مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_شُكراً_جنوب_إفريقيا_فقد_فعلتِ_ما_لم_تفعله_57_دولة_عربية_وإسلامية
مصيبة العرب والمسلمين تكمن في أنَّ معظم حُكامهم الذين وصلوا إلى السُلطة كان عبر مؤامرات دولية حيكت في ليل بهيم، ليكونوا أداة طَيِّعة بِيَدِ من نَصّبهم دون النظر إلى استقلال بلدانهم ومصالح شعوبهم وأوطانهم، ولا أدل على ذلك من مواقفهم المخجلة أمام كل جلل يصيب الأمة في أوطانها وفي بلدانها، فقد اجتاحت الولايات المتحدة أفغانستان واحتلت العراق وكانت جيوش العرب والمسلمين في مقدمة جيوش الغزو والاحتلال، ومن ثم تقديم العراق هدية لمعممي قُمْ الروافض، وفعل نفس الشيء بالنسبة لدمشق وصنعاء بعد أن تم تدمير وقتل الملايين وتهجير الملايين في هذه البلدان، ليمتد الهلال الشيعي من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق وصنعاء.
وعندما بدأ العدوان الصهيوني على غَزَّةَ لم يتحرك العرب والمسلمون لنجدتهم لوقف العدوان عليهم، أو حتى عقد قمة عربية أو إسلامية؛ وحتى إن كانت شكلية كما تعودنا على ذلك، لمواجهة هذا العدوان الغاشم؛ إلا بعد الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، ومرور أكثر من شهر على الغزو والعدوان، لتستضيف الرياض قمة عربية – إسلامية غير عادية في 11 نوفمبر / تشرين الثاني 2023م لمناقشة العدوان الصهيوني على غَزَّةَ بعد أكثرَ من شهر على بدئه كما قلنا، ورغم أنَّ الدافع لجمع القمَّتَين العربية والإسلامية، كان لتوحيد الجهود بهذا الخصوص، إلا أنَّ بنود القرار الختامي للقمة كانت مخيبة للآمال وأبعد ما تكون عن الفعل والتّأثير.
لقد تميّزت القمّة بمشاركة رفيعة المستوى من قيادات الدول العربيّة والإسلاميّة، حيث شاركت معظم الدول المؤثّرة على مستوى الرؤساء، مما أضافَ معنى لجمْع القمَّتَين في قمة واحدة، وقد ركّزت كلماتُ معظم القادة المتحدّثين على ضرورة الوقف الفوريّ لإطلاق النار، وإدخال المساعدات لسكّان قطاع غَزَّةَ، ورفض فكرة التّهجير نحو جنوب القطاع أو مصرَ- كما كانت تدعو حكومة الاحتلال – والتّأكيد على حقوق الشعب الفلسطينيّ، ومنها إقامة دولته المستقلّة.
وصدرَ عن القمَّة قرارٌ تقدّمتْه ديباجةٌ أكَّدت على التعبير عن: ’’موقفنا الموحّد في إدانة العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطينيّ‘‘، وعلى أنَّنا: ’’نتصدّى معاً لهذا العدوان، والكارثة الإنسانيّة التي يسبّبها، مشيرةً إلى عمل القمّة على وقف العدوان وإنهاء كل الممارسات الصهيونية غير الشرعية‘‘.
وحذَّرت من ’’التداعيات الكارثية للعدوان الانتقاميّ الذي تشنّه دولة الاحتلال‘‘، والذي يرتقي إلى ’’جريمة حرب جماعيّة‘‘.
وكانت مُخرجات القمّة غلبت عليها الصياغاتُ الكلاميّة والخطابيّة، مثل المطالبات والمناشدات والتأكيدات والدعوات وإعلان الدعم، في غياب شبه كامل لأيّ خطوات عمليّة يفترض أن تضطلع بها القمة التي جمعت قيادات 57 دولة عربية وإسلامية.
وقد صدر القرار في 31 بنداً، دانَ أولها: ’’العدوان الصهيوني على قطاع غَزَّةَ، وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية‘‘، التي يرتكبها الاحتلال، ورفضَ ثانيها ذريعة: ’’الدفاع عن النفس‘‘ توصيفاً لما سبق.
ولعلَّ أبرز ما جاء في القرار هو البند الثالث الذي نصّ على: ’’كسر الحصار على غَزَّةَ، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية‘‘، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع ’’بشكل فوري‘‘، ودعوة المنظمات الدوليّة إلى المشاركة في هذه العملية.
في المقابل، كان القرارُ العمليّ الوحيد – والمتمثّل في كسر الحصار وإدخال المساعدات – فضفاضاً لم تُشرح آليّتُه ولم تُطرح وسائل تطبيقه ولا كيف سيواجه التعنّت الصهيوني القائم بخصوص إدخال المساعدات للقطاع، فكان أقرب للرغبة والدعوة منه لخُطةٍ عمليّة.
