
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_منتدى_الدراسات_المستقبلية_تغير_موازين_القوى_في_الشرق_الأوسط_بعد_سقوط_بشار_الأسد_وأثره_على_الإخوان_المسلمين
لا شك أن سقوط نظام بشار الأسد في سورية سوف يُعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، وهي العملية التي تتكرر مع كل حدث فارق في تاريخ هذه المنطقة، مثل الثورة الإيرانية، وغزو العراق للكويت، وسقوط نظام صدام حسين بعد غزو أمريكا للعراق.
والتغيير في موازين القوى بالمنطقة بعد سقوط نظام الأسد سوف يؤدي إلى تراجع نفوذ قوى مثل إيران وروسيا وحزب الله، وفي المقابل سوف يؤدي إلى تمدد نفوذ قوى أخرى مثل تركيا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وهو ما سيؤثر على مستقبل المنطقة.
تستعرض هذه الورقة خريطة القوى في سورية بعد الأسد، لمعرفة مناطق نفوذ القوى القادرة على التأثير في شكل النظام السياسي الجديد للبلاد، وأهمية الدور الأمريكي في الأحداث، والذي اقترن بتراجع في الدور الروسي. وتنتقل الورقة بعد ذلك إلى أثر سقوط نظام الأسد على خريطة التوازنات في المنطقة، من خلال رصد مساحات التمدد والانكماش في النفوذ والمصالح وحجم المكاسب والخسائر لدى القوى المتداخلة في الشأن السوري والمؤثرة في الشرق الأوسط، وذلك لمعرفة أثر ذلك على جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة ومختلف أنحاء العالم.
خريطة القوى في سورية
شهدت خريطة القوى النافذة في سورية تغييرات كبيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، في 8 ديسمبر 2024م، وسيطرة الفصائل المعارضة على مناطق تواجد النظام السابق.
تسيطر قوات الفصائل المسلحة التابعة للنظام الجديد، والمدعومة من تركيا وقطر، على أكثر من 70 بالمئة من مساحة سورية، وعلى رأس هذه الفصائل ’’هيئة تحرير الشام‘‘، الأكثر قوةً وتنظيمًا، والتي يترأس قائدها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) القيادة الجديدة في دمشق.
تسيطر قوات سورية الديمقراطية (قسد)، الموجودة في الشمال الشرقي، والمدعومة من الولايات المتحدة، والمعادية لتركيا والفصائل الإسلامية، على حوالي 28 بالمئة من مساحة سورية. وتتقلص هذه النسبة في ظِل تمدد سيطرة الفصائل التابعة للإدارة الجديدة.
تسيطر إسرائيل على مرتفعات الجولان والمناطق التي توسعت فيها القوات الإسرائيلية بعد سقوط الأسد، لإقامة مناطق عازلة، ومنتهكة لاتفاقية فض الاشتباك في 1974م.
القواعد الأجنبية، وتتمثل في قاعدتين عسكريتين ضخمتين في ’’طرطوس‘‘ و’’حميميم‘‘ على الساحل السوري، توفران منفذًا إستراتيجيًّا لموسكو في ’’المياه الدافئة‘‘. بالإضافة إلى 22 قاعدة عسكرية أمريكية في شرق وشمال سورية، في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد.
هذه القوى الموجودة على الأرض، بالإضافة إلى فلول النظام السابق، والطوائف المعادية للنظام الجديد، ومنها العلويون والشيعة المرتبطون بإيران وحزب الله اللبناني، والقوى الإقليمية والدولية ذات المصالح المتعارضة، سوف تتدخل في تحديد مستقبل سورية، الذي تترواح سيناريوهاته المحتملة بين ما يلي:
سيناريو أفغانستان 1992م، وهو حدوث خلافات مسلحة بين الفصائل والحرب الأهلية.
سيناريو ليبيا 2014م، وهو تقسيم سورية بين النظام الجديد وقوات قسد الكردية.
سيناريو العراق 2003م، وهو فرض نظام المحاصصة، على أساس طائفي وعرقي ومنح الأكراد الحكم الذاتي في مناطق تواجدهم.
سيناريو أفغانستان 2021م، وهو سيطرة “هيئة تحرير الشام” على سورية كما فعلت طالبان.
سيناريو الدولة القوية، القادرة على تلبية احتياجات مواطنيها، في ظِل نظام ديمقراطي تنموي، لا يفرق بين أبناء الشعب السوري.
هذه السيناريوهات كلها مطروحة، ولا يمكن ترجيح أحدها على الآخر في الوقت الراهن، رغم الخطاب التطميني والمتسامح والمستوعِب للآخر من جانب أحمد الشرع، ورغم ما تبديه القوى الإقليمية والدولية من حسن نيَّة حول مستقبل سورية ومصالح شعبها؛ لأن تحديد السيناريو مرتبط بالمصالح المتعارضة لهذه القوى ومدى قدرتها على ممارسة نفوذها في سورية.
ولذلك سوف تدفع كل الأطراف في سبيل تحقيق السيناريو الذي يضمن مصالحها في المنطقة ولا يُخِل بدورها في ظِل خريطة موازين القوى الجديدة.
محورية الدور الأمريكي:
تحافظ الولايات المتحدة منذ سنوات على تواجد لها في سورية، بالشراكة مع قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ولديها ما يقرب من ألفي جندي في سورية لحماية المصالح الأمريكية، ومنها استخراج النفط في منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليه قسد.
وقد أظهرت الأحداث في سورية محورية الدور الأمريكي في رسم خريطة موازين القوى في الشرق الأوسط، وأن أمريكا ما زالت القوة المهيمنة على المنطقة، وهو ما عجزت عنه روسيا المتورطة في حرب أوكرانيا، والمُجبَرة على التخلي عن حليفها الأسد، حتى وإن كان هذا الإجبار قد جاء في شكل تفاهمات “محتملة” بين موسكو وواشنطن.
قدمت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لحلفائها في تركيا وقطر لدعم تحرك الفصائل المسلحة ضد بشار الأسد، وقبلت بإسقاطه لأن زوال حكمه يأتي في إطار خطتها للقضاء على التواجد الإيراني في سورية وإضعاف حزب الله اللبناني. وكان لهذا الموقف الأمريكي أثره في ردع أي تحرك من جانب الميليشيات العراقية الموالية لإيران من أجل مساعدة النظام السوري.
كذلك قامت أمريكا بتوفير الغطاء العسكري والسياسي لإسرائيل في تدمير سلاح الجيش السوري، والتقدم في الأراضي السورية، دون اعتراض مؤثر أو تدخل من جانب أي جهة في الشرق الأوسط، حتى تضمن عدم وصول هذا السلاح لفصائل المعارضة واستخدامه في محاربة حلفاء واشنطن من الأكراد من ناحيةٍ، والإبقاء على سورية دولة بلا أسلحة إستراتيجية لفترة طويلة، حتى لا تمثل أي خطر على الكيان الصهيوني من ناحيةٍ أخرى.
وبالنظر إلى الأطراف الإقليمية التي خرجت بمكاسب كبيرة من تغيير النظام السوري، سنجد أنها كلها حليفة للولايات المتحدة، وهي تركيا وقطر وإسرائيل.
حتى محور الثورة المضادة، الحليف للولايات المتحدة، والذي خسر بسقوط نظام الأسد، لم يخرج بخسارة كاملة، وإنما حصل على مكسب مهم، وهو إضعاف إيران ومحور المقاومة، ومِن ثمَّ إضعاف المقاومة الفلسطينية في قطاع غَزَّةَ، التي تعتبرها أنظمة عربية عدوًّا لها، وتتعاون مع الغرب وإسرائيل للقضاء عليها.
وعلى الجانب الآخر، يمثل سقوط بشار الأسد انتكاسة للدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كانت موسكو تعتبر تواجدها في المشهد السوري نجاحًا إستراتيجيًّا لها، وتتخذ من الأراضي السورية مركزًا لنفوذها في المنطقة.
فعلى الرغم من بقاء روسيا في قاعدتي حميميم وطرسوس، إلَّا أن مستقبل هذه القواعد صار في خطر، وربما يتغير موقف القيادة السورية الجديدة التي لا تريد فتح جبهة مع الروس في هذه الفترة الانتقالية، وماتزال تحالفاتها المعقدة غير واضحة. وخسارة هذه القواعد من شأنه أن يؤثر على عمليات روسيا في ليبيا والسودان.
كذلك فإن تخلي روسيا عن الأسد يفقدها سمعتها كقوة عظمى تسعى لتغيير النظام الدولي، والرجوع إلى نظام ثنائي القطب، أو متعدد الأقطاب على أقل تقدير. فتخليها عن حليفها في الوقت الذي ساعدت فيه أمريكا حلفاءها سوف يؤدي إلى تراجع الثقة في قدرتها على حماية الأنظمة في الدول الحليفة مثل إيران، أو في المناطق التي تتمدد فيها عبر اتفاقيات عسكرية وأمنية، ومنها منطقة الساحل في إفريقيا.
وبالنظر إلى الجهات التي خسرت خسارة كاملة من تغيير الأسد، سنجد أنها كلها حليفة لروسيا، وهي نظام الأسد وإيران وحزب الله.
المحور التركي القطري:
قامت فصائل المعارضة السورية المسلحة بالتحرك ضد نظام بشار الأسد بضوء أخضر من تركيا ومساعدة من الأتراك تصل إلى حد الشراكة فيما أنجزته هذه الفصائل، الأمر الذي سوف تستفيد منه الدولة التركية على مستويات عديدة، تؤكد أنها الفائز الأول من بين القوى الإقليمية في تغييرات موازين القوى بعد سقوط الأسد، ما يُعزَّز مكانة أنقرة ودورها في الحسابات الإقليمية والدولية. وذلك لما يلي:
زيادة النفوذ التركي وترسيخه في سورية، من خلال العلاقات القوية مع النظام الذي يقود المرحلة الجديدة في سورية بمساعدةٍ من أنقرة، ومع الشعب السوري الذي يمكن أن يقبل بدور خاص لتركيا في ترتيبات ما بعد الأسد، بسبب ما قدمته من دعم مادي ومعنوي لتخليصه من حكم النظام السابق والتوجس من أدوار الدول الأخرى التي ساعدته.
ممارسة مزيد من الضغط على التنظيمات الكردية المسلحة في شمال سورية، التي تهدد الأمن القومي التركي، للقضاء على خطرها، ومنها وحدات حماية الشعب (YPG) المرتبطة بعلاقات مع حزب العمال الكردستاني (PKK). وذلك بعد أن صار الأكراد في مواجهة مع قوة مسلحة موحدة، ومدعومة من الخارج، وحلت محل الجيش السوري، بالإضافة إلى زوال حزب البعث السوري المؤيد لحزب العمال الكردستاني.
تمديد النفوذ التركي في المنطقة على حساب إيران التي كانت تتواجد مع النظام السابق في 70 بالمئة من الأراضي السورية، في حين كانت تركيا تمارس نفوذها على أجزاء من محافظة إدلب بالتحالف مع الفصائل المعارضة. وهذا جزء من الصراع على النفوذ بين أنقرة وطهران، والذي شهد تفوقًا تركيًّا بعد انتصار آذربايجان على أرمينيا، الحليفه لإيران، وطردها من إقليم ناغورنو كارباخ، بمساعدة تركية. بالإضافة إلى تمدد النفوذ التركي في دول وسط آسيا من خلال التعاون العسكري والأمني والاقتصادي، تحت مظلة ’’منظمة الدول التركية‘‘.
قد تمتد مكاسب تركيا في سورية مع مرور الوقت إلى لبنان والعراق، وبخاصَّة مع حالة الضعف المنتظرة لنفوذ إيران في هذين البلدين.
الاستفادة الاقتصادية الكبرى، من خلال الهيمنة على مشروعات إعادة الإعمار في دولة مدمرة بسبب الحرب، وهو ما يمثل فرصة للاقتصاد التركي الذي يُعاني في السنوات الماضية من أزمة أثرت على شعبية التحالف الحاكم.
التخلص من عبء اللاجئين السوريّين المتواجدين داخل تركيا من خلال توفير الظرف الأمني والشروط المعيشية المناسبة لإعادة أكبر عدد ممكن منهم إلى سورية، بعد أن أصبحوا عبئًا على الحكومة الحالية. مع الأخذ في الاعتبار أن تركيا لن تكون حريصة على إعادة السوريّين جميعًا، وإنما يمكن أن تسمح ببقاء عدد منهم، للاحتفاظ بورقة اللاجئين في مساومة الاتحاد الأوروبي وتهديده بالهجرة غير الشرعية، كوسيلة لردع أي محاولة للتضييق على أنقرة في تحركاتها في الشرق الأوسط أو في حربها ضد الأكراد.
خروج تركيا رابحة من تغيير موازين القوى في الإقليم يصب في مصلحة قطر أيضًا، الشريك الرئيس لأتراك في المحور التركي القطري، والتي تعتمد على هذا التحالف في ملفات عديدة، لعل أهمها هو التعاون في حماية أمنها القومي، وهو ما ظهر في موقف تركيا خلال سنوات الحصار الذي قادته السعودية ضد قطر.
هذا بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية المشتركة، ومنها إحياء المشاريع المُعطَّلة، مثل مشروع خط نقل الغاز القطري إلى تركيا ومنها إلى الدول الأوروبية، وهو ما يزيد من أهمية تركيا ونفوذها في الاتحاد الأوروبي الذي يتعرَّض لضغوط روسية بسبب اعتماده على الغاز الروسي.
المردود الداخلي:
ثمَّة مردود داخلي إيجابي للموقف التركي ومكاسب أنقرة الإقليمية من التغيرات في المشهد السوري، هذا المردود يقوى من موقف الحكومة التركية الإقليمي والدولي، وهو على النحو التالي:
إعادة تسليط الضوء على شخصبة الرئيس التركي أردوغان، وأنه مازال قادرًا على المناورة السياسية واتخاذ القرارات الإستراتيجية الكبرى، التي تحمي المصالح التركية.
كسب دعم القوميّين الأتراك وبعض الأحزاب التركية، من الذين يؤيدون موقف التحالف الحاكم في مواجهته للتنظيمات الكردية المسلحة، خاصَّة بعد تحرير ’’منبج‘‘ و’’تل رفعت‘‘ بدون أن يتدخل الجيش التركي بشكل مباشر وترك تحريرهما للقوات الموالية من السوريّين.
بث روح الإحباط في التنظيمات الكردية المسلحة والأحزاب التركية المتعاطفة معها أو المتصلة بها، ودفعها إلى الاقتناع بعدم جدوى استمرار المواجهة العسكرية مع الدولة التركية والانخراط في عملية سياسية.
تراجع صوت الأحزاب اليمينية المتطرفة، بعد حل أزمة اللاجئين التي تمَّ تسييسها وكانت أحد أسباب تراجع شعبية حزب ’’العدالة والتنمية‘‘ الحاكم في البرلمان والمحليات.
تأثير المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها تركيا، بالإضافة إلى رحيل عدد كبير من اللاجئين، على المستوى المعيشي بشكل إيجابي، يظهر في تراجع نسبة التضخم.
هذا المكاسب التي سوف يحققها الرئيس التركي وحزب ’’العدالة والتنمية‘‘ يمكن أن تنعكس على حالة التحالف الحاكم، فيستعيد زخمه مرة أخرى، ويحافظ على حظوظه في الانتخابات القادمة، ليظل في السلطة.
ولكن المكاسب التركية، الخارجية والداخلية، مرتبطة باستقرار الأوضاع في سورية وعدم حدوث خلافات بين فصائل المعارضة السورية يفضي إلى حدوث اضطرابات في سورية.
إسرائيل والمشروع الصهيوني:
تسعى إسرائيل منذ سنوات لتغيير موزاين القوى بالشرق الأوسط، لبسط هيمنتها على المنطقة، ومواجهة أي خطر يمكن أن يهددها من ناحية إيران ومحور المقاومة. ولهذا خرجت إسرائيل بمكاسب عديدة من عملية تغيير موازين القوى بالشرق الأوسط بعد سقوط بشار الأسد، منها ما هو إستراتيجي ومنها ما هو تكتيكي. من هذه المكاسب ما يلي:
التخلص من التهديد الإيراني عبر محور المقاومة في سورية ولبنان، وتزايد فرصة توجيه ضربة قوية لإيران واستهداف برنامجها النووي دون التعرض لخظر الرد عبر الجبهة السورية اللبنانية.
إخراج إيران من سورية وقطع خط الإمداد لحزب الله اللبناني، الذي وجهت إليه إسرائيل ضربة قوية وقضت على قياداته، ما سيؤدي إلى حرمان الحزب من إمكانية التعافي من آثار هذه الضربة في وقت قصير.
تحييد الجبهة السورية اللبنانية في الحرب ضد المقاومة الفلسطينية ومنعها من القيام بأي عمل لإسناد للفلسطينيّين.
تدمير الأسلحة الإستراتيجية في الجيش السوري، لمنع القيادة السورية الجديدة من استخدامها في مواجهة الأكراد والقضاء على قوتهم وإقامة نظام حكم قوي يسيطر عليه إسلاميون من ناحيةٍ، ومنع استخدامها ضد إسرائيل من ناحيةٍ أخرى.
التوسع في الأراضي السورية والاستيلاء على مناطق إستراتيجية تشرف على لبنان وسورية والأردن، لحماية إسرائيل، وتنفيذ مخططات التوسع لدى الحكومة اليمينية المتطرفة.
عسكريًّا، تزعم إسرائيل أن سلاحها الجوي صار يتفوق بشكل كامل ومطلق على معظم مناطق الشرق الأوسط، بما فيها إيران وسورية والعراق ولبنان واليمن.
ولكن توسع إسرائيل في سورية وإخراج الجبهة السورية من الصراع العربي الفلسطيني مكسب تكتيكي؛ لأن هذا الوضع مرهون ببقاء سورية دولة ضعيفة، وعدم قيام نظام حكم قوي في دمشق. وفي حالة قيام الدولة القوية فإنها سوف تسعى لحماية حدودها واستعادة أراضيها المحتلة في الجولان، وسوف تدعم القضية الفلسطينية بكل الطرق الممكنة.
المردود الداخلي:
ثمَّة مردود داخلي إيجابي للموقف الإسرائيلي، يتسق مع ما تحققه حكومة نتنياهو، ويزيد من شعبيتها التي تراجعت بعض الشيء بسبب تأخر الحسم في قطاع غَزَّةَ، وهو على النحو التالي:
اتساع شعبية اليمين المتطرف وهيمنته على الحكم في إسرائيل، بعد أن حققت الحكومة الأشد تطرفًا بقيادة نتنياهو ما عجزت الحكومات السابقة عن تحقيقه، وهو إبعاد الخطر الإيراني عن الحدود الإسرائيلية، بإخراج إيران من سورية وضرب حزب الله.
زيادة الأصوات المنادية باغتنام الظرف الإقليمي والدولي المناسب في توجيه ضربة قوية لإيران وتدمير مشروعها النووي، خاصَّة بعد عودة ترامب للمشهد.
استمرار إسرائيل في حربها في غَزَّةَ، وارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيّين، بعد خروج حزب الله والجبهة السورية من عملية إسناد المقاومة الفلسطينية، ووجود إمكانية لإخراج الميليشيات الشيعية العراقية والحوثيّين أيضًا من مشهد الحرب.
إيران ومحور المقاومة:
تعد إيران الخاسر الأكبر في عملية تغيير موازين القوى بالشرق الأوسط بعد سقوط حكم بشار الأسد، وذلك بعد أن خسرت تواجدها في سورية، التي كانت تعد حلقة رئيسة في ’’الهلال الشيعي‘‘ وممرًا حيويًّا لنقل الأسلحة إلى حزب الله، مما يُعزز نفوذ طهران الإقليمي ويخلق تهديدًا مستمرًا لأمن إسرائيل، ضمن إستراتيجية الردع الإيرانية التي تعتمد على خطوط الدفاع المتقدمة لإبعاد الحرب عن الحدود الإيرانية ومحاصرة الأعداء.
بخروج إيران من سورية، سوف تتقلص مساحتها في موازين القوى الإقليمية، وتتلخص خسارتها فيما يلي:
تمدد تركيا في مناطق تراجع النفوذ الإيراني، بعد أن كانت سورية ساحة من ساحات التنافس خلال العقد الماضي، والذي يمتد من آسيا الوسطى وآذربايجان إلى سورية مرورًا بالعراق.
تصدع إستراتيجية الردع الإيرانية، بسبب إمكانية تعثر ترميم محور المقاومة، لصعوبة إعادة تقوية حزب الله اللبناني؛ لأن إعادة الحزب للمشهد يرتبط بوجود إيران في سورية وبقاء خط الإمداد الواصل من إيران إلى لبنان عبر الأراضي العراقية والسورية.
تعرُّض البرنامج النووي الإيراني للخطر، بعد تحييد قدرة حزب الله اللبناني، وفي ظِل احتمالات إقدام إسرائيل على مهاجمة إيران بعد استلام ترامب السلطة محاطًا بإدارة هي الأكثر عداء لإيران وانحيازًا لإسرائيل.
سوف يؤدي فشل إيران في حماية حليفها بشار الأسد ومن قبله حزب الله اللبناني إلى إرسال رسائل سلبية لحلفائها في اليمن والعراق، مفادها أن طهران لن تستطيع الدفاع عنهم في حالة استهدافهم، وهو ما يُضعِف نفوذ إيران السياسي في كلا البلدين. وقد تلجأ ميليشيات شيعية عراقية إلى خيار الانكفاء على الذات أو الاندماج في القوات العراقية الرسمية لتجنب الخسارة الكاملة في حالة وجود إرادة أمريكية بالقضاء عليها.
توقف مشروع الربط البري الذي ينطلق من إيران مرورًا بالعراق ويصل إلى سورية لنقل التجارة الإيرانية إلى أوروبا ودول البحر المتوسط، وهو مشروع مهم في مواجهة العقوبات الغربية، وذلك لمصلحة مشروع طريق التنمية الذي تتبناه تركيا وقطر ودول خليجية أخرى لربط دول الخليج بأوروبا عبر تركيا.
توقف مشروع خط أنابيب الغاز أو خط الغاز الإسلامي، الذي كان سينقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر العراق وسورية ولبنان، وهو ما كان يمكن أن يزيد من أهمية إيران بالنسبة لأوروبا التي تبحث عن مصادر للطاقة بديلة لروسيا.
أما الأطراف الموالية لإيران في محور المقاومة، فبعد 7 أكتوبر، واختبار إسرائيل وأمريكا والغرب والدول العربية المُطبّعة مع تلأبيب لخطورتها وقدرتها على إسناد المقاومة الفلسطينية المسلحة، والوصول إلى عمق إسرائيل، ومِن ثمَّ إمكانية الوصول إلى عمق حلفائها بالمنطقة في أي مواجهة عسكرية، وتهديد مصالح القوى الدولية، فإن عملية إضعاف قوة محور المقاومة بدأت بالضربة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله اللبناني، وإسقاط الأسد، وسوف تستمر هذه العملية للقضاء على خطورة الحوثيّين في اليمن والميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق.
هذه الضربات من شأنها أن تُضعِف هذه الأطراف وتشغلها بنفسها لسنوات، وتقلص تمددها، وهو ما سيؤثر على نفوذ إيران بالمنطقة من ناحيةٍ، ويتيح الفرصة لقوى أخرى من أجل شغل المساحات التي تخسرها هذه الأطراف من ناحيةٍ أخرى.
المردود الداخلي:
ثمَّة مردود داخلي سلبي على إيران بسبب التغيرات في موازين القوى بالشرق الأوسط، هذا المردود سوف يؤثر على قراراتها ومواقفها تجاه القوى الإقليمية والدولية، وهو على النحو التالي:
ثمَّة مخاوف لدى النظام الإيراني من أن يكون الدور على إيران بعد حزب الله اللبناني وسورية، وتتعاظم هذه المخاوف مع اقتراب تسلم ترامب للسلطة ووجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل ترغب في اغتنام الظرف الدولي والإقليمي الحالي في توجيه ضربة غير مسبوقة لإيران وتدمير مشروعها النووي.
لدى النظام الحاكم في إيران تقديرات بأن الشعب الإيراني سوف يتحرك لإسقاطه في حال توجيه ضربة قوية لإيران وتعرُّض مراكز القيادة والسيطرة فيها للتدمير.
أظهرت الأحداث في سورية الخلافات بين أنصار النظام الإيراني حول السياسة الخارجية الإيرانية، وجدوى إنفاق الأموال على جهات خارجية، وتهميش دور البرلمان الإيراني.
هناك أصوات تنادي بإعادة النظر في إستراتيجية الردع الإيرانية، بعد انهيارها في غَزَّةَ ولبنان وسورية، وضرورة الإسراع بامتلاك السلاح النووي.
سوف تزداد الأزمة الاقتصادية تفاقمًا بعد خروج إيران من سورية، ليس فقط لخسارة الاستثمارات الإيرانية والأموال المنفقة، ولكن لفقدان منفذ من منافذ التحايل على العقوبات الغربية.
يوجد اتجاه داخل إيران يرى أن مصلحة البلاد تستدعي إقامة علاقات مع القيادة الجديدة في سورية، رغم موقفها من الإيرانيّين، على أرضية العداء لإسرائيل، وحتى لا تفقد طهران نفوذها في سورية بالكلية.
أحيت الأحداث في سورية آمال المعارضة الإيرانية في تكرار المشهد داخل إيران، لتشابه الوضع بينهما، من حيث الاستبداد وسوء الأحوال المعيشية وتزايد السخط الشعبي.
محور الثورة المضادة:
محور الثورة المضادة، بقيادة الإمارات والسعودية ومصر، هو المحور الوحيد الفعَّال والأكثر نفوذًا في المنطقة العربية، ولا يوجد محور عربي آخر يمتلك إمكانيات مواجهة هذا المحور الذي تعرَّض لبعض التصدعات، ولكنه لم يفقد تماسكه في معاداة التغيير والإخوان المسلمين.
يمكن القول إن هذا المحور هو الخاسر الثاني بعد إيران ومحور المقاومة في تغيير موازين القوى بالشرق الأوسط؛ لأن سقوط النظام السوري أطاح بكل الجهود التي بذلها هذا المحور لإفشال الثورة السورية، وحماية بشار الأسد ودعمه وإعادته إلى جامعة الدول العربية، ومواجهة النفوذ التركي في الدول العربية.
الخسارة التي تعرَّض لها هذا المحور سوف تقلص من قوته الإقليمية وتعرض مشروعة للقضاء على محاولات التغيير للخطر، وتتلخص فيما يلي:
فقدان محور الثورة المضادة نفوذه في سورية لحساب تركيا التي تُعد على رأس محور آخر يضم قطر، رغم سياسة تصفير المشاكل بين دول المنطقة.
انتصار ’’هيئة تحرير الشام‘‘ ومعها الفصائل المسلحة بمثابة استكمال لثورات الربيع العربي التي عمل محور الثورة المضادة على القضاء عليها. وهو ما يمثل فشلًا لإستراتيجية الدول المعادية للتغيير، والتي تسعى لمنع أي صعود للإسلاميّين.
إمكانية قيام دولة قوية في سورية، تلبي احتيجات مواطنيها السياسية والاقتصادية، وتمتلك استقلالية قرارها، وانتقال عدوى هذا النموذج إلى الدول الأخرى التي تعاني شعوبها في ظِل أنظمة استبدادية ترفض التغيير وتخيف الناس من نتائجه.
إمكانية تنامي التيارات المعارضة المؤمنة بالعمل المسلح كوسيلة للتغيير ضد الأنظمة الرافضة للإصلاح والتغيير السلميّين.
إمكانية تأثير الأحداث في سورية على دول أخرى، مثل مصر والعراق والأردن، بعد حملات قمع الديمقراطية في أعقاب ثورات الربيع العربي.
ولكن خسارة هذا المحور ليست خسارة كاملة؛ لأن طرفًا منه استفاد من سقوط بشار الأسد، وهو السعودية التي يهمها تحجيم قوة إيران في المنطقة وبقاؤها تحت ضغط مستمر وتهديد دائم من جانب إسرائيل والغرب، وهو ما يشغلها عن مساعدة وكلائها في المنطقة، وعلى رأسهم الحوثيون، الذين عجزت المملكة عن الانتصار عليهم، وصاروا يهددون أمنها بعد تمكنهم من قصف العمق السعودي وتهديد المصالح الحيوية، مثل إنتاج النفط بشركة أرامكو.
وبتقلص مساحة التأثير الإيراني على لبنان وتقلص هيمنة حزب الله على الشأن اللبناني، يمكن أن تستعيد السعودية نفوذها في هذا البلد مرة أخرى، بعد ممارسات خاطئة من ولي العهد محمد بن سلمان، زادت من ضعف الطائفة السُّنية.
ولهذا اتخذت السعودية خطوة متقدمة عن باقي دول هذا المحور، حينما غيّرت خطابها حول القيادة الجديدة في سورية، وبادرت إلى التواصل معها. هذه الخطوة لا تعني أن السعودية ترحب بقيام دولة سورية قوية ومستقرة، ولكن الرياض تحافظ لنفسها على موطئ قدم لتكون حاضرة في رسم مستقبل سورية، ولكي لا تفقد نفوذها في هذا البلد، كدولة تحاول الهيمنة على الإقليم في ظِل تراجع الدور المصري في عهد السيسي.
هذا بالإضافة إلى أن محور الثورة المضادة هو المحور المقابل لمحور المقاومة، الذي تتزعمه إيران، وتروّج له على أنه محور معادٍ لإسرائيل، في الوقت الذي تُطبّع فيه أنظمة عربية مع تلأبيب، وتقف معها في خندق واحد من أجل القضاء على المقاومة المسلحة في فلسطين.
وفي إطار تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية المسلحة للقضاء عليها، عبر شل قدرة إيران على دعمها، وتوجيه الضربات لوكلائها في المنطقة، يمكن أن يستفيد محور الثورة المضادة من خروج إيران من سورية في تحقيق أحد أهداف المحور، وهو القضاء على المقاومة الفلسطينية وتمهيد الساحة لاستئناف عملية التطبيع ودمج إسرائيل في المنطقة.
المردود الداخلي:
شعور عواصم عربية بالخوف من تشجيع السقوط المفاجئ لنظام الأسد الدعوات إلى التغيير السياسي في دول عربية أخرى.
حشد الأنظمة العربية الخائفة من التغيير كل طاقاتها وأدواتها من أجل مواجهة التغيير في سورية، ومنها الآلة الإعلامية الضخمة التي تشوه الثوار وترسم لهم صورة سلبية، على أنهم من المتطرفين أو الإرهابيّين الإسلاميّين.
لجأت بعض الأنظمة إلى حلفائها، ومنهم النظام المصري، الذي تواصل مع إسرائيل من أجل أن يشركها في مخاوفه من التغيير، وهي محاولة لتحفيز دعمها له ودعم حلفائها في الغرب.
على مستوى الشعوب العربية، ثمَّة تفاؤل بأن التحول في سورية يمكن أن يكون خطوة أولى في موجة جديدة من موجات الربيع العربي.
بعد أكثر من عقد على فشل الثورات العربية، يمكن أن تكون الشعوب العربية أكثر استعدادًا نفسيًّا وسياسيًّا لمواجهة تحديات التغيير، بعد أن عانت في ظِل الأنظمة التي فرضت عليها معادلة ’’أنا أو الفوضى‘‘.
الأثر على الإخوان المسلمين:
لن يمر التغيير في سورية دون حدوث تغيير في موازين القوى بالشرق الأوسط، وهو ما سيلقي بأثره على الإخوان المسلمين، ولكن هذا الأثر سوف يختلف سلبًا وإيجابًا باختلاف تنظيماتهم وامتداداتهم، في سورية وفلسطين ومصر والعالم العربي، وفي أماكن تواجدهم بالدول الغربية.
1 – إخوان سورية:
يَصب سقوط حكم بشار الأسد وتزايد النفوذ التركي في سورية في مصلحة الإسلاميّين بشكل عام، ومنهم الإخوان المسلمون السوريّون، الذين سوف يتمتعون بحرية العمل على الأرض والمشاركة في بناء سورية الجديدة، بعد العودة إلى البلاد وإعادة بناء التنظيم بالداخل والمشاركة في الشأن العام.
من شأن العلاقة بين إخوان سورية والدولة التركية أن توفر لهم ظهيرًا في حالة ميل أحمد الشرع (الجولاني) إلى تهميش دورهم أو تقييد حركتهم، كما حدث في التجربة الأفغانية، حينما سيطرت حركة طالبان على أفغانستان وهمَّشت دور القوى الأخرى.
توفر الظهير التركي مرهون بوجود حكومة حزب “العدالة والتنمية” في الحكم، ووجود مصلحة للأتراك في دعم الإخوان، أو على الأقل عدم تعارض هذا الدعم مع مصالح الدولة التركية، وعدم وصول العلمانيّين الأتراك المعادين للتيارات الإسلامية والرافضين للتعاون مع الفصائل الإسلامية في سورية للحكم في تركيا.
ولكن ثمَّة خطر يواجه إخوان سورية من جانب إسرائيل، وهو أن تلأبيب لن تقبل بوجود دولة قوية ومستقرة على حدودها يقودها إسلاميّون بينهم مكون إخواني، حتى لو كان هذا المكون على هامش النظام الجديد؛ وذلك بسبب موقف الإخوان المسلمين من وجود الكيان الصهيوني والتطبيع والجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيّين، ولهذا سوف يسعون إلى إفشال النظام الجديد وزعزعة استقرار سورية، أو تحريض المجتمع الدولي لممارسة الضغوط على النظام الجديد في سورية وعرقلته.
وقد يؤدي خروج إيران خاسرة من سورية إلى تأثير سلبي على الإخوان السوريّين في حالة اتخاذ طهران قرارًا بإفشال النظام الجديد، من خلال الشيعة والعلويّين وفلول النظام، الذين يمكن أن يُدخِلوا البلد في مرحلة من عدم الاستقرار، تُضيّع على الإخوان فرصة إعادة بناء التنظيم والعمل في أجواء من الهدوء والاستقرار.
يزداد هذا الخطر إذا تناست الدول العربية خلافاتها مع إيران وتوحدت الجهود على إسقاط العدو المشترك، وهو أي حكم على أساس إسلامي لسورية، خاصَّة أن تصنيف دول عربية وإيران للفصائل الموجودة في سورية هو أنها إرهابية أو متأثرة بفكر الإخوان.
وقد بدأت الحملة على القيادة الجديدة في سورية من جانب محور الثورة المضادة من خلال الربط بينها وبين الإخوان المسلمين، وهي إستراتيجية يتبعها محور الثورة المضادة للتخويف من الإسلاميّين، معتمدًا في ذلك على ما تراكم في السنوات الماضية من جهود وإنجازات في تشويه صورة الإخوان، لتخويف المجتمع الدولي منهم بوصفهم أصحاب مشروع إسلامي مضاد للمشروع الغربي، ولهم امتدادات إقليمية، ومواقف واضحة ضد إسرائيل والتدخل الغربي في المنطقة.
لن يقف محور الثورة المضادة مكتوف الأيدي وهو يَرى انتصار الثورة السورية وقيام دولة مستقرة، وسوف يستخدم كل أدواته لإفشال التجربة، خاصَّة أن البيئة السورية بها من الثغرات الطائفية ما يمكن أن يُسقِط البلاد في حرب أهلية. وهذا لا يصب في مصلحة إخوان سورية الذين يحتاجون إلى الاستقرار، وسوف يؤثر أي نجاح للثورة المضادة على مشروعهم للعودة وإعادة التنظيم ونشره بشكل سلبي.
2 – حركة حماس:
فيما يخص حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لا شك أن الحركة هي الأكثر تضررًا من خسارة إيران ومحور المقاومة في التغييرات الأخيرة لموازين القوى بالشرق الأوسط، وذلك بسبب توقف عملية الإسناد من جانب حزب الله اللبناني وضعف الجبهات الأخرى التي تتعرَّض للاستهداف من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما.
ومن المنتظر أن تجد حركة حماس نفسها أمام تحديات كبيرة في تأمين الدعم اللوجستي والعسكري، إذا حدث تغيير في إستراتيجية الردع الإيرانية، وقررت طهران اعتماد إستراتيجية الرد من داخل الأراضي الإيرانية بواسطة منظومة الصواريخ التي تمتلكها، أو الإسراع في امتلاك السلاح النووي، بدلًا من وجود خطوط دفاع متقدمة تحيط بإسرائيل.
وبعد أن يتم تشديد الخناق على النظام الإيراني، عبر العقوبات الاقتصادية وسياسة الضغوط القصوى التي يمكن أن يُعيد ترامب اعتمادها وتنفيذها، قد تجد حركة حماس نفسها أمام أزمة مالية بسبب إمكانية تقلص الدعم المالي الإيراني، خاصَّة أن هناك أصواتًا إيرانية تنادي بإعادة النظر في الأموال التي تُنفَق على كيانات خارجية في وقتٍ تعاني فيه شرائح واسعة من المواطنين الإيرانيّين من الفقر، وهو ما يزيد من حالة السخط الشعبي ويُهدِّد أمن النظام.
هذا لا يَعني أن إيران سوف تتوقف عن دعم حماس بالكليَّة في هذه المرحلة، سواء انكمش محور المقاومة أو تغيَّرت إستراتيجية الردع، ولكن من غير المتوقع أن تمتلك إيران الظروف التي تمكنها من تقديم الدعم الشامل، بصورته المعتادة، وقد يتوقف تمامًا في حال توفرت الإرادة الدولية بتوجيه ضربة قوية لإيران قد تدخلها في مرحلة من الفوضى والاضطرابات وتراجع السيطرة المركزية أو تنتهي بإسقاط النظام الحاكم.
ولكن وجود نظام إسلامي أو عروبي أو ديموقراطي في سورية سوف يكون لمصلحة المقاومة الفلسطينية في المستقبل، حتى وإن تأخر دعم هذا النظام للمقاومة إلى حين استقرار الدولة السورية وامتلاكها القدرات التي تمكنها من تقديم الدعم للمقاومة وتحمُّل تبعات هذا الدعم.
يساعد في ذلك وجود تيَّار داخل حماس لم يكن متحمسًا لعودة العلاقات مع بشار الأسد، أو التمادي في العلاقة مع إيران، وهذا التيَّار يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا في إقامة علاقات قوية مع القيادة السورية الجديدة، لتظل سورية عمقًا إستراتيجيًّا للمقاومة، خاصَّة أن إسرائيل عدو مشترك والقضية الفلسطينية قضية لا خلاف عليها بالنسبة للشعب السوري.
كذلك سوف تستفيد حركة حماس من بروز قوة تركيا الإقليمية وانعكاس ذلك على الداخل التركي، متمثلًا في استمرار حزب ’’العدالة والتنمية‘‘ في الحكم؛ لأن الحركة تحظى بدعم تركي كبير، وسوف تحتاج إلى مزيدٍ من هذا الدعم بعد ما تعرَّضت له من ضربة قوية بعد عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ وتراجع الإسناد من جانب محور المقاومة.
3 – الإخوان في العالم العربي والغرب:
أما الإخوان المسلمون في الدول العربية التي خضعت للنفوذ الإيراني، فمن شأن الضربات القوية التي تعرَّض لها حزب الله في لبنان وقطع طريق الإمدادات إليه عبر سورية، وما سوف يَتعرَّض له الحوثيون في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق من ضربات، أن يقلل من تغوُّل الشيعة على حساب أهل السُّنة، إذا أحسنوا استثمار هذه الفرصة في استعادة المساحات التي خسروها بعد التمدد الشيعي غير المسبوق في هذه البلدان.
في هذه الأجواء، يمكن للإخوان المسلمين – كأحد المكونات السُّنيَّة – أن يستثمروا الوضع في العمل في بيئات أقل عداءً وخطورة، خاصَّة إذا عجزت إيران عن دعم وكلائها في المنطقة أو تقلص دعمها لهم في المستقبل.
وإذا انتقلنا إلى حركة الإخوان المسلمين بشكل عام، خاصَّة في الدول الغربية، فإن سقوط الأسد سوف يُعيد تفعيل دور محور الثورة المضادة في مواجهة الإخوان المسلمين، بعد أن ظهرت الخلافات بين دوله، بسبب المتغيرات الإقليمية وتعارض المصالح.
وسوف تكثف دول المحور، خاصَّة الإمارات، جهودها للتضييق على الإخوان، لمنعهم من أيّ تحرُّك يساعد في إحداث التغيير وصعود القوى الإسلامية، عبر السعي لحظر أنشطتهم في أوروبا والولايات المتحدة، وتشويه صورتهم وربطهم بالإرهاب.
4 – جماعة الإخوان في مصر:
إذا انتقلنا إلى جماعة الإخوان في مصر، فإن المخاوف من أثر التغيير في المشهد المصري على مصالح إسرائيل والنظام المصري – اللذين تربطهما علاقات قوية وَصَلت إلى حد الشراكة الإستراتيجية – تجمع القاهرة وتلأبيب ضد أي محاولة للتغيير، وهو ما يضمن للنظام دعم الحكومات الغربية، ويجعل الشعب المصري بعيدًا عن التغيير، ليظل الوضع على ما هو عليه، وهو ضد مصلحة الإخوان؛ لأنهم المتضرر الأول من وجود نظام السيسي.
وهذا يفسر تواصل السيسي مع إسرائيل، تحسبًا لأي انتفاضة يمكن أن تشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين ضد نظامه في ظِل الزخم الذي أحدثه سقوط نظام الأسد.
لهذا، سوف يُعيد سقوط بشار الأسد على يد فصائل ثورية تنتمي في أغلبها إلى التيَّار الإسلامي، بما فيه إخوان سورية، حالة التحفز لدى النظام المصري ضد الإخوان، باعتبارهم عدوه الأول الساعي للتغيير، وذلك خوفًا من تكرار التجربة السورية، بسبب حالة الاحتقان التي تعيشها شرائح الشعب المصري بسبب الأزمة الاقتصادية.
ظهر قلق النظام المصري من الإخوان المسلمين من خلال خطاب التخوين، والتخويف للشعب المصري من الاستجابة لدعوات التغيير التي سوف تهدد استقرار البلاد، وهو ما عبَّر عنه السيسي حينما حذر من “وجود جماعات أو عناصر خلايا نائمة”، في إشارة للإخوان.
ويمكن أن تترجم مخاوف النظام في مزيدٍ من التشديد الأمني ضد أعضاء الجماعة في مصر، وممارسة مزيدٍ من التضييق عليهم بالخارج، وهو ما يفسر محاولة التوصُّل لاتفاق أمني مع ماليزيا من أجل تسليم الإخوان المتواجدين فيها.
خاتمة:
أعاد إسقاط نظام الأسد على يد فصائل إسلامية ووجود الإخوان المسلمين في مشهد التغيير الأمل إلى الشعوب العربية في تغيير الأنظمة الاستبدادية، وأثار مخاوف محور الثورة المضادة، وهو ما سوف يحفز أنظمته على استعادة التنسيق والتعاون من أجل التضييق على الإخوان المسلمين ومنعهم من قيادة أي تغيير بالمنطقة.
سوف يكون أثر التغيير على إخوان سورية إيجابيًّا بشكل عام، إذا تحققت وعود أحمد الشرع باحتواء الجميع ومشاركتهم في إدارة شؤون الدولة، وإذا توفر لهم دعم من تركيا وقطر، خاصَّة أنهم لا يملكون قوة عسكرية تحميهم أو تردع أي محاولة لتهميشهم. ولكن هذه الإيجابية مرتبطة بما سوف يترتب على محاولات إيران ومحور الثورة المضادة لإفشال الثورة السورية وإدخال البلاد في مرحلة من الفوضى والاضطرابات تعيق قيام دولة قوية يتمتع فيها الإخوان المسلمون كغيرهم بحرية العمل في أجواء من الهدوء والاستقرار.
هذا الأثر سلبي في حالة إخوان فلسطين، أو حركة حماس، فهي الأكثر تضررًا من تغيير موازين القوى بعد سقوط الأسد، في المدى القريب، وربما المتوسط أيضًا. بسبب تراجع الإسناد من جانب محور المقاومة وعدم قدرة النظام الجديد في سورية على دعم المقاومة في مرحلة بناء الدولة. ولكن على المدى البعيد يمكن أن تستعيد سورية دورها كعمق إستراتيجي للمقاومة.
أما الإخوان المسلمون في العراق واليمن ولبنان فإن الفرصة أمامهم متاحة للتخلص من تمدد الطائفة الشيعية، ضمن المكاسب التي يمكن أن يحققها أهل السُّنة في حال تقلصت قوة وكلاء إيران في المنطقة بفعل ضربات قوية من جانب أمريكا وإسرائيل.
وإذا انتقلنا إلى الإخوان في الدول الغربية، فمِن المنتظر أن تزيد محاولات التضييق عليهم من جانب القوى الإقليمية المحرضة عليهم لدى الغرب والولايات المتحدة، وعلى رأسها الإمارات خوفًا من تحركهم لدعم التغيير في بلدانهم.
وأخيرًا، زاد التغيير في سورية من مخاوف النظام المصري الذي يخشى من التغيير بسبب تشابه الأوضاع بين مصر وسورية، ولكنه لا يعالج مثل هذه المخاوف إلَّا بالطريقة الأمنية، من خلال ملاحقة الإخوان واعتقالهم، والتضييق عليهم، واللجوء إلى حلفائه في إسرائيل والغرب من أجل حمايته وتأخير التغيير الذي تتأخر معه الانفراجة التي ينتظرها الإخوان لإخراج معتقليهم من السجون والعودة إلى حياتهم الطبيعية.
قائمة المصادر
1-المدن، آثار سقوط الأسد.. خسائر إيران ومكاسب تركيا، 10 ديسمبر 2024م.
2-هسبريس، سقوط الأسد.. ضربة لإيران وتحولات جيوسياسية… ، 10 ديسمبر 2024م.
3-عربي 21، تحسبا لمصير بشار.. هل استعان السيسي بإسرائيل، 12 ديسمبر 2024م.
4-الجزيرة، كيف سيغير سقوط الأسد شكل المنطقة؟، 22 ديسمبر 2024م.
5- RT عربي، ميزان القوى يتغير في الشرق الأوسط لصالح تركيا، 20 ديسمبر 2024م.
6-فرانس 24، سورية بعد الأسد: خريطة انتشار الفصائل المسلحة ، 12 ديسمبر 2024م.
7-الزمان، سقوط نظام بشار الأسد يشعل المواجهة في مصر مع الإخوان، 24 ديسمبر 2024م.
8-الشرق، 5 قوى دولية تتنافس على النفوذ في سورية، 11 ديسمبر 024م.
9-عربي 21، تداعيات سقوط نظام الأسد على تركيا، 11 ديسمبر 2024م.
10-الجزيرة، الشرق الأوسط بعد سقوط بشار: بداية جديدة للشعوب، 18 ديسمبر 2024م.
11-فرانس 24، ردود فعل العواصم العربية على انهيار نظام الأسد؟، 9 ديسمبر 2024م.
12-مركز المتوسط للدراسات، سورية الجديدة: الرابحون والخاسرون بعد سقوط نظام الأسد، 20 ديسمبر 2024م.
__________
رابط النص الأصل:
تقدير الموقف هذا يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_منتدى_الدراسات_المستقبلية_تغير_موازين_القوى_في_الشرق_الأوسط_بعد_سقوط_بشار_الأسد_وأثره_على_الإخوان_المسلمين

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_منتدى_الدراسات_المستقبلية_تغير_موازين_القوى_في_الشرق_الأوسط_بعد_سقوط_بشار_الأسد_وأثره_على_الإخوان_المسلمين