مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_دور_الأدباء_والإعلاميين_والشعراء_في_معركتنا_مع_الصهاينة
بعد أن غرقت الأمة في الواقعية وصوّر لها التابعون للسلطات وللغرب حالات الضعف والسقوط والعجز؛ والخضوع والخوف والهزيمة النفسية، فإن حاجتها تشتد في تصوير رواية بطولات الكثير من رجالها، الذين ضَحُّوا بأنفسهم من أجل تحرير أوطانهم، وتضحيات الكثير من نسائها، وإصرارهن على الدفاع عن حق أبنائهن وإخوانهن في أن يكونوا أبطالاً وقادة.
الأمة تحتاج لأدباء يقاتلون من أجل الحرية، وشعراء يصدحون في فضاء الحرية والكرامة، وإعلاميون يوجهون كمراتهم ليصوروا كفاح الأبطال الذين قرروا بإرادتهم الحرة أن يحرروا مسجدهم الأقصى وأسراهم، وأن يُغيِّروا واقع الأمة الكئيب، وأن يعيدوا لها العزة والكرامة والمجد.
وهذه القصص هي التي ستكسب قلوب الملايين من العرب الحالمين بالحرية والعدل، وسوف يتفاعلون مع هذه القصص؛ ويستخدمونها لتربية أبنائهم ليصبحوا قادة المستقبل.
الأدباء والشعراء والإعلاميون الذين يقاتلون من أجل الحرية هم الذين يمكن أن يبنوا نهضة أدبية عربية وإعلاماً جديداً يساهم في بناء مجتمع عربي للمعرفة، فقصص أبطال وبطلات فلسطين؛ تُشَكِّلُ ثروة أدبية رائعة للأمة العربية، تطلق العنان لخيال الملايين من شباب الأمة لِيُنتجوا أفكاراً جديدة، تُسْهِمُ في بناء قوة الأمة الصلبة والناعمة.
وهناك الآلاف من الأبطال والشهداء في تاريخنا تُشَكِّلُ قصصهم ثروة معرفية، يمكن أن نستخدمها في إدارة صراع طويل المدى مع العدو الصهيوني، يمكن باستخدام وسائل الإعلام أن يدحض أكاذيب ومفتريات بني صهيون في عقول الغربيين.
وهل هناك مآسي تستحق التصوير الأدبي أكثر من تلك التي حَلَّت بنا، فقصص المآسي والجراحات والآلام التي حَلَّت بأهلنا في سورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين، من معاناة إنسانية حقيقية يمكن أن تثير العواطف النبيلة للإنسان، ولا أعتقد أن هناك أكثر من معاناة شعوب تتوق للحرية والانعتاق من ظُلم حكامها الساديين، أو من الحالمين بالعودة إلى أرضهم؛ التي اغتصبها منهم الصهاينة بالقوة الغاشمة التي حصلوا عليها من دول الغرب الاستعمارية منذ خمس وسبعين عاما.
وحتى يتحقق لنا ذلك علينا دراسة دور القصص في بناء القوة الناعمة والتأثير على شعوب العالم، وتشكيل الرأي العام، فالقصص من أهم الوسائل المستخدمة في إثارة العواطف، وكسب القلوب.
لذلك لا يقوم العسكريون فقط بإدارة الحروب الحديثة، فهناك خبراء الدعاية والدراما والعلاقات العامة الذين يُحَوِّلون الضحايا إلى أبطال يدافعون عن قضية إنسانية، بينما يتم تصوير الصفة الحقيقية غير الإنسانية التي يتصف بها الأعداء، ونسبة الأعمال الإجرامية لهم، وتصوير حقيقة العدو الذي لا يدافع عن قضية إنسانية، أو عن الحق والعدل، بل يدافع عن توحشه وعنصريته وأطماعه.
لقد اهتمت المنظمة الصهيونية العالمية منذ تأسيسها بالإعلام؛ من أجل الترويج للصهيونية والهجرة إلى فلسطين؛ حيث قال هرتزل في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية ’’دي وولت‘‘، بتاريخ 3\6\1897م: ’’يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعاً للشعب اليهودي، وسلاحاً ضد أعداء الشعب‘‘. وقُبَيْلَ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948م؛ عَمِلَ قادة الحركة الصهيونية على كافة المستويات التي تمكنهم من القيام بوظيفة الدولة، وكان الإعلام أحد أهم هذه المستويات. وقد نشطت خلال تلك الفترة ’’إذاعة إسرائيل‘‘، وأربع عشر صحيفة صهيونية، منها أربع صُحف ناطقة بالعربية، وموجهة للفلسطينيين والغرب لتخدم أغراضا صهيونية؛ ومن أشهر هذه الصحف (صحيفة هآرتس ويديعوت أحرونوت ومعاريف ودافار)؛ أما الصحف الناطقة بالعربية فهي: (بريد السلام، وصحيفة السلام، واتحاد العمال، وحقيقة الأمر). وكانت أهداف كل تلك الوسائل في الدعاية والإعلام؛ هي تثبيت أقدام الصهاينة وترويع وتخويف العرب الفلسطينيين؛ كذلك الدعاية من أجل الترويج للهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
وخاضت الدولة العِبْرِيَّة من خلال التلفزيون والإذاعة حربها الإعلامية، عَبْرَ حَملات دعائية نفسية للتأثير على الروح المعنوية والسياسية لأبناء الشعب الفلسطيني خاصة والشعوب العربية عامة، واستخدمت في سبيل ذلك أرقى أنواع التكنولوجيا، وأساليب التمويه البالغ الدقة؛ فقد رَوَّجَت لأسطورة ’’الجيش الذي لا يُقهر‘‘، وبثت الإشاعات حول طريقة اغتيال وقتل القيادات لفلسطينية، واصفة قواتها المُنَفِّذَة بـ (السوبر)، وجاءت معركة طوفان الأقصى لتدحض كل هذه الأكاذيب والخرافات، وتَثَبَّتَ للعالم أن مقولة جيش الكيان الصهيوني الذي لا يُقهر ما هو إلا نمر عجوز من ورق، وقد مَرغَّت أنفه كتائب القسَّام في وَحْلِ الهزيمة والعار والشَّنَارُ، في الساعات الأولى من هذه المعركة الخالدة التي لم تنته رغم مرور أكثر من أربعين يوماً عليها، اللهم إلا من تَغَوُّلِ الصهاينة الجبناء على هدم المستشفيات والمدارس والبيوت وقتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، وحَبْكِ الافتراءات والتخرصات برعاية أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية وكندية واسترالية، وبدأت هذه الأكاذيب تتعرى أمام الشعوب حيث ملأت المظاهرات والمسيرات عواصم العالم؛ تأييداً لأهل غَزَّةَ وتنديداً بالكيان الصهيوني.
لقد تطور عِلْمُ إدارة الصراع؛ فأصبحت القصص الإنسانية تحتل فيه مكانتها المهمة كوسيلة للتأثير، وكسب القلوب، وإثارة العواطف، وتشكيل الرأي العام المحلي والدولي.
قال أحد الباحثين الصهاينة: إن الإعلام العالمي يخدم دولة الكيان الصهيوني؛ حيث يُحَوِّلُ قتلاها إلى قصص، بينما يُقَدِّمُ الضحايا الفلسطينيين مُجَرَّد أرقام، وهذا ما نشاهده ونتعايشه الآن، وقد أصبحت هذه الدعاية من الماضي واستفاقت الشعوب على الحقائق المُرة.
ودراسة تلك الحالة يمكن أن تفتح لنا مجالات جديدة للكفاح، وبناء نهضة أدبية عربية جديدة، تستثمر قصص شهداء المقاومة الفلسطينية وأبطالها في زيادة وعي الأمة، وإعداد جيل جديد من القادة والمقاتلين من أجل الحرية.
لقد كان تأييد الدولة العِبْرِيَّة والدفاع عنها هو المَدْخَل لقلوب الناخبين في أمريكا والغرب، فالسياسي الذي يريد النجاح في الانتخابات يُعَبِّرُ عن تعاطفه مع اليهود، ويدافع عن حق الدولة العِبْرِيَّة في الدفاع عن نفسها، في مقابل غياب الإعلام العربي المشغول في متابعة ما يقوم به الحكام العرب وما يرغبون به، بعيداً عن قضايا الأمة ومصالح شعوبهم.
