مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_بني_صهيون_سفن_العودة_تنتظركم
بعد مئة يوم ونيّف من الصمود البطولي للمقاومة الفلسطينية والذي قلَّ نظيره في مثل هذه الأيام، في مواجهة دولة تملك أحدث أنواع الأسلحة المدمرة، وتملك جيشاً هو الرابع في العالم من حيث العدد والتسليح والعتاد والتدريب، إضافة إلى دعم أربعة قوى عُظمى لها لوجستياً ومخابراتياً وتذخيراً وتسليحاً، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة بكل هيبتها وأساطيلها التي ملأت البحر المتوسط والبحر الأحمر.
وسوف يتوقف التاريخ طويلا أمام صمود غَزَّةَ ما يزيد على مئة يوم أمام الجبروت الهمجي للكيان الصهيوني، وكل من أَيدَّها قولاً وفعلاً، وإذا كان الحاضر غير مُنصف والواقع افتقد الإنسانية، فإن التاريخ سيكون صاحب الكلمة العليا، حين يضع الأحداث في سياقها، والرجال في أماكنهم والشعوب في مواقفها، سوف يتوقف التاريخ عند جيل جديد من شباب فلسطين الذين خرجوا من لهيب المأساة ليقدموا للعالم صورة شعب لم يُفرّط ولم يُهادن ولم يُتاجر في قضيته ويبيع أرضه.
موقف المقاومة الفلسطينية في هذه المواجهة، أن الحق فوق القوة، وأن التضحية غير الاستسلام، وأن الدماء أغلى من التطبيع.
لقد استخدمت المقاومة الفلسطينية كل أساليب الحرب الحديثة في صناعة الأسلحة والصواريخ والتكنولوجيا والأنفاق التي دَوَّخت العدو، واستطاع أن يصمد أكثر من مئة يوم أمام الجبروت الصهيوني، وأدار المعركة وهو لا يملك طيرانا ولا دبابات، ولكنه امتلك الإرادة، فأطفال الحجارة هم الذين خاضوا حرب غَزَّةَ، وصمدوا أكثر من مئة يوم وسط النيران، وسوف يقول التاريخ إن غَزَّةَ لَقَّنت دولة الاحتلال درساً في المعارك، لم تشهده منذ احتلالها لأرض فلسطين وإقامة دولتها المزعومة.
أن دولة الاحتلال الصهيوني الآن أمام شعب يقاتل ويقدم الشهداء كل دقيقة، وهو يعيد أمجاد أُمّته صُنَّاع نَصْرِ القادسية وحطين وعين جالوت، ويتمثل بِسَعْدٍ وصلاح الدين وقُطز وعمر المختار وكل هؤلاء الأبطال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
إنَّ جيش الصهاينة سَيُعيد الآن حساباته فهو لم يتعود على الحروب الطويلة، ولم يمارس عشق الأرض، وسوف يقول التاريخ إن أكبر دولة عظمى في العصر الحديث كانت ضحية دولة لقيطة زرعها الغرب في بلاد الأنبياء، فدنست الأرض واستباحت قدسية المكان وحرمة الدماء.
صحيح أن دولة الاحتلال قد سوّت – في الأيام الأولى لاعتدائها على غَزَّةَ – أحياء سكنية ومخيمات لجوء؛ سوّتها بالأرض.
ولا تزال دولة الاحتلال بعد مئة يوم من القصف المتواصل على قطاع غَزَّةَ جواً وبراً وبحراً، لا تعبأ بالقانون الدولي الذي يُحَرِّمُ ما يفعله الكيان الصهيوني، مستهزئة بمحكمة العدل الدولية التي عُقِدت لمحاكمتها، ضاربةً عرض الحائط بكل النداءات من العالم بأسره لوقف عدوانها، الذي أدَّى لإخفاء الحياة تماماً في عدد من مناطق القطاع، حيث تُشير التقديرات إلى أن إزالة ركام ما دَمَّرته دولة الاحتلال في هذه الفترة يتطلب بين سبع وعشر سنوات.
وفي حين تقول دولة الاحتلال إنها تستهدف القضاء على فصائل المقاومة، فإن تسريبات ظهرت بعد ثلاثة أسابيع من الحرب، مفادها أن قادة الاحتلال يبحثون في الحقيقة عن طريقة لدفع السكان المدنيين إلى مغادرة القطاع، وقتل كل مظاهر الحياة في هذا القطاع.
ووفقا لتقارير نُشِرَتْ بمناسبة مرور مئة يوم على الحرب على غَزَّةَ، فإنه يمكن الوقوف على هذه النية في التصريحات التي أطلقها مسؤولون سابقون وحاليون بشأن ضرورة إخلاء القطاع من سكانه، وإعادة الاستيطان فيه؛ بغض النظر عمّا يُمثله هذا من إبادة جماعية وتهجير قسري، يُجَرِّمُهُما القانون الدولي والإنساني ويعتبرهما جريمتي حرب.
ونوهت التقارير إلى دعوة الوزير السابق للأمن القومي الجنرال غيورا إيلاند، إلى عدم تزويد سكان غَزَّةَ بأي مصدر يتيح إطالة عمر الحياة في القطاع.
وتشير الأرقام إلى أنه بعد مئة يوم من الحرب، استشهد نحو ثلاثين ألف مدني في غَزَّةَ؛ بينهم عشرة آلاف طفل وسبعة آلاف امرأة، وجُرِح أكثر من ستين ألفا، وما يزال آلاف لا يُعرف عددهم تحت الأنقاض.
لكن اللافت هو أن دولة الاحتلال من خلال هجماتها لا تستهدف المقاومة وحسب كما تزعم؛ وإنما تستهدف كل ما يَدُبُّ على أرض غَزَّةَ من إنسان وحيوان وشجر وحجر.
كما استهدفت دولة الاحتلال كل ما من شأنه مساعدة السكان على البقاء أحياء، حيث خرج 77% من مستشفيات القطاع عن الخدمة، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
إلى جانب ذلك، استهدف القصف 104 مدارس، ولحقت بـ70% منها أضرار بالغة، وقد أَلقى الاحتلال أكثر من أربعين ألف قنبلة على القطاع، ودمر 40% من المنازل فيه بحلول منتصف ديسمبر / كانون الأول الماضي، وفق تقديرات أولية.
كما تظهر صورا التقطت بالأقمار الصناعية أنه خلال الأيام الـمئة الماضية، اختفت أحياء بأكملها من على وجه الأرض؛ أو لم تعد صالحة للحياة، ونسفت جدران نحو 33% من بيوت غَزَّةَ وشوارعها.
ووفقا لوكالة ’’أسوشيتد برس‘‘ الأمريكية، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية أنَّ ثُلثي مباني شمالي القطاع قد دُمِرَّت تماما، وأن 25% من مباني الجنوب اختفت بشكل كلي.
وإلى جانب الحجر والبشر، حاولت دولة الاحتلال أيضا قتل الحقيقة من خلال استهداف الصحفيين الذين قضى أكثر من 115 منهم خلال أيام الحرب الماضية.
لقد تحدَّى رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو بكل صَلَفٍ وغرور كل ما يصدر عن محكمة العدل الدولية، قائلاً: إن محكمة العدل الدولية لن تردع الكيان الصهيوني عن مواصلة حربه في قطاع غَزَّةَ حتى تحقيق النصر الكامل، ولمح إلى احتمال سيطرة الكيان على محور فيلادلفيا، الحدود الفلسطينية المصرية.
وأكد نتنياهو في خطاب بثه التلفزيون الرسمي لدولة الاحتلال ’’لن يوقفنا أحد، لا لاهاي ولا محور الشر، لا أحد‘‘.
ووصف القضية المرفوعة ضد دولة الاحتلال بأنها هجوم على الدولة اليهودية ونفاق وانحطاط. وقال نتنياهو إن ’’ما يحدث في لاهاي عار أخلاقي، ولن يمنعنا أحد من القتال حتى النصر في غَزَّةَ‘‘. وأضاف ’’الهجوم على دولة اليهود يُعتبر نفاقا وانحطاطا في التاريخ الإنساني ضد شعب قام من رماد المحرقة‘‘.
ختاماً:
نقول للدولة اللقيطة إن ما تحلمين به هو أبعد من أن تطاليه، فمن يقف في مواجهتكم هم طلاب شهادة وليس طلاب مَتاعٍ زائل، هم يعشقون الموت كما تعشقون أنتم الحياة، هم يعتقدون أن قتلاهم في الجنة وقتلاكم في النار، والأيام بيننا وبينكم، وزوالكم مسألة وقت، ففتشوا عن أصولكم ومن أين أتيتم فخير لكم الهرب واللجوء إلى بلدانكم التي طُرِدتم منها، فلم يَعُدْ لكم مكان آمن في فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر.
المراجع
– الجزيرة – 14/1/2024م.
– القدس العربي – 12/1/2024م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_بني_صهيون_سفن_العودة_تنتظركم