الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024
spot_img
الرئيسيةUncategorizedقراءة في كتاب ’’اختراع الشعب اليهودي‘‘

قراءة في كتاب ’’اختراع الشعب اليهودي‘‘

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_تاريخية_محمد_فاروق_الإمام_قراءة_في_كتاب_اختراع_الشعب_اليهودي

كتب ’’شلومو ساند‘‘ البروفيسور الفخري للتاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب ثلاثة كتب حول إسرائيل والشعب اليهودي وأرض الميعاد في الميثولوجيا اليهودية، يناقش ويحلل في الكتاب الأول (اختراع الشعب اليهودي) كيفية نشوء الشعب الإسرائيلي ومن ثم اختراعه بالمفهوم المعاصر لكلمة شعب، يبدأ بتوضيح مفهوم كلمة الشعب والإثنية ’’العرق‘‘ والمفهوم الاجتماعي والتاريخي على مر العصور وعند علماء السوسيولوجيا، ومفهوم الدولة والأمة، وكيف كانت لليهودية كـ إثنية قبل الدِّيْن الدور المؤثر والمُحفّز ليهود العالم وجذبهم من أجل الهجرة إلى الأرض الموعودة، والتي هي حقٌ لهم كما تُرَوِّج لها الأساطير التاريخية عند اليهود.

ظهر كتاب ’’شلومو ساند‘‘ (اختراع الشعب اليهودي) في العام 2008م، ثم ظهرت الترجمة الفرنسية والإنجليزية للكتاب، وتأخرت الترجمة العربية حتى العام 2011م، عندما قام المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) بنشره.

تتمثل أطروحة الكتاب الأساسية في ’’أنه لا وجود لقومية يهودية نقية أو شعب يهودي واحد يعود في أصوله الإثنية والبيولوجية إلى جذر منفرد كما يزعم الفكر الصهيوني. هناك الدين اليهودي وأتباعه ينتسبون إلى قوميات وإثنيات وجغرافيات متنوعة ومتباعدة، ولا يربطهم سوى الانتساب إلى هذا الدين، كما هو حال المسيحيين أو المسلمين أو غيرهم في التاريخ الماضي والحاضر‘‘.

والمشروع الصهيوني الذي تطورت بذوره في القرن التاسع عشر متأثراً بالقومية الألمانية وبزوغ وتجذر عصر القوميات في أوروبا، فقام عبر استنساخه التجربة الأوروبية بخلق واختراع قومية يهودية ليست موجودة من ناحية تاريخية وعلمية، بمعنى أن طراز القومية الذي تَزْعَمُه الحركة الصهيونية ليس سوى نمطاً شاذاً يقوم بالدرجة الأولى على وَهْمٍ أسطوري مُغرق في العنصرية، وبعيد كل البعد عن أي معنى تاريخي حقيقي، وتختلط فيه المشاعر الدينية بالطموحات القومية لتخلق مزيجاً هجيناً يتشبث بادعاءات العودة لوطن قديم وأرض موعودة تأسيساً على نصوص دينية : ’’في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً قائلاً لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات‘‘.

وبعد قيام الدولة عمد الفكر الاجتماعي الصهيوني إلى تبنِّي ترتيبات ما بعد الخطوة الصهيونية القومية، وفقاً لتغيرات النسق السياسي وعملياته الجارية لبناء دولة قومية بأغلبية يهودية، قوامها الأساسي مجتمع المستعمرين اليهود في فلسطين الانتدابية، وتالياً مجتمع المستوطنين في الأراضي المحتلة عام 1967م والتي يحلو لغلاة اليمين الإسرائيلي تسميتها ’’قلب أرض إسرائيل‘‘.

ما انفك كتاب ’’اختراع الشعب اليهودي‘‘ منذ ظهوره يثير حالة جدل واسعة، سواء من طرف المؤيدين أو المعارضين، كونه أصاب صميم الذاكرة الثقافية لسردية الوجود ’’اليهودي الديني – القومي‘‘ في فلسطين، محاولاً خلخلة هذه البنية المُؤَسَسَّة على الأساطير، فإنه في المقابل قُوبِل بعاصفة من الاعتراضات لم تتوقف حتى الساعة. وردة الفعل العنيفة ضد الكتاب في إسرائيل كانت كبيرة، حيث اعتبر الكتاب لدى العديد من الإسرائيليين أسوأ كتاب تم نشره منذ قيام الدولة العِبْرِيَّة، وهذا لا يعني أن الكتاب على الدرجة من السوء بالمعنى الحرفي أو لأن ’’ساند‘‘ ليس مصيباُ فيما ذهب إليه، بل لأن ’’شلومو ساند‘‘ بطريقة ما قام بتحدي هيبة السلطة في إسرائيل، حين وقف في وجه السردية الرسمية السلطوية للذاكرة الثقافية التي تأسست على مزيج من الفكر الديني المتعصب والمتمركز إثنيا، وعلى نصوص التوراة واللاهوت الديني اليهودي الذي يحظى بدعم من المجتمع اليهودي والمسيحي المؤمن على حد سواء.

وقد عَلَّق ’’ساند‘‘ نفسه على ذلك قائلا: ’’بعد سنوات وسنوات من استخدام تعابير مثل (الشعب اليهودي) و( القومية اليهودية) لأكثر من أربعة آلاف سنة، فليس من السهل تَقَبُل كتاب مثل كتابي‘‘.

ويقول ’’ساند‘‘ عن كتابه: ’’لقد حاولت أن أشرح في كتابي (اختراع الشعب اليهودي)، كيف فبركت الحركة الصهيونية تاريخاً مزيفاً لليهود مبنياً على فكرة الشعب اليهودي، وبيّنت أن هذه فكرة خاطئة وخرافة، تمّ استعمالها من أجل تبرير الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ومن أجل شنّ الحروب على الدول العربية، وأنه ليس ثمة شعبٌ يهودي بالمعنى المتفق عليه والرائج، ثمة أقوام يهودية مختلفة، وذات ثقافات مختلفة، والقاسم المشترك بينها، هو ممارستها للشعائر والطقوس الدينية نفسها‘‘.

فالشعب بالمعنى (الاجتماعي)، مصطلحٌ يُطلق على مجموعة بشرية تجمعها ثقافة مشتركة، مثل اللغة والأدب والموسيقى وما إلى ذلك من الشروط الثقافية الأخرى، وهذا ما لا ينطبق على الشعب اليهودي الذي اخترعته الحركة الصهيونية، إذ لا توجد ثقافة مشتركة بين يهود ألمانيا ويهود العراق أو المغرب، ما يعني أن الطوائف اليهودية كانت تعيش في كنف ثقافات وطنية مختلفة وفق البلد الذي تقيم فيه.

يشير ’’ساند‘‘ إلى أسطورة ’’المنفى‘‘ في الوعي الجمعي اليهودي والتي تعود بداياتها إلى ’’خراب الهيكل الثاني‘‘ في العام 70 ميلادية على يد الرومان؛ والتي كانت إحدى الركائز الأساسية التي ’’خلقت خرافة الشعب اليهودي الواحد والموحد‘‘ ولعل قوة الدراما في هذه السردية تكمن من حجم المأساة التي لحقت بالمجتمع اليهودي في القدس، ’’أورشليم‘‘ آنذاك؛ وهذا ليس مستغرباً إذ لطالما كانت مآسي التشرد والنزوح تُشَكِّلُ مفاصل هامة في تاريخ الجماعات الإنسانية (نحن المسلمون مازلنا نؤرخ تقويمنا السنوي بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم لِمَا كان لهذا الحدث من أهمية مفصلية في تاريخنا كجماعة إسلامية)؛ ولهذا استعرنا مجاز ’’الاقتلاع‘‘ بما يشبه قلع النبتة من جذورها ومن تربتها الطبيعية ونقلها إلى مكان آخر غريب. 

لقد لعبت سِمة المنفى ورديفها الشتات دوراً مهماً في تشكيل وعي قومي وذاكرة جمعية في إسرائيل المعاصرة.

غير أن السردية شيء وحقائق التاريخ شيء آخر، فرغم البعد التراجيدي لسرديتي النفي والشتات في العصر الروماني، يؤكد الكتاب صعوبة العثور على إشارات، ولو بسيطة، في وثائق تلك الفترة عن حصول نزوح بهذه الحجم من فلسطين، وأورشليم تحديداً، فمثل هذه السردية تتعارض أصلاً مع الأسس الاقتصادية المحضة؛ نظراً لحاجة الرومان – والآشوريين من قبلهم – إلى بقاء العمالة الزراعية ودافعي الضرائب من السكان المحليين لتمويل نفقة جيوشهم – وهذه قاعدة اقتصادية عسكرية معروفة أثبتت صحتها على مدى وجود الاجتماع الإنساني عبر التاريخ، ومثل هذا الخروج الجماعي يشير إلى نذر كارثة محققة للمحتل؛ وسوف يتسبب بخسائر فادحة له إذا ما اعتبرنا أن وجوده ليس احتلالاً استيطانياً، فضلاً عن أنه لم يُعرف عن الرومان، تاريخياً، استخدامهم سياسة نقل شعوب وجماعات سكانية برمتها من أماكن تَوَطُّنِهَا إلى أماكن أخرى.

بالإضافة إلى التأكيد التاريخي على أن اليهود في تلك الفترة لم يقتصر وجودهم على فلسطين، بل تواجدوا في مصر وفارس والعراق وآسيا الصغرى وغيرها من الأقاليم، كل هذا دفع ’’ساند‘‘ للاستنتاج بأن لا وجود لمنفى يهودي يعود للقرن الأول الميلادي على يد الرومان، ولا يوجد مثل هذا ’’الحدث التاريخي‘‘ إلا في عقول الصهاينة لخلق مجاز ’’أرض إسرائيل‘‘ كأداة تمكنهم من المطالبة بفلسطين وطناً لهم، وقد يمتد هذا الوطن، بسبب النهم الاستعماري، ليصل إلى حدود نهر الفرات شرقاُ والنيل غرباً.

وهذا اعتقاد غير صحيح، إذ لا يوجد دليل تاريخي أو علمي مقنع، يسندها، وبهذا يعتبر الكتاب رحلة في التاريخ الموغل في القدم، ينبش فيه المؤلف آلاف السنوات عبر طَرحٍ مسهب يثبت فيه أن اليهود الذين يعيشون اليوم في إسرائيل وفي أماكن أخرى من العالم، ليسوا على الإطلاق أحفاد ’’الشعب العتيق‘‘ الذي عاش في ’’مملكة يهودا‘‘ إبان فترة ’’الهيكل الثاني‘‘.

وبحسب ما يقوله ’’ساند‘‘ فإن أصولهم تعود إلى شعوب متعددة اعتنقت اليهودية على مرّ التاريخ في أماكن شتى من حوض البحر الأبيض المتوسط والمناطق المجاورة، وإن هذا يشمل أيضاً يهود اليمن (بقايا مملكة حِمْير في شبه الجزيرة العربية التي اعتنقت اليهودية في القرن الرابع الميلادي) ويهود أوروبا الشرقية الأشكنازيين (وهم من بقايا مملكة الخزر التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي).

وخلافاً للمؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين سعوا إلى تقويض مُسَلّمَات تدوين التاريخ وفقاً للرؤية الصهيونية وحَسْب، فإن ’’ساند‘‘ لا يكتفي في هذا الكتاب بالعودة إلى سنة 1948م أو إلى بداية الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، بل يُبْحر آلاف السنين إلى الوراء، ساعياً إلى إثبات أن الشعب اليهودي لم يكن أبداً شعباً عرقيا ذا أصل مشترك، وإنما هو خليط كبير ومتنوع لمجموعات بشرية تبنت خلال مراحل مختلفة من التاريخ الديانة اليهودية.

كما يرى ’’ساند‘‘ أن وصف اليهود كشعب مُشَرَّد ومعزول من المنفيين الذين عاشوا في تنقل وترحال على امتداد الأيام والقارات؛ ووصلوا إلى أقاصي الدنيا، وفي نهاية المطاف استداروا مع ظهور الحركة الصهيونية، كي يعودوا جماعياً إلى وطنهم الذي شُرِدُوا منه ما هو إلاّ خرافة قومية فاقعة.

ويضيف أنه في مرحلة معينة من القرن التاسع عشر أخذ مثقفون من أصل يهودي في ألمانيا على عاتقهم مهمة اختراع شعب بأثر رجعي، وذلك من منطلق رغبتهم الجامحة في اختلاق قومية يهودية عنصرية.

وتستند المقولة الرئيسة للكتاب بعدم وجود قومية يهودية (شعب يهودي) على أن لا يُفهم ذلك كحالة إنكار لليهود أو لمعتقداتهم ورؤيتهم للعالم أو تاريخهم، وهو يرى في اليهودية دين مثله مثل المسيحية والإسلام، ديناً عابراً للقوميات ليس محصوراً أو مقصوراً على قومية أو إثنية محددة، فلو أن اليهود كانوا حقا شعب فما هو الشيء المشترك في مكونات الثقافة الاثنوغرافية ليهودي في كييف ويهودي في المغرب غير الاعتقاد الديني وبعض الممارسات الدينية.

ولكن مع القرن التاسع عشر وبزوغ عصر القوميات وبتأثير القومية الألمانية قام المشروع الصهيوني بصهينة اليهودية لصالح مشروع قومي سيقوم لاحقا بإنشاء دولته في فلسطين، دامجا الدين والإثنية والقومية في تركيب معقد، مستمداً مسوغاته القومية وبأثر رجعي من الدين والماضي والتاريخ، وعلى هذا فإسرائيل الحديثة هي مشروع سياسي تم تخيله في أواخر القرن التاسع عشر، فأصبحت واقعا من خلال الهولوكوست، ثم أسست عام 1948م.

فإذا كان التاريخ في المقام الأول هو تاريخ زمن كتابته فإن التاريخ الفلسطيني، أو تاريخ فلسطين مازال يراوح – في نظر ’’ساند‘‘ – بين عَطالةٍ مقصودة وزَهْوٍ قومي استشراقي وذلك حين يُرَوِّج لمقولة أنه ينبغي على العرب الاعتراف بإسرائيل لا كدولة ’’الشعب اليهودي‘‘ بل كدولة كل المواطنين الإسرائيليين المقيمين فيها بغض النظر عن أصلهم أو ديانتهم، لذلك يرى ’’ساند‘‘ أنه قام بتأليف كتابه لغرضين أولاً كإسرائيلي، من أجل دمقرطة الدولة وجعلها جمهورية حقيقية، وثانياً للوقوف ضد الأصولية اليهودية.

كما يقول: إذا لم يكن في الماضي شعب يهودي ولا توجد اليوم أمة يهودية، فقد خلق وجود الاستيطان الصهيوني شعبين في الشرق الأوسط حيث يوجد اليوم شعب فلسطيني يحارب بضراوة من أجل حريته وبقية وطنه، ويوجد شعب إسرائيلي له لغة وثقافة لا يشاركه فيها أحد من كل هؤلاء الذين يعرفون أنفسهم في العالم كيهود.

وبالرغم من أن إسرائيل ولدت من خلال خلق كارثة فظيعة للسكان المحليين، فقد تشكل في المنطقة واقع لا يؤدي إنكاره الكلي إلا إنتاج مزيد من الكوارث الجديدة.

وعليه فإن أفضل ما يمكن أن تفعله إسرائيل – يقول ’’ساند‘‘ – هو الاعتراف بأن أمتها هي أمة مخترعة، يجب عليها أن تصلح نفسها لأن الدولة تنتمي إلى كل مواطنيها، سواء كانوا يهوداً أم عرباً.

وهكذا يقوم ’’ساند‘‘ بتفكيك خطاب الهوية من خلال تعريفه للصهيونية بوصفها حركة قومية متشددة ومتمركزة إثنيا، استطاعت إنجاز مشروعها التاريخي باحتلال الأرض الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني.

لقد كان المناخ العام الذي قام فيه ’’ساند‘‘ بتأليف كتابه والذي هو جزء من أجواء سيطرت على الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية في مرحلة ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي اندلعت شرارتها الأولى في العام 1987م فبدأ الكُتّاب الإسرائيليون بعملية نقد ’’حدائي‘‘ للحركة الصهيونية ولفكرها وجوهر مشروعها في المنطقة، من خلال تفكيك الأزمات التي تعاني منها إسرائيل، جاهدين في استيلاد صِيَغِ تجديد هذا الفكر وإعادة تركيبه بما يضمن تأبيده، وجزء منهم يَقر بأن الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غَزَّةَ هو احتلال، وعندما ينظر هؤلاء لمفهوم ’’كالعالم‘‘ فإنه يُفهم من سياق كلامهم أنه بالإضافة إلى إسرائيل فالمقصود بالعالم هو أوروبا وأمريكا، ويكون محيط إسرائيل كيانات ودول شرق أوسطية، بتعبير مُبهم تغلب عليه الجغرافيا السياسية أكثر مما تغلب عليه المقولات التاريخية – الاجتماعية، وبالتالي لا ترقى تلك الكيانات إلى مستوى انضمامها للنادي ’’العالمي‘‘، وتكتسب هذه الكيانات أهمية فقط عندما يدور الحديث عن قضايا الأمن والاقتصاد والسوق والديمقراطية، وهذا ما يظهر في الخطاب الصهيوني منذ التأسيس والذي تبرز مفاعيله باستخدام أدوات استشراقية لتعريف الآخر وتحديده.

ويبدو النموذج الصهيوني في فلسطين – كما يقول ’’ساند‘‘ ويعتقد – هو كجسم غريب يرتكز على مزاعم إقليمية ذات طابع قومي وعنصري، تفرض واقعاً يعمد إلى تغيير الكثير من الجوانب والمظاهر الملازمة لليهودي كما عرفته أوروبا حتى النصف الثاني من القرن العشرين.

ولذلك توجهت الصهيونية نحو خلق علاقة تاريخية بين الجاليات اليهودية في العالم وفلسطين، عن طريق الاستفادة من النص التوراتي وتكريسه كنص تاريخي شمولي غير قابل للعكس، يضمن ارتباط اليهودي بهذه الأرض بوصفها أرض وعد إلهي مستمر للعبرانيين القدماء، ومن بعدهم اليهود الحاليين – كورثة وأحفاد العبرانيين – مُشرعنة بذلك استعمار البلاد بطريقة لا تَقبل التأويل بأحقية اليهود في البلاد.

وفي الفصل الثاني يتحدث المؤلف عن اكتشافه أن الكُتّاب اليهود، وعلى مدار أكثر من ثمانية عشر قرنا لم يكتبوا تاريخاً شاملاً لماضيهم رغم قِدَم ديانتهم، ولم يظهر أي تاريخ لِدِيْنَهُم إلا في مطلع القرن الثامن عشر، كما أن بدايات كتابة التاريخ اليهودي في العصر الحديث لا تتسم بخطاب قومي واضح، فمفهوم ’’الأمة اليهودية‘‘ لم يبرز بصورة صريحة إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وذلك عندما بدأوا يصوغون تاريخاً قومياً باختراع فكرة أن اليهود قد وُجِدُوا كشعب (أمة) وعلى نحو منفصل عن دينهم.

وفي الفصل الثالث يحاول المؤلف تفكيك الأساطير الإسرائيلية، فهو يرى أن المنفى شَكَّلَ إحدى الركائز الأساسية التي ساهمت بشكل فعال في خلق واختراع أسطورة الشعب اليهودي الواحد، والمنفى المُشار إليه هنا يخص ما تَعَرَّضَ له اليهود في الفترة اللاحقة لخراب الهيكل عام 70 م، وما تبعه من نفي واقتلاع لجموع المؤمنين اليهود من أورشليم وتشتيتهم في أصقاع الأرض، ويُشكل هذا التعريف للمنفى النموذج الأكثر قبولاً، والذي أسهم في صياغة الوعي القومي والذاكرة الجماعية الإسرائيلية الحالية.

يقول ’’ساند‘‘ إنه ليس هناك منفى يهودي، وأفضل ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو الاعتراف بأنها أمة مُخترَعة.

ويَسْخَر ’’ساند‘‘ من الطريقة التي استطاعت بها الصهيونية تطوير أيديولوجيتها حول مقولة ”أرض إسرائيل‘‘ التي تُعتبر سلاحاً لها يُمَكِّنها ليس فقط من الاستيلاء على أرض فلسطين التاريخية، وإنما الاستيلاء على أرض تمتد فيها حدود إسرائيل من النيل إلى الفرات..!! ولذلك يُوضّح ’’ساند‘‘ كيف قادت الحركة الصهيونية مشروع النزعة القومية اليهودية من خلال تحويل اليهودية إلى شيء شبيه بالقومية الألمانية، نافياً وجود شعب يهودي ومعتبراً أن ذلك لا يعدو كونه ”أسطورة‘‘ قامت عليها دولة إسرائيل، كما أثبت خطأ مقولة ”الشعب اليهودي‘‘ من خلال تأكيده على أن تدمير الرومان للهيكل الثاني لم تثبت صحته، خلافاً لما يذهب إليه البعض – إلى نفي الرومان لهم، فالرومان لم يثبت عنهم نفيهم لشعوب بأكملها، إلى جانب أن اليهود كانوا موجودين في ذلك الوقت في مجتمعات أخرى في فارس ومصر وآسيا الصغرى وأماكن أخرى بأعداد كبيرة، وهو ما يعني بطلان تلك المقولة من أساسها.

وفي نقاشه لكيفية تبلور مصطلح ”أرض إسرائيل‘‘ يثير المؤلف عدداً من الأسئلة تدور حول كيفية تحول الأرض (الفلسطينية) إلى وطن قومي لليهود، يبدي فيه الناس استعدادهم للتضحية بأنفسهم من أجله، ويبرز السؤال الأهم: هل أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي؟.. يجيب الكاتب عن هذا السؤال بالنفي، معتبراً أن الصهيونية سرقت المصطلح الديني ’’أرض إسرائيل‘‘ وحَوَّلته إلى مصطلح جيوسياسي، مؤكداً على أن أرض إسرائيل ليست وطن اليهود، وأنها تحولت إلى وطنهم فقط في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع نشوء الحركة الصهيونية التي دعت إلى تلك المقولة، وفقاً لما نادى به موسى هس (Moses Hess) في كتابه (روما والقدس) بأن المشكلة اليهودية تكمن في عدم وجود وطن قومي لليهود، فجوهر الفكر الصهيوني يتمثل، في ما تَزْعمه، ’’وثيقة الاستقلال‘‘ (14أيار- مايو 1948م) : ’’نشأ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، وفيها اكتملت هويته الروحانية والدينية والسياسية، وفيها عاش لأول مرة في دولة ذات سيادة، وفيها أنتج قِيَمَهُ الثقافية والقومية والإنسانية، وعندما أُجْلِيَ الشعب اليهودي عن بلاده بالقوة، حافظ على عهده لها وهو في بلاد المهجر ولم ينقطع عن الصلاة والتعلق بأمل العودة إلى بلاده واستئناف حريته السياسية فيها‘‘.

المراجع

 – مركز فيجن للدراسات الإستراتيجية – 13/3/2024م.

 – الجزيرة – 23/10/2018م.

– مركز الجرمق للدراسات – 23/11/2023م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_تاريخية_محمد_فاروق_الإمام_قراءة_في_كتاب_اختراع_الشعب_اليهودي

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات