الخميس, يناير 9, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسيمُعَوِّقَات تَوَحُّدْ فصائل الثورة السورية

مُعَوِّقَات تَوَحُّدْ فصائل الثورة السورية

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_مُعَوِّقَات_تَوَحُّدْ_فصائل_الثورة_السورية

بعد أشهر من خروج المظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط نظام المجرم بشار الأسد، ظهرت مجموعات محلية حملت السلاح الخفيف، لحماية التظاهرات ضمن المناطق الثائرة التي قابلتها قوات النظام وأجهزة الأمن و’’الشبيحة‘‘، بالرصاص الحي والاعتقالات واجتياح المدن والمناطق الثائرة.

ومع تبلور الصورة العسكرية عبر فصائل مسلحة أخذت طابعاً أكثر تنظيماً، توسعت رقعة العمل العسكري، وأُفلِتَت مناطق كثيرة من قبضة النظام الذي استخدم القوة ’’المُفْرِطة‘‘ لتطويعها، حتى صار العمل المسلح عماد مواجهة النظام حينها.

ومع دخول حلفاء النظام (روسيا وإيران وحزب اللُّات)، أخذت سيطرة المعارضة بالتراجع على الأرض، فتقلصت المساحات التي سيطرت عليها، وخَبَتْ نار ’’العمل العسكري الثوري‘‘ منذ مطلع عام 2020م، باستثناء محاولات ’’خجولة‘‘ للرد على قصف النظام وحلفائه الروس والإيرانيين.

وارتبطت كلمة ثائر وثورة بالعمل المسلح في سورية، وبقيت عالقة ومرتبطة في أذهان السوريين بالبندقية، وحقيقة الأمر فإن الثورة لا تتلخص بالعمل العسكري، فالثورات غالباً ما تبدأ سِلْمِيَّة وما يدفعها إلى العمل المسلح تعنّت الأنظمة الاستبدادية القمعية وتمسكها بالحكم، وبالتالي فإن الثورة ليست عسكرية، فالثورات فكر وليست عسكرة، فالثورة هي ذات طابع اجتماعي، وثقافي، واقتصادي، وثورة تحرر، والأداة العسكرية هي أداة للتغيير ولتحقيق أهداف الثورة، كما أن الهدف ليس العسكرة، بل الوصول بسورية إلى دولة تلبي مطالب الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

وغدت الثورة السورية تكتسب نمط الثورات الخضراء، ثورة شعبية عفوية وسلمية معاً، ولم تمتلك حزباً ثورياً محترفاً، ولا دعوة عقائدية عالمية تؤمّن لها دعماً دولياً من القوى الموالية لها، لأن الثورة لم تكن لديها أدوات سياسية، بل كانت الانتفاضة العامة والشاملة هي أداتها وجوهرها معاً، وأنَّ تَقَاطُع المصالح الإقليمية والدولية العديدة مع النظام القائم عَمِلَ على تحويل الثورة إلى حرب طويلة المدى، على حساب الثورة وشعبها.

في بداية الثورة تعددت الرايات والفصائل العسكرية كما تعددت الأسماء، رغم تصويب مختلف البندقيات باتجاه النظام وحلفائه، ورغم وجود جسمين عسكريين في مناطق شمال غربي سورية المحررة، أبرزها ’’الجيش الوطني‘‘ الذي ضم العديد من الفصائل التي قاتلت منذ بداية الثورة، وأُعلِنَ تشكيله في تشرين الأول 2019م، و”هيئة تحرير الشام” التي بدأت عملها العسكري منذ 2011م بِعْدَّةِ مُسَمَّيَات مختلفة، لِتُعرف باسمها الحالي منذ 28 من كانون الثاني 2017م، وأثار تَعَدُّدَ الرايات تساؤلات حول مُعَوِّقَات توحيد الصف، وأن تَعَدُّدَ الرايات جاء نتيجة لصراع الدول وحربها فيما بينها على أراضٍ سورية وبأيادٍ سورية، وتوحيد هذه الرايات مرتبط بالقرارات الدولية ومواقف الدول، سواء الولايات المتحدة أو روسيا أو تركيا.

وتأكد للجميع أن هذه الفصائل لا يُمكن أن تتحرر قبل إزاحة النظام، ما سَيُمَهِّد حينها لتوحيد الفصائل العسكرية وتشكيل جيش وطني حقيقي، بديل عن هيكلية النظام العسكري الفاشي الذي أقامه الطاغية حافظ الأسد، لِيُثَبِّتَ أقدامه في الحُكْمِ ويُدافع عنه وليس للدفاع عن الوطن، والذي وَرِثَهُ ابنه المجرم بشار الأسد، وبقي على ذات الغاية.

