مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_اجتماعية_أحمد_أويصال_الجوانب_الاجتماعية_للانتخابات_المحلية_في_تركيا
أَجْرَت تركيا دورتين انتخابيتين حاسمتين في أقل من عام، مما أثبت نُضج ديمقراطيتها. وكانت انتخابات العام الماضي حاسمة للغاية حيث فاز أردوغان وائتلافه بالرئاسة والأغلبية البرلمانية ضد ائتلاف 6 أحزاب معارضة. وبعد ذلك السباق المتقارب، اتجهت الأنظار نحو الانتخابات المحلية هذا العام، والتي كانت أقل أهمية ولكنها لا تزال ذات أهمية بالنسبة للسياسة التركية. وفي هذا الوقت تَمَكَّنَ حزب الشعب الجمهوري من الفوز بأغلبية الأصوات من خلال قيادة الانتخابات لأول مرة منذ عام 1989م.
وتحتوي الأبعاد الاجتماعية لهذه الانتخابات معاني خاصة بالنسبة للمراقبين في الداخل والخارج. إذ أنَّ الاقتصاد والأيديولوجية هما المحددان الرئيسان للتصويت في تركيا وأماكن أخرى، كما يَفترض المُنَظِّرُون الاجتماعيون أمثال كارل ماركس وماكس فيبر. ولقد أثبتت الانتخابات التركية أن كليهما مهم لفهم اتجاهات التصويت. وتُظهر الخريطة العامة لنتائج الانتخابات أن حزب الشعب الجمهوري قوي في المناطق الساحلية العلمانية نسبيا، بينما لا يزال حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية قويين في المناطق الداخلية المحافظة. خسر حزب العدالة والتنمية أرضية كبيرة في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة وأضنة.
إن الاقتصاد التركي يعاني منذ عام 2017م بسبب تأثير الدولرة والتلاعب الخارجي والاستجابات الاقتصادية الضعيفة للحكومة. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت قيمة الدولار والتضخم عدة مرات في تركيا، مما أَضَرَّ بقطاعات الدخل الثابت. وينطبق هذا بشكل خاص على القواعد الانتخابية لحزب العدالة والتنمية التي تتكون بشكل عام من الطبقات المتوسطة والدنيا. وتفاقمت هشاشة الاقتصاد خلال أزمة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية والزلزالين الكبيرين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سورية.
وقد أَثَّرَ الزلزال على حوالي 15 مليون شخص من خلال تدمير منازلهم وأعمالهم التجارية. وبالإضافة إلى العبء الاقتصادي الذي خلَّفه الزلزال، بدأ أردوغان سياسة التقاعد المبكر للفوز في الانتخابات العامة وقد نجحت الاستراتيجية. لكن ذلك أضاف عبئاً إضافياً على الموازنة العامة حيث حدّ من يد الحكومة في الانتخابات الأخيرة. وكانت حكومة أردوغان قد أدخلت تحسينات على رواتب القطاعات الأخرى مثل موظفي الدولة، لكن المتقاعدين ظلوا يتقاضون رواتب منخفضة للغاية ولهذا أرادوا معاقبته.
كان متوسطو العُمر وكبار السن يصوتون لحزب العدالة والتنمية بمعدلات أعلى من المتوسط، ولكننا نلاحظ اختفاء هذه المَيِّزَة في هذه الانتخابات. بمعنى آخر، إن المتقاعدين المبكرين أكسبوا أردوغان الانتخابات العامة عام 2023م، لكن كانت التكلفة خسارة الانتخابات المحلية بعد عام واحد. بالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الشتاء وكذلك في شهر رمضان إلى زيادة العبء المالي على الطبقات الدنيا. اشتكت الحكومة من الأسعار العالية، لكنها لم تتمكن من التوصل إلى استراتيجية قوية لخفض الأسعار.
وكان عامل الشباب هو الصداع الرئيس لِحُكْم حزب العدالة والتنمية الذي جعل هذا الجيل الشاب معتاداً على التوقعات العالية. وهذا الجيل هو أيضاً جيل إنترنت وهو أقل التزاماً بالتوجهات الأيديولوجية والطبقية التقليدية. تُظهر الدراسات أنهم أقل تسييساً ولكنهم لا يزالون أكثر عُرضة للتلاعب الإعلامي لأنهم يقضون وقتاً أطول على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. ومقارنة بالأجيال القديمة، فإنهم أقل تقديراً لإنجازات حزب العدالة والتنمية السابقة مقارنة بالصعوبات الحالية.
كما يُعَدُّ تأثير الدين أو الأيديولوجية عاملاً مهماً في سلوكيات التصويت في الانتخابات التركية. ولا تزال المناطق المحافظة تقليدياً تُصَوّت لصالح حزب العدالة والتنمية ولكن بدرجة أقل كما هو الحال في سكاريا وقونيا وطرابزون. أصبح الدِّين مُشكلة أقل مع أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش من خلفية سُنّيَّة على عكس الخلفية الدينية والعرقية لكمال كليتشدار أوغلو في الانتخابات السابقة. يُمكننا القول إن أحمد داود أوغلو وحزب السعادة خَفَّفَا من حِدَّةِ الرفض بين المحافظين لحزب الشعب الجمهوري، بينما قَدَّمَ حزب الجيد نفس الخدمة مع القاعدة القومية (خاصة في أنقرة وإسطنبول). ويمكننا أن نستنتج أن اللامبالاة لبعض الطوائف الدينية ازدادت تجاه السياسة بسبب عدم قدرة الحكومة على مُساعدة غَزَّةَ، ودَفْعِ بعضهم إلى الامتناع عن التصويت، بينما صَوَّتَ البعض الآخر لحزب الرفاه الجديد. وانخفض مُعدّل التصويت منذ عام 2023م من 87 بالمائة إلى 78 بالمائة.
وبدا أنَّ ائتلاف المعارضة في الانتخابات السابقة مستمر في هذه الانتخابات رغم انسحاب الأحزاب من التحالف. ونُلاحظ أن حزب العمل الشعبي المؤيد لحزب العمال الكردستاني أقام تحالفاً مع حزب الشعب الجمهوري، حيث حصل على جزء كبير من الأصوات الكردية لصالح الأخير. ومن الواضح أن طاولة الستة كمشروع هندسة سياسية كبير نجحت في الانتخابات المحلية. تقليديا، كان حزب العدالة والتنمية عبارة عن تكتل رئيس قادر على جمع شرائح مختلفة للغاية من المجتمع. عليه يبدو الآن أنه ليس لحكومة حزب العدالة والتنمية التكنوقراطية اليوم علاقات مماثلة مع عامة الناس.
ختاماً:
لا يزال أمام حزب العدالة والتنمية أربع سنوات لإصلاح الاقتصاد واستعادة ثقة الجمهور، لكن هذه الانتخابات جعلت الأمر عاجلا وصعبا نسبيا.
_______
رابط المقال الأصل:
أ.د.أحمد أويصال: أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول – مدير مركز يونس أمره الثقافي التركي بالدوحة.
هذا المقال يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_اجتماعية_أحمد_أويصال_الجوانب_الاجتماعية_للانتخابات_المحلية_في_تركيا