مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_هل_تَلُوحُ_في_الأُفق_عملية_عسكرية_تركية_في_شرق_الفرات
لا تزال العملية الإرهابية التي تبنّاها ’’حزب العُمّال الكردستاني‘‘، واستهدفت العمق الأمني والسياسي للدولة التركية في قلب عاصمتها أنقرة، تُلقي بظلالها على المشهد؛ مُثيرةً جملة من التعليقات والتحليلات، وخصوصاً بعدما توعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطابه السنوي أمام النواب، توعّد ’’الإرهابيين‘‘، بالمجيء إليهم في عُقرِ دارهم ’’فجأةً ذات ليلة‘‘، فقد شَنَّت المقاتلات التركية عَقِبَ العملية الإرهابية غارات على أهداف لـ ’’الكردستاني‘‘ في شمال العراق كـ ’’ردٍ أوّلي‘‘ على العملية.
لقد كان ذلك الهجوم الإرهابي الأول من نوعه في العاصمة التركية منذ سبع سنوات على أقل تقدير، واختير له مبنى مديرية الأمن التابعة لوزارة الداخلية على مَقْرُبَةٍ من مبنى البرلمان.
وبدا توقيت الهجوم الإرهابي مختارا بعناية ليوافق صباح يوم افتتاح السنة التشريعية الثانية للبرلمان التركي في دورته الـثامنة والعشرين، حيث كان مقرراً أن يلقي الرئيس أردوغان خطابا أمام أعضاء البرلمان.
كما أن الهجوم اختار هدفا أمنيا هو مديرية الأمن التابعة لوزارة الداخلية في قلب العاصمة أنقرة على مَقْرُبَةٍ من البرلمان وعدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، فإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق طريقة الهجوم التي تمثلت بعملية انتحارية حيث فَجَّرَ أحد المهاجميْن نفسه على مدخل مديرية الأمن، فإن بصمات حزب العمال الكردستاني تتبدى بوضوح في الهجوم الإرهابي.
وفي ما يبدو وعلى خلاف عمليات كثيرة سابقة فقد سارعت المنظمة الانفصالية لإعلان مسؤوليتها عن الهجوم عبر موقع إخباري مُقرّب منها.
كما أن الهجوم في توقيته يحاول التشويش على بدء عمل البرلمان في سنته التشريعية الجديدة كرسالة سياسية بخصوص القدرة على التأثير في المشهد السياسي الداخلي، بل وربما كان الهجوم من زاوية ما انتقاماً من نتائج الانتخابات الأخيرة التي جددت لأردوغان رئيسا، ولتحالفه أغلبية البرلمان على غير رغبة المنظمة الإرهابية الانفصالية المعلنة، فضلا عن فكرة الرد والانتقام من عمليات قتل عدد لا بأس به من قيادات التنظيم وكوادره الأساسية مؤخرا في سورية والعراق.
بهذه المعاني يظن ’’العُمّال الكردستاني‘‘ أنه يوصل رسائله الخاصة ويعلن عن أجندته الذاتية، ويحاول تحقيق مكاسب تتعلق به وبمشروعه بشكل مباشر، لكن حاله كحال الكثير من المنظمات الإرهابية والانفصالية لا تتجاوز في معظم ما تُنَفِّذه من هجمات وعمليات أن تكون ساعي بريد لإيصال رسائل سيئة الصياغة من حيث تدرك أو لا تدرك، وهو ما يدفع إلى ضرورة قراءة البُعد الخارجي للهجوم وعدم الاكتفاء بالمعطيات المحلية.
كما كان هدف العملية الإرهابية التشويش على انعقاد البرلمان وكلمة أردوغان أو محاولة إلغائهما أو تأجيلهما ولم يتحقق للمنظمة الإرهابية ذلك، فقد عقدت الجلسة وتكلم الرئيس التركي بكل رباطة جأش وتحدي، وكان الهجوم الإرهابي في مقدمة محاور خطابه أمام أعضاء البرلمان، مؤكدا على أن ’’الأنذال الذين استهدفوا سلامة مواطنينا وأمنهم لم ينجحوا ولن ينجحوا أبدا في تحقيق مبتغاهم‘‘ وعلى أن الهجوم ’’يُمثل الأنفاس الأخيرة للإرهاب‘‘.
حتى الجانب الأمني المتعلق بالعملية كُشِفَ معظمه تصريحاً وتلميحاً وتسريبا، بدءاَ من المركبة التي نُفَّذَت بها العملية والتي سُرقت بعد قتل صاحبها، وصولا إلى الأسلحة المستخدمة في الهجوم ومصادرها المحتملة.
أما خارجيا فليس من المتوقع أن يدفع الهجوم أنقرة للتراجع عن أي من مواقفها في القضايا المطروحة مؤخرا، من جنوب القوقاز إلى سورية، ومن ملف عضوية السويد في الناتو إلى ليبيا، ومن العراق إلى شرق المتوسط.
لقد لوَّحت تركيا منذ مدة ليست بالقصيرة بالحاجة لعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري للقضاء على بعض الجيوب والثغرات التي تستخدمها وحدات الحماية أو قوات سورية الديمقراطية لمهاجمة الداخل التركي.
وزير الدفاع يشار غولر ذكّر في حفل استقبال البرلمان بكلمة أردوغان ’’سنأتيكم ذات ليلة دون إنذار‘‘ التي اعتاد ترديدها للتهديد بعملية عسكرية جديدة في سورية، فيما تتحدث بعض كواليس أنقرة عن احتمالية أن تكون سورية مصدر السلاح المستخدم.
ولا يعني ذلك بالضرورة أن العملية باتت قريبة جدا، ولكن دوافعها ومسوغاتها تزداد مرة أخرى وتتأكد الحاجة لها على الأقل بالنسبة لأنقرة، أما الرد فيمكن أن يشمل مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك قتل عناصر قيادية في حزب العمال الكردستاني وامتداداته السورية، وقصف مراكز ومواقع لقوات الحماية في سورية، وعمليات شبيهة في العراق كما سلف ذكره، مع إبقاء التلويح بالعملية.
من هو حزب العُمّال الكردستاني الذي كان وراء التفجير الإرهابي؟
حزب العُمّال الكردستاني مجموعة مُسلّحة أسسها عبد الله أوجلان في جنوب شرق تركيا عام 1978م ترتكز على أيديولوجية مستقاة من الماركسية اللينينية.
بدأت المجموعة تمردها ضد الدولة التركية عام 1984م مستهدفة في بداية الأمر إنشاء دولة كردية مستقلة، ثم خفضت أهدافها عند حد زيادة الحقوق للأكراد والحكم الذاتي المحدود في جنوب شرق تركيا.
وحصد الصراع بين المجموعة الإرهابية والأمن التركي أرواح أكثر من 40 ألفا معظمهم من الإرهابيين، وتركز غالبية القتال في الماضي في المناطق الريفية في جنوب شرق تركيا؛ الذي تسكنه أغلبية كردية، لكن الحزب شن هجمات أيضاً في المناطق الحضرية، وتوسع العمليات الإرهابية جعلت تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تُدرج حزب العمّال الكردستاني في قائمة المنظمات الإرهابية.
من هي ’’كتيبة الخالدون‘‘ الإرهابية التي نَفَّذَت الهجوم؟
قال حزب العُمّال الكردستاني إن هجوم أنقرة نَفَّذَهُ أحد أفراد فرقة تابعة لوحدة تُسَمَّى ’’كتيبة الخالدون‘‘، وكان أحد قادة حزب العُمّال الكردستاني قد وصف الوحدة في الماضي بأنها مجموعة من الانتحاريين في خلايا نائمة.
حزب العُمّال الكردستاني:
نشط حزب العُمّال الكردستاني في سورية حتى عام 1998م حين اضطر أوجلان إلى الفرار وسط ضغوط تركية متزايدة وألقت القوات الخاصة التركية القبض عليه بعد عدة أشهر في كينيا وقضت عليه محكمة تركية بالإعدام في 1999م، وتم تخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة في أكتوبر / تشرين الأول 2002م، بعد أن ألغت تركيا عقوبة الإعدام، وما زال مسجوناً في جزيرة بالقرب من إسطنبول، وخفتت حدة القتال بعد القبض على أوجلان، مما أدى أيضا إلى عدد من موجات وقف إطلاق النار من جانب حزب العمال الكردستاني وحده وانسحاب المقاتلين المتمردين من تركيا.
بعد اندلاع أعمال العنف في وقت لاحق، شاركت تركيا وحزب العمّال الكردستاني في محادثات سلام منذ أواخر عام 2012م. لكن هذه العملية ووقف إطلاق النار انهارا في يوليو تموز 2015م، مما أطلق العنان لأكثر الفترات دموية في الصراع وإلى دمار واسع النطاق في بعض المناطق الحضرية في جنوب شرق تركيا.
أين تتركز العمليات الإرهابية لحزب العُمّال؟
في السنوات القليلة الماضية انتقلت المواجهة بين الإرهابيين والأمن التركي من جنوب شرق تركيا ليتركز أساساً في شمال العراق، حيث توجد قواعد لحزب العُمّال الكردستاني في جبال قنديل، وتحتفظ تركيا بعشرات المواقع العسكرية في الأراضي العراقية، وشَنَّت عمليات ضد الإرهابيين هناك، ودأبت تركيا على شن غارات جوية بطائرات حربية وطائرات مقاتلة مُسَيَّرَة.
كما تستهدف تركيا أيضا ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية في سورية التي تعتبرها تابعة لحزب العُمّال الكردستاني، والتي نَفَّذَت عمليات لإبعاد الإرهابيين عن حدودها، لكن وحدات حماية الشعب هي أيضاً رأس حربة التحالف الرئيسي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد ما يطلق عليه (داعش)، التي لم يَعُدْ لها وجود في المنطقة منذ زمن، والحديث عنها غايته بقاء قوى التحالف في المنطقة لتمكين عصابات قنديل من البقاء في المنطقة لتحمّل أعباء حماية الثروات الطبيعية التي تضع أمريكا يدها عليها، وكان دعم واشنطن لقوات سورية الديمقراطية مصدرا للتوتر بين الولايات المتحدة وتركيا لسنوات.
أخيراً:
قد تشهد الأيام القابلة عملية عسكرية تركية كبيرة وسريعة خاطفة، تُبعد قسد ومن لَفَّ لَفَّهَا من المنطقة، وتقطع دابر الإرهابيين والانفصاليين وتقضي على سراب حلمهم الموهوم، بإقامة دولة كردية على الأراضي السورية العراقية التركية.
المراجع
الأخبار – 4/10/2023م.
الجزيرة – 1/10/2023م .
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_هل_تَلُوحُ_في_الأُفق_عملية_عسكرية_تركية_في_شرق_الفرات