الجمعة, يناير 10, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسينفاق الغرب وازدواجية المعايير

نفاق الغرب وازدواجية المعايير

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_نفاق_الغرب_وازدواجية_المعايير

في آذار الماضي نشرت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية على صفحتها الرسمية في فيسبوك بياناً تدعو فيه الأجانب للتطوع لقتال الغزاة المعتدين الروس إلى جانب الجيش الأوكراني، وبعد هذا النداء بثلاثة أيام صَرَّحَ وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أن عدد طلبات التطوع تجاوز العشرين ألفاً، وقد استقبل الأوكرانيون حتى الآن مقاتلين من 52 دولة حول العالم، ليس ذلك فحسب، بل تم تدشين موقع رسمي على الإنترنت تحت مسمى ’’الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا‘‘، ومن خلاله يتقدم الراغبون بالتطوع للقتال بطلب الالتحاق بالفيلق، بينما يُفتح الباب على مصراعيه للمقاومة الأوكرانية وتُقَدَم لها جميع التسهيلات لمواجهة الغزو الروسي، فيما يُحظر على المقاومة الفلسطينية التي تُحارب المحتلين الصهاينة لاستعادة أرضها فتُجَفَّفُ منابع دعمها، ويُضَيَّقُ عليها وعلى كل من يتعامل معها دولياً ومحلياً، كل هذا ولا تزال غَزَّةَ حتى اليوم تحت حصار خانق منذ خمسة عشر عاماً؛ ويتم تصنيفها كحركة إرهابية.

والأكثر نفاقاً حين يتم منح لقب البطولة والشجاعة للمقاومة الأوكرانية، بينما تُوسم في فلسطين بالإرهاب والإجرام، وبهذا الشكل المنافق والمقيت؛ نرى العالم أعوراً لا يرى إلا بعين واحدة تبعاً لساحة القتال وعِرْقِ ودِيْنِ القاتل والمقتول.

هذا النفاق والتمايز بين شعب وآخر، يجري في الوقت الذي لا يزال فيه الفلسطينيون يقاومون الاحتلال الصهيوني ويدافعون عن أرضهم وحقهم المسلوب منذ أكثر من سبعين عاما، ولم يرَ المجتمع الدولي في كفاحهم حقٌ مشروع يستحق الدعم والمساندة، بل على العكس صَوَّرَهُم على أنهم إرهابيين وقتلة وداعشيين، بينما في أوكرانيا في حربها التي تدخل عامها الثاني فالحال يختلف، إنهم شجعان ويٌضَحُّون في سبيل بلدهم، أما الفلسطينيون فهم من لون آخر ونوع آخر من البشر هبطوا من المريخ أو من كوكب آخر لا يستحقون ما يستحقه الأوكرانيين.

أمام هذه الازدواجية المقيتة نتساءل ما الفرق بين الأوكراني والفلسطيني، وبماذا يختلف الغزو الروسي عن الغزو الصهيوني، السؤال ذاته طرحته النائبة البريطانية ’’جولي إليوت‘‘ في جلسة للبرلمان البريطاني، حيث قالت إن ’’ما يحدث لأوكرانيا لا يختلف عما يحدث في فلسطين منذ عقود‘‘ وتساءلت: ’’نفرض الآن المزيد من العقوبات على روسيا، لكن الفلسطينيّين يسألون: لماذا لا نفعل الشيء ذاته لإنهاء الاحتلال الصهيوني؟‘‘.

ونضيف لماذا لم يُطَبَّق على الكيان الصهيوني عشرات القرارات الأممية التي تُدين دولة الصهاينة وتُنصف الفلسطينيين وتعترف بحقوقهم المشروعة في فلسطين؟

يُعرَفُ هذا التناقض بازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين، ويرمز هذا المصطلح إلى سياسة الدول والمنظمات المتناقضة في تعاملهم مع نفس القضية أو مجموعة من الناس في أكثر من بلد، تكيل الدول والمنظمات وفق هذه الازدواجية بمكيالين، فتنصر المظلوم حينما يصب الأمر في صالحها، وتُناصر الظالم إن كان حليفاً أو صديقاً، يحكم ذلك المصالح الخاصة والسياسية والاعتبارات الأمنية والاقتصادية، وعليه تُصبح الأحكام والمبادئ والقوانين مُسَيَّسَة بحسب العِرْقِ والجنس والدِيْنِ، وحتى لون البشرة يلعب دوراً ليصبح التمييز أيضا في هوية القاتل والمقتول.

وهنا نرى النفاق السياسي والإنساني في التعامل بين البشر، وانتقاد النائب الإيرلندي ’’ريتشارد باريت‘‘ برلمان بلاده لتعامله بشكل متشدد مع الغزو الروسي بخلاف تعامله المتهاون مع الاحتلال الصهيوني، وقد وجه باريت كلامه للبرلمان قائلاً: ’’أنتم مسرورون الآن لوصف جرائم فلاديمير بوتين في أوكرانيا بأنها جرائم ضد الإنسانية، لكنكم لن تستخدموا هذه اللهجة عندما تتحدثون عن معاملة إسرائيل للفلسطينيين‘‘.

خمسة أيام كانت كافية لإصدار عقوبات على بوتين والسفاحين التابعين له، وتحويلهم إلى محكمة الجنايات الدولية، ألم تكن سبعين سنة من الاضطهاد في حق الفلسطينيين كافية لفرض العقوبات على الكيان الصهيوني، واعتبر باريت أنه ’’يتم التعامل مع الفلسطينيين على أنهم عِرْقٌ أدنى‘‘، واصفاً عدم فرض عقوبات على إسرائيل بالنفاق.

أما في إيطاليا فقد طالب السياسي الإيطالي أليساندرو دي باتيستا في مقابلة له مع قناة محلية بإرسال أسلحة إلى الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم، وقال: الفلسطينيون ليس لديهم دولة بسبب المجتمع الدولي المنافق، ويعيشون تحت الاحتلال العسكري والفصل العنصري، بينما اعترض المذيع على كلامه قائلاً: الأوكرانيون أخوة أوروبيون، لِيَرُدَّ عليه أليساندرو: ’’إذاً بناءً على لون البشرة يتم إرسال الأسلحة وكل أشكال الدعم‘‘.

أخوة أوروبيون، بشرتهم بيضاء وعيونهم ملونة، ليسوا كغيرهم من العرب أو الأفغان، سمعنا الكثير من مثل هذه الكلمات والتعابير مؤخراً، وتتناقلها ألسنة الصحفيين والسياسيين، فهذا كبير مراسلي قناة كندية عَلَّقَ على الحرب الدائرة في أوكرانيا بقوله: ’’لا يمكن مقارنة ما يحدث في أوكرانيا بما حدث في العراق أو أفغانستان، هذه دولة أوروبية مُتحَضِّرَة، لا تتوقع فيها حدوث الحرب أو تأمل ألا يحدث ذلك‘‘.

لقد أماطت الحرب الروسية – الأوكرانية اللثام عن الوجه الحقيقي للنظام الدولي المنافق، وكشفت زيف أحكامه ومبادئه الأخلاقية تجاه القضايا العربية العادلة، وحتى نرى التمييز بين اللاجئين من العرب الهاربين من الحروب والصراعات وطغيان الحكام، وغيرهم من اللاجئين القادمين من أوكرانيا، ولم يقتصر الأمر على المجتمع الدولي فحسب، حتى المنظمات والشركات هي الأخرى تكيل بمكيالين وتنافق بوجهين، فهذه شركة فيسبوك التي كانت وما تزال تفرض رقابة صارمة على المحتوى الفلسطيني المناصر للمقاومة والمناهض للكيان الصهيوني، سمحت بتداول محتوى يحرض على العنف ضد الغزاة الروس ويدعو لموت بوتين، تمارس فيسبوك انحيازها للاحتلال الصهيوني بشكل فاقع وصريح، إذ قامت بإغلاق مئات الحسابات وتعطيل عشرات الصفحات الناشطة التي تتحدث عن القضية الفلسطينية ومأساة الشعب الفلسطيني على مدار سبعين عاما.

وهناك عشرات الشركات التقنية والمالية كـ ’’سامسونغ وآبل ونيتفلكس‘‘ وغيرهم قاموا بتعطيل خدماتهم في روسيا أو بإيقاف تصدير منتجاتهم إليها في إطار حملة المقاطعة العالمية ضد الاحتلال الروسي.

ببساطة، ما كان يطالب به الفلسطينيون على مدى السنوات السبعين الماضية نَفَّذَهُ الغرب خلال خمسة أيام في أوكرانيا، عقوبات ومقاطعات رياضية وثقافية وإغلاق للأجواء، ودعم عسكري واستخباراتي وتكنولوجي للجيش الأوكراني وفتح باب التطوع للتجنيد في الجيش الأوكراني، وبالمقابل فإن أي طلب لفرض عقوبات على الكيان الصهيوني العنصري يبدو وكأنه نكتة فكاهية قديمة لم تعد تُجدي نفعاً.

غير أن أي مبادرة للضغط على الكيان الصهيوني العنصري تُواجَه بالفيتو الأمريكي وفوبيا معاداة السامية.

وعن طبيعة النظام الغربي يقول أستاذ الدراسات الإسلامية حافظ الكرمي ’’إن النظام الموجود في الغرب يقوم على الازدواجية بشكل أساسي‘‘، بمعنى: أنه فيما يخص الشعوب والمجتمعات داخل هذه الأنظمة يحاول أن يتعامل معها وفق قيم الحرية والديمقراطية وما إلى ذلك، لكن علاقته بالآخر ليس لها علاقة بالأخلاق، إنما تقوم على المصالح، فإذا كانت مصالحه تقوم على قتل هذه الشعوب في أفغانستان وفلسطين والعراق وسورية واليمن ولبنان وفي أي مكان آخر، فهو لا يَتَوَرّع عن ذلك.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_نفاق_الغرب_وازدواجية_المعايير

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات