
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_حماية_الأقليات_دعوى_قديمة_جديدة_لم_تَعُدْ_تنطلي_على_السوريين
تعد مسألة الأقليات في سورية موضوعًا معقدًا يتداخل فيه التاريخ والسياسة والدين. فقد عانت الأكثرية المسلمة في سورية لعقود طويلة من الظلم والقهر على يد أقلية حاكمة، مما أدى إلى معاناة شديدة من قتل وتهجير. بينما يتحدث الغرب عن حماية الأقليات، يغض الطرف عن معاناة الأكثرية ويستمر في استغلال القضية لأغراض سياسية.
في هذا السياق، يظهر دور الإسلام وتعاليمه في تعزيز قيم العدالة والمساواة، مما يدعو إلى إعادة التفكير في العلاقة بين الأكثريات والأقليات. يتطلب الوضع الحالي إدراكًا عميقًا من جميع الأطراف لأهمية التضامن والعمل المشترك من أجل تحقيق مستقبل أفضل لجميع أبناء الوطن.
الأقليات في سورية: بين الظلم والاستغلال
إنَّ الحديث عن الأقليات في سورية وحمايتها سيمفونية يعزف عليها الغرب كلما استعادت الأكثرية المُسْلِمَة مقاليد الأمور وأعادت الحياة إلى طبيعتها، فالأكثرية المُسْلِمَة في سورية رزحت تحت ظُلْمِ أقلية لِأكثر من ستين سَنة، ذاقت خلالها مُرّ العذابات والقتل والتهجير وسَوْقاً إلى السجون والمعتقلات، فقد وثّقت منظمات حقوق الإنسان الدولية مقتل أكثر من مليون وتهجير نصف هذه الأكثرية إلى خارج البلاد،
واختفى في سجون الأقلية ومعتقلاتها التي تُعَدُّ بالمئات أكثر من نصف مليون إنسان في هذه الفترة السوداء الحالكة الظلام، دون أن تتحرك الحكومات الغربية والعالم لوقف هذا النزيف وهذا القهر ويجعل حداً لهذه الآلام والعذابات.
وكان الحري بمنظومة الحُكْمِ في الغرب الذي يتشدق بدفاعه عن حقوق الإنسان أن يُرَكِّز على ما تفعله الصين وروسيا والهند وسريلانكا بالأقليات المُسْلِمَة ناهيك عمَّا تتعرض إليه الأقليات المُسْلِمَة في الغرب وخاصة في فرنسا التي تتدعي حرية التفكير والاعتقاد والتعبير.
معاناة الأكثرية المسلمة
وبعد أن تمكن ثوار سورية بعد حرب دامية غير متكافئة مع النظام المستبد، ليطمئن الغرب على حال المسيحيين والأقليات في سورية وأنه لا خوف عليهم من الأكثرية المُسْلِمَة بعد أن حكمت البلاد وأزاحت كابوس القهر والظلم، فَدِيْنُ هذه الأكثرية المُسْلِمَة التي غُلِبت على أمرها كل هذه السنين العجاف يأمرها دينها بالإحسان في معاملة أهل الذمة وهذا أمر أَبْيَنُ من الشمس في رابعة النهار، وتاريخ المسلمين مليء بالنماذج الحيّة في تطبيق هذا النهج، فلا يجوز في الإسلام ظُلم أحد من أهل الذِّمَّة، أو الاعتداء عليه في نفسه أو ماله أو عِرْضِه بغير وجه حق.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين يوماً‘‘، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة‘‘.
وهذا الأخطل الشاعر الأثير عند خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان كان يدخل عليه بغير إذن وفي عُنقه سلسلة من ذهب وصليب، وكان عبد الملك يُسَمِّيه مرة شاعر أمير المؤمنين ومرة شاعر بني أمية وثالثة شاعر العرب.
ولقد تألّق شعراء مسيحيون عرب فيما قالوه يمدحون نبي الإسلام، من قصائد صارت من عيون الشعر العربي، من مثل الشاعر جورج صيدح، وميخائيل خير الله، وخليل مطران، وإلياس قنصل، وغيرهم كثير.
وكان الشاعر اللبناني المهجري رشيد سليم الخوري (1887م – 1984م)، واحداً من أهم الرواد الذين كتبوا في النبي أجمل القصائد.
ووصل تعلّق الخوري بِنَبي الإسلام، إلى الحد الذي قال فيه: ’’وأيّ أديب يهيم بالحكمة، لا يخرّ ساجداً للحديث الشريف ومعجز القرآن!‘‘. بل إنه قال في كلمة له في إحياء ذكرى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ’’يا محمد، يا نبي الله حقاً، يا مجد العرب، يا مجد الإنسانية، دينك دين الفطرة‘‘ حتى إنه أُخذ بحال حبّه للنبي عليه الصلاة والسلام ورسالته، في تلك المناسبة،
فهتف داعياً لما أرسل إليه ابن عبد الله: ’’إنّي لموقنٌ أن الإنسانية بعد أن يئست من كل فلسفاتها وقنطت من كل مذاهبها ونظرياتها، سوف ترى أنه لا مَخرج لها من مآزقها ولا راحة لروحها ولا صلاح لأمرها إلا بارتمائها في حضن الإسلام‘‘، ومن شعره قوله:
طلع الهُدى من شرقنا والغرب يخبط في الظُّلَم
شخصيات مسيحية وطنية
أما الحديث عن المفكر والسياسي المسيحي فارس الخوري فحدّث ولا حَرج، فعندما احتلت فرنسا سورية وحاولت استمالة المسيحيين، أبلغ الجنرال غورو فارس الخوري بأن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحيي الشرق، فقصد الخوري الجامع الأموي يوم الجمعة وصعد المنبر وقال مخاطباً المصلين: ’’إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي أطلب الحماية من شعبي السوري،
وأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله‘‘، فأقْبَلَ عليه المصلون وحملوه على الأكتاف وخرجوا به في مظاهرةٍ تطوف أحياء دمشق، وخرج المسيحيون من أهل دمشق يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون ’’لا إله إلا الله‘‘.
وفي سنة 1944م، غدا فارس الخوري رئيساً للوزراء في سورية فاحتفظ لنفسه بوزارة الأوقاف الإسلامية، فكان عامّة العلماء والدعاة حينها في سعادة بالغة لهذا القرار.
وفي موقف لا ينسى على مَرِّ الزمان لفارس الخوري في الأمم المتحدة التي ساهم الخوري بوضع نظامها وبروتوكولاتها، وكان يُمَثِّلُ سورية فيها، طلبت سورية اجتماعاً للمطالبة برفع الانتداب الفرنسي عن أراضيها.
دخل الخوري بطربوشه الأحمر وبذلته البيضاء قبل بدء موعد الاجتماع متوجهاً بسرعة إلى مقعد المندوب الفرنسي وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا، ولم يستطع السفراء المتوافدون على القاعة إخفاء دهشتهم من جلوس فارس الخوري المعروف لديهم جميعاً باتزانه وزعامته بمقعد المندوب الفرنسي بينما مقعد سورية موجودٌ!
عندما دخل المندوب الفرنسي ووجد الخوري يحتل مقعد فرنسا توجه إليه طالباً منه المغادرة كون المقعد مخصصاً لفرنسا مشيراً بأصبعه إلى علم فرنسا الموجود أمامه، ومشيراً إلى مقعد سورية الفارغ، لم يتحرك فارس الخوري ولم يُبْدِ اكتراثًا، بل أخرج ساعته ووضعها أمامه وبدأ ينظر إليها والمندوب الفرنسي يحاول تمالك أعصابه وهو يطالب الخوري بِتَرْكِ مقعده، لكن فارس الخوري استمر بالنظر إلى ساعته وهو يقول بصوت مرتفع يسمعه الجميع: ’’عشر دقائق، إحدى عشرة دقيقة، اثنتا عشرة دقيقة‘‘،
وفقد المندوب الفرنسي أعصابه وبدأ بالصراخ في وَجْهِ فارس الخوري، مُطالباً بِتَرْكِ مَقْعَدِ فرنسا وسط ذهول جميع المندوبين ومراقبتهم، وفارس الخوري مستمرٌ بعدم الاكتراث والتحديق في ساعته، مردداً بصوت عالٍ: ’’تسع عشرة دقيقة، عشرون‘‘، فهاج المندوب الفرنسي وحاول التهجم على فارس الخوري، فحال بينه وبين مراده سفراء الدول ناظرين باستغراب إلى الخوري.
تماماً عند انتهاء الدقيقة الخامسة والعشرين وضع فارس الخوري ساعته في جيبه ووقف مخاطباً المندوب الفرنسي بصوتٍ يسمعه كل من في القاعة: ’’سعادة السفير: جلست على مقعدك 25 دقيقةً، فكدت تقتلني غضباً وحنقًا، وقد احتملت سورية سفالة جنودكم 25 سنةً، وقد آن لها أن تستقل‘‘، وفعلاً في هذه الجلسة نالت سورية استقلالها.
الإسلام ومعاملة الأقليات
وفي سنة 1932م ظهر الشيخ أحمد الإمام المعروف ’’بالشيخ المجهول‘‘ في مدينة حلب، ليقود المظاهرات بعد أن أقدم الفرنسيون على تعطيل (الدستور) بِحُجَّةِ حماية الأقليات المسيحية، وكان يتقدم المظاهرات الحاشدة متأبطاً ذراع صديقه المسيحي الوطني (الدكتور أدمون رباط) ويحمل بيده الإنجيل في حين كان أدمون ربّاط يرفع بيده المصحف، لتتبدد وإلى الأبد مقولة حماية الأقليات في سورية.
ونَسُوقُ في هذا المقام مقولة للرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن يقول فيها: تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
الاستعمار وتأثيره على الأقليات
ولو عُدنا إلى التاريخ قليلاً لوجدنا كيف كان الاستعمار يتاجر بموضوع الأقليات، ويستخدمها كمخلب قط، وَمُسَوِّغَاتٍ لِتَدَخُّلِهِ في البلدان التي كان يريد أن يستعمرها، لقد أخبرنا التاريخ بأن المستعمرين كانوا بالإضافة إلى استخدام أكاذيب حقوق الإنسان، ونشر الحرية والديمقراطية، وتحرير الشعوب من العبودية، والتنوير، كانوا أيضاً يبررون تدخلهم في هذا البلد أو ذاك بأنهم قادمون لحماية الأقليات من ظُلْمِ الأكثرية.
ولطالما تشدَّقت روسيا بحماية المسيحيين الأرثوذوكس، وتشدَّق غيرها من المستعمرين الغربيين كفرنسا بحماية هذه الأقلية أو تلك، والمُحزن في الأمر أن ألاعيب الاستعمار كانت تمر بسهولة في أوساط الأقليات، فبدل أن تتعايش تلك الأقليات مع الأكثريات كانت تقع فريسة سهلة في شِباك المستعمرين، وتتحول إلى شوكة في خاصرة أبناء جلدتها من الأكثريات بِحُجِّةِ أن المستعمر جاء لحمايتها، مع العلم أن المستعمرين كانوا على الدوام يستخدمون الأقليات كحصان طروادة للهيمنة على هذا البلد أو ذاك ونهب خيراته واضطهاد أكثريته.
ورغم أن الأكثريات في عالمنا العربي عانت كثيراً من تصرفات الأقليات وقبولها بأن تكون أدوات في أيدي المستعمرين لتحقيق مخططاتهم الشيطانية في بلداننا، إلا أنها عادت واستوعبتها في المجتمعات العربية، وضمنت حقوقها رغم خيانة بعضها لأوطانها وسقوطها في الحضن الاستعماري.
ومن الواضح أن الكثير من الأقليات في عالمنا العربي لم يتعلم من التجربة الاستعمارية الحقيرة، بل ظل يطمح للعب دور الخنجر المسموم في ظهر البلدان العربية بعد تحررها من الاستعمار. فما أن خرج الاستعمار من بلادنا وحل محله أذنابه من الطواغيت والجنرالات، حتى راح الكثير من الأقليات يعيد نفس الأسطوانة، وذلك بالتحالف مع الطغاة ضد الأكثريات.
لقد تمكن أذناب المستعمر من الأنظمة القومجية والعلمانية وغيرها من تمرير نفس اللعبة مع الأقليات، فراح بعض الأنظمة يُقَدِّمُ نفسه للعالم على أنه حامي الأقليات، وذلك كي يدغدغ عواطف المستعمر القديم، وقد أثبتت لعبة حماية الأقليات أنها لعبة ناجحة، وبإمكان من يلعبها أن يحقق الكثير من الأهداف من خلالها.
الربيع العربي والأقليات
لقد جاء الربيع العربي ليكشف أن الأقليات لم تتعلم أبداً من الحقبة الاستعمارية، لا بل هي متشوقة لتعيد كافة فصولها، لكن هذه المرة بالقبول أن تكون مجرد ألعوبة في أيدي الطواغيت الذين ثارت عليهم شعوبهم بعد عقود من الطغيان. فبدل أن تنضم الأقليات إلى ثورات الأكثرية من أجل الحرية والكرامة، راح الكثير منها يتحالف مع الأنظمة الساقطة والمتساقطة بطريقة تذكرنا بتحالفاتها الوضيعة مع المستعمر ضد أبناء جلدتها.
لم تَعِ الأقليات أن الزمن الأول تحول، وأن الأكثريات ستنال حقوقها من الطواغيت أذناب المستعمر عاجلاً أو آجلاً، وأنه من الأفضل للأقليات أن تتحالف مع الأكثريات لا مع من كان يدوسها ويضطهدها، لأن المستقبل للأكثريات مهما طال الزمن.
أَمَا آن الأوان لأن تدرك الأقليات في العالم العربي أن مستقبلها ليس مع هذا الطاغية أو ذاك الجنرال، بل مع الأكثريات من أبناء جلدتها؟
والمؤلم أكثر أن بعض الأقليات أكل الطعم، وصدق أن الطواغيت الذين ثارت عليهم الشعوب هم حُماة للأقليات. لا أدري لماذا لا يرى زعماء الأقليات كيف يتم التلاعب بالأقليات واستغلالها بطريقة مفضوحة رخيصة من قبل الأنظمة الساقطة والمتساقطة، ليس من أجل خير الأقليات، بل فقط من أجل إطالة عُمُرِ هذا النظام المتداعي أو ذاك لا أكثر ولا أقل. مُغَفَّلٌ من يعتقد أن الأنظمة المحاصرة بالثورات تحمي الأقليات، لا بل هي تحتمي بالأقليات، وتستخدمها كفزاعة لاجترار عواطف المستعمر القديم لعله يساعدها في البقاء في السلطة.
لقد نجح بعض الطواغيت في الإيقاع بين الأكثريات والأقليات، وذلك باقتراف الكثير من الجرائم بحق الأقليات، وتحميل المسؤولية للأكثريات. ليس هناك أدنى شك بأن معظم الجرائم التي وقعت ضد الأقليات هي من صُنْعِ مخابرات الأنظمة الساقطة والمتساقطة.
أَمَا آن الأوان لأن تدرك الأقليات في العالم العربي أن مستقبلها ليس مع هذا الطاغية أو ذاك الجنرال، بل مع الأكثريات من أبناء جلدتها؟ متى تدرك أنهم يستخدمونها للظهور بمظهرٍ حَسن أمام العالم الخارجي فقط لا غير، بينما هم يُنظرون إليها في أعماق أعماقهم كأدوات قذرة وخناجر مسمومة لمواجهة الأكثريات بها؟
المراجع
الجزيرة – 16/12/2017م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_حماية_الأقليات_دعوى_قديمة_جديدة_لم_تَعُدْ_تنطلي_على_السوريين

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_حماية_الأقليات_دعوى_قديمة_جديدة_لم_تَعُدْ_تنطلي_على_السوريين