السبت, ديسمبر 21, 2024
spot_img
الرئيسيةتقدير موقفالاقتتال بين الفصائل المقاتلة(وجهة نظر)

الاقتتال بين الفصائل المقاتلة(وجهة نظر)

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_الاقتتال_بين_الفصائل_المقاتلة_وجهة_نظر

يُثَارُ في هذه الأوقات جدل عريض بين مكوّنات الثورة السورية، وتتباين المواقف فيه إلى درجة جعلت تلك المكوّنات تبتعد عن ثوابتها، وتتخبط في مواقفها، وتصبح أقرب إلى الخصومة فيما بينها، بدلا من المواقف المشتركة، التي تُحَتِّمُ عليها العمل المشترك. تجاه عَدُوٍ يتأذنها بالحرب، بل وتُوجِبُ عليها فضّ ما بينها من خصومة. استعدادا لتلك المواجهة التي كانت ولا تزال الأكثر دموية في التاريخ.

والغريب في هذه المسألة أن تُسارع شخصيات سياسية وإعلامية واجتماعية لتكون طرفاً في الخصومة الدائرة بين تلك المكوّنات وأن تُلْحِقَ بها شخصيات أخرى من أهل العلم الديني، لتكون بمثابة المُضاف إلى هذه الخصومة، ولتسبغ الشرعية على بعضها، مع أنها جميعا في حمأة الخصومة تفقد شرعيتها، وتصبح جهودها جميعا أكثر ضرراً بالسوريين، الذين وجدوا أنفسهم وبعد ست سنوات من الاقتتال الدامي في موقفٍ لا يُحْسَدُون عليه، وقد صَبَّت أفعالهم جميعا في خانة عدوهم، وأصبح جهدهم بمثابة الجهد المضاف لكل ما فيه القضاء على الثورة مع العلم أن المعارك في سورية ذهبت إلى أبعد ما كان متصورا قبل قيام الثورة وأن سورية اليوم تخضع لمخططات ثلاثة، هي اليوم قيد التنفيذ، وهذه المخططات باختصار:

1-مخطط التقسيم: حيث تتعرض سورية لتنفيذ مخطط التجزئة الذي يضطلع به التحالف الدولي (يُنْظَرُ المشروعان الصهيوني الصليبي والصفوي الإيراني الذي سبق نشرها في مركز أمية) والمشروع الصهيوني الصليبي هو الذي يُوضَعُ اليوم موضع التنفيذ، وهو الذي تتولى كبره اليوم الولايات المتحدة الأمريكية، ناسيةً أو متناسيةً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته في الأربعينيات، وكذلك مصالحها القومية في المنطقة فضلا عن مصداقية سياستها التي تُوضَعُ على المِحَكّ اليوم.

2-مخطط تغيير البنية الديموغرافية في سورية: وهذا المخطط أكثر خطورة من سابقه فهو يُدْخِلُ سورية كلها في خانة حرب إبادة. وما جرى في حلب والوعر والقصير ومضايا والزبداني وداريَّا، وما تتعرض له حاليا الغوطتان الشرقية والغربية يقيم الدليل على المُضِيّ قُدُمَاً من أجل ذلك المخطط الذي تتولى كبره إيران الصفوية وروسيا الصليبية فضلا عن النظام الذي من أهدافه القضاء على مكوّن العرب السُنّة في سورية كلها، وقد مضى عليه أكثر من نصف قرن وهو يخطط لذلك. وطائفية الجيش، وإثارة المعارك الجانبية مع الإسلاميين يعدان مقدمة لما جرى ولما يجري على الساحة السورية منذ الثامن من آذار سنة 1963م، وإلى اليوم.

3-مخطط استبدال الهوية السورية: وهي هوية عربية إسلامية بأخرى تفترض العداء مع الهوية العربية الإسلامية حيث يُراد لسورية أن تكون دولةً ديمقراطيةً علمانيةً متعددة الأجناس والأعراق فيدراليةً تقوم على اللامركزية، وتجعل من الجنس العربي مُداناً ومتهماً وموضوعاً تحت المراقبة وذلك للقضاء وبشكل دائم على الحراك الثوري الذي قد ينطلق في سورية حتى بعد الترتيبات النهائية التي يُراد لها أن تكون حاكمةً ودائمةً ومصيرية.

وعَوْدَاً على بدء، تكون المكوّنات المختلفة والمتحالفة فيما بينها على الساحة السورية مع من ناصرهم، بحكم المخطئ الذي يتحمل مسؤولية ما يحدث في سورية كلها. فليس أخطر من الاقتتال بين الإخوة ومن الاختلاف والتنازع الذي من شأنه أن  يُذْهِبَ ريح الجماعة، وأن يُمَكِّنَ عدوها منها ففي الحديث الشريف ’’إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار‘‘. ’’قالوا يارسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصا على قتل أخيه‘‘.

وفي تقديرنا أن هذا الحديث يتضمّن مجموعة من الأفكار التي يجب أن تُعْرَف بالضرورة. وهذه الأفكار:     

أولها – تقول بحرمة الدم المسلم: فـ ’’كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه‘‘. ’’بل هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من قتل امرىء مسلم‘‘.

وثانيها – تقول: بالمسؤولية المشتركة، حين الاقتتال بين المسلمين: فالمسلم لا يَحِقُّ له بحال من الأحوال أن يبادر إلى قتال أخيه المسلم. وهذا لعموم اللفظ، لقوله صلى الله عليه وسلم. ’’فالقاتل والمقتول في النار‘‘.

