مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_لم_يَعُدْ_لأمريكا_مكانة_أخلاقية_عند_أحرار_العالم
في تصريحات حمقاء لا تليق بدولة عُظمى كالولايات المتحدة؛ قال الرئيس الأمريكي جو بايدن – أمس الأربعاء – أثناء زيارته ’’التضامنية‘‘ إلى تل أبيب: ’’إن إسرائيل يجب أن تعود مكانا آمنا لليهود، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها‘‘.
وأضاف بايدن أن عملية حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) تركت جُرحاً غائراً لدى الإسرائيليين، مُشَبِّهَاً عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ بأنها تُعَدُّ 15 ضعفاً مقارنة بهجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001م.
وتوجَّه بايدن إلى الصهاينة قائلا: ’’إن هناك من أراد كسر إرادتهم، لكنه لم ينجح‘‘، مُعرِباً عن تضامنه مع أَلَمَهُمْ جَرَّاء احتجاز حركة حماس نحو 250 أسيرا.
وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الكيان الصهيوني في أوج العدوان الذي تشنه حكومة الاحتلال على قطاع غَزَّةَ، وتحمل في طياتها أيضا العديد من الرسائل، لعل أبرزها مؤشرات تحذيرية لأي محاولة لمهاجمة الدولة الصهيونية وفتح جبهات جديدة، وكذلك استعداد واشنطن للدفاع عن هذا الكيان في حال لَزِم الأمر.
وحملت زيارة الرئيس الأمريكي إلى تل أبيب رسائل مُبطّنة تشير إلى عدم ثقة البيت الأبيض بقدرة الحكومة الصهيونية على اتخاذ قرارات تتناغم وسياسات واشنطن، خصوصا في فترة الحرب.
وفي اجتماع بايدن المتلفز مع أعضاء ’’كابينت الحرب‘‘ في حكومة الطوارئ الصهيونية، أثنى بايدن على الحاضرين وخاطب الصهاينة قائلا: ’’أنتم لستم وحدكم‘‘، كما أشار إلى العلاقة العميقة بين الولايات المتحدة والكيان منذ خمس وسبعين عاما.
ومنذ بدء معركة ’’طوفان الأقصى‘‘، أعرب أعضاء الائتلاف الحكومي والوزراء الصهاينة عن رغبتهم في إعادة احتلال قطاع غَزَّةَ، بَيْدَ أن الرئيس الأمريكي وجه تحذيرا صريحاً إلى الكيان الصهيوني وحكومة نتنياهو، قائلا فيه: ’’أعتقد أن احتلال غَزَّةَ سيكون خطأً كبيراً‘‘.
وفي قراءة لمعاني ودلالات تصريحات الرئيس الأمريكي الداعمة للصهاينة، نجد هناك إلى جانب الكلمات الجميلة تحذيرات مُبطّنة تشير إلى أن إسرائيل ليس لديها مطلق الحرية في التصرف كما يحلو لها في الشرق الأوسط.
وأن وجود حاملات الطائرات والبوارج الحربية وقوات المارينز في شرق البحر المتوسط، إضافة إلى حزمة المساعدات الأمنية التي يتم تحضيرها في واشنطن، لم تمنع بايدن بإظهار قلقه من حكومة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني، التي قد تكون متهورة بسياساتها وتؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق في الشرق الأوسط، وهذا من بين أكبر مخاوف الرئيس الأمريكي، الذي فَضَّلَ استثمار وقته في أوروبا وشرق آسيا، حيث تأتي روسيا والصين على رأس قائمة التهديدات التي تضعها إدارة واشنطن في أهم حساباتها، وعليه فقد يكون بايدن شريكاً في قرارات وسير الحرب، وبوضع جدول وسقف زمني لنتنياهو؛ كما حدث قبل عامين في عملية ’’سيف القدس‘‘، التي استمرت 11 يوما، حين تدَّخل بايدن بكامل القوة، وفرض على الحكومة الصهيونية حينها وقف إطلاق النار.
صحيح أن بايدن قدَّم الدعم لاستمرار الكيان الصهيوني في قصف غَزَّةَ، لكن تحت سقف زمني محدد، فضلا عن أن زيارته لم تمنع الاجتياح البري لغَزَّةَ، وإنما أتت لتحديد إطار الحرب على جبهة غَزَّةَ، والحصول على ضمانات من الكيان الصهيوني بعدم توسعها إلى جبهات أخرى.
وعلينا أن لا ننسى أن زيارة بايدن إلى الكيان الصهيوني خلال اشتعال المعارك بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني أراد إيصال رسائل لدول الإقليم مفادها أن أمريكا مستعدة للدفاع عسكرياً عن الكيان الصهيوني، وهذا حدث لم نشهده من قبل.
كذلك فإن الحضور غير المسبوق لوزير الخارجية أنتوني بلينكن في جلسة ’’كابينت الحرب‘‘ في مقر رئاسة الأركان ووزارة الأمن الصهيونية بتل أبيب يشير إلى أن الولايات المتحدة شريك كامل في إدارة الحرب مع الجانب الصهيوني، مع الامتناع عن إشعال جبهات أخرى.
ويُعتقد أن زيارة بايدن، إلى جانب الدعم الأمريكي العسكري ورصد مساعدة أولية بقيمة 10 مليارات دولار، تعكس مدى قلق الأمريكيين بشأن ما قد يحدث من تطورات في سير الحرب على جبهة غَزَّةَ، وكيف يستخدمون قوتهم الكاملة لمساعدة الكيان الصهيوني في حربها على غَزَّةَ، وردع كل من يهدد بالتدخل في الحرب وتحويلها إلى مواجهة إقليمية.
لقد دأب بايدن في مثل هذه الحروب، كما فعل في أفغانستان والعراق على تشكيل حلف غربي داعم للكيان الصهيوني، إذ شجع زيارات زعماء أوروبيين إلى تل أبيب وقت الحرب، لطمأنة الكيان الصهيوني من أن الحرب لن تتوسع وأن عليها أن لا تخشى من جعجعة معممي طهران وحزب اللَّات في لبنان من فعل أي شيء لتوسيع نطاق الحرب في المنطقة.
وقالت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في بيان أذاعته يوم أمس الأربعاء: إن الولايات المتحدة ’’منحازة بشكل أعمى للكيان الصهيوني‘‘ بعدما تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن الرواية الصهيونية، وحمّل ’’الطرف الثاني‘‘، في إشارة إلى فصائل فلسطينية، مسؤولية الهجوم الذي وقع في مستشفى الأهلي المعمداني، وأودى بحياة نحو 500 شخص.
وقال بايدن أثناء لقائه برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إنه شعر بـ ’’الحزن والغضب‘‘ من الصاروخ الذي ضرب المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غَزَّةَ يوم الثلاثاء، وتبين أن ’’الجانب الآخر‘‘ هو المسؤول فيما يبدو عنه – في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية – تصديقاً لرواية الجيش الصهيوني.
وعلى إثرِ هذا الانفجار المروّع خرجت مظاهرات في عدد من الدول العربية والإسلامية والعالم، مُنَدِّدةً ومُلْقِيَةً باللوم على الكيان الصهيوني في قصف المستشفى، إذ خرج متظاهرون إلى الشوارع في عمّان وإسطنبول وتونس وبيروت والقاهرة وواشنطن ولندن وباريس وأوسلو وبرلين وأثينا ومدريد والعشرات من المدن في آسيا وأوروبا وأمريكا وكندا، ووقعت صدامات مع الشرطة في بعض تلك المدن في محاولات للوصول إلى السفارات الصهيونية في تلك المدن.
إن الدعم الأعمى الذى توليه الولايات المتحدة، لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أجَّجَ مشاعر السخط العربي إزاء السياسات الأمريكية.
ورصدت وكالات الأنباء والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي ردود الأفعال الغاضبة إزاء جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني، ضد سكان قطاع غَزَّةَ، وأكثرها وحشية حتى الآن، مجزرة مستشفى الأهلي المعمداني، التي راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى.
كما أكّد محللون سياسيون أن التصعيد في غَزَّةَ أَضرَّ فعليا بصورة الولايات المتحدة المحطمة في المنطقة مؤكدين انعدام مكانتها الأخلاقية، وفقا لصحيفة ’’نيويورك تايمز‘‘ الأمريكية.
وقالت الصحيفة: ’’إن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل، تأتي وسط مشاعر الأسى والغضب العارم التي تجتاح الشرق الأوسط، بسبب العدوان الإسرائيلي على غَزَّةَ، وأن هذه الجرائم جاءت بدعم وضوء أخضر من الولايات المتحدة‘‘.
ولم يكتفِ الكيان الصهيوني بقصف وتدمير غَزَّةَ ومدن القطاع؛ وقتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، بل ذهب هذا الكيان المجرم أبعد من ذلك؛ عندما قطع المياه والكهرباء ومنع وصول الأدوية عن سكان القطاع، ومواصلة استهداف غَزَّةَ بغارات جوية فتّاكة، ما رفع عدد الشهداء إلى نحو ثلاثة آلاف شخص وأكثر من اثني عشر ألف مصاب على الأقل قبل انفجار المستشفى.
ويعتقد العرب وكل أحرار العالم أن الحكومة الأمريكية، ليست فقط غير مبالية بمعاناة الفلسطينيين، الذين يعيشون تحت الاحتلال الصهيوني، بل إنها متواطئة معه وشريكة في جرائمه، وإن التعهدات الأمريكية بتقديم الدعم ’’الصارم‘‘ لدولة الاحتلال الصهيوني والمساعدة الأمنية غير المقترنة بأي قيود، أدت إلى تأجيج هذه المشاعر بينما تستعد دولة الاحتلال لغزو بَرِيّ لغَزَّةَ، كذلك فعل الغرب الأحمق نفس الشيء عندما أعلن تأييده المطلق لدولة الاحتلال وإعطائه الضوء الأخضر لتوغل جيش دولة الاحتلال في غَزَّةَ وسفك دماء الفلسطينيين.
ولم يَعُدْ هناك أيَّةَ أوهام أو شك عند العرب والمسلمين وأحرار العالم بشأن دور الولايات المتحدة وأوروبا في الصراع، مع العلم أن أمريكا وأوروبا تدعم الكيان الصهيوني بقوة منذ نشأته، ومع ذلك فإن العالم ذُهِلَ من رد فعل إدارة بايدن تجاه العدوان الذى يشنه الاحتلال على المدنيين في قطاع غَزَّةَ، وأن هذا المستوى من الانحياز لدولة الاحتلال، هو بمثابة إبادة جماعية، وأن أمريكا لم يَعُدْ لها مكانة أخلاقية عند العرب والمسلمين وعند أحرار العالم بعد هذا الموقف غير الأخلاقي واللإنساني.
المراجع
– الجزيرة – 18/10/2023م.
– الشرق الأوسط – 18/10/2023م.
– الوئام – 18/10/2023م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_لم_يَعُدْ_لأمريكا_مكانة_أخلاقية_عند_أحرار_العالم