مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_طوفان_الأقصى_ودعم_إيران_المزعوم
بالرغم من إعجاب السوريين الشديد بما حققته فصائل المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ التي بدأت منذ الساعات الأولى من صباح يوم السبت السابع من تشرين الأول / أكتوبر2023م، حيث انطلق المئات من كتائب حماس باتجاه الأراضي الفلسطينية بعد أن اخترقوا الحواجز التي أقامها العدو الصهيوني بهدف حماية المستوطنات الصهيونية، في عملية سمَّاها ’’طوفان الأقصى‘‘ التي تفاعل معها السوريون بحماس شديد، حيث اجتاحت كتائب حماس محيط قطاع غَزَّةَ المحتل، والذي تُطلق عليه دولة الاحتلال اسم (غلاف غَزَّةَ) وانتشرت في العديد من المستوطنات.
مشاهد المعارك غير المسبوقة، وعُلُو الكعب الذي سجله الفلسطينيون خلال المواجهات الأولى، مع سيطرتهم على مساحات شاسعة من الخط الفاصل بين غَزَّةَ ومحيطها الخاضع لجيش الاحتلال، وما أسفر عنه من أسر العشرات وقتل المئات من ضباط وجنود الجيش الصهيوني الجبان، جعل الكثيرين يسجلون الإعجاب ويتفاعلون بحماس مع التطورات، لكن مع بروز تَخَوُّفَيْن أساسيين:
الأول: هو الخشية من ردة فعل الجانب الصهيوني الجبان بحق المدنيين من سكان القطاع، حيث قضى المئات من سكان غَزَّةَ المدنيين من أطفال ونساء ورجال نتيجة القصف الوحشي الذي نَفَّذَهُ الطيران الصهيوني على غَزَّةَ وأهلها.
أما الثاني: فهو الخشية من الدور الإيراني في هذه المعركة، نتيجة العلاقة التحالفية بين حركات المقاومة الفلسطينية الرئيسة في قطاع غَزَّةَ وطهران، وهو تَخَوُّفٌ مشروع بضوء التعقيدات التي تشهدها منطقتا الشرق الأوسط ووسط آسيا، اللتان تُعتبران منطقتين هامتين لإيران.
ففي الشرق الأوسط يلعب الصراع على خطوط النفط والغاز وطُرق الشحن والتجارة الدولية دوراً مهماً في رسم خطوط المواجهة وتشكيل التحالفات، إلى جانب البرنامج النووي الإيراني بطبيعة الحال، بينما تبدو الضربة القوية التي تلقتها طهران بانتصار أذربيجان على أرمينيا في إقليم قره باغ قد جعلت نظام مُعَمِّمِي قم في غاية التوتر، خاصةً وأن أذربيجان متحالفة مع الكيان الصهيوني والغرب، الوجهة التي اختارتها أرمينيا بعد الهزيمة، وهي التي كانت متحالفة مع طهران وموسكو، ما يعني قطع أهم منافذ آسيا الصغرى أمام إيران، وعليه، لا يستبعد الكثيرون أن تكون لطهران يدٌ في هذه العملية، الأمر الذي نفاه الفلسطينيون بقوة، وينفون إعطاء أحد ممن يُسَمَّوْنَ حلف المقاومة أي معلومة عن نيتهم القيام بعملية طوفان الأقصى، حتى لا تتسرب هذه المعلومة للعدو الصهيوني، ويخسروا أهمَّ عاملٍ وهو مفاجأة العدو.
لكن ورغم إقرار الكثيرين بالمخاوف المشروعة للسوريين، وتفهمهم للتحفظات التي يتم تسجيلها، إلا أن العديد من الكُتَّاب والناشطين الفلسطينيين السوريين المؤيدين للثورة والمعارضين لنظام ميليشيا أسد، يؤكدون أن الأمور لا تسير على هذا النحو المتصور لدى الكثيرين كون العلاقة بين المقاومة وإيران لا تتجاوز تبادل المصالح التي لا تضر بالمقاومة أو يقلل من شأنها.
وحتى نقرأ ما يجري الآن في غَزَّةّ وفي فلسطين بصورة واقعية وموضوعية، علينا تجنب إسقاط منظورنا للصراع في سورية على تطورات الحالة الفلسطينية، لأن فرضية تناول عملية طوفان الأقصى وكأنها لعبة إيرانية لخدمة أجندتها الإقليمية، وتوظيفها أيضاً بما يخدم تخفيف الضغوط على نظام الأسد، هي فرضية تقوم على تصور امتلاك إيران لقرار الحرب في فلسطين أسوةً لدورها وتأثيرها في سورية وهذا منفي تماماً من قبل حماس والمقاومة الفلسطينية.
