الأربعاء, مايو 1, 2024
spot_img

من المسؤول

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_من_المسؤول

            من المسؤول، عن تدمير حلب على رؤوس سكانها، وعن قتل السكان وتهجيرهم وإخراجهم من مدينتهم على هذه الصورة، التي لم يعرف مثلها في التاريخ، وعند أكثر الأمم توحشا وشذوذا عنصريا، وتعديا لا أخلاقيا قَلَّ نظيره؟؟؟

            من المسؤول، عن تخريب المدن والقرى السورية وعن تدمير معالمها الحضارية، وتغيير بناها الديموغرافية لصالح مرتزقة الميليشيات التي استقدمت من دول شتى لغرض دعم النظام الطائفي ومنعه من أن ينهار؟؟؟

            من المسؤول عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ والإجهاز على الجرحى داخل المشافي، وقتل العاملين فيها، بل وتدميرها على رؤوس المرضى والمصابين؟؟؟

            من المسؤول عن المواقف العدائية التي تعمل على خذلان الثورة السورية، وإضعافها وحرفها عن مسارها، وحرمانها من السلاح والعتاد الذي يمكنها من مواجهة أعدائها والعمل على شرذمتها، ولصق التهم المشينة بها؟؟؟

           من المسؤول عن خذلان ثورات الربيع العربي – والثورة السورية واحدة منها – وإجهاضها، ومنعها من أن تحقق أهدافها التي خرجت من أجلها، وجعلها تقع فريسة القوى المضادة التي تعمل ضد حركة التاريخ وبظلامية وسوداوية قَلَّ نظيرها. سواء أكان ذلك في تونس التي حرفوها أو في ليبيا التي وأدوها أو في مصر التي سلبوها أو في اليمن التي طمسوها أو في سورية التي أصبحت كارثة على شعبها وقد دُمِّرَت تدميرا شبه كامل على أيدي التحالف الدولي والمؤتمرين بأمره. وتحت غطاء ما يسمى بمكافحة الإرهاب، ونموذج ذلك حلب الشهيدة وقد جعلوها حمى مستباحا لأكثر الناس إرهابا ودموية في العالم؟؟؟

وكجملة معترضة:

إن البشر أكثر مايكونون تلاوما في أعقاب الفشل، وفي النهايات غير الموفقة للأعمال التي يقومون بها، ثم لم تحسن عاقبتها – وهذا الاعتراض يقودنا إلى تقرير الحقائق الموضوعية التي يجب أن تكون  في دائرة تصور الذين يطمحون إلى التغيير. وهذه الحقائق تتمثل بثلاث:

       أولها – بتحديد الأهداف؛ (ماهيتها) و(أبعادها) وكيفية الوصول إليها.

       ثانيها – بتحديد الخطط – الآنيّة والمرحلية – التي تكون بمستوى الأهداف، والتي تعمل من أجل تحقيقها.

       ثالثها – بتهيئة مستلزمات العمل الثوري وذلك كجزء من إعداد مسبق. فالعمل العظيم يحتاج إلى إعداد عظيم. وفي ذلك يكمن (سر النصر). وخلاف ذلك لا بشرى بالعواقب الوخيمة التي تنتظر دعاة التغيير كائنا من كانوا.

          وبداية لابد من الإشارة إلى أن الثورة السورية التي قد تكون ضحاياها زادت على المليون وقد عَجَّلَ في أمر قيامها قضيتان:

  القضية الأولى – قضية ثورات الربيع العربي: التي سبقت في تونس، وليبيا ومصر واليمن، وقد كانت بمثابة المُحَرّض لشعب سورية ليثور على حاكمه، وليقتلعه من جذوره، وما حاكمه بالأقل سوءا من حكام تلك الدول وهذه الثورات وجدت صداها عند أطفال درعا في (ارحل) التي خَطُّوهَا بأناملهم على الجدران فكان جزاؤهم أن تُقْلَع أظافرهم، وأن يُقَتّلوا ويُغَيّبُوا. الأمر الذي حدا بدرعا أن تنتفض ثأرا لأبنائها وللمدن السورية الأخرى أن تتجاوب معها من خلال (نحن معاك يادرعا) فكانت الملاحم الدامية التي ملحمة حلب بعض منها، وليست كلها.

   القضية الثانية – قضية فساد النظام: وهي سياسية واجتماعية واقتصادية. وهي أشبه ماتكون بأفعوان كبير يُطَوِّق عنق الشعب العربي السوري ويشد يديه ورجليه. الأمر الذي جعلهم أسرى ذلك الفساد الذي شمل السوريين طوال نصف قرن من الزمان وهو الذي دفعهم إلى تلبية صريخ الثورة فور اندلاع أول بارقة أمل وإلى التعاطي معها، بقوة وشجاعة الأمر الذي جعل جيشا من أكبر جيوش المنطقة، ومن أكثرها عُدَدا وعَدَداً يتهاوى تحت ضربات المقاتلين الذين كانوا لأول أمرهم ثوارا صادقين ولم يلتاثوا بأي من السلوكيات الخاطئة، التي قذفتها إليهم النوايا غير الطيبة لآخرين لم يكونوا صادقين معهم بالرغم من وشائح القربى التي تجمعهم معا.!

    وقد كان الذي حدث أولا:

           أن اندلعت الثورة السورية في سورية كلها، الأمر الذي جعل النظام بكامله يتهاوى تحت ضربات الثوار كما جعل الجيش الذي رعي رعاية طائفية خاصة ولمدة نصف قرن ينهار بسرعة الأمر الذي آذن للعدو والصديق بالتغيير الوشيك الذي سيحدث في الجمهورية العربية السورية.

 وقد كان الأمر الذي حدث ثانيا:

         أن أصبحت سورية كلها المربع رقم واحد للمؤامرة الشرق أوسطية التي كان ولا يزال يخطط لها، ومنذ قرن من الزمان بعقول صهيونية وصليبية، والتي هي من حيث الواقع جزء من حرب صليبية طويلة المدى تشن على العالم الإسلامي كله عربية وأعجمية وإحدى حلقاتها كانت في أفغانستان والثانية في العراق، والثالثة في سورية والرابعة في اليمن ولايزال من حلقات التآمر في مكنون الغيب الكثير والكثير جدا.

 وقد كان الذي حدث ثالثا:

          أن أصبحت حلب المدينة التاريخية، التي تعد عاصمة سورية الاقتصادية، والتي قد تزيد وماحولها على ستة ملايين نسمة غالبيتهم العظمى من العرب السُنّة – مستهدفة من قوى متعددة الجنسيات، ضاف إليها البقية المتبقية من جيش النظام، ومن الميليشيات الشيعية التي استقدمت إلى سورية لأغراض طائفية وهي لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية. والغريب أن هذه الميليشيات تأتي من دول ذات أغلبية سُنّيَة. وهي أشد شراسة في مواجهة أهل السُنّة وأكثر ضراوة وفتكا بهم.

   وتكون النتيجة:

            أن تحترق حلب وأن تُدَمَّر تدميرا كبيرا وأن يخرج سكانها منها صاغرين، وأن تدخلها الميليشيات الطائفية دخول المنتصرين فتفتك بمن تبقى من أهلها فتكا لم يفعله من قبل جينكيزخان أوهولاكو أو حتى شارون وللشماتة وتحديا من قوى الرفض وقبل أن تنسحب البقية المتبقية من سكان حلب الشرقية يهرع قاسمي سليماني إلى حلب ويتجول في أحيائها الطاهرة غير عابئ بالمشاعر العربية أو الإسلامية أو حتى العالمية وهو يدوس على الدماء والجثث وكأن شيئا لم يحدث قط.!!!

           ويعود السؤال الأول (من المسؤول) إلى المربع الأول ونقف جميعا خشوعا أمام هذا السؤال خشية أن نكون من بعض المسؤولين عن ذلك، فيكون في ذمتنا ماحدث في سورية كلها بعامة، وماحدث في حلب بخاصة وما قد يحدث في العالم الإسلامي كله. والحال هذه تكون المسؤولية جماعية. وللتوضيح فإن من أحكام الجهاد أنه إذا غزيت بلاد المسلمين كلها أو بعضها وجب على المسلمين جميعا النفير العام. يقول الدكتور محمد ياسر المسدي في (دليل المجاهد):

 ’’إذا هجم العدو على بلد من بلاد المسلمين، وجب على كل قادر من أهل البلد الجهاد والنفرة في سبيل الله، وإذا كان حجم العدو أكبر من طاقة أهل البلد المعتدى عليه، فرض على جيرانه الأقرب فالأقرب، أن يشاركوا بكل مايقدرون عليه، ثم على سائر بلاد المسلمين، أن يمدوهم بكل مايحتاجون إليه من الرجال والمال والسلاح، حتى يطردوا العدو وتعلو كلمة الحق. لقوله تعالى: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر‘‘ الأنفال:72. وفي هذه الحال قال الفقهاء: إن المرأة تخرج للجهاد ولو بغير إذن من زوجها، ويخرج الابن ولو بغير إذن أبيه، دليل المجاهد27/28.

ونعود للقول:

           والحال هذه يكون المسؤول أولاً وآخراً عن النوازل التي حَلّتْ بالثورة السورية خلال السنوات الست التي لم يتبقَ منها غير بضعة أشهر كل قادر على حمل السلاح حمله أو لم يحمله وكل قادر على الكلمة الطيبة قالها أو لم يقلها وعلى كل قادر على الموقف المسؤول، أو على الدعم بأشكاله المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فعل ذلك أو لم يفعل وأشدنا مسؤولية أولئك الذيم حملوا المسؤولية ولم يحملوها، ولم يؤدّوها حقها. سيان منهم من تغيب عنها، أو من قَصّرَ في أدائها، أو من خدعها أو سرقها أو تآمر عليها بشكل أو بآخر. نقول ذلك وأمامنا تُشَخّصُ مصائب أهلنا في القصير وحمص والزبداني، ومضايا، والمعضمية وفي حلب مؤخراً. وكلها يوجب النفير العام لا نقول على السوريين فحسب، ولكن على المسلمين كافة. وما أدرانا ولعل بعضهم سيكون واقعة أكثر إيلاما من كل ماحدث في سورية أو العراق أو أفغانستان، وعندها لاتُجْدِيه الحسرة أن يقول ياويلتا على مافَرّطت من أمري. فهو المسؤول عن كل ماحدث، لأنه صاحب القرار في بلده، ولأنه أخذ بالرأي الذي دلّاه إلى سوء العاقبة كما أنه لن يجديه كثيرا أن يقول أكلت يوم أكل الثور الأبيض.!!!

         فالمسؤولية إذا فردية تخص الإنسان المسلم أيا كان، وفي أي مكان وجد، وجماعية تخص الأحزاب والمنظمات والهيئات بعامة، كائنة ماكانت صفتها، ورسمية تخص الدول ذات السيادة في جميع بلاد المسلمين مهما قربت أو بعدت بلدانهم ومهما صغرت أو كبرت طاقاتهم.

        فالمؤامرة اليوم أوسع دائرة من البلد الواحد أو الشعب الواحد سيما أنها تجمع بين الصهيونية والصليبية من جانب، وبين الرفض الشيعي والتمرد المحلي من جانب آخر ومع أن بعضهم قد يقطب حاجبيه استغرابا أو استنكارا لما نقول، بل قد يستهجنه ويعده من الكلام المبتذل الذي قذفت به التطورات الخاطئة فنحن نريد أن نضع بين يديه الحقائق التاريخية التالية:

       الحقيقة الأولى – حقيقة الصراع التاريخي بين النصرانية والإسلام: والذي بلغ ذروته في الحروب الصليبية التي دامت من 492هـ وهو تاريخ سقوط بيت المقدس بأيدي الصليبيين، ولغاية 692هـ وهو تاريخ إخراج الصليبيين من بلاد الشام على يد الأشرف خليل سلطان المماليك في ذلك الوقت. ومن ثم استمرت جذوة الصراع ولم تهدأ ولم تطفأ. فكان من بعض حلقاتها سقوط الأندلس على يد فريدريك وإيزابيلا سنة 897هـ، ثم جاء العصر الحديث فكانت أكثر ضراوة. يقول مصطفى كامل الزعيم المصري المشهور تـ 1906م: إن بقاء الدولة العَلِيّة العثمانية ضروري من أجل التوازن الدولي، فهي دولة إسلامية واحدة تواجه ثماني وعشرين دولة نصرانية، ولو قيض أمر هذه الدولة – لاسمح الله – فستشهد المنطقة حروبا ليست الحروب الصليبية بالقياس إليها إلا ’’حروبا صبيانية ‘‘ الأدب العربي المعاصر، محمد محمد حسين. وهذا هو الذي حدث. فما شهدته بغداد، وماشهدته حلب هو أكبر بكثير من أية معركة سابقة خاضتها الأمة ضد أعدائها التاريخيين.

    الحقيقة الثانية – حقيقة الأهداف والمخططات، اليهودية المنشأ والصهيونية الصفة: التي تحرك الأحداث في المنطقة على طريقة لاعب الشطرنج الذي لايقدم أو يؤخر على رقعة الشطرنج إلا على وفق مايهوى.

    ففي التاريخ أن هرتزل طرح في مؤتمر بازل في سويسرا مشروع مايسمى اليوم بالشرق الأوسط الجديد والذي يقضي أن تخضع منطقة الشرق الأوسط لتقسيمات على أساس عرقي ومذهبي على أن تكون السيادة فيها للدولة اليهودية.

         ولما كان أصل الفكرة الصهيوينة يدخل في خانة الصراع المسيحي الإسلامي ويصطف إلى جانب النصارى ضد المسلمين الذين يعدون من الأعداء وهو اصطفاف تحالف، فقد هش لهذه الفكرة زعماء العالم المسيحي بعامة واعتبروها بمثابة الفتح المبين بالنسبة لهم. وعلى أساس من ذلك جاءت آراء كامبل، ووعود بلفور، وإجرارءات غورو وتصريحات بريجنسكي، وأخيرا مواقف الساسة الأمريكيين من قضايا العالم الإسلامي بعامة. وقد استطاعت أن تحصرها جميعها في خانة الإرهاب، وأن تشن ضدها حربا ليس أشرس منها وأن تتعامل معها بسياسة الوجهين والمكيالين، وأن تتصرف مع المسلمين بالمخادعة والمخاتلة، وبالبجاحة وبالصفاقة، وبصرف النظر عن العلاقات التاريخية، وعن سياسة المصالح والأحلاف التي كانت تزعم سابقا أنها تحرص عليها. ومن هذا المنطق رأينا  كلا من اليهود والنصارى يلتقون على صعيد واحد، ويتبنون مشروعا مشتركا هدفه الأول والأخير تدمير الحضارة الإسلامية، والقضاء على الإسلام والمسلمين، أفرادا ودولا وجماعات، وهذا المشروع هو المطروح على الطاولة اليوم للتنفيذ وهو الذي تديره اليوم غرف العمليات المغلقة، التي تَحَدَّثَ ذات يوم عنها المنصف المرزوقي رئيس جمهورية تونس مابعد الثورة. والتي تعد بمثابة الحقائق التي لاتقبل الجدل.!!!

الحقيقة الثالثة – حقيقة المخاطر الباطنية التي تختبىء خلفها السياسة الإيرانية: التي تهدف أولا إلى القضاء على أهل السُنّة من المسلمين، وذلك بمعاداتهم، جماعات وأحزاب وهيئات ودول، وبإفشاء التشيع بينهم، وبالتآمر عليهم ماوسعهم إلى ذلك السبيل. وكون الشيعة هم الذين يعلنون الحرب على أهل السُنّة من خلال  شعار’’كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء‘‘ ومن خلال ’’واحسيناه‘‘ التي تعني الثأر من قتلة الحسين أو من يسمونه بـ (يزيد العصر)، وهم السُنّة بعامة فقد أجمعوا أمرهم في المشروع الصفوي الإيراني الذي وجد فيه أصحاب المشروع الصليبي الصهيوني ضالتهم فهو لايبعد كثيرا عن مشروعهم، سيما أن غايته الكبرى تتمثل في قتل العرب، وفي العدوان على المسلمين.

          ومما يجدر الإشارة إليه أن اللقاء بين الحركات الباطنية والنصرانية قديم، وأن العالم النصراني ما فتىء يعقد الصلات ويبرم المعاهدات بينه وبين إيران منذ العصر الوسيط وإلى اليوم وهذه الحقيقة هي التي يجب ألا تغيب عن أذهان السياسيين المسلمين.

          ولذلك: فنحن الآن أمام مشروعين يعدان غاية في الخطورة، وهذان المشروعان هما: المشروع الصهيوني الصليبي، والمشروع الإيراني الصفوي. وكلا المشروعين يخوضان اليوم المعارك الضارية في سورية والعراق واليمن وفي جميع مناطق العالم الإسلامي التي تنشأ فيها الصراعات أو تنشب النزاعات بداخلها أو يداخلها الخلل في سياساتها.

الحقيقة الرابعة – حقيقة العالم الإسلامي: وماهو عليه من ضعف سواء أكان ذلك في علاقاته مع بعضه، أو في بناه التحتية، وتقدمه وعمرانه وماهو عليه من فساد. وقد اتسم بسمات ثلاثة:

       السمة الأولى – بعدم الاستقلالية: وقد كادت دوله تكون بحكم التابع، للدول الكبرى، صاحبة المشروع الصهيوني الصليبي، وبذلك تخدم من حيث تدري ولا تدري عدوها.

        وبذلك يكون الموقف من حرب العراق بمثابة الجريمة التي لاتغتفر، وقد فقد العرب بفقد العراق الداعم والحليف في مواجهة إيران وهذه حقيقة واقعة لاتقبل الجدل.

         السمة الثانية – بعدم وجود المرجعية الدينية: فالرجال في العالم الإسلامي بعامة أكثر ما يُشَبّهُون بالخطوط المتوازية، والخطوط المتوازية إذا شُبِهَت بها قامات الرجال، كان أكثر ما يعيبها عدم الالتقاء فيما بينها، وهذه هي المصيبة. فالعالم الإسلامي لاينقصه العلماء، ولا الرجال الذين يمكن أن يدخلوا في دائرة القدوة، ولكن ينقصهم القيمة الاعتبارية للعالم، أن يقول فيسمع قوله، وأن يرى فيؤخذ برأيه ورحم الله الأوائل عندما قالوا ’’وعلى الملوك تحكم العلماء‘‘ وبالمناسبة يروى أن الظاهر بيبرس خرج من مصر وهو سلطان المسلمين في عصره بعد سقوط بغداد يريد حرب التتار الذين احتشدوا له شمالي حلب وأراد أن يفرض ضريبة على عامة الناس. وقد وَقّعَ له بعض العلماء ما أراد. فَدُعِيَ إلى التوقيع الشيخ النووي رحمه الله. وعندما سُأِلَ ما الأمر. قال الظاهر نريد أن تُوَقِّعَ لنا من أجل ضريبة نفرضها على الناس من أجل حرب التتار. فقال الشيخ النووي رحمه الله: أنا أعرف أنك مملوك كنت تباع في الأسواق واليوم تملك اثني عشر ألف مملوك، كل مملوك يلبس عباءة حياصتها من ذهب فإن بعتهم وأنفقت أثمانهم واحتجت بعدها أمضيت لك ماتريد. قال الظاهر: مادمت لا تُوَقِّع فعلام تقيم في مدينة المسلمين؟ قال: اخرج. ثم ركب حماره وانطلق باتجاه نوى. قال العلماء: كيف تقول له ذلك وهو سلطاننا. قال الظاهر: فليعد. وهنا موطن الشاهد، فقد أَذَلَّ حكام المسلمين علماء المسلمين وجعلوا الواحد منهم سبهللة في مواجهتهم فخسروا بذلك المرجعية التي كان بإمكانها أن تجمع شعوبهم ولذلك تغلبت عليهم الرافضة بمرجعياتها، وهانت السُنّة بسبب إهانة علمائها وعدم تقديرهم.

         السمة الثالثة – بالتخلف الحضاري: الذي عليه النخب المثقفة وجمهرة أصحاب الرأي من الهيئات والجماعات والأحزاب بعامة، وقد دبت إليها أمراض من سبقها من الأمم البائدة وقد دخلها غبش الرؤوية، فلم تعد تميز بين الأسود والأبيض. وكان أسوأ ماتوصف به أمور أربعة:

           الأمر الأول – الشح: والشح نقيض الكرم. سيما في مواقف التضحية فينجم عن ذلك حال من العجز والكسل يجعل الإنسان بعامة قاصرا عن تلبية الواجب، ولذلك فهو كثير الخوف والتردد وذلك هو أول مظاهر التخلف.

          الأمر الثاني – اتباع الهوى: وقد عدمت الرؤية الصحيحة. وبالتالي عدمت التقدير السليم. فأصبح المدخل إليها سهلا. والتلاعب بعواطفها ممكنا. فنجم عن ذلك. هشاشة في الموقف قاد إلى الحيدان عن الطريق السوي. وذلك ثاني مظاهر التخلف.

          الأمر الثالث – التعلق بالدنيا وإيثارها على ما سواها: والانشغال بها عن الواجب المنوط بصاحبه بحيث تقعد به دنياه عن طلب آخرته فيفقد الحركة ويخلد إلى سكون ويستسلم عن صغار وذلة وذلك هو ثالث مظاهر التخلف.

          الأمر الرابع – الإعجاب بالرأي والانكفاء على الذات: حيث يصبح الإنسان بشخصه أشبه بالنتوء الذي يشل الآلة أو يعطلها وهو عادة يكون أكثر خطرا، سيما إذا برزت الشخصانية من بين نواجزه، وإذا تصور أنه أوجد زمانه أو أنه القدوة أو القائد أو الرمز أو المعلم إلى غير ذلك من الألقاب والكنى التي يستعلي بها جهابذة الطغاة وذلك هو رابع مظاهر التخلف.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه ’’إذا رأيت شحا متّبعا وهوى مطاعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا يُدان لك فيه فعليك خويصة نفسك، ودع أمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر فيهنّ مثل القبض على الجمر. وفي رواية أخرى أغلق عليك بابك وابكِ على خطيئتك”

           والشخصانية هي التي مهدت الطريق للاختلاف وللتشرذم، وللانقسام والتعدد، وهي التي جعلت فصائل الثورة السورية تزيد على ألف فصيل، وجعلت أمراء تلك الفصائل وقادتها أحرص مايكونون على الانقسام والتشرذم وقد قادهم الإعجاب بالرأي إلى طريق مسدود كما قادهم الشح إلى نوع من الأثرة لا يفيد ولا يخدم، أما أتباع الهوى فقد أوقعهم هواهم في شتات وفوضى، الأمر الذي سهل على عدوهم هزيمتهم. ولذلك فنحن نعد المسؤولية داخلية قبل أن تكون خارجية، وأن من أبجديات المعركة القادمة مراجعة ماسبق من معارك. وفي الحديث ’’المؤمن لايلدغ من جحر مرتين‘‘، وأخشى مانخشاه أن نلدغ أكثر من مرة قبل أن نقف موقف المحترزمن أعدائه، فنتلافى النقص، ونسد الثغرة، ونستعد للجولة القادمة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات