مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_السياسية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(16-24)_المحــادثات_الثلاثيـة_بين _مصر_وسورية_والعراق
المحــادثات الثلاثيـة بين (مصر وسورية والعراق)
بعد نجاح حركة 8 آذار 1963م بستة أيام.. أي في 14 آذار.. جرت المحادثات في القاهرة بين مصر وسورية.. ثم انضمت العراق إليهما.. من أجل وضع الأسس لوحدة اتحادية. وإذا لم نتتبع هذه المفاوضات بالتفصيل.. أو اقتطاف بعض المقاطع من المناقشات التي تضمنتها.. غير أن هذه المناقشات قد أظهرت بصورة واضحة النوايا الخفية لكل فريق.. وكذلك السرعة الفائقة التي طرحت معها وعولجت بها القضايا الأساسية.
لقد ترأس جلسات المحادثات بين الوفود الثلاثة الرئيس عبد الناصر الذي كان في وضع القوة نسبياً.. وبالتالي نجح ببراعة.. أمام الرأي العام العربي.. في إخفاء ثغرات الضعف في حُكمه ونظامه.. ووجد البعثيون أنفسهم في جو مثقل وحالة مشتتة وضع أقرب ما يكون إلى وضع المتهم.
لقد كان كل المشتركين في هذه المناقشات يناورون.. فَهُم جميعاً يتحدثون عن الوحدة العربية وعن آمال الجماهير العربي.. وفي حقيقة الأمر.. كانوا جميعاً بعيدين كل البعد عن هذه الاهتمامات.. مما جرّهم الحوار إلى ما يشبه (حوار الطرشان).
برز خلال المناقشات موقفان متعارضان: عبد الناصر أبدى عدم استعداده لعقد وحدة مع سورية يحكمها البعث وحده.. حيث ألقى عبد الناصر مسؤولية إخفاق الوحدة السورية-المصرية على البعثيين.. الذين وصل توجيه الاتهام إليهم إلى درجة (الخيانة). ومن الناحية السورية.. فإن البعث السوري.. بعد أن استخلص العبر من أخطائه التي ارتكبها في 1957-1958م عند قيام الجمهورية العربية المتحدة.. كان مصمماً على عدم الخضوع لأي ضغط مهما كانت طبيعته. هذا هو البعث يُحكم قبضته على دمشق وبغداد.. بعد عناء كبير تعرض فيها إلى المزيد من العقبات والمِحَن.. وهو لا يريد أن يترك دمشق وبغداد لعبد الناصر. وإذا كان لا بُدَّ من وحدة فإنها لن تقوم ضدهم أو بدونهم.
وبالفعل.. فقد رجحت كفة البعثيين في النهاية (ولو كان نظرياً على الأقل).. ففي 17 نيسان وَقَّعت الوفود المصرية والسورية والعراقية ما سُمِّي (ميثاق القاهرة).. والذي أعلن عن قيام دولة اتحادية بقيادة جماعية في مدة لا تزيد عن خمسة أشهر بين مصر وسورية والعراق تحت اسم (الجمهورية العربية المتحدة).. عاصمتها القاهرة. وكل قُطر في هذه الدولة الجديدة يبقى محتفظاً بمؤسساته واستقلاله السياسي والداخلي. وتكون السلطة التشريعية والسلطة العليا مُناطة بالمجلس القومي في الدولة الاتحادية الجديدة.. وهو مؤلف من مجلسين: مجلس نواب إقليمي مُنتخب انتخاباً مباشراً عن طريق الاقتراع السري العام.. ويضم في كل قُطر عدداً من الممثلين حسب نسبة السكان.. ومجلس اتحادي يضم عدداً متساوياً من الأعضاء في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة. والمجلس القومي هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية ونوابه الثلاثة. والقوانين والتشريعات لا تصبح سارية المفعول إلا بعد الموافقة والتصديق عليها من قبل المجلس الإقليمي والمجلس الاتحادي. وأخيراً فإن مجلس الوزراء إنما يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة أمام المجلس القومي.
