
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_هل_العلاقة_السعودية_السورية_استراتيجية_أم_تكتيكية؟!
تتبدى الطريقة التي أدارت بها السعودية خلافها مع إيران كدليل على التحديات الكبيرة التي تواجهها في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. فقد أدت هذه الإدارة إلى خسائر مالية هائلة، وصلت إلى 72 مليار دولار سنوياً، مما استدعى بحث المملكة عن حلول سياسية وتخفيف التوترات. كما أثبتت الأحداث أن الاعتماد على الدعم الأمريكي لم يكن كافياً، خاصة بعد الضربة الكبيرة التي تعرضت لها منشآت آرامكو. في ظل هذه الظروف، يسعى محمد بن سلمان إلى إعادة التموضع السعودي تجاه الحلفاء، مع التأكيد على الحاجة إلى قراءة جديدة للأحداث العالمية، خاصة مع صعود الصين وتغير الديناميكيات في المنطقة. إن سعي السعودية لتحقيق الاستقرار يتطلب منها موازنة مصالحها مع إيران، بينما تظل حذرة من التطورات المستقبلية.
إدارة السعودية لخلافها مع إيران
من الواضح أن الطريقة التي أدارت السعودية فيها خلافها مع إيران لم تؤدِّ إلى النتائج التي سعت لتحقيقها، وبالعكس فقد أدّت إلى خسائر كبيرة ونفقات تصل، وفق مجلة التايمز اللندنية إلى 72 مليار دولار أمريكي سنوياً، أي نحو 216 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى للحرب، وربما انخفض هذا المعدل لاحقاً، غير أن الاستنزاف ظلّ كبيراً، وهو ما استدعى رغبة سعودية في التهدئة، والبحث بجدية أكثر عن حلول سياسية، إضافة إلى غدر حليفتها الإمارات العربية المتحدة التي كان لها أجندة خاصة بعيدة عن أهداف التحالف السعودي الإماراتي.
فشل الغطاء الأمريكي
وتأكد أيضاً أن المملكة ودول الخليج لحماية أمنها في مواجهة إيران من خلال الغطاء الأمريكي لم يثبت نجاحه، وأن الولايات المتحدة شريك لا يمكن الاعتماد عليه تماماً، وأن لأمريكا حساباتها الخاصة التي لا تتطابق تماماً مع الحسابات الخليجية؛ وكان أحد أبرز الأمثلة الضربة العنيفة التي تلقتها المنشآت السعودية، التابعة لآرامكو، في 14 أيلول / سبتمبر 2019م، حيث استهدفت طائرات مسيرة وصواريخ كروز إيرانية الصنع معمَلين أحدهما أكبر محطة تكرير نفط في العالم، وكانت ضربة شكَّلت صدمة كبيرة للسعوديين والخليج، خصوصاً وأن أمريكا لم تحرك ساكناً بعدها.
شخصية محمد بن سلمان
من ناحية أخرى، تلعب شخصية محمد بن سلمان، المتطلع لخلافة والده، وللظهور بمظهر الحاكم القوي الفعال، دوراً في إعادة التموضع السعودي تجاه الحلفاء وخاصة الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر، فإن الصعود الصيني العالمي، واتجاه العالم نحو نظام متعدد القطبية، مع تراجع المكانة العالمية لأمريكا، عكس نفسه على القراءة السعودية لخريطة القوى الدولية، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتعطي مزيداً من الدفع بهذا الاتجاه.
التطرف الإسرائيلي وتأثيره على العلاقات
ثم إن اتجاه الكيان الصهيوني لمزيد من التطرف، وتشكيل حكومة إسرائيلية من غلاة اليمين الديني والقومي، دفع باتجاه تخفيف الاتجاه نحو التطبيع السعودي مع الكيان؛ وبالتالي تراجع الحاجة السعودية لهكذا علاقات؛ وهو ما سهّل فرص الوصول إلى تفاهمات مع إيران.
في المقابل، فإن الاتفاق السعودي الإيراني، والتموضع السعودي الجديد، لا يعني تغيّراً استراتيجياً؛ وإنما قراءة واقعية للتغيرات دفعت إلى تموضع تكتيكي أو براغماتي متناسب مع المستجدات، دون أن يمس الخطوط الكبرى للسياسة للمملكة. وهذا التموضع المحدود، جرى بعلم وموافقة الولايات المتحدة، وهو تموضعٌ قد يتسع أو يضيق بحسب تطورات الأحداث؛ وهو ما يجعل من السابق لأوانه تسميته تموضعاً استراتيجياً.
النفوذ الأمريكي والعلاقات السعودية
إن مظلة النفوذ الأمريكي في المنطقة ما تزال قائمة، بالرغم من تراجعها البطيء. وما تزال شبكة العلاقات والمصالح السعودية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والأمنية تميل بشكل كبير لأمريكا وحلفائها وشركائها، وما زالت القوات السعودية تعتمد بشكل جوهري على السلاح الأمريكي والغربي بكافة أشكاله؛ كما أن معظم الأموال السعودية بما فيها صندوقها السيادي وودائع بنوكها موجودة في الولايات المتحدة والدول الغربية… وتحتاج السعودية سنوات عديدة للانفكاك عن هكذا علاقات عميقة ومتداخلة، أو على الأقل التحوّل إلى وضعٍ استراتيجي يُمكّنها في لحظة من اللحظات من الاستغناء عن الشراكات الاستراتيجية مع أمريكا، دون أن تأبه كثيراً بالإجراءات الأمريكية المضادة المحتملة.
دور الصين وروسيا
وفوق ذلك، فإن الصين نفسها ما زالت منشغلة بصعودها الاقتصادي العالمي، وليست مستعجلة ولا راغبة حالياً في التنافس السياسي والعسكري مع أمريكا أو الحلول مكانها في المنطقة؛ وإن كان منحنى سياساتها الخارجية أخذ يعطي مؤخراً ميلاً متدرجاً لتفعيل أدائها السياسي على المستوى الدولي. أما روسيا فإن أوضاعها وإمكاناتها الحالية لا تؤهلانها لملء الفراغ في المنطقة، حتى وإن رغبت في ذلك.
وبالرغم من التفاهمات الإيرانية السعودية إلا أن السعودية تبقى حذرة من إيران وتتمنى أن تجد الحليف الذي يدفع إيران إلى خارج المنطقة تَفادِياً لِشُرورِإيران، التي تنتهج سياسة التَّقِيَّةِ مع كل دول المنطقة، وهي في نظر العرب عدواً طامعاً في الهيمنة على البلاد العربية، وهذا ما كنا نسمعه من قيادة إيران بأن أهدافها هي السيطرة على العراق وسورية ولبنان واليمن، بحجة المقاومة والقضاء على إسرائيل.
أحداث سورية وتأثيرها على العلاقات
وحدث ما كانت تحلم به القيادة السعودية، وجاء الفارس الذي تمكن من فرط حلف المقاومة والممانعة وطرد إيران وميليشياتها من سورية، وتمكنت دمشق من نيل حريتها وهروب حاكمها الأخرق، فكانت السعودية في مقدمة من بارك للعهد الجديد بالنصر المؤزر.
وجاءت زيارة الشرع للسعودية بعد أن اتخذ عدة قرارات بعد تعيينه رئيساً للمرحلة الانتقالية لسورية، بحلّ مجلس الشعب والفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية والجيش، كما حلَّ حزب البعث الذي حكم البلاد على مدار خمسة عقود. أيضاً، أوقف الشرع العمل بالدستور السابق انتظاراً لإعلان دستوري مرتقب ليكون المرجع القانوني للبلاد في المرحلة الانتقالية. ومن المفترض أن تستمر المرحلة الانتقالية لأربع سنوات.
الشرع الذي صرح سابقاً بأنه وُلِدَ في السعودية ’’حيث كان يعمل والده في ذلك الوقت، وعاش فيها لبضع سنوات في بداية حياته‘‘، قال خلال مقابلة مع قناة العربية السعودية في كانون الأول / ديسمبر 2024م، إنه يتوقع أن يكون للسعودية ’’دور كبير جداً‘‘ في سورية، حيث يمكن أن تستفيد من ’’فرص استثمارية كبرى‘‘ بعد سقوط حُكْمِ الأسد.
وقال: ’’بالتأكيد السعودية سيكون لها دور كبير في مستقبل سورية والحالة التنموية التي نسعى إليها أيضاً سيكون السعوديون أيضاً شركاء فيها‘‘.
تحركات دبلوماسية جديدة
ومنذ تسلم الشرع للمرحلة الانتقالية في سورية، بدأت تحركات دبلوماسية دولية وعربية، فقد زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني السعودية مطلع شهر يناير / كانون الثاني 2025م، كأول وجهة خارجية له بعد الإطاحة بعد هروب بشار الأسد.
وزار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان دمشق أيضاً أواخر يناير / كانون الثاني، وأكد خلال زيارته وقوف بلاده إلى جانب الإدارة السورية الجديدة ودعمها في مسألة رفع العقوبات الغربية.
الدعم السعودي للشعب السوري
كما أطلق ’’مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية‘‘، جسراً جوياً لدعم الشعب السوري الذي يعاني من تراجع الاقتصاد في بلاده.
ومع كل هذه الإيجابيات لموقف السعودية من الحُكْمِ الجديد إلا أنه علينا أخذ الحيطة والحذر على ضوء مواقف السعودية السابقة من الثورة السورية، وسعيها للتطبيع مع المجرم بشار الأسد وتعويمه، رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب السوري وتدميره للمدن السورية، واللجوء إلى روسيا وإيران لتكون إلى جانبه في قتل الشعب السوري وتدمير المدن السورية والحيلولة دون سقوطه، مستلهمين معنى الحكمة: ’’أحبب حبيبك هَوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما‘‘.
المراجع
– مركز الزيتونة – 31/3/2023م.
– بي بي سي عربي – 2/2/2025م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_هل_العلاقة_السعودية_السورية_استراتيجية_أم_تكتيكية؟!

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_هل_العلاقة_السعودية_السورية_استراتيجية_أم_تكتيكية؟!