مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_هل_مِنْ_مصلحة_تركيا_لقاء_أردوغان_بالأسد
لا شيء في السياسة أبيض أو أسود؛ فهناك بين اللونين مساحة رمادية تلتقي فيها الأطراف المتخاصمة؛ لإيجاد حلول تؤدي إلى اللقاء وطرح الخلافات جانبا، فهل ستبقى العلاقات السورية التركية موضع شك وتأمل، رغم الدعوات المتكررة من الرئيس رجب طيب أردوغان لرئيس النظام السوري بشار الأسد، والتي كانت آخرها على هامش مشاركة أردوغان في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث قال إنه وَجَّهَ دعوة ’’للسيد الأسد‘‘، قبل أسبوعين، لعقد اجتماع ’’في تركيا أو دولة ثالثة‘‘، كما أعلن أنه أصدر توجيهات لوزير خارجيته، هاكان فيدان من أجل التواصل في هذا الشأن (ترتيب الاجتماع)، ولكي يتم ’’التغلب على القطيعة والمُضي قُدُمَاً في بدء عملية جديدة‘‘.
وقبل حديثه من واشنطن دعا أردوغان الأسد مرتين، وكانت إحداها للاجتماع في تركيا، ومع ذلك لم يُجب رئيس النظام السوري ومؤسساته الرسمية حتى الآن بالسلب أو الإيجاب، لكن الأسد ذاته، والذي لطالما وصفه الرئيس التركي في بدايات أحداث الثورة السورية لأكثر من مرة بـ ’’القاتل‘‘، كان قد كسر جزءا من الجمود بإعلانه مؤخرا ’’الانفتاح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سورية وتركيا‘‘.
وأنا في مقالي هذا أطرح الموضوع ليس بصفتي كاتب سوري وَلِيْ موقف مختلف عن موقف تركيا ودعوة أردوغان للقاء الأسد، وَلِيْ موقف لا يحيد تجاه من قتل مليون من أهلي وعشيرتي وجيراني وأحبابي، واعتقل وسجن نصف مليون مدني بريء مات أكثرهم تعذيباً أو تجويعاً، ودَمَّرَ العشرات من المدن والبلدات والقرى، وهَجَّرَ نصف الشعب السوري خارج وداخل سورية، بل أكتب بصفة محايدة ألتمس العذر لأردوغان إذا اقتضت مصلحة بلاده التقارب مع مجرم الحرب بشار الأسد.
كما أنَّ بشار الأسد الذي لا يملك ذرة من الخجل أو الحياء أو الندم عما فعله وهو يشترط أن تكون تلك المبادرات ’’مستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته‘‘، دون أن يتطرق إلى الشرط الذي نادى به سابقا للدفع بعملية ’’الحوار‘‘، والمتمثل بانسحاب القوات التركية من سورية.
وعلى أساس ذلك، اعتبر خبراء ومراقبون أن تراجع الأسد عن شرط ’’الانسحاب‘‘ وبصورة مبدئية يعطي دفعة لعملية ’’بناء الحوار‘‘ بين أنقرة ودمشق، وأن تصريحات أردوغان المتتالية بعد ذلك زادت من الزخم على نحو أكبر.
ولا يُعرف حتى الآن ما إذا كان الأسد وأردوغان سيلتقيان في المرحلة المقبلة، إن كان في تركيا أو في ’’دولة ثالثة‘‘، ويتوقع مراقبون من أنقرة ودمشق أنَّ ما يحصل الآن على صعيد التصريحات والدعوات يصب في إطار ’’وضع اللمسات الأخيرة على العملية الجديدة‘‘.
ويتوقع بعض المحللين السياسيين أن يزور وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان دمشق، من أجل ’’وضع خطة مفاوضات‘‘.
وترتبط ’’الاندفاعة‘‘ الحاصلة نحو الأسد ونظامه في سورية بِعِدَّةِ ’’مشاكل‘‘ تتطلب الحل، أولها قضية اللاجئين وضرورة عودتهم إلى البلاد.
وتتمثل الثانية بـ ’’الخطر‘‘ الذي يُشَكِّلَهُ ’’حزب العمال الكردستاني‘‘ على الأمن القومي التركي و’’قوات سورية الديمقراطية‘‘ التي تراها أنقرة مرتبطة به.
في المقابل لم تنكشف حتى الآن أولويات للنظام السوري، رغم أن مسؤوليه أشاروا سابقا إلى ضرورة ’’وضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سورية‘‘.
وطالبوا أيضا بـ ’’وقف دعم الإرهابيين‘‘ وبحث آلية تصنيفهم، في إشارة إلى فصائل المعارضة التي تدعمها أنقرة في شمال سورية.
كما وأنَّ هناك دور للزخم الروسي الجديد في رعاية هذا المسار ودخول العراق على خط الوساطة.
كما أن تركيا بحاجة إلى إشراك دمشق في استراتيجيتها الجديدة لمكافحة الإرهاب على غرار ما تم الاتفاق عليه مع العراق.
كما أن الاندفاعة التركية الحاصلة لا يمكن فصلها عن ’’الاستعداد لتحول محتمل في الموقف الأمريكي في سورية في حال عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض‘‘.
كما أن اندفاعة الرئيس التركي نحو الأسد ’’متعلقة بمصالح تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم حيث تنافسه الأحزاب المعارضة وتزاود عليه‘‘.
ويمكن أن تُعزى الرغبة المُلِحَّة الأخيرة في رغبة أردوغان لمقابلة بشار الأسد إلى العديد من العوامل السياسية والإقليمية ذات الصلة بالسياسة التركية الداخلية والخارجية.
ولذلك يحتاج الرئيس التركي الآن إلى إيجاد حل دائم لهذه المشكلة، ولكي يواجه أيضا الضغوط التي يتعرض لها في السياسة الداخلية التركية.
المراجع
تُرُكْ برس – 14/7/2024م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_هل_مِنْ_مصلحة_تركيا_لقاء_أردوغان_بالأسد