لم يتمالك البعثيون دهشتهم عندما وقع عبد الناصر على (ميثاق 17 نيسان). فهم لم يكونوا ليتصوروا أن رئيس الدولة المصرية سيقبل باتفاق يحد من صلاحياته ويقيم نظاماً اتحادياً مبنياً على أسس من القيادة الجماعية. لذلك فإن مخاوفهم كانت كبيرة لاعتقادهم بأن عبد الناصر عندما وقع هذا الميثاق.. قد أعطى نفسه مهلة خمسة أشهر.. يسعى خلالها لتغيير موازين القوى في دمشق وبغداد لمصلحته.(1)
ومما كان يزيد من هذه المخاوف والشكوك تحركات الناصريين في دمشق ونشاطهم السياسي على الصعيد الداخلي.. المرتبط بتعليمات يتلقوها من القاهرة.. ولم يكن ذلك سِرّاً. فالناصريون منذ الأيام الأولى قد حاولوا أن يثيروا المتاعب والاضطرابات في وجه النظام البعثي.. وطالبوا بإقامة وحدة فورية مع مصر.. ونظموا لهذا الغرض المظاهرات الشعبية في البلاد كلها.. لكي تمارس ضغوطاتها على السلطات الحكومية البعثية.
وفي نفس الوقت فقد كانت التنظيمات الناصرية تطالب بإشراكها في الحُكْم مناصفة. وهذه المنظمات هي: (حركة القوميين العرب، وحركة الوحدويين الاشتراكيين، والجبهة العربية المتحدة).. وكانت تلح عل البعث أن يقبل مبدأ توزيع المناصب في الحُكْم معه على قدم المساواة. وهذا يعني أن البعث يجب أن يحتل فقط ربع المقاعد في المجلس الوطني لقيادة الثورة.. وأن يحمل ربع الحقائب الوزارية.(2)
وقد صرح بهذا الصدد (نهاد القاسم).. زعيم الجبهة العربية المتحدة قائلاً: ’’إن القوى الوحدوية لا تضع إلا شرطاً واحداً وهو أن يقبل البعث مبدأ المساواة مع كافة المجموعات الوحدوية التي وقعت ميثاق القاهرة‘‘.(3)
ونظراً للأوضاع السياسية والعسكرية التي وصل البعثيون بها إلى الحُكْم.. فإنهم وجدوا أنفسه معزولين تقريباً.. من ناحية التأييد الشعبي.. وفي كل المناطق السورية سواء في الريف أو المدن.
ورغم التأييد الشعبي الذي كانت تحظى به التنظيمات الناصرية فإنها كانت تدخل في الغالب في معارك جانبية بشكل مبعثر. وفي خِضَمِّ الصراع الوحدوي الإعلامي الذي وصلت إليه من العنف الهستيري.. فإنها لم تستطع أن توحّد صفوفها وتقيم تنظيماً سياسياً متجانساً أو تحدد برنامجاً موحداً. وهكذا فقد فسحت المجال لخصومها بإزالتها مجموعة بعد أخرى.
في أثناء المحادثات الثلاثية وقبل توقيع (ميثاق 17 نيسان).. وقعت صدامات في سورية بين المتظاهرين الناصريين من جهة وبين رجال الشرطة والجيش من جهة أخرى. وفي أوائل نيسان صدر أمر عسكري بمنع التجول في جميع أنحاء البلاد.. ويمنع التجمعات وحمل السلاح تحت طائلة العقوبات الشديدة.. وقد أحدث منصب جديد وهو نائب الحاكم العرفي.. وعهد به إلى وزير الداخلية (اللواء أمين الحافظ).. يخوِّله ممارسة كافة السلطات الواردة في نصوص الأحكام حول حالة الطوارئ.(4) وأول عمل قام به هو إغلاق المدارس والجامعات حيث تتمركز التنظيمات الناصرية.
في شهر أيار من نفس السنة.. وصل الجو السياسي إلى درجة عالية من التوتر أصبحت معه القطيعة أمراً لا يمكن تلافيه بين حلفاء الأمس: القوى الناصرية والحكم البعثي في سورية.. فقدَّم الوزراء الناصريون (نهاد القاسم وعبد الوهاب حومد وهاني الهندي وجهاد ضاحي وسامي صوفان وسامي الجندي)(5) استقالاتهم من حكومة البيطار احتجاجاً لرفضها توزيع الحقائب والمناصب في مختلف أجهزة الدولة بالتساوي.(6) وفي نفس الوقت تقدَّم ثلاثة وزراء بعثيين استقالاتهم وهم (جمال الأتاسي وعبد الكريم زهور وسامي الدروبي).(7)
ولكن في الجيش بلغت التصفية أرقاماً خيالية بحق الضباط الناصريين.. ويأتي في مقدمتهم: (اللواء راشد القطيني نائب رئيس الأركان، واللواء محمد الصوفي وزير الدفاع، والرائد حسين القاضي رئيس الشعبة الثانية، والرائد جميل فياض قائد قوى الأمن الداخلي).(8)
يقول الدكتور سامي الجندي أحد مؤسسي حزب البعث، وكان قد تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب آذار: (إنه بعد أن أسندت إليه مسؤولية وزارة الإعلام بثلاثة أيام، زاره (الرفاق) في مكتبه من أبناء طائفته مطالبين بالتخلص من أبناء دمشق وحلب وحَماة وتعيين أبناء الطائفة في وظائفهم مكان المسلمين) – يقصد السُّنَّة.(9)
أمام هذه التطورات لم تبقَ القاهرة مكتوفة الأيدي.. بل شنَّت حملة إعلامية عنيفة ضد البعث السوري مع تجنب ذِكْر البعث العراقي. وفي المقابل رد البيطار على تهجمات القاهرة. وتدخَّل السياسي المغربي (المهدي بن بركة) واتصل بالمسؤولين في سورية والعراق ومصر.. واتفق مع البعثيين السوريين على النقاط الأربعة الأساسية التالية:(10)
1-عودة الضباط الناصريين المُسرَّحين إلى الجيش السوري.
2-تشكيل جبهة قومية موحدة تضم كل القوى الوحدوية.
3-عقد مؤتمر قمة بين مصر وسورية والعراق في 23 تموز.
4-التحضير لاجتماع عام يشترك فيه الاتحاد الوطني للقوى الشعبية في المغرب والاتحاد الاشتراكي العربي في مصر وجبهة التحرير الوطني الجزائرية وحزب البعث العربي الاشتراكي.
ولأجل تحقيق هذا الهدف فقد وصل وفدٌ سوريٌ إلى القاهرة برئاسة اللواء لؤي الأتاسي.. ويضم المقدم محمد عمران والمقدم فهد الشاعر والدكتور سامي الجندي وزير الإعلام. وقد طلب عبد الناصر أثناء محادثاته مع أعضاء الوفد – بالإضافة إلى عودة جميع الضباط الناصريين إلى الجيش – إنشاء حركة سياسية واحدة.. يشترك فيها كل القوى الاشتراكية العربية وتتخلى عن أية تسمية.. سواء كان ذلك اسم الاتحاد الاشتراكي العربي أو البعث أو أي حزب آخر. وبالتالي فإن عبد الناصر طلب بأن تكون هذه الحركة الجديدة تحت قيادته الشخصية.(11)
المراجع
1-جريدة البعث الصادرة يوم 11 آذار 1963م.
2-نفس المصدر.
3-ص (331-337) دندشلي – المصدر السابق.
4-ص (331-337) دندشلي – المصدر السابق.
5-ص (331-337) دندشلي – نفس المصدر.
6-لا تزال حالة الطوارئ مفروضة على سورية منذ ذلك التاريخ، ونحن في العام 2007م.
7-عاد سامي الجندي عن استقالته بعد وقت وجيز وأصبح وزيراً للإعلام.
8-ص (331-339) دندشلي – المصدر السابق.
9-نفس المصدر.
10-ص (136) سامي الجندي – كتاب البعث – المصدر السابق.
11-ص (331-339) دندشلي – المصدر السابق.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_السياسية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(16-24)_المحــادثات_الثلاثيـة_بين _مصر_وسورية_والعراق