مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_نبيل_العتوم_إيران_باقون_في_سورية
أعلن رئيس أركان الجيش الإيراني اللواء محمد حسين باقري أن إيران باقية في سورية، كما ستعزز من وجودها هناك للدفاع عن أمنها القومي، في حين توقف الإعلام الإيراني عن تناقل أخبار ضحاياه، مع التعتيم طبعاً عن الخسائر التي تكبّدتها إيران. لكن لماذا هذا التوقف الإعلامي اللافت؟! ولماذا هذا التوقيت؟ وما هي أسبابه ودوافعه؟.
المسؤولون الإيرانيون كانوا يرفضون في السابق الاعتراف الرسمي بوجودهم العسكري في سورية، ويطلقون على قتلاهم اسم ’’المتطوعون المؤمنون‘‘، ’’المجاهدون المؤمنون‘‘ كما لا يتوانون عن الادعاء بأن قوات الباسيج ’’التعبئة‘‘، وضباط ’’الباسدران‘‘ الحرس الثوري – الذين قُتِلُوا في المعارك السورية – أغلبهم من المتقاعدين أو من العسكريين القدامى أو من المستشارين.
في حين يكرر المسؤولون العسكريين والسياسيون الإيرانيون بأن القوات المتواجدة في سورية تؤدّي دوراً استشارياً فقط؛ بمعنى أنها غير منخرطة في العمليات العسكرية على الأرض، وهذا بحد ذاته كذب فاضح، وهرطقة سياسية تعكس نوايا إيران الحقيقية المتورطة بذبح الشعب السوري الأعزل.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أكد قائد الحرس الثوري الإيراني في وقت سابق أن بلاده سترسل المزيد من القوات البَرِّيَّة ذات المهام الخاصة إلى سورية لدعم النظام السوري، ولم يحدد طبيعة هذه القوات وحجمها والدور المناط بها. وكذلك يعكس الإصرار الإيراني على استراتيجية البقاء في سورية، لتكون أكبر قوّة موجودة لأهداف عديدة.
لا شك بأن تأكيد عملية الاستقرار العسكري في سورية يتزامن مع تطورات إقليمية ودولية عنوانها زيادة وتيرة الصراع مع إيران، في ظل الحديث عن قرب الحل السياسي، إلى جانب ذلك سعي دولة ولي الفقيه في هذا التوقيت إلى تثبيت سيطرتها على جزء مهم من الأراضي السورية، وتعزيز فكرة الاحتلال بمضمونها الجيواستراتيجي، لتعزيز فُرص إشراكها بشكل رئيس في أيَّة حلول حول مستقبل سورية؛ حيث تتطلع طهران للتعجيل بالحصول المكاسب في الآونة الأخيرة على ضوء فرضية التوافق الأمريكي – الروسي.
ومن البداهة طبعا القول: بأن طهران تحاول الترويج إلى أن الهدف الأساسي من وجودها هناك ليس فقط دعم نظام بشار الأسد، بل الحذر من عودة تنظيم الدولة ’’داعش‘‘ من جديد، والتمهيد لاستراتيجية إدماج طهران ضمن التحالف الغربي لمواجهة الإرهاب مجددا؛ مما يعزز فُرصها في تطبيع علاقاتها مع الغرب من خلال الاحتفاظ بورقة الأزمة السورية.
كل ما تشهده إدارة النزاع في سورية، والأوراق التي تحاول طهران توظيفها من خلال الأزمة السورية لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، على أساس أنها تدرك بأنّ العملية السياسية تُدار بتنسيق كامل بين واشنطن وموسكو، لهذا بادرت طهران وعلناً هذه المرة إلى التأكيد على بقائها في سورية، ليتحول الدور الإيراني في سورية إلى واحدة من المتغيرات المهمة لتحديد أفق وأطر التفاهم الأمريكي – الروسي التي سيكون الحل السياسي على أساسها، وبهذا تتمكن طهران من تعظيم مكاسبها الفعلية، بعد أن ترسخ قدمها هناك.
أما موضوع بقاء الأسد أو عدمه؛ فقد حدثت انعطافات كبيرة في السلوك الإيراني تجاه هذا الموضوع، حيث بات أولوية بالنسبة لطهران، على افتراض أنها تسعى إلى إحياء مظلة الدفاع عن النظام السوري، ما دام البحث في مصير الأسد بات بحكم المؤجل بتفاهم الروس والأمريكيين مع الإيرانيين.
لا شك بأن عدم استهداف أمريكا للقوات الإيرانية، مؤشر كبير على وجود تفاهم ’’أمريكي – روسي‘‘ بشأن هذا الوجود؛ إذ لا يمكن أن يتم ذلك بأي شكل دون ضوء أخضر من واشنطن وموسكو. وهذا يضمن عدم توريط القوات الأمريكية والروسية بما يجري في سورية بشكل مباشر، وترك طهران تواجه مصيرها أمام الضغط الإسرائيلي بالابتعاد عن حدودها، وبقاء إيران خنجر في خاصرة بلاد الشام.
ويبدو أن التأكيد على استراتيجية البقاء، بحسب ما ذكره المسؤولون الإيرانيون، مرتبطة بهدنة عسكرية مؤقتة وهي التي حددت معادلة الصراع حسب الرؤية الإيرانية، وأهمية توظيفها بشكل صحيح، والتي حددت معها طهران والنظام السوري أولوية قتال العدو المتمثل في تيارات المعارضة المعتدلة، تحت غطاء قتال بقايا تنظيم ’’داعش‘‘؛ وهو ما تحاول طهران استغلاله حسب مفهومها لتعريف العدو، ومصادر التهديد، إلى جانب تكثيف المهمات القتالية النوعية للقوات الإيرانية في مناطق محددة لتحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض السورية، مع التظاهر في إثبات جدية طهران في الحرب على الإرهاب، فعلى الرغم من وجود تفاهمات عسكرية وأمنية كبيرة بين النظام السوري وإيران من جهة، وبقايا ’’داعش‘‘ فرع المخابرات السورية والإيرانية، من ناحية أخرى فيما يتعلق بمناطق النفوذ والسيطرة، فإنه سيجري إعادة رسم الجغرافيا والنفوذ من جديد.
الأمر الذي دفع طهران لإبداء استعدادها لكل الاحتمالات والسيناريوهات، وثمة استراتيجية تهدف إلى إنشاء نواة لقواعد عسكرية إيرانية دائمة في سورية على غرار روسيا وأمريكا، خصوصاً مع دخول الأزمة السورية بمنعطف خطير بفعل احتمالات التسوية السياسية، والانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، حيث تعكس مرحلة جديدة مختلفة تماماً بدأت القيادات الإيرانية الترويج لها، وتركّز على موضوع إيجاد نقاط ارتكاز ونفوذ على الأرض السورية لحماية المجال الحيوي الإيراني، وحماية مصالحها الإقليمية؛ إذ تسعى طهران لتثبيت تواجدها مع دخول العملية السياسية والعسكرية مرحلتها الأصعب.
لكن يبقى السؤال الأصعب وهو: كيف ستستثمر طهران الأزمة السورية في حال الوصول الى صفقة روسية أمريكية؟ وما هي الذريعة التي ستقدّمها إيران أمام شعبها الذي بات يعاني من كلفة مغامراتها الخارجية، لاستمرار بقائها ووجودها في سورية، وتحت أيَّة حُجَّة؟
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_نبيل_العتوم_إيران_باقون_في_سورية