مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_التعامل_الأمريكي_مع_الأزمة_السورية_الرؤية_والتحليل
منذ ثوران بركان ما يسمى بـ (الربيع العربي) – وقد كانت سورية إحدى ضحايا ذلك الربيع – والإدارة الأمريكية تُطَبّق أحدث النظريات العلمية في تعاملها مع تلك الأزمة، وفي توجيهها الوجهة التي تريدها. وقد كانت تضع نظرياتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط موضع التطبيق معتمدة على عدد من الإجراءات التي تبناها البنتاغون، وتعمل على تنفيذها بدقة وعلى وفق الخطط المُعَدَّة مسبقا، وبصرف النظر عن المعلن وغير المعلن!!!
وبداية فقد قامت السياسة الأمريكية على عدد من الأسس الإجرائية، التي تُعَدُّ بمثابة اللازمة، لتلك السياسة ومن تلك الأسس التي كان التفكير بها مسبقا:
أولا- إيجاد الحلفاء التقليديين، الذين يُنَفِّذُون المتفق عليه من السياسات. ومنهم:
الروس: والمعروف أن الروس وهم الآن – المسؤولون عن تدمير سورية – ما كان لهم أن يتصرفوا ذلك التصرف إلا بتنسيق دقيق ومحكم مع الإدارة الأمريكية. وهم بقصفهم المدمر يُنَفِّذُون للإدارة ما تريد أن تقوم به على وفق خططها المُعَدّة مسبقا؛ وهي كثيرة. بل يمكن القول: إنهم خدموا المشروع الصهيوني الصليبي، أكثر مما خدمه الأمريكيون أنفسهم. وبقواهم المدججة، حققوا من النتائج أكثر مما حققه أي طرف آخر. وقد كانت مكافآتهم على قتل الشعب السوري وتدمير بناه التحتية القاعدتان الجوية والبحرية في حميميم وطرطوس وهي من وجهة نظرنا ليست أكثر من رشوة لذلك الطاغية المجرم، الذي عرف من أين تُأكل الكتف في هذه الأزمة التي باتت تُبْكِي الأعداء والأصدقاء معا لكثرة ما فيها من جريمة ومن وحشية لم يُعْرَف لها مثيل في تاريخ البشر قاطبة!!!
الإيرانيون والميليشيات المتجحفلة معهم: ابتداء من حزب الله ومرورا بالميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية. وجميعها يعمل على إبادة العرب السُنّة والجميع يعرف كيف فعل هؤلاء فعلتهم في حلب ودمشق وفي أريافهما وفي بقية المدن السورية. وقد كانوا يعمدون إلى قصف المدنيين والمناطق الآمنة أولاً. وذلك قصد إبادتهم وتهجيرهم.
التحالف الدولي: الذي تشارك فيه ثماني وستون دولة وللأسف الشديد منها (دول عربية وإسلامية) وهو ليس أكثر من قوة أمريكية تُنَفِّذُ الخطط الأمريكية تحت غطاء ما يسمى بمكافحة الإرهاب. وجرائمه في العراق وسورية أكثر من أن تُحصى.
ما يسمى بقوات سورية الديمقراطية: ذات الأهداف الانفصالية والتي تلتقي مع المشروع الصهيوني الصليبي الذي يعمل من أجل تجزئة سورية، وتحويلها إلى كانتونات عرقية ومذهبية. وبالرغم مما قد يثيره ذلك المشروع من إشكالات داخلية وخارجية. ومنها تجزئة الوطن السوري، والعدوان على شعب آمن. فقد تبنته الإدارة الأمريكية وعملت على دعمه والوقوف إلى جانبه، وهو موقف براغماتي جدا. ومن شأنه أن يؤذي شعوب المنطقة كلها العرب والترك والكرد.
ثانيا- أن يكون تعاملها مع الأزمة على وفق الخطط المُعَدّة مسبقا:
فهي لا تعتمد المبادئ، ولا تتوقف عندها أبدا. ودليل ذلك: أن المراحل التي مرت بها السياسة الأمريكية وقد كانت على نقيض: تُقَدِّمُ الدليل على عدوانية تلك السياسة وعلى تلاعبها بالعواطف المحلية، فضلا عن قتلها وتدميرها. وبدم بارد، وعلى وفق ما يقتضيه الدفاع عن مشاريعها في المنطقة وهي معروفة.
المراحل التي مرت بها السياسة الأمريكية:
المرحلة الأولى – مرحلة الداعم للثورة والمُحَرّض من أجل إدامتها: وتُعَدُّ زيارة السفير الأمريكي لـ (حماة) والوعد بالدعم الأمريكي للثورة أحد المظاهر الخدّاعة التي تمخضت عنها قريحة الأمريكيين. وقد صدّقها الحمويون يومئذ فنثرواعلى السفير الأمريكي وعلى سيارته الورود والرياحين وحملوها على الأكتاف ظنا منهم أن الولايات المتحدة أصبحت من أصدقاء سورية. وأن أصدقاء سورية سيقفون مع سورية وحتى النصر، وقد كانت أمنية مخدوع ليس أكثر. فالأمريكي عدوٌ ولو صدق. وهذه حقيقة يجب أن يعرفها السوريون جميعا ومعهم شعوب المنطقة قاطبة.
المرحلة الثانية – المرحلة ذات الوجهين: فهي مَعْ وَضِدْ في آنٍ واحد وقد تكون على الحياد كما فعلت حكومة أوباما في الآونة الأخيرة فهي قد تُصَرِّحُ التصريح صباحاً فتسحبه مساءً والشعب المسكين يسبح في دمائه والبراميل المتفجرة تتساقط عليه من السماء، ويوميا يُقْتَلُ المئات وجُلّهم من الشيوخ والنساء، والأطفال، وأكثر ما يتعرض للقصف المشافي والمدارس، ودور العبادة والأسواق وهذا كله لم يُحَرِّك ساكنا، وقد كانت العلاقات الحميمية بين كيري ولافروف أكثر من مُعَبِّرة على التنسيق المشترك بينهما. والمؤلم جدا أن أوباما في لحظة ما بعد قصف الغوطة بالكيماوي عرف كيف يستثمر ذلك الحدث لصالح المشروع الصهيوني والصليبي الذي تضطلع به الإدارة الأمريكية فأعلن عن ضربة موجهة للنظام السوري، بَيْدَ أن ذلك كله تَكَشَّفَ عن خطة أمريكية صهيونية قصد التخلص من الكيميائي السوري. وفعلاً سُلِّمَ السلاح الكيميائي السوري – إن لم يكن كُلَّهُ فَجُلَّهُ – فهدأ روع أوباما وعاد النظام لما هو عليه من دموية وإرهاب وكأن شيئا لم يحدث، وقد اطمأن إلى أن قَتْلَ المكون السُنّي وتهجيره من مدنه وقراه لم ولن يغيظ الحلفاء بعد.
وفي إطار ذلك صَعَّدَ التحالف الدولي والطيران الروسي من هجومهم على الشعب السوري وبمختلف الأسلحة، ونَسّقُوا لوجستيّاً وإعلامياً وسياسياً وأمنياً على الأرض وفي السماء، بينما من جانب آخر حرّكوا السوريين إلى جنيف وآستانا كأنهم دُمَى مُحَنّْطَة وقد كانت تلك المفاوضات بمختلف أهدافها وتوجهاتها، ونتائجها بمثابة العمليات العسكرية رقم 2 التي تُنَفَّذُ خارج حدود سورية، خدمة للمُخَطَطْ المُعَدُّ مسبقاً من قبل الأمريكيين والذي يهدف إلى قتل السوريين على الأرض السورية وتهجيرهم من مدنهم وقراهم وذلك بعد تخريب البنى التحتية، وجعلها غير قابلة لسكنى البشر.
المرحلة الثالثة – مرحلة (ترامب) أو ما بعد أوباما: وهذه المرحلة اختلافها عن المرحلة السابقة اختلاف ترامب عن أوباما من حيث الشخصية والمزاج. وإن كان الاختلاف فيها – من وجهة نظرنا – يعني الآتي:
تبييض صفحة الإدارة الجديدة: كأن تُغَطِّيَ الأحداث المستجدة ومنها مجزرة الكيماوي في خان شيخون على سياسة الإدارة السابقة، فتبرز إلى الميدان في ثياب الفارس والإنسان الذي ينتصر للمظلومين وتوجه ضربة للنظام بقصفها مطار الشعيرات، وتُلَوّح بالعصا الغليظة، ضد التجاوزات التي قد تحدث في سورية مجددا، ومنها استخدام الكيماوي مرة ثانية، إلا أن مسألة ’’إعلام الروس بالضربة واعتبارها محدودة‘‘ وعدم قصف الروس الموجودين في مطار الشعيرات ومن ثمَّ إعلان النظام عن خسارته ستة جنود فقط في تلك العملية المُعَدّة مسبقا والموجهة. كل ذلك يجعلنا نُقَدّر وبشكل أولي: أن المسألة تمثيلية. وأنها ليست أكثر من إخراج فني، أُرِيدَ به خداع الشعب السوري وإظهار ترامب بمظهر القادر على الحد من جموح النظام، وذلك كله يدخل في باب تبييض الصفحة لتلك الإدارة التي تُعَدُّ المسؤول الأول عن كل ما جرى وما يجري في سورية الآن وهو كثير وذو طابع جرمي ولا أخلاقي.
تقديم الإدارة الأمريكية الجديدة بموقف جديد وبأسلوب جديد كذلك: فقول دونالد ترامب: إن بشار الأسد حيوان وشرير. وأنه كلما استخدم الكيماوي سيتصل بوزير الدفاع من أجل توجيه ضربة جوية لسورية واستنكاره استخدام الكيماوي، والبراميل المتفجرة، والقنابل الفراغية والعنقودية وغيرها وتصريح وزير خارجيته ريكس تيلرسون: أن الولايات المتحدة ستدافع عن المدنيين في أي مكان كان في العالم. كل ذلك يُقَرّب تلك الإدارة من المواطن السوري الذي يبحث عن مَخْلَص، ويجعل تلك الإدارة وكأنها صاحبة الحل السحري. لكن متابعة التهجير والقصف بالبراميل المتفجرة، وبغيرها ومن قبل قوات النظام وقوات الحرس الثوري الإيراني والقوات الروسية يعيد إلى الأذهان سياسة أوباما ويضع ترامب وسياسته على المحك. فلا تبديل في السياسة الأمريكية، وإنما هي الخطط المُعَدّة مسبقاً. والمراقب السياسي يعرف جيدا أن رجل السياسة الأمريكية الذي أتقن فن المراوغة والخداع، والكذب في الإعلام، لن تخفى عنه الطريقة التي يمكن بها خداع الشعب السوري، فالمُخَطَّطانِ الصهيوني الصليبي والصفوي الفارسي يجري تنفيذهما معا على الساحة السورية بتوظيف خارجي وبإعداد داخلي. وبمباركة دولية وإقليمية حتى من قبل الأطراف كافة، وتَدَخُّل الأمم المتحدة ومجلس الأمن في هذا الإطار. والفيتو الروسي الجاهز دائما دليل على ذلك الخداع الذي يُعَدُّ مسبقاً وليس مفاجئا. فالقضاء على مُكوّن العرب السُنّة مُقَدّم وله الأولوية، وبعده لا اعتبار بالنتائج كائنة ما كانت. المهم أن ثمن ذلك كان إسلام سورية وعروبتها وأنه – عندهم – لن تكون بعد ذلك جبهة شمالية تزعج إسرائيل، ولا شعب قلبه ينبض بالحياة يرهص بيقظته العارفون. بل الموت الحقيقي لشعب سبق له أنه واجه عدوانهم منذ العصور الوسطى وإلى اليوم.
إشعار الحلفاء التقليديين الروس والإيرانيين أن الأمريكيين موجودون على الساحة السورية: وأن التعامل مع الأزمة السورية لن يكون إلاَّ على وفق الخطط المُعَدَّة مسبقاً، وتصريح الإدارة الأمريكية أكثر من مرة: أنه على الروس أن يفوا بوعودهم، وبما اتُفِقَ عليه يُزِيحُ الستار ولو قليلا عن حقيقة وحدة الحال بين الروس والأمريكيين، كما أن اتفاق مقايضة المصالح بين الإيرانيين والأمريكيين يؤكد أن ليس ثمة خلاف بين الحلفاء جميعا، وإنما هو إعادة اعتبار للموقف الأمريكي الذي وجد نفسه متضائلا في عهد أوباما، فأراد ترامب أن يُشْعِرَ حلفاءه بأنه موجود وتجاهله بمثابة عدوان عليه، وهذا هو الذي حدث قبل وبعد توجيه الضربة لمطار الشعيرات. فقد كانت مهذبة جدا وقد تحاشت إلحاق الضرر بالروس والسوريين معا. الذين أضرّت بهم سمعة القصف أكثر مما أضرّ بهم وَقْعُ الصواريخ.
إيجاد موضع قدم للأمريكيين في سورية وذلك كجزء من كعكة ما بعد النظام: فالأمريكيون يريدون أن يسيطروا على أهم منطقتين في سورية:
المنطقة الأولى – منطقة الرميلان: في الجزء الشمالي الشرقي من سورية حيث تم إقامة القاعدة الجوية الأمريكية هناك. وفي الرميلان تتجمع آبار النفط والغاز. وهي منطقة حيوية جدا تقع في منطقة بين الدول الثلاث سورية والعراق وتركيا.
المنطقة الثانية – منطقة الرقة وسد الفرات: حيث القدرات الصناعية الهائلة التي نتجت عن سد الفرات، وحيث سَلَّة غذاء سورية. والسيطرة على مطار الطبقة العسكري يُعَدُّ مقدمة للسيطرة على المنطقة بكاملها، وجعل سورية وعلى المدى البعيد كلها تحت رحمة الأمريكان، وهذه المسألة هي التي يجب أن يُنْتَبَهُ إليها أولا وقبل أية مسألة أخرى.
وفي الختام:
فإنهم إن يكونوا حاولوا قطع عنق الشعب السوري بالقضاء على العروبة والإسلام فهم مؤخرا يَعَدُّون العدة لقطع عنق سورية – الدولة والنظام – وبذلك يكونون قد حققوا الجزء الأكبر من المشروع الصهيوني والصليبي في سورية، ومراحله اللاحقة التي لمّا تزل طي الكتمان قد تكون أشد وأخطر، وهو ما يجب أن يُنْتَبَهُ إليه من قبل أولئك ممن يوظفون أنفسهم في خدمة ذلك المشروع، ثم وكالنعامة يدسّون رؤوسهم في الرمال، وهم يحسبون أن لن يراهم أحد!!!!
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_التعامل_الأمريكي_مع_الأزمة_السورية_الرؤية_والتحليل