مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_دينية_أكرم_كسَّاب_عَلَّمَتْنِي_الهِجْرَة
الحمد لله وصلى الله وسَلَّم على رسول الله، وبعد،،،
يُعَدُّ حادث الهجرة من الأحداث التي غَيَرَّت مجرى التاريخ، وفيه من الدروس والعِبَرْ ما فيه، وها أنا ذا أذكر بعضا مما تعلمته من الهجرة المباركة:
1-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن التوكل على الله لا ينفي الأخذ بالأسباب، بل أُولى خطوات التوكل أن تكون آخذا بالأسباب، وقد تجلَّى ذلك في الخروج ليلاً والتخفي في الغار ثلاثاً.
2-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن العاقبة للمتقين، فمهما انتفش الباطل فهو مهزوم، لكن النصر ليس فقط تَغَلُّبَاً على عدو، ولا قهراً لِخصم؛ بل ثباتك على الحق نَصْرٌ، وتمسكك بمبادئك نَصْرٌ، فَمُصْعَبٌ لم يَرَ تمكيناً، وحمزة لم يَرَ غَلبةً للدِّيْنِ وقد انتصروا بثابتهم على المبدأ حتى ماتوا، وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم: ’’يَا عَمِّ وَاللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ‘‘.
3-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن الإخلاص هو الأساس، فمن رَامَ من الدعوة شُهرة أو مغنما أو مَجداً فقد أخطأ الوجهة، فمحمد صلى الله عليه وسلم لو أراد ذلك ما ترك وطنا ولا فارق دارا؛ فاجعل الإخلاص شعارك ودثارك تأتيك الدنيا والآخرة.
4-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أنَّ الاعتدال قرين المسلم، فلا هو بالمبتذل الذليل حال ضعفه، ولا هو بالمتكبر المتغطرس حال انتصاره، وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم حين أُخْرِجَ وحيدا مهاجرا معتزا بدينه ودعوته قائلا كما عند أحمد: ’’عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ‘‘، وحين عاد بعد ثمانية أعوام في الفتح ما كان إلا متواضعا شاكرا.
5-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أنَّ حِفْظَ الله لأصحاب الدعوات مُؤكد لا شك فيه، لكن الحِفْظَ ليس فقط في الأنفس والأبدان؛ بل منه وأعلاه حِفْظَ الدِّيْنِ، وما هاجر أَحَدٌ في الله إلا حَفِظَ الله له دينه، وسَلْ صهيبا وبلالا وعمارا وأبا سَلَمَة يأتيك الخبر اليقين.
6-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن الثقة تظهر في مواطن الشدة، وها هو الصديق يُسَلِّمُ لصاحبه الأكبر صلى الله عليه وسَلَّمَ نفسه في رحلة تَحَفُّهَا المخاطر، وكيف لا يثق فيه وهو الصادق المصدوق؟! وما أروع رد الصديق حين سُئِلَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ… (رواه البخاري)
7-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن النصر مع الصبر، فلا نصر لجازع متسرع، ولا فوز لقانط متعجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لخباب وإخوته حين تعجلوا النصر: ’’وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ‘‘ (رواه البخاري).
8-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فلما ترك الصحابة مكة وهي خير الديار فتح الله بهم الدينا وعمّر بهم الأمصار والأقطار، فكانوا لها أهلها، ولأهلها أبواب خير وفضلا.
9-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن المرأة شقيقة الرجل، فلا الرجل وحده يبني حضارة، ولا المرأة وحدها تصنع مجدا، ولهذا لم تغب أسماء ومن قبلها سُمَيَّة ونُسيبة عن مَشَاهِد الهجرة وأحداثها.
10-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن النُصْرَةَ ليست بحماسة الشباب وحدها ولا بحكمة الشيوخ دون غيرهم، فالعبرة بالقدرات والإمكانيات والمَلَكَات، فما قام به علي لا يقل كثيرا عما قام به الصّدِيق، ولم يؤهل الصّدِيق لصحبته سِنَّهُ ولا صداقته، ولا أهّل علياً لفدائه شبابه ولا قرابته، بل الذي رَشَّحَ هذا وذاك لما قاما به هو الإمكانات والقدرات والمَلَكَات.
11-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن الوعظ والإرشاد لا يبني حضارات ولا أمجادا، وإنما تُبنى الحضارات والأمجاد بالعزم والتخطيط، ونبوَّة النبي صلى الله عليه لم تمنعه من أن يُخطط ويُدَبِّر، فالصّدِيق للصحبة، وعلي للفداء، وأسماء للغذاء والتموين، وأخوها للأخبار والتمويه، وابن أريقط لهداية الطريق.
12-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن الحياة أدوار، ولكل واحد دور يَصْلُحُ به وفيه، وليس كل أَحَدٍ يَصْلُحُ لكل شيء، فمن أجاد العمل جهرا فله في الفاروق قدوة، ومن رام العمل سرا فله في بقية الصحب أسوة، ومن أتقن العمل الفدائي فَرَايَةُ ابن طالب له مرفوعة، ومن حَبَاهُ الله بالمال فعطاء الصّدِيق يُذكر ولا يُنكر… فضع نفسك فيما تُتقن وتُحسن، لا ما تُحب وتَرغب.
13-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن القائد لا يستحق القيادة إذا انفرد بالأمر وحده، فمن قاد وحده عاش وحده ومات وحده، فالصحبة للقائد ضرورة ولو استغنى عنها أحد لاستغنى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خَلَّدَ القرآن هذه الصحبة فقال: {إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
14-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن الخِيْرة دائما فيما اختاره الله لا ما تمنَّاه العبد، فقد يصرف الله عنك ما تتمنَّاه لأنه يريد لك أفضل مما تهواه، وقد أراد الصّدِيق هجرة وَحْدَهُ، فأراد الله له صُحبة لا مثيل لها، وعند الطبراني:كَانَ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ فَقَالَ: «لَا تَعْجَلْ؛ لَعَلَّ اللهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا».
15-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن بيت الداعي هو النصير الأول له، يؤمن بفكرته، ويدافع عن قضيته، ويقوم بما تتطلبه دعوته، وما أروعه بيت الصّدِيق، فالأب للصحبة، والبنت للطعام، والولد للأخبار، بيت عظيم ما أروعه.
16-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن الشدائد تَصقل معادن الرجال، فرجال الأرقم وشُعْبُ أبي طالب وبيعة العقبة الأولى والثانية هم رجال الهجرة، وهم رجال الدعوة والدولة، وكم قوّت ركلات التعذيب من عَزْمِ عمار وبلال وخَبَّاب، وسَلْ سُميَّة تخبرك كيف استحقت أن تكون أول شهيدة في الإسلام.
17-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن رجل الدعوة غير رجل الدولة، وفي كل خير، فأبو ذر وهو من المهاجرين الأوائل، وهو أصدق الناس لهجة لكنه لا يَصْلُح رجل دولة وإن كان رجل دعوة من الطراز الأول، وعليه فكثرة العبادة لا تكون مؤهلا لمواضع القيادة، والسبق في الدعوة لا يكون مؤهلا لقيادة الأمة.
18-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن للقلوب أعمالا وللجوارح أعمالا، فللقلب عبادة التوكل والثقة والطمأنينة واليقين والحب والولاء…. وللجوارح دعاء وتضرع وخشوع وتذلل وجهاد وإقدام وعطاء، فلا تحرم نفسك من هذا وذاك.
19-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن الأخوة لا تعني أكل مال الأخ بسيف الحياء، فالمرء أولى بماله، وعند البخاري قال الصديق: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: «قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ»، فانظر رعاك الله كيف أخذها النبي بالثمن ولم يقبلها تبرعا ولا تطوعا، فقد قدّم الصّدِيق ما يكفي..
20-أن بناء الأوطان يقوم بالأفراد ويقوم بالأُسَرِ، فَمُصْعَبٌ وبلال وابن مسعود كانوا كأفراد من بُناة الدولة، وبجوارهم كانت أُسْرَةٍ عريقة كَأُسْرَةِ أبي بكرٍ، وأُسْرَةٍ فدائية كَأُسْرَةِ ياسر، ولا تنس أُسْرَةِ الزبير، و أُسْرَةِ الفاروق، فضلا عن الأُسْرَةِ النبوية الشريفة، لذلك فالحفاظ على الأُسْرَةِ أَصْلٌ أصيل في الإسلام.
21-عَلَّمَتْنِي الهِجْرَة: أن وطن الداعية حيث يَفتح الله له قلوب الناس، فوطن المسلم لا تحده حدود، ولا تحجزه حواجز، فإن ضاقت به خير البقاع وجب عليه البحث عن وطن آخر، والله يقول: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]…
__________
هذا المقال يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.