الأربعاء, مايو 15, 2024
spot_img
الرئيسيةتقدير موقفالإرهاب والإرهابيون

الإرهاب والإرهابيون

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_الإرهاب_والإرهابيون

 

)      الإرهاب والإرهابيون) مانشيت إعلامي واسع الطيف. هو من ابتكار الآلة الإعلامية الحديثة، التي تقف خلفها سياسات الدول الحليفة، و يجري في سياقها – داخلا وخارجا – (الأعداء والأصدقاء) ومن أمم شتى، وَبِعَمَى نوعي، وبصرف النظر عن الحقيقة، التي يجب أن يعرفها أصحاب المواقف الشريفة في مواجهتهم مع (الإرهاب والإرهابيين) بعامة.

         ومع أن (الإرهاب والإهابيين) من المصطلحات التي قد تثير جدلا للوهلة الأولى، سيما من حيث المعاني المجردة، التي تنطوي عليها، والتي تثير المخاوف لدى الآخرين، وتجعلهم يتطيرون منها. بَيْدَ أنها في جانبها الآخر تنطوي على معان أكثر عمقا. إذ يجب الفصل بين المقاومين البسلاء الذين يقاومون الطغاة، ويبذلون دماءهم رخيصة من أجل قضاياهم المصيرية، وبين آخرين من أصحاب الضمائر الرخيصة الذين يعملون على سلب الإنسان أخص خصوصياته.

        وقد كان الذي حدث بعد – و هو أمر دُبِّرَ ليلا – أن تُجَرّمَ الضحية وأن يغدو(الإرهابيون) الحقيقيون، الذين يدمرون ويقتلون هم أصحاب الكلمة، في المواجهات التي تحدث اليوم على الساحة السورية، فيكون تدمير مدن بكاملها – كالذي حدث في حلب – وتهجير سكانها منها، وإبادتهم على أيدي مرتزقة، الميليشيات والغزاة الأجانب مبررا، وعلى أساس منه يكون (الإرهاب) الذي يستفحل أمره اليوم، ويطال خطره المسلمين بعامة؛ المصطلح الذي ابتكر قصد إثارة حرب طويلة المدى في العالم الإسلامي، وعدته من أجل ذلك:

  • سياسة حليفة: مَكّنَها نفوذها في المحافل الدولية، من أن تكون صاحبة القرار على المستوى الدولي بعامة.
  • إعلام واسع الطيف: يستطيع الجمع بين الأسود والأبيض في خانة واحدة!!
  • قوات مسلحة: تستطيع الضرب في الزمان والمكان الذي تريد لايردعها عن ذلك رادع.
  • مصالح دولية: تداعت إلى عالمنا الإسلامي، وهي ظمأى، ولانعتقد أنه قد يروي ظمأها دجلة والفرات والنيل معهما.
  1. طموحات محلية: استيقظت بعد فترة من الزمن وهي أكثر إلبا على الوطن والمواطن، بسبب من نشازها الأخلاقي ومن مركب النقص الذي قد يشغلها عما يجب فعله، ومن تبعيتها للأجنبي وإرتمائها في أحضان سياساته المضللة.
  2. قادة محنكون: اتفقوا على ألا يختلفوا في مواجهة العالم الإسلامي.

   ويقابل ذلك، ومن موقع ضعف مجرد من الطاقات والقدرات والإمكانيات الرادعة:

  • شرذمة واسعة الطيف في العالم الإسلامي كله: هلهلت نسيجه وجعلته مخزّقا؛ يسهل على العدو ابتلاعه وهضمه.
  • حكام غير أكفاء ولاشرعيين: وصلوا إلى المسؤولية الأمامية في الدول التي يرأسونها بدون أية مؤهلات، وقد شغلتهم كراسيهم عن واجباتهم تجاه شعوبهم. وعما يقتضيه واجب المسؤولية من مواقف.
  • عملاء أتباع: ارتبطوا بالأجنبي، وكانوا خدما لسياساته، وعيونا له؛ فهم يجيبون دعوة الداعي إذا ما دعاهم، لايبالون أخطأوا أم أصابوا؛ ماداموا من المقربين الواصلين، حتى ولو كان وصولهم على الجثث والأشلاء.
  • قوى محلية:- سمها ماشئت – أحزابا أو هيئات أو جماعات، أو مكوّنات، كل منها يعمل على شاكلته. وقد فتكوا في عضد الأُمّة، وكانوا إلبا عليها، بالرغم من كثرة الأيديولوجيات التي تَبنّوها، ومن خرائط الطريق التي رسموها، ومن الرؤى التي أشاعوها في نظرياتهم المؤدلجة، وهي أكثر من أن تحصى.
  • زعامات وطنية: عدمت البصر والبصيرة، فهي لم تستطع التخلص من عقد النقص التي تعتريها، ولا أن ترتقي إلى المستوى الأعلى الذي يمليه عليها واجبها. فهي تنوس في دائرة ضيقة من مصالحها الشخصية، ومن أنواتها التي أصبحت سبّة عليها.
  • كم هائل من الشخصيات الوصولية والانتهازية التي لديها القدرة على التسلق، وتعرف من أين تؤكل الكتف. وقد كانت مادة غنية للأجنبي الذي عرف كيف يتواصل معها، ويستخدمها في الحرب المعلنة على (الإرهاب والإرهابيين(.

   وقد نتج عن ذلك حالة من الاستضعاف لدى المسلمين بعامة أطمعت بهم عدوّهم، وجعلته يعدّ العدة للقضاء عليهم، وقد كان(الإرهاب) هو المصطلح الذي راجت بضاعته لدى ذلك العدو، وكان (الإرهابيون) الكنز الذي وجد فيه العدو ضالته المنشودة.

         وإذا كنا نعرف (الإرهاب) بأنه يتمثل يتخويف الناس، وترويعهم، والعدوان عليهم، وباستباحة بلادهم، وبقتلهم وتهجيرهم، وإخراجهم من بيوتهم وحرمانهم من حقوقهم وسلبهم أخص خصائصهم، ومن ذلك: الحرية والكرامة فإننا نعرّف (الإرهابيين) بأنهم المُنَفِّذُون الحقيقيون للإرهاب، والمجرمون الكبار الذين يضطلعون بسياساته الخفية والمعلنة، ولايبالون كان ما كان من أمر تلك الجرائم، حتى ولو كان فيها إبادة للبشر.

         وإذا كنا نقول: (الإرهاب) يتخطى الحدود وهو يوجد في المجتمعات كافة الشرقية والغربية، على حد سواء، فإننا نقول أيضا إن (الإرهابيين) يتخطون الحدود وهم يوجدون في المجتمعات البشرية كافة؛ شرقية وغربية. وعلى حد سواء كذلك.

        وعلى أساس من ذلك، فإن الناس يمتاز بعضهم من بعض بالرقي الحضاري. فبقدر ما يختزنون في ذواتهم من قيم حضارية، تمنع صاحبها من تجاوز حدوده، ومن السقوط في حمأة (الدونية) التي تعد بمثابة الحضن الدافئ (للإرهاب)، بقدر مايكونون أكثر رقيا وتقدما. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن (الإرهاب) يعد بمثابة القيم التي قد توجد في أكثر من أُمّة، وقد يكون لها انبعاثها الذاتي، الذي قد تسببه الظروف، وقد يكون بسبب من موروثها الطبيعي الذي قذفته إليها مخلفات العصور ولذلك قالوا عن (الإرهاب) بأنه لا هوية له ولادين. وقالوا عن (الإرهابيين) بأنهم لاهوية لهم ولا دين، وأنهم يتشابهون في الصفات الخلقية والممارسات، وشاهد ذلك من التاريخ:

         فنحن نجد أن الإرهابيين في مجزرة دير ياسين التي وقعت  في التاسع من أبريل/ نيسان، سنة 1998، وراح ضحيتها أكثر من 250 شهيدا وفي مجزرة رسم النفل التي وقعت في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران من سنة 2013م، وراح ضحيتها أكثر من مئتي شهيد ينعقد بينهما أكثر من وجه للشبه فنحن نجد أن المجزرتين هدفتا إلى تفكيك الحواضن الشعبية. ففي دير ياسين وقد كانت تقع على الطريق الواصل بين القدس وتل أبيب وفي منطقة خناصرة الأحص، حيث كانت رسم النفل تقع على الطريق الواصل بين حلب ودمشق، فإن المجزرتين لإرهاب الناس وترويعهم، ونشر الذعر في أوساطهم مقدمة لتفكيك حواضنهم، ولجعلهم ينشغلون بأنفسهم ويحجبون مددهم عن المقاتلين، الذين كانوا يواجهون  الصهاينة في فلسطين، وطغيان النظام على الأرض السورية.

       ونحن نجد أن المجزرتين هدفتا إلى تهجير السكان، وطردهم من دير ياسين ومن رسم النفل ومن القرى المحيطة بهما. وذلك قصد إسكان المستوطنين الصهاينة في الأولى والميليشيات الشيعية في الثانية. والتهجير الذي طرأ على سكان القصير ومضايا والزابداني وداريا والوعر مؤخرا يقيم الدليل على ذلك. فالذي حدث لشعب فلسطين قبل سبعين عاما يحدث لشعب سورية منذ أكثر من ست سنوات ولايزال.

        ونحن نجد أن المجزرتين أوغلتا في قتل السكان، ومنهم  النساء العجائز والحوامل، والشيوخ والأطفال، وعملتا على إبادتهم إبادة ليس أشنع منها، وقد استوى في ذلك الصهاينة ومرتزقة الميليشيات، الذين لاهم لهم إلا القتل والسلب والنهب. وإثارة الذعر والإرهاب بين الناس و حرقهم أحياء، وتصفيتهم جسديا وبطرق مؤلمة جدا.

         ونحن نجد أن المجزرتين عملتا على دك  البنى التحتية وعلى تخريب المدن والقرى، بيتا بيتا وحارة حارة.  فكما دكت مدفعية الأرغون وشتيرن والهاجاناه قرية دير ياسين، فكذلك دكت مدفعية النظام قرية رسم النفل والقرى المجاورة لها كـ قرية المزرعة وقرية الجنيد وغيرها، ولم يسلم منها حتى الشجر والحجر فضلا عن الأموات الذين هم في القبور.

         والغريب العجيب في هذه المسألة أن يرتقي (الإرهابيون) ويعلو شأنهم، فينال مناحيم بيغن قائد الأرغون في دير ياسين جائزة نوبل للسلام، بينما يشمخ بوتينبعد دمار حلب وتبيض صورته ويتحول إلى حمامة سلامة في الآستانة ويزهو بشار الأسد الذي كانت الميليشيات تأتمر بأمره، ويرى وهو يسرح ويمرح وكأن شيئا لم يحدث بعد. فيما نرى تهمة (الإرهاب والإرهابيين) تلاحق الضحية حية وميتة، وتوغل في إيذائها، وكيل التهم لها، قصد تصيدها، ووضعها في قفص الاتهام، بدلا من إنصافها والأخذ بيدها. فأنت تجد اليوم الداخل السوري بكامله يوصم بالإرهاب، بسبب من مواجهة جبروت النظام الممعن في قتل شعبه، وبسبب من مواجهته الأجنبي الذي يصطف مع النظام ضد شعبه وبسبب من كونه ينتمي إلى أمته العربية والإسلامية.

          وكنتجية لكل ما ذُكِرَ، نكون أمام حقيقتين:

الحقيقةالأولى – حقيقة الشعب المظلوم الذي يوصف بالإرهاب: والذي عدم النصير وقد خذله أصدقاؤه، وأسلموه إلى قاتله ليقتله على الطريقة التي يريد، حتى ولو كان ذلك بالبراميل المتفجرة، أو بالقنابل الفراغية أو المظلية، أو حتى بأم القنابل الأمريكية الصنع التي جُرِبَتْ مؤخرا في أفغانستان.

الحقيقة الثانية – الحقيقة المعكوسة التي تجعل الظالم مظلوما: فيصبح الإرهابي الكبير الذي يعد العدة لقتل السوريين، وقد بلغت ضحاياه إلى اليوم أكثر من مليون هو المظلوم والمعتدى عليه، مما يوجب نصرته. فيما يصبح المظلومون الحقيقيون إرهابيين، وأكثرهم إرهابا المقاومون البسلاء الذين يتصدون للإرهاب ويعملون على مواجهته بالمتاح من الوسائل.

        وفي الختام:

        فإن الذي نراه، أن نعود جميعا، إلى جادة العقل والصواب فنميز الحقائق بعضها من بعض، ونقف المواقف التي تمليها علينا ضمائرنا الحية وواجباتنا الشريفة، فنعرف الإرهابي من سواه بعيدا عن الأفكار المضللة التي تستهدف بيضتنا أولا وآخرا. ولا يكون ذلك! إلا من خلال أمور ثلاثة:

الأمر الأول – الموقف المشرّف: الذي تمليه علينا ضمائرنا الشريفة، وواجباتنا؛ الدينية والقومية والوطنية وبعيدا عن الارتهانات المسبقة، التي ثبت عدم نزاهاتها أوالآراء المضللة، التي قيدت خطانا، وجعلتنا نعجز عن الحركة في الموقف الجلل، الذي يتطلب المواقف الشريفة، فكان عقباها الشرذمة التي نسقط في حمأتها اليوم، والخلاص منها يعد بمثابة اللبنة الأولى في الموقف المُشَرِّف.

الأمر الثاني – الرأي المستوعب :الذي يكون مستوعبا لقضيته، فاهما أبعادها، وما فيه من محنة، وعارفا بما يتربص بها من أعداء، وبما ينتظرها من مصير. وهو يصدر عن فكر حر وحصانة، وبعيدا عن الارتجال الساذج والجدل المعطل، والذي لايخدم القضية السورية. وشأنه في ذلك شأن المجتهد، أصاب أو أخطأ ذلك منتهى علمه، وعليه يؤجر إن شاء الله.

الأمر الثالث – العمل المشترك: الذي توجبه علينا اليوم القضية السورية، وتبعاتها الملقاة على عواتقنا، والتي بات صريخها يستنهض أمة بكاملها ولايستثنى الأمر الذي اقتضى أن نعمل مجتمعين، وبالموقف المشترك، وبالعمل من أجل خلاص مرتقب؛ لا يشغلنا عن ذلك شاغل، وقد وقر في نفوسنا إحدى الحسنيين؛ النصر أو الشهادة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات