مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_هناك_غُموض_غير_واضح_في_لقاء_أردوغان_والأسد
لم تَعُدْ تداعيات تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن سعيه لترميم العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وإشارته إلى أنه سيوجّه قريبا دعوته للرئيس السوري بشار الأسد لزيارة تركيا؛ متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، بل راحت أبعد من ذلك، فقد أثارت غضبا وجدلا على المستويين الرسمي والشعبي.
وأكد الرئيس التركي في تصريح له – عن ثقته بأن يُبادله الأسد نفس المشاعر- في 28 يونيو / حزيران الماضي عن أنّه عَقَدَ في السابق لقاءات عائلية مع الأسد، ’’ولا يستبعد تَجدد هذه اللقاءات في المستقبل‘‘.
وأوضح أردوغان أنه ’’لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات بين تركيا وسورية‘‘، مؤكدا في الوقت ذاته أنّه لا يمكن أن يكون لدى تركيا أي نية أو هدف بالتدخل في شؤون سورية الداخلية.
لقد فاجأت الانعطافة في الموقف التركي الحادة المتابعين، خصوصا أن جميع التصريحات السابقة لأردوغان كانت تؤكد رفضه القاطع إعادة العلاقات مع النظام السوري، بل تجاوزت ذلك إلى تحذير العالم من خطورة بشار الأسد ونظامه، والتشديد على ’’دعم الشعب السوري ليتخلص من الدكتاتور‘‘.
ولا يمكن أن ينسى الشعب السوري والتركي والعالم كله ما ورد في خطاب أردوغان في 10 أكتوبر / تشرين الأول 2014م، حين قال إن ’’بشار الأسد مجرم وإرهابي ويُمثل خطرا أكثر من تنظيم الدولة‘‘، متسائلا ’’كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قَتَلَ قُرابة مليون من مواطنيه؟‘‘.
وسبقه تصريح في 26 يونيو / حزيران 2012م، حين أشار أردوغان بوضوح إلى ’’أنَّ أمن الأناضول يبدأ من دمشق، وأنَّ كل عسكري سوري يقترب من الحدود التركية سَيُعامل على أنه عدو، فالنظام السوري لم يَعُدْ يُشَكِّلُ خطراً على شعبه فقط، وإنما على تركيا والدول المجاورة‘‘.
قد تكون هناك ملفات عِدَّة قد أَثَرَّت في الموقف التركي؛ منها إصرار الولايات المتحدة على دعم المشروع الكردي في سورية، بالإضافة إلى الضغوط الروسية والإيرانية والعربية الأخيرة التي تدفع تجاه إعادة تأهيل النظام السوري.
وعلى الصعيد التركي الداخلي، فقد تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وخسر الانتخابات المحلية، إثر تجييش أحزاب المعارضة ضده، إزاء موقفه من الحراك السوري واللاجئين السوريين في بلاده.
فبحسب دراسة أصدرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان ’’بين أستانا وجنيف.. أُفق الأجندات المتضاربة في الأزمة السورية‘‘، تم التأكيد على أنّ أنقرة بعد سقوط حلب في سبتمبر / أيلول 2015م، بدأت تُعيد تعريف مصالحها وعلاقاتها بالقوى الفاعلة في المسألة السورية.
وكان ذلك في ضوء المواقف السياسية من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بحكم حزب العدالة والتنمية في يوليو / تموز 2016م، والتي أسفرت عن إنهاء الأزمة السياسية في العلاقات التركية الروسية، خاصة أنَّ روسيا كان لها دور مهم في تقديم معلومات أمنية ساعدت على إفشال الانقلاب، بحسب ما أوردته في ذلك الوقت مواقع تركية وروسية وإيرانية.
وما سبق أنتج بدوره مسار أستانا في 23 يناير / كانون الثاني 2017م، الذي قَوَّضَ مسار جنيف السياسي وحدّد رؤيته وفق الرؤية الروسية، حيث تولى حينها الطرف التركي في مسار أستانا مهمة ضمان مشاركة المعارضة السورية، في مقابل ضمان الروس – الحليف الأقوى لبشار الأسد – مشاركة النظام السوري والتزامه بشروط التهدئة، وجرى ضَم إيران لاحقاً خوفا من أن تُمَارِسَ دورا تخريبيا يؤدي إلى إفشال مسار أستانا السياسي، ومن حينها تَبدل الموقف التركي تجاه الحراك السوري وتَغيّر منذ التدخل الروسي والانخراط في مسار أستانا، وزيادة الضغوط الداخلية والخارجية على تركيا.
وهناك مخاوف تركيا جِدِّيَّة من قِيام كيان كردي انفصالي على حدودها مع سورية والذي يُعَدُّ ’’أحد أهم دوافع انقلاب الموقف التركي‘‘، فهناك شكوك بأنّ أمريكا تسعى لدعم تأسيس كيان كردي، قد لا يكون بالضرورة انفصاليا أو مستقلا، لكن مجرّد تشكيله قد يكون خطوة لإنشاء هذا الكيان، لذلك تتجه تركيا اليوم نحو الروس والتطبيع مع النظام السوري، لقطع الطريق على التنظيمات التركية الانفصالية المدعومة من التحالف الدولي.
وبناء على ما سبق، فقد استفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التغير الحاصل في البيئة الإقليمية للملف السوري، وعلى رأسها الموقف التركي، ونجح في تغيير ملامح رؤية الحل السوري وقواعد اللعبة الدولية والتخلي عن التعاون مع الولايات المتحدة، وراح يُرتّب الفواعل السياسية انطلاقا من مصالح القوى الإقليمية لا الدولية، مستغلا تجاهل الطرف الأمريكي – لسبب ما – لهذه المساعي الروسية.
وعلى ضوء التحركات السياسية، استضافت موسكو في بداية أبريل / نيسان الماضي اجتماعا رباعيا ضمّ نُوَّاب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسورية، حيث أكّد النظام السوري على ضرورة إنهاء الوجود التركي على الأراضي السورية، وتجنّب التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله.
وأوضح البيان الختامي لهذا الاجتماع، بحسب وكالة الأناضول، أنّ الأطراف اتفقت على ’’ضمان عودة السوريين إلى وطنهم الأم بشكل طوعي وآمن ومُشَرِّف‘‘، وعلى ’’إعداد خارطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، والتنسيق مع وزراء الدفاع والاستخبارات للدول الأربع‘‘، في حين أكّد الوزراء ’’التزامهم بسيادة سورية ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، والبيانات الرسمية الصادرة في إطار مسار أستانا‘‘.
ويُلاحظ أن هناك في الفترة الأخيرة مرونة واضحة في مواقف تركيا ونظام دمشق، حيث ’’لم يَعُدْ النظام يُطالب بالانسحاب التركي، بل يطلب تعهداً بالانسحاب فقط، في المقابل بدأ الأتراك الحديث عن إمكانية التطبيع مع النظام بشروط عامة أكثر من كونها محددة، مثل الحديث عن المصالحة بين أطراف النظام والمعارضة على سبيل المثال‘‘.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع حكومة النظام السوري حقا استقبال المهجّرين، والحفاظ على الأمن القومي التركي من خلال إدارة الفوضى السياسية في مناطق الإدارة الذاتية والشمال السوري الخارجة عن سيطرتها؟! ولا سِيَّما أنّ قضية اللاجئين تُعتبر مُحدداً أساسياً لرسم علاقة حزب العدالة والتنمية بالشارع، لدرجة أنّ هناك إجماعاً تركيّاً اليوم على ضرورة حلّ هذه القضية ولو اقتضت التواصل مع النظام السوري ذاته، لأن أنقرة فقدت الأمل بأي تغيير سياسي في سورية بالصورة التي كانت ترغب بها في السنوات الأولى من الثورة السورية.
وعن مدى الارتباط بين التغييرات الطارئة على طبيعة الموقف التركي وتوقيته ومستجدات الظروف الدولية واحتمالية وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، يُرَجَّح أنَّ قدوم ترامب سيكون له تأثير مباشر في الموقف التركي وتوقيته، ’’لأنّ تركيا تعلم أنّ ترامب سيضغط على إيران، ويسعى إلى الانسحاب الأمريكي من العراق ثمّ سورية، وهذا بطبيعة الحال سينهي أمل الحركات الكردية التي تعتمد دوما على المجهول في تأسيس كيان انفصالي عن محيطه الجغرافي‘‘.
في النهاية، لا اتفاق على التفاصيل، وما زال الحديث في إطار الملامح العامة التي تؤسس لضبط العلاقة بين الأطراف، وتصريحات ومواقف الرئيس التركي الأخيرة – رغم وضوحها – ما زالت تحمل غُموضاً في كيفية التطبيق والتنفيذ، لأنّ الطرف التركي ما زال ينظر إلى المتغيرات بحذر، ويتخوّف من عدم جِدِّيَّة النظام السوري في إعادة المُهَجَّرين، أو عدم قدرته على تقويض المشروع الانفصالي للإدارة الذاتية، لا سِيَّما أنّ الطرف التركي يُدرك أنّ النظام السوري تحوّل إلى هيكل هش يحاول حلفاؤه ضخ الحياة في مفاصله المتآكلة.
المراجع
الجزيرة – 9/7/2024م.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_هناك_غُموض_غير_واضح_في_لقاء_أردوغان_والأسد