مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_نبيل_العتوم_مخطط_إيران_في_اليمن
ما هو مخطط إيران الحقيقي في اليمن؟ وما هي طبيعة استراتيجيها؟ وكيف تسعى إلى تعزيز وتثبيت وجودها هناك بعد تصفية الرئيس السابق علي عبد الله صالح؟.
تدخَّلت إيران بقوة عَبْرَ أدواتها المختلفة في اليمن، وكان دفاعها المنطقي عن ذلك التدخل وتبريره يتمثل في حُجَّة التعجيل بظهور ’’المهدي المنتظر‘‘ تحت عنوان تهيئة ’’جيش اليماني‘‘، ودعم مظلومية الحوثيين في مقابل يزيدي اليمن والجزيرة العربية، ولكن الدوافع الحقيقية هي الهيمنة على اليمن السعيد ومقدراته وموقعه الاستراتيجي المهم والحساس، وضمانه خنجراً في خاصرة دول الخليج العربي؛ ولاسِيَّما المملكة العربية السعودية.
لا أحد يبالغ مطلقاً في وصف قوة ونفوذ إيران في اليمن لتبرر طموحاتها التوسعيّة الخاصة. فإيران بجدارة هي السبب في الحرب الأهليّة اليمنيّة والحوثيون وكلاء ومخالب لها، إنها الفوضى العارمة، وإيران فعلاً هي من يتحكم باليمن.
فعلياً، فإن إيران دعمت الحوثيين – بانتهازيّة – لتخلق لها المجال لتمكين نفوذها ’’الجيوسياسي‘‘، وقد قامت بذلك بتوظيف مختلف أشكال قوتها للتحكم بأمن مضيق باب المندب في اليمن، الذي يتدفق عَبْرَهُ نفط بملايين الدولارات، وزَجَّت بنفسها عسكريّاً في أَتُون الأزمة اليمنية المستمرة هناك منذ أمد، مع يقين إيران – كما أعلن عن ذلك قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء ’’محمد علي جعفري‘‘ أول من أمس – بأن كل القوى الإقليمية والدولية لن تستطيع هزيمة الحوثيين، ولن يُوقِف أَيَّاً كان تمدد النفوذ الإيراني في اليمن.
لا شك بأن التدخل الإيراني قد أسهم في تعقيد مستوى الصراع، خاصة أن التدخل الإيراني لم يكن وليد الصدفة، ويجب الاعتراف بأنه لم يتم التعامل معه بجديَّة منذ البداية، وقد كان ذلك خطأً استراتيجياً فادحاً أدى إلى تضخم قُدرات الحركة الحوثية بالصورة التي نراها اليوم، خاصة بعدَ تحالفهم مع الرئيس اليمني السابق ’’علي عبد الله صالح‘‘ الذي قام بدوره بفتح مخازن الجيش أمامهم، أمَّا ما يجري اليوم وبعد اغتيال حليفهم صالح من شأنه أن يؤدي إلى مفاقمة الحرب واستفحالها، والسماح للحوثيين في اليمن بتوسيع عملياتهم، وخلق كارثة سياسية غير مسبوقة، ومن المحتمل جداً أن يُكسب ذلك تنظيم القاعدة، وداعش في اليمن، وشبه الجزيرة العربية بالفعل، ويُعيد بَعْثَهُ من جديد، وهو ما سيعقد الأزمة اليمنية، ويجعل منها رأس حربة لنشر العنف والإرهاب إلى دول الخليج العربي.
من الواضح تماماً أن ذلك يُمثِّلُ لحظة تاريخية لم تكن تتوقعها إيران للدخول إلى اليمن بقوة. ربما، بأمل أن تعكس التطورات الاستراتيجيّة الأخيرة في اليمن، وما جرى في أزمات المنطقة، ولاسِيَّما في سورية والعراق ولبنان لتعزيز مصالحها، وهو ما عَبَّرَ عنه أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني ’’علي شمخاني‘‘ اليوم وَاصفاً انتصارات إيران الإقليمية ’’بأنها تُشَكِّلُ هزائم ساحقة للخصوم؛ وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي فقدت جُلَّ حلفائها ونفوذها، وبموازاة ذلك باتت إيران اليوم، تتحكم بمسار الأحداث والتطورات بشكل رئيسي.
ترى طهران نفسها صاحبة بصمات التأثير التي كانت وراء هذه التغيُّرات الهائلة، والتي جاءت في خِضَمِّ الصراع – التنافس الاستراتيجي بين إيران وغرمائها خاصة المملكة العربيّة السعوديّة، ولذلك يبدو أنّ السعوديين قد تأخروا في قرار التدخل في اليمن، لأن الإيرانيين يقولون إنهم اقتنصوا الفرصة التاريخية بشكل استباقي في اليمن لمنع السعودية من تعزيز وجودها العسكري والأمني في هذا البلد.
تلعب طهران على وتر تغيير مجرى الأمور السياسية في اليمن لتكون وفق أسس لعبة سياسية قائمة على تجنيب الحوثيين أيَّة خسائر فادحة، وهذا يتطلب تحقيق أكبر مكاسب ميدانية، ومن ثم وَقْف إطلاق النار تعقبه مفاوضات بين جميع الأطراف اليمنية الكبرى بتوجيه ودعم وموافقة إيرانية، وإنتاج انتخابات برلمانية تضمن تمثيلاً واسعاً للحوثيين، يعقبه تشكيل حكومة محاصصة، شاملة الحركة الحوثية، الذين سيكون لهم تمثيل في كل مفاصل ومؤسسات الدولة السيادية عسكرية كانت أم أمنية أم سياسية، ممَّا يُشَكِّلُ ضربة كبيرة للنفوذ السعودي حسب الفهم الإيراني.
لا زالت طهران تركز في إعلامها على موضوع تضخيم الخسائر بين المدنيين في اليمن، وعرض الموضوع من خلال بعده الإنساني، وانشغال اتهام الرياض وأبو ظبي بمأساة ما يجري في اليمن.
في الوقت نفسه، تقديم الحوثيين أنهم العدو الأكثر شراسة وفاعليّة لضرب الإرهاب المتوقع إيرانياً ظهوره قريباً في اليمن، وهو ما بشَّرنا به قائد الحرس الثوري بالأمس، كالقاعدة وداعش والخلايا النائمة وأخواتها في اليمن، وفي كل مكان، وهذا سيسمح لإيران ووكلائهم الحوثيين الترويج والتسويق لأنفسهم كقوة محورية لديها الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة والغرب في عمليات مكافحة الإرهاب.
أمَّا بالنسبة للمطلوب من إيران حالياً، يجب أن تستمر في إطالة أمد الصراع اللاحسم عسكرياً في اليمن، حيث لها مصلحة قومية ووطنية في الاستمرار بتوريط التحالف العربي واستنزافهم هناك، كما يجب أن تُقَدِّمَ طهران أسلحة نوعية ومساعدات عاجلة إلى الحوثيين مهما كلَّف الأمر، ما يساعد إيران نحو مزيد من التوسع والهيمنة في المنطقة، الأمر الذي سوف يغير معه المشهد الاستراتيجي في المنطقة. ويثبت بأنّ إيران قوة إقليمية كبرى لها مشروعها ويجب أن تتصرف الآن بمسؤولية لمساعدة حلفائها بشكل أكبر، وفق سياسة إنعاش محور الممانعة، لتوظيفها خدمة للمشروع الإيراني.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_نبيل_العتوم_مخطط_إيران_في_اليمن
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_نبيل_العتوم_مخطط_إيران_في_اليمن