مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_ناجي_خليفة_الدّهان_مسرحيّة_القصف_الإيراني_والردّ_الأمريكي
أغلبنا سمع باستهداف الجيش الأمريكي لما يزيد عن (85) موقعاً تابع للميليشيات الإيرانية في سورية والعراق، على خلفية الضربة القاتلة بطائرة بدون طيّار في الأردن، ضمن سلسلة من الهجمات المختلفة على القوات الأمريكية في (العراق، وسورية) من قِبل مجموعات مختلفة تعمل بالوكالة لإيران منذ اندلاع طوفان الأقصى. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: ’’إن إدارته لن تتسامح مع الأذى الذي يلحق بالأمريكيين، وتعهّد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، بأن الهجوم كان مجرّد ’’بداية الردّ‘‘، وأكدّ بايدن وأوسن على استمرارهما في الانتقام في الأوقات والأماكن التي يختارونها‘‘. والمستمع لهذه التصريحات الصادرة لقادة أكبر دولة في العالم ويشاهد الحشود في البحر وعلى الأرض يتوقع أنّ القيامة قد قامت على إيران ووكلائها، ولكن ما حدث يشير إلى مسرحية أمريكية إيرانية لتجميل المواقف السياسية!
وللوقوف على حقيقة المشهد لا بُدَّ من طرح جملة من التساؤلات. فلماذا تأخر الردّ الأمريكي طوال فترة الاعتداء على قواته في العراق وسورية؟ وما هي الخيارات أمام أمريكا؟ وكيف يمكن تنفيذها؟ ولماذا لم يتم تنفيذها في الأراضي الإيرانية في حين اقتصر القصف على مواقع لها في البلاد العربية؟
سياسة التخادم الأمريكي الإيراني الصهيوني حقيقة لا مراء فيها:
تعتمد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سياسة خلق الأزمات للإمساك بخيوط اللعبة وفِق نظريّة هنري كيسنجر في كتابه ’’الدبلوماسية الأمريكية‘‘ حين قال: (إن الدبلوماسية الأمريكية لست لإيجاد حلول للأزمات والنزاعات بقدر ما تسعى للسيطرة والإمساك بخيوط الأزمات وكلما طالت هذه الأزمات كانت الفرصة أكبر للدبلوماسية الأمريكية في تطويع هذه الأزمات كيفما كانت وأينما كانت لصالحها). وقد حقّقت الولايات المتحدة الأمريكية نجاحاً كبيراً في هذا وخاصّة في الشرق الأوسط.
لقد اعتمدت الولايات المتحدة سياسة التخادم مع إيران بعد غزو أفغانستان واحتلال العراق عام 2003م، وبعد أن سلّمت أمريكا العراق لإيران وتمّ إنشاء الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تحت أنظار أمريكا، ومن المفارقات العجيبة، بل من المضحكات، أنّ هذه الميليشيات وقفت إلى جانب القوّات الأمريكيّة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كعدوّ مشترك لهما. ولا يخفى بأن أمريكا لديها الخارطة بكلّ المواقع العسكرية لهذه الميليشيات في جميع أنحاء العراق، وسورية، ويمكنها بسهولة استهداف هذه القواعد إن رغبت!
بين الفترة والأخرى تتصاعد لغة التهديد والوعيد وتنفيذ ضربات هنا وهناك غير ضارّة، والدليل عدد الضحايا القليل جدا، والخسائر الوهمية والمحدودة للخداع والتضليل ولتحسين الصورة، من خلال خلق هذه الصرعات الجانبية لغرض تسويق العداء الموهوم بينهما وبصرف الاهتمام عن التخادم والتنسيق بينهما والذي بات مفضوحاً ومعروفاً لدى الجميع!
فرغم الهجمات المتكررة من قِبل الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، لم تقم أمريكا باستهداف إيران في أرضها وهي الراعي الرسمي لكلّ هذه الميليشيات والمموّل الرئيس لها، بل هي التي تأمر وتنهي هذه الأذرع بالتحرّك هنا والتوقّف هناك! وأمريكا تعرف بأنّ إيران والحرس الثوري الإيراني هم الذين ينظّمون تلك الهجمات، ولكنّ الأرض الإيرانية تبقى في مأمن من أيّ استهداف!
وهذا مسؤول رفيع في إدارة بايدن يؤكّد لشبكة CNN أنّ الولايات المتحدة لن تضرب إيران، وتركيزها فقط على أهداف محدودة خارج البلاد، لأن ضربات كهذه داخل إيران ستكون بمثابة تصعيد خطيرٍ، وقد أرسل المسؤولون برقيّةً مفادها أنّه من غير المرجّح ضرب العمق الإيراني!
وقد صرّح وزير الخارجية الإيرانيّ بذلك وهذا يوكّد التخادم! فالرسائل الأمريكية التي وصلت إلى إيران تقول: (اسمحوا لنا بقصف بعض المناطق الخالية في إيران مقابل امتيازات استراتيجية لأنّنا محرجون داخلياً وخارجيّاً)، ومن غير المرجّح أن يشمل الانتقام الأمريكي ضرب أهدافٍ على الأراضي الإيرانية، فواشنطن لا ترغب بهذا وكذلك طهران!
مسرحيّة القصف الإيراني والردّ الأمريكي:
تحاول إيران تجيّير الأحداث لصالح مشروعها التوسعي في المنطقة العربية بما يخدم أهدافها التوسعيّة والسيطرة على الدول العربية، وهذ يتطابق مع أهداف الكيان الصهيوني التوسعي في تحقيق مشروع (إسرائيل الكبرى)، ولذلك جاهدوا في إعلامها وإعلام عملائها في تجيّير عمليّة طوفان الأقصى، باسم إيران لكسب ودّ الشعوب العربية، فأمريكا حذّرت إيران علناً منذ أكثر من أسبوع وقالت: سوف نضربكم في سورية، والعراق، وأعطتهم الفرصة لسحب ميليشياتهم إلى إيران، وإخلاء المقرّات من المقاتلين والمعدّات والأسلحة، في حين قامت بعض القنوات بتصويرها في الإعلام على أنّها ضربة انتقامية!
إن المواقع التي تمّ استهدافها ليلة الجمعة 1/2/2024م كانت فارغة تماما بسبب عِلم إيران المسبق بهذه الضربات، ولتأخّر الردّ الأمريكي فعلى من يضحكون؟ وهذه أمريكا صرّحت أكثر من مرّة بأنّها لن تستهدف الداخل الإيراني على الرغم من ارتباط هذه الميليشيات بإيران ارتباطا كاملا بينما أسقطت فيما مضى نظاماً كاملاً في العراق، بل أسقطت العراق كلّه بحجة كاذبة وهي امتلاكه لـ ’’سلاح الدمار الشامل‘‘! وإيران تعبث بأمن المنطقة كلها منذ أكثر من 40 سنة وتسيطر على 4 دول بحجج عقائدية ومذهبية باطلة وتشكّل خطراً على الجميع في المنطقة وأمريكا لازالت تتغاضى وتغض الطرف عن هذا!!!
لقد بات من المؤكد بأن أمريكا لا تريد إسقاط النظام الإيراني إطلاقاً، بل هي من يدعمه لتزيد من تجارتها في بيع السلاح في المنطقة من خلال هذا العدو الوهمي (إيران)! ولإلهاء الشعوب والضحك عليها. فهل هناك أقذر من هذه المسرحية الهوليودية؟ ومهما قالت الصحف وتناقلت وكالات الأنباء العالمية عن ضرب أمريكا لإيران فهذا من الخيال أو الاستحالة في الوقت الحالي. وذلك لجملة من الأسباب:
الأول: هو التحالف المشترك بينهما على مدار السنين لاستنزاف ثروات المنطقة ومنعها من التقدّم والاستقرار.
الثاني: إنّ أذرع إيران الممتدّة في العراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها لا تشكل خطرا على القوات الأمريكية إطلاقاً، والأيام ستثبت ذلك، وإنّ غداً لناظره قريب!
الثالث: الأهداف المشتركة لكلٍّ من أمريكا وإيران الساعية لتفكيك المجتمع العربي وإحكام السيطرة على الدول العربية وثرواتها.
الخاتمة:
وفي الختام، لقد استوقفني هذا التفاعل الكبير من قبل النُخب العربية والمسلمة المندهشة من تصريح مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي أشار بوضوح لمركزيّة إيران ودورها في المنطقة معتبرا إياها مفتاحا للحلّ، الأمر الذي يشير إلى دور إيران القادم والمتعاظم في التخادم والتعاون الإيراني الأمريكي لضبط المنطقة لصالح الكيان الصهيوني التي تبلورها أمريكا في هذه الحقبة من تاريخ، ومشيرا بوضوح إلى استخدام إيران للمكونات السياسية والعسكرية في دولنا لصالح مشروعها وبما يخدم التخادم. تناول كثير من المفكرين والكتاب منذ سنوات عبرة المنابر الاعلامية للتنبيه للعلاقة العمودية بين المشروعين الصهيوأمريكي والإيراني مع تقديم كثير من البراهين والبيان، إلا أننا كنا نلاقي من كثير من الكرام تشكيكا واتهاما، وأحيانا تسخيفا و…!!!
والخلاصة أنّ عهد بايدن هي امتداد لسياسة أوباما الذي يعشق إيران وتوّج عهده بإتمام الاتفاق النووي (فحلم إيران تحول لحقيقة)، وإنّ ردّ أمريكا الذي تلوّح به على هجمات الميليشيات هو من باب سياسة الجراحة التجميليّة للمواقف السياسيّة، وكذلك إيران تسير بالاتجاه ذاته وتحرص على تفادي الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، ولذلك فكلّ تصرفات الطرفين محسوبة وضمن إطار محدود داخل الأراضي العراقية، أو السورية أو اليمنية. أيّ خارج الملعب الإيراني، وإيران لن تساعد غَزَّةَ في معركة الكرامة والشرف إلاّ بالتصريحات الخادعات!
قلنا سابقًا ونكرّر لا يمكن لأمريكا أن تضرب إيران وإن حصل ذلك فسيكون بمثابة ضربةٍ تجميليةٍ خارج الأهداف والمعسكرات في الصحراء دون أن تحدث أضرارا بليغة وهي جراحة تجميلية للمشهد السياسي.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_ناجي_خليفة_الدّهان_مسرحيّة_القصف_الإيراني_والردّ_الأمريكي