مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_مشروع_الشرق_الأوسط_الكبير_وازدواجية_المعايير_المؤامرة_الشرق_أوسطية_وازدواجية_المعايير
المؤامرة الشرق أوسطية وازدواجية المعاييرمنذ أن بدأ الحديث عن الشرق الأوسط الجديد الذي دعا إليه قادة الصهاينة منذ أكثر من قرن – وتحديدا منذ مؤتمر بازل بال الذي عُقِدَ في سويسرا سنة 1897م وإلى اليوم – والمنطقة العربية الشرق أوسطية تتعرض لمؤامرة كبرى، بعض خيوطها تَكَشَّفَ قبل حين، وبعضها يَتكشَّف اليوم وبعضها الآخر لمَّا يَتكشَّف بعد!!!
وقيل ما قيل عن هذه المؤامرة، فهي مؤامرة (صهيونية – صليبية) بامتياز. وظَفَرَ الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وإحكام قبضتهم على السياسة الدولية، مَكَّنهم أن يَمْضُوا قُدُمَاً من أجل تنفيذ هذه المؤامرة. وأن يحققوا الأهداف التي وصفت بأنها (صهيونية – صليبية) وأن يبسطوا نفوذهم على كثير من بلدان الشرق الأوسط وأن يتدخلوا في سياساتها إلى درجة كبيرة جدا.
وقد كانت وسيلتهم إلى بسط ذلك النفوذ اللاأخلاقي سياسيا، والتي تقوم على أساس من (الغاية تبرر الوسيلة)، ومن الوسائل المتاحة، التي توازي من حيث المعنى – مصطلح (الميكافيلية الحديثة)، بل وتزيد عليها، وقد برعوا في استعمالها واللعب على متناقضاتها، وابتكار الطرق الحديثة، التي تجعل منها مضمونة النتائج.
وسياساتهم هذه لا تقوم على ازدواجية المعايير فحسب، وإنما تقوم على المعايير المتعددة وغير المشروعة وفي أحيان كثيرة غير الأخلاقية!!! وهي من وجهة نظر مُجرَّدة تتمثل بثلاثة مظاهر:
المظهر الأول: عقلية الصراع التي قامت على أساس من شعور بالغلبة: وهي تُعَدُّ من ناحية موضوعية، امتدادا للحروب الصليبية التي دامت من 492هـ إلى 692هـ وتؤكد تلك العقلية ثلاثة أقوال لثلاثة من أعيان السياسة الدولية الحديثة:
الأول: قول الجنرال اللنبي وهو يعبر الجسر إلى القدس سنة 1917م: ’’الآن انتهت الحروب الصليبية‘‘.
والثاني: قول الجنرال غورو وهو يدوس ضريح صلاح الدين بعد معركة ميسلون سنة 1920م: ’’عدنا يا صلاح الدين‘‘.
والثالث: قول جورج بوش الابن عشية إصداره قرار الهجوم على العراق سنة 2003م: ’’إنها حرب صليبية طويلة المدى‘‘ والأقوال الثلاثة هذه، تشير إلى الصراع الذي كان ولا يزال مستمرا منذ العصور الوسطى وإلى اليوم. وتأثيره في المحافل الدولية ليس خافيا على أحد.
المظهر الثاني: اللاأخلاقية السياسية التي كان يأخذ بها السياسي الغربي في تعامله مع العالم الثالث. ومنهم المسلمون بخاصة إذ أنَّ سياساتهم كانت ولا تزال تقوم على أساس من الهضم المطلق وغير المبرر للشعوب الإسلامية وللعرب منهم بخاصة. ويتمثل ذلك بثلاثة مواقف:
الموقف الأول: اتفاقية سايكس بيكو وما أدّت إليه: وقد قضت بتجزئة بلاد الشام واحتلالها من قبل الدولتين الاستعماريتين فرنسا وبريطانيا بصرف النظر عن رغبة السوريين أو عن احترامهم وتقدير موقفهم، وقد كانوا حليفا قويا ضد الدولة العثمانية التي كانوا جزء منها. ومؤتمر باريس الذي دعا إليه العريسي وزملاؤه شاهد على ذلك وأكثرهم قضى نحبه في السادس من أيار سنة 1916م بسبب من ذلك الموقف.
الموقف الثاني: وَعَدْ جورج بلفور وزير خارجية بريطانيا بإقامة وطن قومي للصهاينة في فلسطين استجابة لتطلعات اللورد روتشيلد ومن قبله هرتزل، وبصرف النظر عن حقوق الشعب الفلسطيني وهي حقوق مشروعة على وفق المواثيق والأعراف الدولية كافة. وقد تولت بريطانيا إنجاز ذلك الوعد في الفترة ما بين 1917- 1948م.
الموقف الثالث: قرار عصبة الأمم سنة 1922م بشرعنة الاحتلال الفرنسي لسورية. وذلك تطبيقا لمعاهدة سايكس بيكو. وبعد معركة ميسلون التي وقعت بين السوريين والفرنسيين سنة 1920م، وأقل ما يقال في ذلك الاحتلال أنه يتناقض مع محادثات (الحسين – مكماهون) التي سَلَّمَت جَدلاً باستقلال آسيا العربية، وعَقْدِ التاج للحسين بن علي ملكا على العرب. وكذلك يتناقض مع تقرير لجنة (كينغ – كراين) الذي رفعته إلى عصبة الأمم والذي أوصت فيه بضم فلسطين إلى سورية الموحدة كونهما تمثلان وحدة طبيعية متجانسة.
المظهر الثالث: عدم الاعتراف بحقوق الإنسان. بالرغم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن قيام الهيئة العامة للأمم المتحدة، ومن إنشاء كل من محكمة لاهاي، ومجلس الأمن الضامنين الضابطين لحقوق الإنسان عامة حسب المهام الموكلة إليهما. لكن زيف ذلك ودجله بدا واضحا من خلال ثلاث قضايا:
القضية الأولى – القضية الفلسطينية: وما صحبها من حقوق مهدورة للشعب الفلسطيني، الذي شُرِّدَ من أرضه، واغْتُصِبَت حقوقه وعُومِلَ وكأنه من الهنود الحمر، دون أن تختلج شعرة في جسد المجتمع الدولي، الذي كان عليه أن يقف موقفا منصفا لصالح ذلك الشعب، الذي قُتِلَ وشُرِّدَ واعْتُدِيَ على حقوقه، وتحول إلى مواطن من الدرجة الثانية داخل فلسطين، كل ذلك على مرآى ومسمع من محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن ومن الهيئة العامة للأمم المتحدة. بل والأنكى من ذلك أن الدول صاحبة الفيتو أكثر ما تستعمل الفيتو ضد الفلسطينيين، فإن أُحْرِجَتْ أدبياً تَخلَّت رسميا عن متابعة تنفيذ القرار ومثال ذلك القرار رقم 242 الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها سنة 1967م. واليوم وقد مضى على صدور القرار قرابة نصف قرن لا تزال إسرائيل تحتل الأراضي العربية وكأن شيئا لم يحدث بعد.
القضية الثانية – القضية السورية: التي وصلت سمعتها إلى القارات الخمس، وقد تشرد أكثر شعبها من مدنه وقراه وبيوته الآمنة وقد أربى عدد شهدائه أربت قتلاه على نصف مليون مواطن بينما تَعدَّى عدد الجرحى والمعتقلين المليون. وبالرغم من طرح مصطلح (أصدقاء سورية) ومن تداعي أولئك الأصدقاء إلى الائتمار في أكثر من مكان وأكثر من مناسبة إلا أن اللاعب الرئيس كان بارعا يرسم خيوط ذلك وبتحويلها إلى مهزلة حقيقية، وإلى إحكام الطوق على السوريين الذين فقدوا الناصر والمعين في مواجهة أشرس عدوين لدودين: ولاية الفقيه الإيرانية وميليشياتها وأحزابها الطائفية (الرفض الشيعي)، والتحالف الدولي، وقد أصبح الوطن السوري مستباحا من قِبَلِهِمَا، ففي الوقت الذي تعيث فيه فسادا مرتزقة ولاية الفقيه الرافضة بقيادة إيرانية طامحة إلى إبادة الشعب السوري الثائر وقَتْلِ مكوّن العرب السُنّة في سورية، يصب التحالف الدولي الذي يشاركهم في ذلك الهدف حممه من السماء على السوريين تحت غطاء مكافحة الإرهاب. بينما من ناحية أخرى يحكم قبضته على المنافذ السورية براً وبحراً وجواً فيمنع وصول المساعدات إلى السوريين بما في ذلك السلاح الذي يُعَدُّ حيويا بالنسبة لهم ويبدأ جِهاراً نَهاراً بتسليح أعداء الثورة السورية والمنشقين عنها ومنهم على سبيل المثال من يُسَمُّوْنَ بـ (جيش ثوار سورية) وبـ (قوات الحماية الشعبية) وهم ليسوا أكثر من إرهابيين؛ قصدهم تدمير الحراك الوطني السوري المطالب بحقوق الثورة السورية. وذلك كمقدمة أولية لبسط هيمنة القوى الدولية نفوذها على سورية، وتحقيق أهدافها الخفية والمعلنة والتي تَحَدَّثَ عنها مُنَظِّرُو الشرق الأوسط الجديد بالتفصيل.
القضية الثالثة – موقفهم من الحراكات الشعبية المطالبة بحق الحياة والحرية من ثورات الربيع العربي بعامة: وقد كان لهم في كل (عرس قرص) كما يقولون. فدول الربيع العربي على وجه التحديد وهي (تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية) كلٍ منها شَهِدَ سيناريو خاصا امتاز عن سواه بالمواقف المختلفة والمعايير المزدوجة في التعاطي مع الأزمات الناشئة، وفي التعامل مع المواقف المستجدة في هذه الدولة أو تلك. وموقفهم من معمر القذافي في ليبيا ومع الأزمة الليبية يثير جدلا عريضا في الأوساط السياسية ويُقَدِّمُ الدليل القاطع على ميكافيلية المسألة. فمعمر القذافي وُجِهَ منذ أيامه الأولى بالتحالف الدولي ولم يُسْمَح له أن يجعل من (بنغازي أو أجدابيا أو مصراتة أو الزاوية) أثراً بَعْدَ عَيْن بينما سمح التحالف الدولي لبشار الأسد أن يجعل من حمص وحماة وحلب ومن مدن سورية وقراها أثراً بَعْدَ عَيْن وقد غدت أطلالا خربة بعد عمرانها. بل وإلى الآن بالرغم من آلاف البراميل المتفجرة التي أُلقِيَت على المدن والقرى السورية والتي قتلت الإمرأة العجوز والشيخ المسن والطفل الذي يحتاج إلى رعاية، وقد بلغ عدد البراميل الملقاة على الشعب السوري خلال عام 2015م فقط 17318 برميلاً وذلك حسب إحصائية الشبكة السورية لحقوق الإنسان والتي صدرت في السابع من كانون الثاني من عام 2016م فيما لم يصدر قرار واحد من المنظمة الدولية يدين بشار الأسد ونظامه أو يضعه في خانة القتلة والمجرمين، الذين يجب أن يُحَاكَمُوا على ما اقترفوه من جرائم. بل والأنكى من ذلك أنَّ إطلاق يد الميليشيات الشيعية الممولة إيرانيا والقادمة من وراء الحدود من (لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان) وعدم مساءلتها أو التعريض بجرميتها وعدم عَدَّهَا من الإرهابيين أو اتخاذ الإجراءات المناسبة ضدها يُعَدُّ أكثر من لافتٍ للنظر إذا قارنا ذلك بتجريم المجاهدين السوريين وبـملاحقتهم وضربهم حيثما وُجِدُوا تحت غطاء الإرهاب، بل وعدم السماح لمقاتلي الجيش الحر بمقاتلة النظام وحصر مهامهم تحديدا في قتال داعش وهي مسألة تُوجِبُ تريثاً وضبطاً ومراجعة للحسابات الخاصة والعامة وعدم الوقوع في أَسْرِ الأجندة الأجنبية التي يُرَادُ لها تدمير سورية وقتل معالمها الحضارية وإخراجها من كونها دولة مواجهة مع الكيان الصهيوني إلى دويلات تُديرها أقليات متناحرة فيما بينها وذلك كله من وجهة نظر موضوعية يأتي في السياق خدمة لإسرائيل ولمشاريعها التوسعية في المنطقة وهي ذاتها التي نَصَّ عليها مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتبناه اليوم السياسة الدولية ومنها تحديدا السياسة الأمريكية والأوروبية والروسية فضلا عن السياسة الإيرانية ذات الأهداف الخاصة في عموم المنطقة العربية الشرق أوسطية والسياسات المحلية الواقعة في غائلة الفوضى أَسْرَ (حَيْصَ بَيْصٍ) من أمرها.
وقد عَدَّت نفسها بحكم التابع المُنَفِّذ لتلك السياسات التي أَقَلْ ما يُقال عنها أنها مزدوجة المعايير في تعاطيها مع الأزمات الناشئة في المنطقة وأنَّ تلك الازدواجية تتعلق بالأهداف والخطط التي تُعَدُّ مسبقا وتُطْبَخ على نار هادئة ويُنَفِّذُها سياسيون دوليون محترفون من أمثال (كيري ولافروف) اللذين يمثلان اللاعب الرئيس الذي أحكم قبضته على السياسة الدولية والذي يفعل ما يفعله بتأنٍ وتؤدة وبأعصاب باردة جدا وبدون مراعاة للمشاعر المحلية التي تتأذى كثيرا من تلك السياسات – وبعضها يعده صديقا له – بل وبدون حساب للغضب المحلي الذي قد يجعل من المصالح الأجنبية في المنطقة كلها أثراً بَعْدَ عَيْن بسبب تلك السياسة التي تكيل بأكثر من مكيال وتُوَاجِهُ بأكثر من وجه وهذا هو صلب المشكلة عند السوريين وعند سواهم من سكان المنطقة الذين ابْتُلوا بهذه السياسة التي أقل ما يُقال عنها أنها مُخِلَّة وغير مؤتمنة ومتناقضة حتى مع نفسها. وغَدَّارَة في سياساتها ومواقفها وهذه السياسات العامة يمكن أن توصف بصفات خمس:
أولا- بكونها عَدُوَّة: ووجه العداء فيها أنها تتخذ من الحروب الصليبية الصراع الديني – المسيحي الإسلامي – الذي اسْتَعَرَّ في العصور الوسطى بين الصليبيين والمسلمين مرجعية لها فلا ترى في تقدم الشرق الإسلامي أو تحرره أو حيازته على التقنية الحديثة أو بناء دُوَلِه المستقلة ذات السيادة إلا تهديدا لأمنها القومي ولسيادتها الحضارية وهذه المسألة بحد ذاتها معضلة إلى درجة كبيرة، ففي الوقت الذي ترى فيه هذه الرؤية قوى الحلفاء تَمُدُّ يدها إلى الحكومات المحلية وتتعامل معهم كحلفاء وأتباع وأصدقاء محليين وهذه هي المفارقة رقم واحد. إذ أنَّ افتراض العداء أولا مع وجود المصلحة جعل لتلك السياسة أكثر من آلية في التعامل وأكثر من أسلوب كذلك. الأمر الذي يتطلب أكثر من معيار وأكثر من وجه وهنا تبرز المفارقة الأخرى رقم اثنين حيث بات السياسي الشرق أوسطي صاحب الحق أخشى ما يخشاه من الصديق الذي يعضه بدلا من أن يعانقه. وقضية أن يعضه قد تكون أسهل من أن يلدغه كالعقرب أو أن يغتاله كالوحش. وهذه هي الحقيقة المرة رقم واحد التي يعقلها كثيرون، من أصدقاء الغرب بعامة.
ثانيا- بكونها غير مُنْصِفة: أي متعدية لحدودها لا تكتفي بحقوقها بل تعدي سياساتها لتجعل من مصالحها حقوقا ذات سيادة لا تقبل التنازع فيها. وقضية أن تجعل من مصالحها حقوقا ذات سيادة تُقَدِّمُ لها المبرر من أجل الدفاع عن تلك المصالح إلى درجة إعلان الحرب، ومثال ذلك حرب الخليج واحتلال العراق والتدخل في الشأن السوري، وكلها قضايا شاخصة تثبت وبالقرينة الدالة تغليب مصالح تلك السياسات على الحقوق المشروعة للدول ذات السيادة، ومن ثم تدخلها على وفق معاييرها الخاصة، والذي أبرزها يتمثل بالسياسة الميكافيلية التي أصبحت تقليدا مُتَّبَعَاً في المنطقة العربية الشرق أوسطية ومن أقانيم تلك السياسة أنها ابتكرت المعايير المزدوجة التي تتعامل مع المستجدات المعاصرة على أساس من رؤية مسبقة ومن فهلوية سياسية تعتمد تعدد المعايير بدل أحاديتها، بل وازدواجيتها في آن واحد، والمواقف من القضايا العربية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن تظهر عدم الإنصاف سِيَّما عند أصحاب الفيتو الذين قَدَّمُوا أكثر من دليل وفي أكثر من قضية على أن ذلك الفيتو ما وُجِدَ إلا لقهر الشعوب ولهضمها وتلك هي الحقيقة المرة رقم اثنين التي تعقلها الشعوب المستضعفة ومنهم العرب بخاصة. وما أكثر القضايا التي طالهم فيها عدم الإنصاف في مجلس الأمن والأمم المتحدة والفيتو ضد الثورة السورية في مجلس الأمن نار على علم كما يقولون.
ثالثا- بكونها مخادعة: وتأتي هذه الحقيقة كنتيجة أولية لكون تلك السياسة عدوة وغير منصفة فكون العدو غير منصف سيجعل من سياسته مخادعة ومتآمرة وغير صادقة وفي محادثات الحسين – مكماهون صورة فاضحة لتلك السياسة التي اعتمدت المخادعة أسلوبا لها ففي الوقت الذي كانت المراسلات بين الحسين مكماهون تستمر ما بين تموز يوليو 1914م وآذار مارس 1916م دون هوادة وقد بلغت عشر رسائل، تُعْقَدُ كما حدث بإبرام اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916م التي اتُفِقَ فيها على تجزئة سورية الكبرى وتوزيعها إلى مناطق نفوذ بين الدولتين الكبريين بريطانيا وفرنسا دون أي اعتبار لمحادثات الحسين مكماهون التي أَقَرَّتْ بالحسين ملكا على العرب في آسيا العربية وباستقلال العرب وبخلاصهم من العثمانيين وقد ثَبُتَ أنَّ محادثات الحسين مكماهون كانت مخادعة له وأنَّ التي وُضِعَتْ موضع التنفيذ هو اتفاقية سايكس بيكو التي قضت بتجزئة البلاد وباحتلالها وبإقامة دولة لليهود فيها على حسب ما وَعَدَ بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى يومئذ.
رابعا- بكونها خائنة ومُخِلَّة: والموقف من القضية السورية بعامة في أروقة مجلس الأمن وفي جنيف1 وجنيف2 وجنيف3 وفي كل اللقاءات والاجتماعات الدولية يثبت ذلك وقد كانت السياسة الدولية التي تُعَدُّ الولايات المتحدة الأمريكية راعيها الأكبر تتوزع الأدوار فيها على طريقة العيارين وقطاع الطرق والمافيات الدولية وتُنَفِّذَ قراراتها بهدوء بالرغم من كثرة القتل وفداحته ومن عمق الجراح وفظاعتها وليس أفظع من أن يوكل لروسيا استخدام الفيتو في مجلس الأمن وأن تطلق يدها باستباحة الحمى السوري من قبل الطيران الروسي فيما يكتفي الأمريكان بالادعاءات المراوغة مع التصميم المسبق على تغيير الديموغرافية السورية بعد تهجير العرب السُنّة وفتح المجال لقوات الحماية الكردية وللميليشيات أن تجتاح الجزء الأكبر من سورية وأن تعمل فيها قتلا وتنكيلا بينما تعمل هي جاهدة على شرذمة وتمزيق وحدة المعارضة السورية وعلى شق صفوفها وإضعافها بمختلف الطرق والوسائل فيما لا تزال تصرح – وللاستهلاك المحلي فحسب – بضرورة سقوط الأسد فيما تديم نظامه بكل أشكال الدعم ومنها السماح لإيران بِزَجِّ وحداتها المقاتلة النظامية في سورية والتحضير لِمَا يُسَمُّوْنَهُ بالملحمة الكبرى في حلب وما حولها.
وهي مسألة ترسم أكثر من إشارة استفهام تجاه ذلك الموقف. الذي كان صاحبه وإلى وقت قريب يَعُدُّ نفسه صديقا للشعوب وأحد العاملين من أجل حقوق الإنسان في العالم وليس في سورية فحسب!! وتلك هي الأكذوبة الكبرى التي تُلصق بلحى أصحاب الفيتو ومن العاملين في مجلس الأمن بخاصة!!!
خامسا- بكونها ذات أهداف: وهذه الأهداف تُعَدُّ من وجهة نظر موضوعية ثنائية المنشأ فهي من ناحيةٍ تُعَدُّ امتدادا لأهداف الحروب الصليبية التي دارت رحاها في العصور الوسطى والتي لمَّا تزل مستمرة على حسب أقوالهم إلى اليوم ومن ناحية أخرى يهودية صهيونية ومشروع الشرق الأوسط الجديد من صُنْعِهَا وهي تهدف إلى تدمير الحضارة الإسلامية يساعدها من أجل تحقيق هذا الهدف بنتاغون يُخطط لها وإدارة لا تملك غير التنفيذ وسياسة مرتهنة أولا وآخرا بالقرار الأمريكي.
وهذه الثنائية مع غياب المرجعية الإسلامية ووحدة الكلمة والقوة الرادعة التي يجب أن تتوافر لتلك المرجعية وضعت العرب المسلمين جميعا في خانة الضعف ومنهم العرب ويُعَدُّ السوريون أحد الذين استُضْعِفُوا سواء أكان ذلك مع نظامهم المجرم أو مع السياسة الدولية التي تُنَفِّذُ أهدافا صهيونية صليبية حاقدة وتقيم تحالفاتها على أساس من تلك الأهداف ويُعَدُّ التحالف الدولي نموذجاً لما جرى ويجري في العالم العربي والإسلامي والعربي وذراعه الطولى التي يُجريها اليوم في أكثر من بلد عربي و إسلامي تُ قيم الدليل على ذلك.
وهذه السياسة فضلا عن صفاتها الخمس الآنفة الذكر تمتاز بخاصتين غير خافيتين على أحد وهاتان الخاصيتان هما:
أولهما – خاصية التعامل بوجهين: وأكثر ما تُلحَظُ هذه الخاصية مع فقد المعايير ومع اختلالها، فالسياسة الأمريكية على سبيل المثال حريصة على علاقاتها القديمة في المنطقة وعلى أصدقائها التقليديين وفضلا عن ذلك فهي رَكَّابَةً لموجة التغيير وآخذة بناصيتها إلى حيث تريد وهذه المسألة تتطلب منها أكثر من لسان وأكثر من وجه ومثال ذلك سياساتها في العراق فهي حليف قوي للشيعة وهي نصير للسُنّة وهي من أكبر منتقدي سياسات المالكي وهي من أكبر المؤيدين لتلك السياسات ومن أجل تمرير سياساتها في المنطقة تحتاج لأكثر من وجه في التعامل ولأكثر من لغة ومن أسلوب فهي تمقت الطائفية وهي تشجعها وتقويها وتعمل على تنميتها ولذلك عندما طرحت مشروع الصحوات لاقت استجابة واسعة وقد تمكنت بمساعدة أولئك من إلحاق الضرر الكبير بالمجاهدين وهي أخيرا تشجع على الحشد العشائري الذي يُعَدُّ من ناحية موضوعية خطا موازيا للحشد الشعبي (الباسيج) وهدفها الأساس يتمثل في القضاء على المكون السُنّي والهدف الأبعد منه القضاء على العراق الذي كان إلى وقت قريب أحد مكونات الجبهة الشمالية في مواجهة إسرائيل. ومقدرتها على التعامل بوجهين مَكَّنَهَا من أن تحقق أهدافها في حرب الخليج الأولى والثانية وأن تتابع تحقيق تلك الأهداف بيسر وسهولة في مرحلة ما بعد السقوط والتي تمتد إلى اليوم.
ثانيهما – خاصية ازدواجية المعايير: وهذه الخاصية فاضحة للسياسة الدولية التي باتت بحكم المكشوف والمعروف وغير الخافي على أحد وسنكتفي بمثال واحد وهذا المثال يتمثل في الموقف من الإرهاب وإذا رجعنا بالإرهاب إلى المدلول اللغوي والاصطلاحي نكون أمام ظاهرة عامة تتخطى الحدود الدينية والعرقية وقد يوصف بها بعض من اليهود أو المسيحيين أو المسلمين. والمعيار في ذلك إيذاء الناس وإخافتهم وإرهابهم وإشاعة الفاحشة بينهم وعلى أساس من ذلك يكون الذين يقتلون الفلسطينيين ويغتصبون بلادهم إرهابيين والذين يقتلون السُنّة ويصفون مسجدهم بـ (المسجد الضرار) في إيران إرهابيين، والذين يلقون البراميل المتفجرة من عَلٍ على المدنيين في سورية والعراق إرهابيين وقِسْ على ذلك لكن المعيار في السياسة الدولية غير ذلك فهو ضِمْنَاً يُقْصَدُ به الإسلام الحنيف بصرف النظر عن الإرهابيين واتجاهاتهم في هذا البلد أو ذاك وهذا يتطلب أكثر من معيار لتوصيف الإرهاب ولمواجهته والتصدي له. فالإرهاب حقيقة هو جزء من المؤامرة الشرق أوسطية التي تستهدف المسلمين بعامة ومعاييره تختلف باختلاف السياسات المتبعة التي تخدم المؤامرة وتعمل على إنجاحها بالوسائل المتاحة بصرف النظر عن مشروعية ذلك وعن صحته أو خطئه، وعما في خطئه من إيذاء قد يصيب البشر جميعا وبالتأكيد ليس كما يوصف من قبل الساسة الدوليين أو أتباعهم من مختلف المِلَلِ والنِّحَلِ ومن هذا البلد أو ذاك على وجه التحديد.
وفي الختام:
فإن مؤامرة الشرق الأوسط الكبير والموقف منها يُمثلان معركة قائمة بين حق وباطل قد تعود بداياتها إلى العصور الوسطى وقد تستمر إلى ما بعد القرن الواحد والعشرين فهي معركة ممتدة بين الشرق والغرب وستظل سجالا ولن تتوقف وفي التاريخ أكثر من دليل على ذلك. والخلاص منها لا يكون إلا بالانبعاث الذاتي، وببروز القوى المحلية الدافعة، وبالارتقاء إلى مستوى المسؤولية، في مواجهة تلك المؤامرة المنفلتة، والتي لا تقيم اعتباراً لأحد.
أما المسلمون بعامة، فالنصيحة لهم، أن يعيدوا النظر في قناعاتهم وأن يصححوا مواقفهم، وأن يضاعفوا من أنشطتهم، وأن يبحثوا عن القواسم المشتركة بينهم، قبل أن يقول قائلهم: ’’ أكلت يوم أكل الثور الأبيض‘‘!!!
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_مشروع_الشرق_الأوسط_الكبير_وازدواجية_المعايير_المؤامرة_الشرق_أوسطية_وازدواجية_المعايير