إنَّ الحديث عن افتقار ساحة الثورة لفتح معارك ضد النظام، فتح الباب أمام الأدوات العسكرية التي خسرتها الثورة اليوم، تلك الأدوات من مُعِدَّات وعتاد لا تزال موجودة، وأصبحت أفضل وأقدر على فتح المعارك وتحقيق النصر، لكنها مُحَجّمة وممنوعة من العمل.

تَحَوَّلَ الوضع في سورية مع الأيام إلى صراع دُول، وليس ثورة ضد نظام جائر فقط، فهناك من يدعم النظام المجرم عربياً ودولياً، وهناك من يدعم فصائل المعارضة، وكان الجميع يحافظون على الوضع الراهن، لتحقيق مكاسب سياسية وربما اقتصادية وربما جيو – استراتيجية في منطقة شرقي المتوسط، التي تُعتبر بقعة مهمة من الناحية الاستراتيجية عالمياً.

ومع تَقَدّم واسع في بداية الثورة للمعارضة السورية المسلحة التي تَشكّلت لغاية لم تُحققها، انكمش نفوذ النظام وتأثيره على الجغرافيا من جهة، وأمام المجتمع الدولي من جهة أخرى، حتى أتى التدخل الروسي المعادي للشعب السوري عام 2015م وقلب الموازين كلياً، ولِيُنقذ النظام المجرم من السقوط، مستفيداً من وهن المعارضة التي تفرقت سياسياً وعسكرياً، ما ألقى بظلاله على واقع الثورة.

لقد باتت سورية بِشِقَّيْهَا المحرر، وذاك المحتل، مرتبطة بالتفاهمات الأميركية – الروسية، ودخلت مرحلة التدويل الفعلي، وأَضحت ساحة صراع حقيقي، لتصفية حسابات دولية وإقليمية تتفق حينا، وتختلف أحيانا، ما جعل مستقبلها مرهونا بهذه التفاهمات المفتوحة في محاولة تحقيق روسيا استكمال مصالحها، بعد عودة الملف السوري إلى دائرة الاهتمام الأمريكية لإعادة ترسيم خرائط النفوذ في آستانة، وفي اللقاءات الثنائية التي جمعت موسكو وواشنطن في الجنوب السوري المشاطر للكيان الصهيوني، فيما تتباعد الحلول والتفاهمات عن الشمال السوري، وتتقاسم موسكو وواشنطن النصيب الأكبر من محركات الحرب ومفاعيلها ضمن تحالفات عسكرية تضم آلافاً من المرتزقة تُناط بهم أدوار مختلفة في المهام، وساحات الميدان، فتتفاهمان حول سورية بما هو معلن عنه في الأهداف والمصالح، وتختلفان في قضايا كبيرة، يأتي في مقدمتها حدود النفوذ في الشمال السوري، حيث تتعاظم التشابكات الدولية والإقليمية، إذ يقف الحليف التركي تائها بين موسكو وواشنطن، متوجسا من تطور العلاقة بين الحزب الكردي ’’ب ي د‘‘ المُصَنف إرهابيا وبين واشنطن، وبات ديدن أنقرة تغليب مصالحها الخاصة، ورغم ما بذلته من الدعم العسكري واللوجستي لفصائل الثورة، والإسهام في بناء قدرات الجيش السوري الحر، وكذلك إيواء المهجرين السوريين الذين يُعَدُّون بالملايين وما ترتب على وجودهم في تركيا من أعباء.

لقد مَرَّت الثورة السورية خلال 12 عاماً بعدة مراحل على صعيد المعارضة السياسية التي تجمعت لتنشئ أول حراك سياسي بعد انطلاق الاحتجاجات السلمية بثلاثة أشهر (في 30 من حزيران 2011م)، فأعلنت حينها عدة أحزاب سياسية وشخصيات معارضة تأسيس ما سُمِيَّ بـ ’’هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي‘‘، لتكون تحالفاً سياسياً يجمع ’’معارضة الداخل‘‘.

وبعد اجتماعات ومحادثات حضرها بعض أعضاء ’’هيئة التنسيق‘‘، أعلنت مجموعة من الشخصيات المعارضة من مدينة اسطنبول، في 2 من تشرين الثاني 2011م، تأسيس ’’المجلس الوطني السوري‘‘ كأول جسم سياسي ’’ممثل للثورة السورية‘‘ داخلياً وخارجياً، برئاسة المعارض السوري برهان غليون، دون أن تنضم للمجلس المُشكّل ’’هيئة التنسيق‘‘.

