مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_إبراهيم_كوكي_هل_هنالك_فترة_أقبح_وأسوأ_من_فترة_نظام_الأسد_المخلوع؟
كلُّ السُّوريين يقولون: لا توجد أسوأ من هذه الفترة، وأيُّ ظرفٍ سيأتي على سورية لن يكون أسوأ من فترة النظام البائد.
قال هذا إخواننا المصريُّون وهم يحتفلون في ميدان التحرير بالقاهرة بتَنَحِّي مبارك، وذلك في أوَّل عام 2011م. نزلوا إلى السَّاحات احتفالًا، ثم انطلقوا إلى الشوارع ينظِّفونها. وقالوا: نحن مُقبلون على عهدٍ جديد، وهذا عهد الشَّباب المصري، والشباب اليوم في الشوارع يقولون كلمتهم، ولن يقف بوجههم أحد.
الإعلام الرَّسمي وشبه الرَّسمي والمستقل كان يحتفل بالثَّورة ويُمَجِّدُ بها. وفي أوَّل انتخابات برلمانيَّة أُقِيمَت بعد تنحِّي مبارك بسنةٍ فقط، فاز الإخوان بالانتخابات، واحتفل الشَّعب المصري بالانتخابات النزيهة التي كان فيها للثَّورة كلمتها، وجرت في أوَّل عام 2012م. بعد ستَّة أشهر فقط، تولَّى محمد مرسي – رحمه الله – الرِّئاسة في أوَّل انتخابات رئاسيَّة جرت بعد الثَّورة، وذلك في منتصف تمُّوز / يوليو 2012م.
بعدها خرج كلٌّ من الإعلام الحكومي الرَّسمي، والإعلام شبه الحكومي، والإعلام المستقل، ونزعوا أقنعتهم، وبدأوا بالهجوم بدايةً على الإخوان فقط بذريعة: ’’نحن فقط ضدَّ حُكْمِ المرشد‘‘. وبدأ الضخُّ باتجاه شيطنة حُكْمِ مرسي، ثم امتدَّ لينال من الثَّورة بدعوى أنَّ الثَّورة هي من فعلت بنا كلَّ هذا، وهي من أوصلت مرسي إلى الحُكْمِ. وبدأ الإعلام يهاجم الثَّورة بشكلٍ مباشر.
لم يستغرق الأمر سوى سنةٍ واحدة فقط، وخلال تلك السَّنة ظهر المُلَثَّمون، وحركة تمرُّد، وبلاك بلوك، والبلطجيَّة (مثل الشَّبِّيحة)، وفلول النِّظام، وجهات أُخرى كثيرة. أمَّا الشَّباب المصري المؤمن بالثَّورة فبقي يُدافع عن ثورته وهو متَّهم بأنَّه يدافع فقط عن الإخوان! فكان أمامه إمَّا أن ينزاح عن المشهد خوفًا من تُهمة الإخوان، أو أن يُدافع عن ثورته حتَّى النِّهاية بغضِّ النَّظر عن التَّبعات.
ومن أكثر المشاهد استفزازاً أنَّ حزب الزور (النُّور السَّلفي) دخل في انتخابات 2011م وشارك فيها، وكان الحزب الثَّاني في الفوز بالمقاعد، ومارس طيلة فترة حُكْمِ مرسي بكلِّ نفاقٍ وفجور فكرة: ’’كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائر‘‘. واليوم يعود حزب النُّور السَّلفي إلى الابتعاد عن السِّياسة لأنَّ الأحزاب حرام، ولأنَّ السِّياسة نجاسة، ولأنَّه لا يجوز الخروج على الحاكم!
وهكذا انتهت السَّنة التي لم يشهد الشَّعب المصري مثلها بالحريَّات والتَّحسُّن المعيشي منذ أكثر من مئة عام، وحدث الانقلاب العسكري بقيادة السِّيسي، واعتُقِلَ مرسي في 3 تمُّوز / يوليو 2013م. ثم بدأت ملاحقة شباب الثَّورة واعتقالهم بتُهمة أنَّهم إخوان. ولم يتنازلوا عن ثورتهم، واعتصموا بالآلاف في ميداني رابعة والنَّهضة حتَّى 14 آب / أغسطس حيث دخل الجيش وقوَّات الأمن والبلطجيَّة يقتلون المعتصمين. وتمَّ حمل جثثهم بالجرافات بالعشرات، وقد استُشهد في هذا اليوم أكثر من ألف شاب، وسقط آلاف المصابين.
ولم تتوقَّف ملاحقة شباب الثَّورة، والتَّحريض عليهم، وتبرُّع النَّاس بالإبلاغ عنهم. ولا ننسى أنَّ الشَّعب الذي احتفل بزوال المخلوع مبارك، نفسه كان يدعو لزوال حُكْمِ مرسي ويحتفل بمجزرة رابعة.
فما بين يناير 2011م، وأغسطس 2013م ليس أكثر من سنتين ونصف فقط! سنتين ونصف فقط تحوَّلت مصر فيها من بلدٍ ثائر إلى بلدٍ يكره الثَّورة ويترحَّم على عهد مبارك. سنتين ونصف انتقل الإعلاميُّون من مُباركين بالثَّورة إلى مهاجمين لها أشدَّ الهجوم. سنتين ونصف فقط تحوَّل فيها النَّاس من فرحين بزوال مبارك، إلى مباركين بمجزرة رابعة، ومنادين بسطوة العسكر. سنتين ونصف فقط تحوَّلت فيها مصر من دولة فيها فساد، إلى دولة في قاعٍ سحيق من الفساد.
بالتالي: سنتين ونصف فقط عادت فيها مصر إلى مستوى لا يتخيَّل أحد من المصريين أنَّ مصر ستصل إلى مستوى أسوأ من المستوى الذي كانت عليه أيام مبارك. ولكن ذلك حصل.
فما هو المتوقع في سورية؟
هؤلاء الذين رأيناهم في الأمس بذريعة أنَّهم يريدون دولة علمانية، لا تُصدِّقوا أنَّهم ينادون بالحُريَّات والإصلاح، ولا حتَّى يريدون دولة علمانية. هم يريدون فقط دولة البراميل. يريدون دولة صيدنايا. يريدون دولة الكيماوي. يريدون دولة الأسد ومخلوف. يريدون دولة الطائفة. يريدون دولة حُكْمِ العسكر. يريدون دولة الشَّبِّيحة وسرقة البلاد.
هم يريدون بالضَّرورة الدَّولة التي لا تسمح لأحد بالكلام ولا التَّعبير ولا النَّقد. فهم يمارسون حريَّة التَّعبير ليأتوا بدولةٍ تقمع حريَّة التَّعبير.
هم مثل فلول نظام مبارك، ومثل حركة تمرُّد، ومثل بلطجيَّة مصر، ومثل إعلاميِّي ماسبيرو. ثورتنا هي حياتنا، ومستقبلنا، ومستقبل الوطن كله، والشعب كله. إما أن نحافظ عليها بدمائنا ونحميها بكل قوة، ونُكَشِّر عن أظافرنا وأنيابنا لنحمي البلد وأهله، وإما أن نسارع بمحاكمة المجرمين والمحرِّضين والطائفيين معاً، وينالوا عقابهم.
أو أننا سنسمع بأُذُنِنَا اليوم الذي سيُقال فيه: ’’الله يرحم أيَّام حافظ الأسد كانت أحسن من الآن‘‘. ولا أنسى أنني سمعت فتاة ليبية تقول بعد مقتل القذافي بأقل من سنة فقط: ’’الله يرحم القذافي، كانت البلد على زمانه أحسن من الآن‘‘.
لن يتوقف الأمر عند ذلك، فهنالك المشانق التي ستُنصب لنا في السَّاحات، وستُصبح دمشق كلها وحماة كلها وحِمْص كلها مقابر جماعية. وسوء حال إدلب وما حولها سيصل إلى الحال الذي آلت إليه سَيْنَاءَ حين سُحقت البلد بمن فيها عن بُكْرَةِ أبيها. وسيعود صيدنايا ببناءٍ أحمر وأسود وأصفر ومن كلِّ الألوان، وسيكون لكلِّ بناء عدد لا محدود من الأقبية. ويومها: لن يُخرجنا أحد.
_________
أ.إبراهيم كوكي: كاتب وإعلامي سوري.
هذا التحليل السياسي يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_إبراهيم_كوكي_هل_هنالك_فترة_أقبح_وأسوأ_من_فترة_نظام_الأسد_المخلوع؟
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_إبراهيم_كوكي_هل_هنالك_فترة_أقبح_وأسوأ_من_فترة_نظام_الأسد_المخلوع؟