لذلك تُعَدُّ عملية استخدام القصص الإنسانية من أهم مجالات إدارة الصراع، وأصبح هناك خبراء في بناء هذه القصص واستخدامها لبناء صورة إيجابية للدولة، وإظهار صورة العدو على حقيقتها.
لذلك لا يقوم العسكريون فقط بإدارة الحروب الحديثة، فهناك خبراء الدعاية والدراما والعلاقات العامة الذين يُحَوِّلُون الضحايا إلى أبطال يدافعون عن قضية إنسانية، بينما يتم نزع الصفة الإنسانية عن الأعداء، ونسبة الأعمال الإجرامية لهم، وتصوير العدو بأنه لا يدافع عن قضية إنسانية، أو عن الحق والعدل.
مشكلتنا نحن العرب في أنَّ الأنظمة العربية المُتسلطة على شعوبها؛ تريد أن تقوم وسائل الإعلام بتطوير أدائها الإعلامي فقط في مدحها؛ وعدم نزع ورقة التوت عن سوءاتها.
لذلك أصبحت وسائل الإعلام العربية يديرها الذين لا يعلمون شيئاً عن علوم الإعلام والاتصال، ويَعتبر القادة وحكام الدول أن الإعلام يُشَكِّلُ خطراَ عليهم وعلى سلطانهم، فكان لا بُدَّ من وجود إعلاميين يُطَبِّلُون ويَتملَّقُون لهذه الأنظمة، من أجل بعض المكاسب الرخيصة التي يحصلون عليها حفاظاً على مواقعهم، فيرددون صباح مساء عبارات التمجيد لهؤلاء الحكام، ناعتين هذه الأنظمة بتحقيقها إنجازات لم يحققها أحد غيرهم طوال التاريخ.
ويتساءل المواطن العربي المتابع لهذه القنوات: أين القصص الإنسانية لأبطال فلسطين، الذين وَدَّعُوا أُسَرهم وأحبابهم يوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023م، وانطلقوا يُقدِّمُون للعالم كله نموذجا متميزاً للبطولة والتضحية لتحرير المسجد الأقصى، الذي يحتل مكانته المهمة في العقيدة والحضارة الإسلامية.
فهل تكون قصص رجال طوفان الأقصى بداية مرحلة جديدة، ينتقل فيها الإعلام نقلة نوعية؛ يحاكي بطولات رجال المقاومة الشجعان ومن خَلْفِهِم نساء صابرات مكافحات محتسبات، يَشْدُدْنَ أزر أزواجهن وإخوانهن وآبائهن، ويحكون قصص البطولة والتضحية والعطاء التي يُقَدِّمُها هؤلاء المقاتلون الأفذاذ؟
إن صور شهدائنا في طوفان الأقصى تثير الخيال الذي سينطلق ليكتشف آفاقاً جديدة للكفاح والمقاومة والتحرير، والكثير من الأدباء يمكن أن يصوروا تضحيات الأبطال، وإصرار المقاتلين على تحقيق الحرية بمعناها الإسلامي الحضاري، الذي يرتبط بالإيمان والقوة والعمل لبناء الحضارة وتحقيق العدل.
ومن المؤكد أن أمتنا تستطيع أن تبني نهضة علمية وأدبية وإعلامية تُشَكِّلُ أساساً لعودة الحضارة الإسلامية، وقصص الأبطال تثير الخيال، وتشحذ الإرادة.
وكان هؤلاء الأبطال أجمل وأنبل مقاتلين من أجل الحرية؛ فهم أصحاب رسالة وقضية، يُضَحُّونَ من أجلها بأروحهم بكل سخاء وعظيم عطاء.
المراجع
وكالة وفا الفلسطينية – 2023م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_دور_الأدباء_والإعلاميين_والشعراء_في_معركتنا_مع_الصهاينة
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_دور_الأدباء_والإعلاميين_والشعراء_في_معركتنا_مع_الصهاينة