وفي عام 2012م، شَهِدَ ’’المجلس‘‘ عدة انسحابات لأحزاب وأشخاص منه، وتشكيل أحزاب مُنسلخة عنه، لأسباب عدة، منها خلافات داخلية بين الأحزاب، وانتقادات طالته بسبب ’’عجزه وتقاعسه عن العمل‘‘، ومروراً بالعديد من الأجسام والمسارات السياسية، من ’’الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية‘‘، ومِنَصَّتَي ’’القاهرة‘‘ و’’موسكو‘‘، و”الهيئة العليا للمفاوضات السورية‘‘، ومسارات ’’جنيف‘‘، ’’أستانا‘‘، ’’سوتشي‘‘، وانتهاء بـ”اللجنة الدستورية‘‘، تكررت المطالب وبرزت الحاجة إلى توحيد المعارضة، إذ لم تُفلح كل تلك المسارات بإحراز تَقَدُّم ملموس يُحقق جزءاً من مطالب الثورة.

لقد كانت الثورة تحتاج إلى قيادة سياسية تُوَحِّدُ الرؤية لتطبيق أهدافها ضمن استراتيجية واضحة، وهذا ما لم تملكه الثورة السورية، إذ سعت القيادات السياسية التي وُلِدت تزامناً معها إلى خَلْقِ منابر متعددة.

وكان هناك حاجة قصوى لتوحيد الصوت السوري المطالب بالتغيير في الداخل والخارج، إذ أدَّى الشعور بالفجوة الواضحة بين النُخَبْ السياسية والشارع السوري، إلى عدم الاكتراث بقيادات المعارضة السياسية، وبالتالي خسرت الثورة التلاحم الداخلي الذي وَلّده الشعور بوحدة الهم والغاية، كما خسرت الاحترام الدولي الذي فرضته تضحيات السوريين وإصرارهم على رفض الاستبداد واستعدادهم لدفع ثمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

وكان من أسباب خسارة الثورة لهذه الأدوات التي كانت تملكها سابقاً، إلى تنازع القادة العسكريين ومماحكات السياسيين، التي أسهمت بتغيير الصورة وصولاً إلى جمود الملف السياسي، وارتهان ما بقي من مؤسسات الثورة والمعارضة للدول الداعمة.

وبعد خسارة الثورة أهم أدواتها التي كان يعوّل عليها لتحقيق مطالبها، تثير تحركات المعارضة السورية اليوم التساؤلات حول مدى امتلاكها أوراق ضغط تُحرّك بها الملف السوري، في ظل غياب الإجراءات الفعلية المنسوبة لها وتَرَاجع سيطرتها العسكرية على الأرض، ووجود رؤية وخطة وبُنْيَة، لأن الأرض يمكن أن يسلبها عدو لفترة من الوقت، لكنه لن يستطيع الاحتفاظ بها إذا امتلك أصحاب تلك الأرض الرؤية الواضحة لتحرير أرضهم.

وإذا ما أرادت المعارضة السياسية استعادة المبادرة فهناك شروط ضرورية، كاستعادة العلاقة مع السوريين في الداخل والشتات، وتطوير خطة وبنية مناسبة للتعاطي مع التحدي، للاستفادة من الأدوات السياسية الحالية لدى المعارضة في سبيل حفظ استمرارية الثورة، عليها توحيد القدرات وهيكلة البنية المؤسسية وتطوير مشروع وطني محدد.

إن أبرز مُعَوِّقَات توحيد المعارضة تتجلى بالثقافة السياسية السورية التي لا تربط العمل السياسي بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية للفرد، وترى الوصول إلى السلطة غنيمة، إلى جانب غياب الجهود الضرورية لبناء الثقة والالتزام بالمبادئ والقواعد الضرورية للعمل العام والعمل المشترك، وإنَّ توحيد المعارضة ممكن بالعمل فقط، والانتقال من ’’شخصنة‘‘ القضايا إلى تجريدها عن العواطف الشخصية، وأنَّ ما يُفسر انقسام المعارضة السياسية اليوم هو عجزها عن تجاوز الخلافات التي هي بنسبة 90% منها شخصية وليست سياسية، ولعل في قابل الأيام نشهد تَوَحُّدَاً لفصائل الثورة والمعارضة السياسية لتعود للثورة أَلقها وعنفوانها وهيبتها.

المراجع

– عنب بلدي – 15/3/2022م.

– بلادي – 16/7/2017م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_مُعَوِّقَات_تَوَحُّدْ_فصائل_الثورة_السورية

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات