مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(7-24)_حزب_البعث_يحيك_المؤامرات_للإطاحة_بالوحدة
حزب البعث يحيك المؤامرات للإطاحة بالوحدة
لقد فكَّر الضباط البعثيون، الذين استمرأوا ازدواجية العمل العسكري والسياسي، في تنفيذ انقلاب ضد عبد الناصر ودولة الوحدة التي لم تحقق لهم طموحاتهم في جعل سورية مزرعة لهم كما أملوا وخططوا بعد أن قدموها على طبق من فضة إلى جمال عبد الناصر في غياب السلطتين التشريعية والتنفيذية وأخفقوا في ذلك. (يقول أكرم الحوراني في مذكراته: زارني ميشيل عفلق في القاهرة مرتين قُبيل تقديم الاستقالة من الوزارة المركزية. وقد كنت منذ زيارته الأولى للقاهرة متفقاً معه على ضرورة تقديم استقالتنا، ولم يدرِ بخاطري أن تكون له اتصالاته في القاهرة مع ضباط من الجيش المصري.
بعد عودة ميشيل عفلق إلى دمشق من زيارته الثانية للقاهرة أرسل إلى عبد الفتاح زلط الذي قال وهو يكاد يطير من الفرح: إن ميشيل عفلق قد اجتمع مع الضابط داود عويس الذي هو رئيس تكتل ضباط المشير في الجيش والذي يتكلم باسمه، وأن عويس قد أبلغه بأن المشير على استعداد للاتفاق مع حزب البعث للقيام بانقلاب ضد جمال عبد الناصر، وسيكتفي بعد نجاح الانقلاب باعتقاله لأن له سمعة عربية ودولية يمكن أن تُستغل ضد الانقلاب فيما إذا قضى على حياته، كما أن المشير يقترح ’’كما قال الضابط عويس‘‘ أن تكون استقالتنا نحن البعثيين مع الوزيرين المصريين المحسوبين على المشير وهما عباس رضوان وتوفيق عبد الفتاح اللذين يجب أن نتصل بهما قبل تقديم استقالتنا.(1)
وَضْع حزب البعث داخل الجيش السوري:
لم يكن لحزب البعث، حتى عام 1958م، أي جهاز تنظيمي حزبي، داخل الجيش. صحيح أن هناك عدداً من الضباط البعثيين، أو من الضباط المتعاطفين معهم، ينتهجون نهجه، ويؤيدونه في نشاطه، وتحركاته السياسية، على صعيد الحكم والدولة. ولكنهم لا يقومون بذلك، من خلال إطار تنظيم بالمعنى الحقيقي، مرتبط مباشرة بقيادة الحزب. فعلاقة الضباط البعثيين بالحزب، بقيت في الغالب علاقة تعاطف شخصي، أو عائلي أو أيديولوجي، تتم عن طريق بعض قياديي الحزب. (كثيرون من البعثيين المثقفين، كانوا ينظرون عموماً إلى تحركات العسكريين، وتدخلاتهم في الشؤون السياسية، بشيء من الاستياء، وعدم الارتياح).(2)
لقد كانت خيبة آمال البعثيين، تحمل في طياتها مرارة عميقة، وهم يتملكهم شعور بالأسى، من مثلهم الأعلى جمال عبد الناصر، الذي استخف بهم بل وخانهم، على قول بعضهم.
فمن القاهرة حيث منفاهم، أخذ الضباط البعثيون، يدورون بأنظارهم نحو دمشق. وبالفعل، أنشأوا في القاهرة عام 1959م، ما سُمِّيَ (باللجنة العسكرية). وكانت في البداية تتكون من خمسة ضباط، ثلاثة منهم علويون (محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد) واثنان إسماعيليان (عبد الكريم الجندي، وأحمد المير)، ثم وسَّعت اللجنة وصار عدد أعضائها خمسة عشر عضواً كانوا كالتالي:
(5 علويون و2 من الإسماعيلية و2 من الدروز، وستة من السُّنَّة). وأُحيط هذا التنظيم بالسِّرِّيَّة المطلقة، في فترة زمنية طويلة، رافضين ثلاثة أشياء رفضاً قاطعاً هي: الناصرية كمفهوم سياسي للحُكْم، صيغة الوحدة السورية – المصرية ومضمونها، وأخيراً قيادة الحزب القومية.(3)
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(7-24)_حزب_البعث_يحيك_المؤامرات_للإطاحة_بالوحدة
وَضْع حزب البعث بعد الإطاحة بالوحدة:
لقد ظهرت منذ بداية انقلاب 28 أيلول في الأوساط البعثية المختلفة خلافات وتناقضات عميقة تتعلق بالموقف الذي يجب أن يتخذه الحزب بالنسبة إلى الحركة الانفصالية والنظام الناصري. إن توقيع مسؤولين اثنين لهما شهرة أكرم الحوراني وصلاح البيطار على بيان السياسيين السوريين، أحدث موجة كبيرة من البلبلة والنقمة في صفوف الحزب في سورية وفي خارجها وبين الرأي العام العربي. إذ ليس من المقبول أو المستساغ لدى التفكير العربي أن يُقدَّم مثل الحوراني والبيطار على دعم الانفصال ومهاجمة عبد الناصر.
في هذه الأوضاع المضطربة التي كانت تدور في دمشق، برز اتجاهين من بين الأوساط البعثية. الأول يعتبر أن انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة أصبح أمراً واقعاً، وأن غياب القوى السياسية المنظمة؛ وخاصة حزب البعث، لمجابهة الأحداث دفعت هذه القِلَّة من الضباط لتنفيذ حركتها. وأن على حزب البعث أن لا يرمي بقواه المشتتة في معركة خاسرة مسبقاً لمواجهة الانقلابيين.
أما الاتجاه الثاني والذي عرف فيما بعد بالتيار (البعثي – الناصري)(4) فكان يرى، على العكس من ذلك، أن الانفصال إذا كان قد Hظهر فعلاً صحة وواقعية انتقادات وتحذيرات القادة البعثيين بالنسبة إلى النظام السياسي المطبق في الجمهورية العربية المتحدة وفي سورية على الأخص، إلا أن (الحركة الانفصالية المشبوهة) التي دعّمتها القوى الرجعية السورية والعربية بكل قواها يجب أن تدفع الحزب إلى تعبئة وتجميع قواه للعمل على إفشال انقلاب 28 أيلول، والمحافظة على الكيان السياسي الكامل للإقليمين السوري والمصري.(5)
وفيما يتعلق بالقيادة القومية للحزب، فقد كانت في حيرةٍ من أمرها، ومشلولة كلياً بسبب سرعة الأحداث. وانفجار التناقضات الداخلية وتطورها لتظهر في وضح النهار.
في هذا الجو المتلبد، تحركت مختلف فروع البعث أثناء وبعد الانقلاب الانفصالي بشكل عفوي وبطريقة تختلف بين الواحد والآخر، كل حسب اتجاهاته وعلاقاته السياسية والوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، أو يعيش فيه. وقد وجهت القيادة القومية تعميماً إلى المنظمات الحزبية تشرح فيه الوضع الداخلي للحزب في هذه المرحلة، تؤكد قائلة: ’’إن الأحداث الأخيرة التي وقعت في الجمهورية العربية المتحدة أبرزت بوضوح ثغرات أساسية في تفكيرنا ومواقفنا العملية ووضعت أجهزتنا الحزبية بمواجهة قضايا لم يكن من السهولة مواجهتها، بحيث اختلف تكييف هذه الأحداث واختيار المواقف الملائمة والمنسجمة مع رأي الحزب، كما أن تريث القيادة القومية بإصدار بيان يوضح موقف الحزب أوجد بَلْبَلَة في موقف الحزبيين وأظهر مدى الاجتهاد الخاطئ لدى بعض المنظمات الحزبية ومدى تأثر منظمات حزبية أخرى بعوامل ومؤثرات ليست منسجمة مع خط الحزب ونظرته).(6)
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(7-24)_حزب_البعث_يحيك_المؤامرات_للإطاحة_بالوحدة
يتبين لنا فيما سبق أن القيادة القومية وعلى رأسها ميشيل عفلق المقيم في بيروت، قد وجدت نفسها عاجزة عن فعل أي شيء، باستثناء بعض التصريحات بهدف توضيح موقف الحزب. ولكنها في الحقيقة لم تنجح إلا في زيادة البلبلة وإثارة حنق الجميع ابتداءً من البعثيين أنفسهم.
توسَّعت نواة اللجنة العسكرية بعد الانفصال، وثبّتت مواقعها، وبقي التنظيم البعثي الجديد والأول داخل الجيش، مستقلاً استقلالاً كلياً، بالنسبة إلى التكتلات البعثية المتصارعة. رافضين كل سلطة تمارس عليهم، أو أُبوة تفرض. ينتابهم شعور بالاعتزاز بأنفسهم. يخامرهم الاعتقاد، بأنهم أصبحوا جديرين، بأن يقوموا بتحركاتهم السياسية لحسابهم الخاص، وانحصرت نقمتهم داخل الحزب، على قادة البعث الثلاث: (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني)، وألقوا مسؤولية إخفاق الحزب، طوال السنوات السابقة عليهم. وجعلوا تنظيمهم العسكري السري الخاص منذ البداية، بعيداً عن التيارات والاتجاهات البعثية، من ناحيتي القيادة، والهيكلية التنظيمية.
بعد إخفاق اللجنة العسكرية البعثية، في الحركة الانقلابية التي شاركوا فيها في آذار 1962م، أُبعد مُعظم الضباط البعثيين عن الجيش، أو أُلقي القبض على بعضهم. وحسب تأكيدات مصادر مختلفة: لم يبق في الجيش منهم، سوى عدد قليل جداً، وفي مقدمتهم: (سليم حاطوم وصلاح جديد وسليمان حداد)، مع عدد من الضباط ذوي الرتب الصغيرة ومن صف الضباط.(7)
ومن خارج الجيش، عمل محمد عمران (مُحَرِّك اللجنة العسكرية) على إعادة تشكيلها وتنظيمها، وتوسيع قاعدتها بين الاحتياطيين والضباط المسرحين. وبنى علاقات وطيدة، مع التكتلات العسكرية، التي كانت تسعى لإسقاط الحكم الانفصالي: (تكتلات المستقلين والناصريين وحتى ضباط الانفصال 28 أيلول 1961م).
بالإضافة إلى هذا كله، فهم لم يُهملوا أبداً اتجاهات البعث المختلفة، بغض النظر عن أي اعتبار. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وزعت الأدوار على الضباط البعثيين، كلٌ حسب علاقاته الشخصية أو السياسية.
لم يكشف أعضاء اللجنة العسكرية أبداً عن (أوراقهم)، حتى إلى بعض كوادر البعث المقربة إليهم، والتي كانت تجهل تماماً، اسم ووجود هذا التنظيم، للضباط البعثيين. لقد كانوا يتحدثون إلى المجموعات، والكتل المعادية للحكم الانفصالي، باللغة التي كان كل من هؤلاء يرغب بسماعها. ولكن كل تكتل عسكري من ناحيته، كان يفكر بأنه سيستخدم التكتلات الأخرى في الوقت المناسب.
كان الضباط البعثيون، يدركون تمام الإدراك أنهم قليلو العدد، فحاولوا أن يعوضوا عن هذا الضعف، بتقوية تلاحمهم التنظيمي، وبِسرّيَّتهم المطلقة، وبتحركهم الواسع. وهكذا استطاعوا أن يعطوا انطباعاً عاماً للجميع، بأنهم أكثر عدداً وقوة، مما هم عليه في الواقع.
وكان هناك تنظيمات عسكرية غير بعثية، فقد كان الناصريون يؤلفون على الصعيد العسكري، تياراً عريضاً، يضم بين جنباته، عدداً كبيراً من الضباط، بالنظر إلى التكتلات الأخرى. ولكنه مع ذلك، بقي تياراً عاماً، مجزأً، متناقضاً، وله عدة مراكز قوى للتقرير والتوجيه، ولم ينجح بالتالي، في تكوين تنظيم موحد ومتماسك، ومبني بناء قوياً، ولا في إيجاد خطة عمل، تحدد الخطوات العملية، وتتلاءم مع ظروف الواقع الجديدة. وكانت التعليمات والتوجيهات، تأتيه من القاهرة، أو من السفارة المصرية في بيروت. وكان يضع نصب عينيه هدفاً وحيداً، يتلخص في إزالة حكم الانفصال، وإعادة الوحدة الفورية مع مصر.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(7-24)_حزب_البعث_يحيك_المؤامرات_للإطاحة_بالوحدة
وكان هناك مجموعات من الضباط المستقلين، هي الأقوى من الناحية العددية، ولربما الوحيدة التي يمكنها أن تقوم بعمل فعّال وحاسم، ضد نظام الحكم. وإلى جانب الطموحين من كل نوع، والفئات التي تسير مع التيار العام، فهي تحوي عناصر وحدوية وتقدمية، دون أن نعطي إلى كلمة وحدوية وتقدمية معنىً محدداً وواضحاً. وإذا كان الضباط المستقلون وحدويون، ومتعاطفون مع القاهرة، غير أنهم لا يفكرون أبداً في أن يتم هذا التعاون والتقارب، بنفس طريقة الضباط الناصريين. لذلك فقد كان الاتجاه العام للضباط المستقلين، أكثر ميلاً وأقرب للتعاون والتنسيق، مع مجموعة الضباط البعثيين.
في مطلع عام 1962م، اتفقت المجموعات الثلاث، داخل الجيش السوري، على تنفيذ انقلاب عسكري مشترك، يطيح بالانفصال. ولكن رغم هذا الاتفاق، فإن الحذر، وسوء النية، كان طابع العلاقات بين الناصريين والبعثيين.(8)
ويذكر سامي الجندي في هذا الموضوع بأن أعضاء اللجنة العسكرية قد اتبعوا (خطة ذكية، فتسربوا إلى كل التنظيمات العسكرية دون استثناء). وهناك (بعض القوائم بأسماء الضباط وتنظيماتهم.. فيها عدد من البعثيين.. قوائم انفصالية فيها أسماء بعثية. كانوا بهذه الطريقة مطلعين على كل شيء يوجهون التنظيمات لمصلحتهم بحذر ودقة).(9)
بالإضافة إلى هذا كله، فهم لم يُهملوا أبداً اتجاهات البعث المختلفة، بغض النظر عن أي اعتبار. ومن أجل تحقيق هذا الهدف وزعت الأدوار على الضباط البعثيين كل حسب علاقاته الشخصية أو السياسية. (عبد الكريم الجندي) اتصل بحركة (الوحدويين الاشتراكيين) عن طريق ابن عمه (سامي الجندي)، (أحمد المير ومزهر هنيدي) اتصلا بالقيادة القطرية (لرياض المالكي وبالقطريين).(10)
لقد كان غالبية أعضاء اللجنة العسكرية على اتصال دائم بما يُسَمّضى محور حِمص، اللاذقية، دير الزور.. ويعني هذا بالكُتل البعثية لأكرم الحوراني أو القطريين عن طريق (عبد البر عيون السود ووهيب الغانم ومصلح سالم)(11)، و(محمد عمران وسليم حاطوم) بقادة تيار (القيادة القومية)، و(حافظ الأسد) وكذلك (محمد عمران) بالناصريين وبعض المسؤولين في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بيروت.)12)
هذه هي مجمل المواقف الأولية للقيادة القومية لحزب البعث بعد انقلاب 28 أيلول الانفصالي.
المراجع
1-ص (327-1) مصطفى دندشلي – حزب البعث العربي الاشتراكي (1940-1963)، وص (85) وما بعدها – سامي الجندي – البعث.
2-ص (97) الجندي – نفس المصدر.
3-ص (327-1) دندشلي – المصدر السابق.
4-ص (303) وما بعدها – مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية – اللواء عبد الكريم زهر الدين.
5-صحيفة العرب اليوم الأردنية – مذكرات أكرم الحوراني – حلقة 29-15/8/1997م.
6-ص (325-1) دندشلي – المصدر السابق.
7-ص (426-1) دندشلي – المصدر السابق.
8-ص (327-1) دندشلي – المصدر السابق، وص (85) وما بعدها – الجندي – البعث – المصدر السابق.
9-ص (327-1) دندشلي – المصدر السابق، وص (85) وما بعدها – الجندي – البعث – المصدر السابق.
10-للمزيد من المعلومات حول الاتجاه الثاني الذي أصبح يُعرف فيما بعد (بحركة الوحدويين الاشتراكيين) راجع كتاب (البعث) – سامي الجندي – ص (88) وما بعدها.
11-ص (293-294-1) دندشلي – المصدر السابق.
12-ص (20-21-6) نضال البعث – دار الطليعة – بيروت.