مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_الذكرى_السابعة_لسقوط_مدينة_حلب_بِيَدِ_النظام_المجرم
اعذريني غَزَّةَ البطولة أنْ اقتطعت من واجبي تجاهك؛ وتحولتُ للحديث عن حلب وسقوطها بِيَدِ النظام المجرم؛ بعد أربع سنوات من تَنَسُّمِهَا للحرية وعودة الكرامة التي سلبها النظام المجرم من أهلها، بعد تقديم الثمن التي تستحقه من الدماء والأشلاء والدمار.
سبع سنوات مَرَّت على سقوط مدينة حلب الشهباء أبرز معاقل الثورة بعد ملاحم شرسة في مقاومة جيش النظام المدعوم بطيران المحتل الروسي، وميليشيات حزب نصر اللَّات اللبناني والميليشيات الرافضية التي جندتها إيران، إضافة إلى ضباط وخبراء وقادة من الحرس الثوري الإيراني.
لم يُفلح الجيش الحر في فك الحصار عن مدينة حلب، أمام جبروت آلة الحرب الروسية، التي كانت تُلقي حمم الدمار والموت على رؤوسهم ورؤوس المدنيين من أهل حلب، لينتهي الأمر بـ تهجير فصائلها وعشرات الآلاف مِن سكّانها، وتخلق روسيا – التي فرضت اتفاق التهجير – مساراً جديداً – للحل السياسي – خارج نطاق جنيف، جَرَتْ محادثاته في العاصمة الكازاخية أستانا.
مشاهد عمليات القصف الروسي ’’الهمجي‘‘ على عشرات آلاف المدنيين والعسكريين الذين حُوصروا في رقعة جغرافية لا تتجاوز ستة كيلومترات ممّا تبقّى مِن أحياء حلب الشرقية، تصدّرت شاشات التلفزة في العالم، وتزامنت مع خروج مظاهرات في عواصم دول عدّة، فيما عقد مجلس الأمن جلسة طارئة لأجلها ولكن – دون جدوى -.
وفي ليلة الـ 22 مِن شهر كانون الأول عام 2016م، خرجت آخر قافلة مِن مُهَجَّرِي مدينة حلب إلى الريف الغربي، وأعلن النظام المجرم سيطرته على كامل المدينة، بعد حملة عسكرية شرسة شنّها النظام المجرم براً، وبغطاء جوي روسي؛ ودعم بري من حليفته إيران وميليشياتها على الأحياء الشرقية، وقد بدأت فعلياً يوم الـ 25 مِن شهر تشرين الثاني عام 2016م في حي مساكن هنانو.
وكانت النهاية المفجعة بسقوط (حلب) نهاية العام 2016م، فتح الباب على خسائر كبيرة في الأراضي السورية لـ صالح النظام المجرم، وشَكَّلَ نقطة مفصلية استغلها مجرم الحرب ’’فلاديمير بوتين‘‘ لـ يطرح مساره ’’أستانا‘‘، بالتوازي مع مفاوضات ’’جنيف‘‘ التي ترعاها الأمم المتحدة، وكان ’’بوتين‘‘ يسعى لـ إفشالها، واستطاعت روسيا أن تستدرج الفصائل العسكرية – بعد انتكاستها في حلب – إلى مفاوضات مباشرة معها، قبل أن تجمعهم مع وفود نظام المجرم بشار الأسد لأول مرة في العاصمة الكازاخية.
وبدأت أول جولة مِن محادثات ’’أستانا‘‘، برعاية الأطراف الثلاثة روسيا وإيران (حليفا نظام الأسد) وتركيا التي كانت تقف إلى جانب الثورة، يوم 23 كانون الثاني 2017م (أي بعد شهر كامل مِن سقوط حلب)، حيث توصّلت الأطراف حينها، إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في سورية، وإنشاء آلية مراقبة لتنفيذه، إضافةً لـ مفاوضات غير مباشرة بين ’’النظام‘‘ و’’المعارضة‘‘، مؤكدين على أنه لا يوجد حل عسكري للوضع السوري، قبل أن تتالى الجولات التي تعطي مكاسب لـ’’النظام‘‘ وتقدّم خسائر للمعارضة.
إنَّ ما حصل في حلب ليس سقوطاً إنما هو أقرب للتسليم، هو تخلّي عن قدرات المقاومة داخل المدينة نتيجة أخطاء عدّة – سواء كانت مقصودة أم غير ذلك – مِن ضمنها عدم السماح للمدنيين بالخروج قبل بدء عملية التهجير الكبرى التي تمّت بين قيادات عسكرية في حلب وقيادات روسية وإيرانية.
لقد كانت مدينة حلب تمتلك نقاط المقاومة الداخلية، وكانت قادرة على الصمود لـسنوات عن طريق حجم القدرات القتالية التي كانت تمتلكها بـعديد المقاتلين في الداخل، وقدرة فصائلها على الالتفاف وضرب قوات النظام التي كانت تحاول صناعة جسور إلى داخل المدينة، إلّا أنَّ ذلك كله لم يكن واضحاً أثناء عمليات المقاومة التي ظهرت في حلب قبل خسارتها، خاصة أن المقاتلين سمحوا لـ ’’النظام‘‘ بفصل مدينة حلب إلى محورين، دون تدخل عملياتي واضح مِنَ الفصائل يمكن أن يردع قوات النظام من قَضْمِ المدينة.
معركتي فك الحصار (الأولى والثانية) لم تكن أكثر مِن ردود أفعالٍ غير مدروسة عسكرياً ولا عملياتياً، وافتقدت كل نقاط الاستناد الرئيسة في العمل العسكري، ولم تُؤمّن انسحاباً تكتيكياً لـ قوات المعارضة المُهاجِمة، وأن ما جرى هو عبارة عن مجموعة أخطاء سُمِّيَت بعمليات ’’كسر الطوق‘‘ خسرت فيها الفصائل العديد مِن المقاتلين، قبل أن تُقَرّر الدخول بالمفاوضات التي انتهت بخسارة أهم موطئ قدم للثورة السورية وكانت مدينة حلب نطاقها الأول.
وعلى الرغمِ مِنْ أنَّ سقوط مدينة حلب كان انتكاسة عسكرية كبيرة وانكسار معنوي كبير للثورة السورية التي خسرت أكبر معاقلها الثورية في الشمال السوري، إلّا أنَّ نظام الأسد المجرم لم يتمكّن مِنْ تحقيق نصر سياسي تام له فيها أبداً.
الكثير مِنَ المحللين العسكريين والسياسيين، رأوا أن سقوط حلب شكّل نقلة نوعية في تحديد اتجاهات المعارك والتداعيات العسكرية والسياسية معاً، وأبرز ما كان على الصعيد السياسي ظهور ’’أستانا‘‘ وإلقائها بظلالها على المجريات العسكرية، وخَلْق ما يُعْرَفُ بـ مناطق ’’خفض التصعيد‘‘ (أبرز مُخرجات الجولة الرابعة) وخَرَقَهَا النظام المجرم مرّات ومرّات؛ ولا زال يخترقها بين الحين والآخر، ولولا سقوط مدينة حلب ما كان هناك ’’أستانا‘‘ أساساً، ولكن سقوط حلب كان بوابة الدخول إلى فخ أستانا.
ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن إعطاء الضوء الأخضر لمجرم الحرب بوتين ليخترع أستانا، لأنه لا يمكن أن يحدث شيء في سورية أو في عموم الشرق الأوسط بدون رضى أمريكي واضح، ويكون غالباً بإحدى طريقتين: إما الدفع باتجاه الحدث، أو السكوت عنه، وهذا يعني أن أمريكا إن لم تكن راضية عن أستانا ومُخرجاتها فإنها صامتة حيال ذلك، وهذا يدل على قبول ضمني منها.
ورغم كل الخسائر التي مُنِيَت بها الثورة والمكاسب التي حصل عليها النظام المجرم، وتراجع حدة الخطاب الدولي والإقليمي حول مسألة ’’رحيل المجرم بشار الأسد‘‘، وإعادة فكرة تطبيع العلاقات معه، إن كل ذلك لا يمكن أن يعوّم مجرم الحرب بشار الأسد، لأن الأخير ملطخة أياديه بدماء أكثر مِن مليون إنسان، وهذا لا يمكن التغاضي عنه لا دولياً ولا إنسانياً.
ولن يكون لمجرم الحرب بشار الأسد أي مستقبل له في سورية فمستقبله الوقوف تحت قوس العدالة في محكمة مجرمي الحرب في لاهاي.
المراجع
– تلفزيون سوريا – 22/12/2018م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_الذكرى_السابعة_لسقوط_مدينة_حلب_بِيَدِ_النظام_المجرم