
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_طارق_الهاشمي_تفجير_المراقد_لماذا_يلجأ_الخصوم_إلى_شيطنة_مُخالفيهم؟
شيطنة الآخر تعدّ من الظواهر المعقدة والممنهجة التي تستخدم في النزاعات السياسية والدينية، حيث تهدف إلى تشويه صورة الخصوم وإلصاق التهم الباطلة بهم. هذه الظاهرة ليست مجرد ردود فعل عفوية، بل تتجلى كاستراتيجية خبيثة تتطلب تخطيطاً دقيقاً، مما يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي وإثارة الفتن الطائفية. أحداث تاريخية مثل تفجير قُبَّة الإمامين في سامراء تكشف كيف تم توظيف العنف كوسيلة لإحداث صدمة عاطفية جماهيرية. في هذا السياق، يصبح الخطاب السياسي والديني أداة فعالة لشيطنة الخصوم، مما يعكس خطر هذه الاستراتيجيات على المجتمعات. لذا، من الضروري فهم هذه الظاهرة والتعامل معها بحكمة ووعي لتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
شيطنة الآخر: أداة منهجية في النزاعات
شيطنة الآخر ليست مجرد سلوك عفوي أو رد فعل طبيعي في النزاعات السياسية أو الدينية، بل هي وسيلة خبيثة وممنهجة، أشبه بصناعة متقنة، تستهدف تشويه صورة الخصوم وإلصاق التُّهم الباطلة بهم. ويكمن الخطر الأكبر في توظيف العنف ضد الرموز والمقدسات كوسيلة لإحداث صدمة عاطفية جماهيرية، تمهيداً لتحريض شعبي واسع النطاق.
تفجير قُبَّة الإمامين في سامراء:
نموذج لصناعة الشيطنة: كان تفجير قُبَّة الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (رض) في سامراء، في 22 فبراير 2006م، أحد أخطر الأمثلة على هذا النهج. حيث صُدِمَ العراقيون بسماع خبر هذا العمل الإجرامي، الذي نسبه حينها مستشار الأمن القومي موفق الربيعي إلى مجموعة تكفيرية مؤلفة من 5 عناصر اقتحمت المكان، قيّدت 35 حارسا من مغاوير وزارة الداخلية، ثم فجّرت القُبَّة. لكن الأحداث التي أعقبت التفجير كشفت عن استغلال المخطط من أجل إثارة الفتنة الطائفية.
فبدل أن يتوجه الغضب الشعبي نحو موقع الجريمة شمالاً، انطلقت جماعات مسلحة من مناطق محددة في بغداد، خصوصاً من الجانب الشرقي للمدينة، واستهدفت مساجد وممتلكات السُّنَّة في حملة ممنهجة من الحرق والتدمير والتخريب، أدت إلى تدمير أكثر من مائة مسجد ومقتل أكثر من ألف شخص خلال يومين منهم الكثير من خطباء وأئمة المساجد وحتى المؤذنين، وضباط متقاعدين وطيارين ووجهاء، وتشريد عائلات بغدادية عريقة.
وفي مشهد لافت، تصرَّفت القوات الأمريكية المحتلة بلا مبالاة، تتفرج على الحدث المأساوي! ودون أن تتدخل! رغم أنها كانت مسؤولة عن الأمن وقادرة على إنفاذ القانون.
الخطاب السياسي والديني: أداة الشيطنة:
قبل أن يكتمل التحقيق الرسمي، سارعت جهات سياسية ودينية محسوبة على الطائفة الشيعية إلى اتهام السُّنَّة بالجريمة، في خطاب تحريضي يهدف إلى تأجيج الكراهية وترسيخ الانقسام. حيث كانت الشيطنة هدفاً واضحاً منذ البداية، إذ إن المُقَدِّمات لا تُقرأ عادة إلا في ضوء النتائج.
ولكن بعد سنوات من الصمت، وفي عام 2013م، كشف الجنرال جورج كيسي، قائد قوات التحالف في ذلك الوقت، في مؤتمرٍ في أريزونا، عن الدولة التي خططت ونفذت العملية بأكملها.
تفجير مقام السيدة زينب:
التاريخ يعيد نفسه.. مؤخراً، كشفت الاستخبارات السورية عن إحباط عملية إرهابية خَطَّط لها عناصر تكفيرية لتفجير مقام السيدة زينب (رض) في ريف دمشق. الغرض كان واضحاً: توظيف جماعات إرهابية من أجل إثارة فتنة طائفية جديدة، وإلصاق التهمة بالسُّنَّة، وشيطنة الإدارة السورية الجديدة وإضعافها.
اللافت أن الجماعات الإرهابية، مثل داعش، كانت نَشِطَة قبل عام 2011م وبعده، لكنها لم تستهدف المقامات إلا في توقيتات محددة تخدم أجندات إقليمية. وهنا يظهر دور ’’داعش‘‘ بندقية للإيجار، تعمل لصالح جهات لم تخفِ غضبها بعد خسارتها نفوذها في سورية، مهددة بشتى الوسائل لإضعاف الإدارة السورية الجديدة.
لماذا يلجأ الخصوم إلى الشيطنة؟
تلجأ الجهات السياسية أو الدينية إلى شيطنة الآخرين كوسيلة لتحقيق عدة أهداف:
1-تبرير العنف والتصفية: من خلال إلصاق التُّهم الباطلة بالخصوم لتبرير استهدافهم.
2-تفكيك النسيج الاجتماعي: إذ تعمل الشيطنة على تأجيج الكراهية الطائفية أو القومية.
3-إلهاء الشعوب عن القضايا الكبرى: بتحويل الأنظار إلى صراعات داخلية مفتعلة.
4-توظيف العاطفة الدينية: لإحداث صدمة شعبية تسهل عملية التعبئة الجماهيرية لتحقيق أغراض مشبوهة.
5-إضعاف المجتمعات تمهيدا لاختراقاتها وبسط السيادة عليها.
الدرس المستفاد:
إن صناعة الشيطنة ليست إلا أداة بِيَدِ الأنظمة أو القوى التي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، دون اعتبارٍ للكوارث الإنسانية والاجتماعية التي تترتب عليها. ومع تغير الزمن والمعطيات، أصبح من الضروري تحصين المجتمعات ومواجهة هذه المخططات الخبيثة بِحكمة ووعي، لأن بقاء الحال من المُحال، والعاقل هو من يتعلم من دروس الماضي بدل تكرارها.
___________
رابط المقال الأصل:
د.طارق الهاشمي: نائب الرئيس العراقي الأسبق.
هذا المقال يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_طارق_الهاشمي_تفجير_المراقد_لماذا_يلجأ_الخصوم_إلى_شيطنة_مُخالفيهم؟