كما أنَّ بنود القرار خلت تماماً من أي عقوبات على دولة الاحتلال أو داعميها، بل ومن مجرد التلويح بالعقوبات، حتّى في البند الذي يطالب بـ ’’وقف تصدير السلاح والذخائر إلى سلطات الاحتلال‘‘، مُكتفيةً بالإشارة – في البند 12 – إلى استنكار ما أسمته ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، والتأكيد على أنَّ مواقف الدول العربية والإسلامية ’’ستتأثر‘‘ بالمعايير المزدوجة التي ’’تؤدي إلى صدْع بين الحضارات والثقافات‘‘.
حتى الخطوات الدبلوماسية البسيطة المتعارف عليها – مثل سحب السفراء أو طردهم أو التلويح بتجميد العلاقات الدبلوماسية أو قطعها – لم يُؤت على ذكرها صراحةً في القرار، بل استُخدمت صياغة فضفاضة، مثل: ’’دعوة الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لممارسة الضغوط الدبلوماسية‘‘ على سلطات الاحتلال.
ورغم إيجابية رفض فكرة تهجير سكان غَزَّةَ، والتأكيد على حقّ النازحين في العودة لبيوتهم، فإنّ البند رقْم 14 دانَ ’’تهجير مليون ونصف مليون فلسطينيّ من شمال قطاع غَزَّةَ إلى جنوبه‘‘، وهي صياغة يمكن أن توحي بفراغ شمال القطاع من المدنيين، وهو أمرٌ غير صحيح يمكن أن تستغلّه قوات الاحتلال التي تتبنّى هذه البروباغندا.
وعليه، فإن مُخرجات القمة العربية – الإسلامية كانت كلامية إنشائية في غالبيتها الساحقة، مفتقرة لمسارات عملية واضحة الخطوات وقادرة على الفعل والتأثير.
ولذلك، فمحصّلة القمة العربية – الإسلامية، هي تأكيد حالة العالَمَين العربي والإسلامي إزاء العدوان على قطاع غَزَّةَ، وهي حالة تمزج بين العجز والفشل والخِذلان والتي قد يراها البعض موحية بشيء من التواطؤ، لكن الأكيد أنه ليس في مُخرجات القمة أي رادع عملي لسلطات الاحتلال الصهيوني، ومؤسّستها العسكرية عن الاستمرار في ارتكاب المجازر، وليس فيها ما يضغط على الدول الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتّحدة لتخفيف هذا الدعم، فضلاً عن وقف الحرب.
وقد دفعت هزالة قرارات هذه القمة المزدوجة العدو الصهيوني لتشديد الحصار على غَزَّةَ، وتشجيعها على ارتكاب المزيد من المجازر وجرائم الحرب، التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف شهيد وضعفهم من الجرحى والمصابين والمفقودين، وتدمير البنى التحتية والمستشفيات والمدارس والجوامع والكنائس وبيوت الناس الآمنين وما يفعله الصهاينة بهم، دون أن يرف للحكام العرب والمسلمين جفن أو يهتز لهم ضمير، إلى أن جاءت دولة جنوب إفريقيا لتقف وحيدة في مواجهة هذا العالم المتقاعس عما يجري في غَزَّةَ وما يفعله الصهاينة بحق أهل غَزَّةَ من مجازر ومذابح وتجويع، لتتوجه مباشرة إلى محكمة العدل الدولية لإقامة دعوى بحق الكيان الصهيوني الذي يقوم بعمليات إبادة جماعية بحق أهل غَزَّةَ، في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل؛ للنظر في طلب جنوب إفريقيا محاكمة الكيان الصهيوني بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غَزَّةَ، وقد عقدت الجلسة الأولى للمحكمة يوم أمس الخميس 11/1/2024م، واستمعت إلى مرافعة وفد جنوب إفريقيا، ونقلت شاشات الفضائيات في العالم الصورة الكاملة لهذه الجلسة وسط ترحيب عالمي كبير ومظاهرات شعبية عارمة مؤيدة لها في معظم دول العالم، ابتهاجاً وتأييدا لما قامت به دولة جنوب إفريقيا.
ونحن شعوب الدول العربية والإسلامية التي خذلها حكامها نرفع القبعة تحية لجنوب إفريقيا شعباً وحكومة؛ ونقول لهم: شكراً لأحرار جنوب إفريقيا الذين ما زالوا على عهد قائدهم العظيم ’’نيلسون مانديلا‘‘.
وفعلت دولة جنوب إفريقيا ما لم تجرؤ على فعله 57 دولة عربية وإسلامية، حيث جرّت دولة الكيان الصهيوني المارقة؛ ذليلة مهانة لتقف تحت قوس العدالة الدولية، أمام استهجان العالم وفرحته بما فعلته دولة جنوب إفريقيا بدولة الإرهاب والإجرام؛ التي ظلت عصيّة على هذا العالم أكثر من 75 عاماً من ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين وذبحهم وتهجيرهم والعبث بمقدساتهم وعيشهم وحياتهم.
المراجع
الجزيرة – 13/11/2023م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_شُكراً_جنوب_إفريقيا_فقد_فعلتِ_ما_لم_تفعله_57_دولة_عربية_وإسلامية
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_شُكراً_جنوب_إفريقيا_فقد_فعلتِ_ما_لم_تفعله_57_دولة_عربية_وإسلامية