إن هذا تصور خاطئ لمن يدرك آليات تطور الصراع في الأرض المحتلة، لا سِيَّمَا مع تصعيد التيار الصهيوني المتطرف حربه المفتوحة ضد الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، فهذا التيار الذي يحكم الكيان الصهيوني، لم يترك بجرائمه وانفلات مستوطنيه وتحويله حياة الفلسطينيين إلى جحيم، أي خيار أو فرصة أمام الشعب الفلسطيني المظلوم سوى مقاومته، ووقوفه خلف كل من يتبنى هذا الخيار، بغض النظر عن استفادة إيران أو غيرها من حالة المقاومة والتصعيد العسكري.
وإن نتائج معركة طوفان الأقصى في حال صَبَّت في صالح الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، فإنها لن تكون لمصلحة تحالف الأسد – إيران، لأنه في حال خرج الصراع الفلسطيني الصهيوني عن آليات الضبط والسيطرة، فهذا لن يكون على المستوى الاستراتيجي بمصلحة إيران أو النظام الأسدي، لأن تحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال، سيفتح آفاقاً جديدة لتحرر الشعوب العربية من قوى الاستبداد والظلم.
ولمَّا كانت العلاقات الصهيونية – الإيرانية هي من أعقد العلاقات بين الدول في العالم، وفيها حب وكراهية وصراعات واضحة وخفية، وطبعاً لم ينسَ هذا الجيل أن تسليح إيران في السنوات الأخيرة من حربها مع العراق جاء عَبْرَ إسرائيل في الفضيحة الشهيرة بـ ’’نورث غيت‘‘.
قد تبدو هذه القصة تاريخية، لكن استحضارها، ضروري لنتذكر أن الطرفين كانا يتعاونان حتى في قضايا التسليح، فلمَّا جاءت قصة النووي الإيراني بَرَدَت العلاقات الدافئة وازداد التوتر، فَهَدَّدَت الدولة العِبْرِيَّة بضرب إيران مُنفردةً لِتُجَمِّدَ مشروعها النووي. أما في قصة ’’طوفان الأقصى‘‘ التي تفجرت السبت يظهر تفوق حماس على الكيان الصهيوني من الناحية الاستخباراتية والعسكرية فضلا عن التدريب والإعداد وتنوع السلاح والروح المعنوية، وقد استغرقت كتائب حماس لترتيب هذه العملية زمناً طويلا، وعليها أن تتكتَّم على كل خطواتها ولا تفشي سرها لأحد، ولهذا حققت في سويعاتٍ ما لم يُحققه الجيش الصهيوني في سنوات.
وإن كان هناك من مكاسب قد تُحققها إيران من وراء عملية طوفان الأقصى هي ترميم خطاب المقاومة والممانعة الذي تستمد منه قوتها في المنطقة، والذي اهترأ على يد بشار الكيماوي الذي تقصفه الدولة العِبْرِيَّة بطريقة شبه يومية دون رد، إلى أن صار ذلك الخطاب يثير السخرية والقرف.
من المعلوم أن الوضع في سورية مفتوح على كل الاحتمالات، ووجود إيران الدائم والثابت فيها هو واسطة العقد لمشروع الهلال الشيعي، الذي أحكمت حلقاته وتَعْرِفُ تماماً أن خروجها من سورية يَضْرِبُ هذا المشروع كله في الصميم، وهو مشروع استثمرت فيه المليارات بما في ذلك تثبيت وجودها في اليمن والعراق ولبنان، لكن لا يزال هناك من ينازعها السيادة والسيطرة في سورية.
أما بالنسبة لموقف الكيان الصهيوني من بشار الكيماوي ونظامه في ضوء علاقاته المتوترة بإيران، فمن المؤكد أن الكيان الصهيوني دعم بقاء بشار الكيماوي معتمداً على وعود روسيا بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدودها، وقد اكتشفت الآن صعوبة تحقيق الوعد الروسي، وهي حالياً تؤيد التصعيد الفلسطيني، ومن الصعب التَّكهن بالمدى الزمني لهذه العملية، لكن طالما أن أمريكا سارعت بتقديم قُرابة خمسة مليارات دولار كمساعدات عاجلة للكيان الصهيوني، وحشد أساطيلها البحرية في شرق المتوسط وإعلانها عن تأييد ودعم الكيان الصهيوني، فهذا يؤشر إلى أنها ربما تكون قد اعتبرت عملية طوفان الأقصى الفرصة التي تنتظرها لِتُقَلِّمَ أظافر إيران في ظل صمتٍ عربي مضمون ودولي منشغل بالحرب الأوكرانية.
المراجع
أورينت – 8/10/2023م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_طوفان_الأقصى_ودعم_إيران_المزعوم