، ولعل تصريحات بعض القادة الصهاينة بقولهم: إن الدولة العِبْرِيَّة دولة مستقلة وذات سيادة ولا تتلقّى أوامرها من أحد، وأن الشعب اليهودي هو من ينتخب رئيس وزرائه وليست الولايات المتحدة من تُعَيِّنَهُ تؤيد ما ذهبنا إليه؛ من أن المصالح المشتركة هي التي تُخضع نوع العلاقة بين الدولتين.
المراجع
– القدس – 28/3/2012م.
– الخليج – 25/3/2010م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_مَنْ_يقود_مَنْ_أمريكا_أَمِ_الدولة_العِبْرِيَّة