وثالثها – تقول: بضرورة أن يكون المسلم أحرص على سلامة أخيه المسلم: فهو لا يظلمه ولا يخذله؛ إذ أن حرصه على قتله يوقعه في غضب الله سبحانه؛ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إنه كان حريصا على قتل أخيه. وهذا هو الذي يجب أن يخاف منه المجاهدون بعامة.

إن هذه الأفكار العامة توقفنا أمام حقائق ثلاث كل واحدة منها مقدمة لسابقتها:

الحقيقة الأولى – تتعلق بشمولية النظر في الإسلام: والذين تَخَطُّوا هذه الحقيقة إلى الجزئيات. فجعلوا منها أصولا يُحْتَكَمُ إليها. قد يكونون ممن رتعوا في الفتنة – والعياذ بالله – وهذا يأتي في سياق قوله تعالى: ’’واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة‘‘.

الحقيقة الثانية – تتعلق بالاحتكام في المسألة: والاحتكام في المسألة فتوى. والفتوى التي تُقَدَّرُ زماناً ومكاناً ونصاً تتطلب فهماً عاماً يتصف بالخصوصية والشمولية معاً. وهاتان الصفتان جعلتا كثيراً من العلماء يهربون منها. لخوفهم من تبعاتها؛ كأن يُجانبهم الصواب، أو أن يشعروا أن ما لديهم من ذخيرة، لا يكفي لحل الإشكال في المسائل المعضلة. والمشاكل السورية اليوم تتطلب النَطَاسِيُّ الحكيم الأكثر! إحاطة بأسبابها وبواعثها وما تنطوي عليه من خطورة، وبما يجب أن تقوله تجاهها.

الحقيقة الثالثة – تتعلق بالترجيح وقوانينه: وبفقه المستجدات، وبفقه المصالح المرسلة. التي يجب أن يعرفها بالضرورة الذين يتصدرون للفتوى سِيَّمَا في أوقات الفتن، التي يكثر فيها الدخن وينتشر فيها الغبش، ويشيع فيها المنكر الذي قد يغدو عند بعضهم مستحبا.

وقد يكون واقعنا اليوم هو الأقرب إلى هذا التوصيف. فبأي سنلاقي الله، وقد أفتى بعضنا بقتل بعض. بل وأجاز الاقتتال أَخْذَاً بظاهر الآية من قوله تعالى: ’’وإذا بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله‘‘ ناسياً أن العدو واحد وأن المسلمين بعامة يتعرضون لمؤامرة كبرى صليبية صهيونية وصفوية إيرانية، وأن الجميع يضمهم تحالف دولي، وأن هذا التحالف لم ولن يُفَرِّقَ بين زيد أو عبيد منهم، إلا بقدر استعداده للتبعية والتعاون، ضد إخوانه المسلمين.

فهل فقه ذلك الفقهاء..؟

وهل علم ذلك العلماء..؟

وهل عرفه العارفون ممن يرون بنور الله.؟ أم لا زلنا بعد في حاجة إلى أن يفتح الله على بصائرنا فنكون من أهل التقوى فيما نذهب إليه من فتوى، وأن نحاذر الانسياق وراء مخططاتهم، وأن تكون جُهدا مضافا إلى جهودهم التي تُعَدُّ عدوة بامتياز، والتي يجب أن نخشاها، وأن نبتعد عنها، وأن نعمل ضدها، بمحض الفهم والعلم والمعرفة الواسعة، وليس بالآراء المجزوءة التي لم ولن تأتي بخير.

وإذا ما عدنا إلى التاريخ فسنجد مثلا وعبرة. ففي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري الخلاف ذَرَّ قرنه بين ملوك الطوائف وقد أصبحوا إلبا على بعضهم، وبعضهم كان لا يتورع أن يعقد التحالفات مع أعدائه ضد أبناء ملته. وقد بلغ بهم الأمر أن أخذت قوات ألفونسو السادس تجتاحهم ولاية بعد ولاية ومدينة بعد أخرى إلى أن وصلت إشبيلية كبرى ممالك الطوائف فاستنجد زعيمها المعتمد بن عبَّاد الإشبيلي بزعيم المرابطين في المغرب يوسف بن تاشفين الذي سرعان ما لبّاه وتقدم بجيشه الضارب، وهزم ألفونسو في معركة الزلّاقة المشهورة. والتي قال بعدها المؤرخون إن ابن تاشفين مد بعمر الإسلام في الأندلس أربعة قرون وبعد عودة ابن تاشفين إلى المغرب عادوا إلى سياساتهم القديمة وبعضهم أخذ يُنَسِّقُ مع الإسبان، وقد تعاهدوا معهم على أن يقاتلوا ابن تاشفين مشتركين فيما لو عاود اقتحام الجزيرة مرة ثانية. ولمَّا علم ابن تاشفين بالخبر أرسل إلى بغداد يطلب الفتوى هل يجوز قتال المسلم المسلم، وكان صاحب الفتوى أبو حامد الغزالي تـ 505هـ. فكانت فتواه: ’’أن إذا ثبت تعاون المسلم مع الكافر جاز قتاله‘‘. فبأي آلاء ربك تكذب بعد، أيها المتآمر على بلده، الذي أشعل نارا بينه وبين إخوانه بل وقَبِلَ أن يكون ظهيرا وتابعا لأعدائه، يُنَفِّذُ سياساتهم على وفق مخططاتهم، ويجري خلفهم، ويأتمر بأمرهم، وهو يعرف حق المعرفة أن بئس المصير ينتظرهم جميعا، إن لم يكن اليوم فغدا.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_الاقتتال_بين_الفصائل_المقاتلة_وجهة_نظر

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات