’’الرؤية والتحليل‘‘
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_المشروعان_الصفوي_الإيراني_والصهيوني_الصليبي_الرؤية_والتحليل
عندما أحكمت قوات النظام والميليشيات المساندة لها بدعم من الطيران الروسي سيطرتها على خط الكاستيلو، وزَّعت أولاً مناشير تدعو إلى إخلاء شمالي حلب ثم أعقبته عَبْرَ مُسمّى (الممرات الآمنة) بِحَضِّ المدنيين من سكان حلب على (الخروج الآمن)، ثم أتبعت ذلك بجعل المسلحين الذين يُلقون السلاح أو يُسلِّمون أسلحتهم لقوات النظام مشمولين بالخروج الآمن، وأعقبوا ذلك بتمثيلية هزلية صَوّروا فيها بعض المسلحين الذين استسلموا للنظام، وأحدهم وهو يُحَيِّ الرئيس القائد على إنجازاته البطولية.
وعندها فهم القاصي والداني، من الأعداء والأصدقاء أنّ مدينة حلب تتعرض لمؤامرة كبرى تهدد بنيتها الديموغرافية وأن المطلوب خروج سكان حلب من مدينتهم التي أصبحت من نصيب الميلشيات الشيعية المقاتلة في حلب وأكنافها، وأن العنصر السُنِّيّ فيها أصبح أمام خيارين: إما الإبادة داخل حلب وفي أطرافها، بجعله يموت جوعاً بسبب الحصار المُحكم الذي فُرِضَ عليه، وبسبب البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية التي تستهدفه وإما أن يغادر بلاده موطن آبائه وأجداده، إلى بلدان الجوار، أو مخيمات نزوح غير آمنة.
وقد وضح من ذلك أن النظام وعلى وفق خُطط مُعَدَّة مسبقاً وبتنسيق مع إيران، يتبنى هذا المخطط، وأن العدو الروسي، يضطلع بالدور الأكبر منه، وذلك لأسباب براغماتية جدا، وبوسائل مكيافيلية لا تُفرِّقُ بين الأبيض والأسود في عدوانها على الشعب السوري، وفي قتله وتدميره وتخريب بيوته على رأسه بطيرانه المتفوق على المقاتلين الذين حيل بينهم وبين امتلاك القوة الرادعة من قبل الأمريكيين والأوروبيين، الذين ينظرون إلى المسألة السورية من منظور صليبي بحت.
وهذا يعني أن الروس والإيرانيين، والنظام يتبنون مشروع تغيير ديموغرافية سورية بضرب البُنَى التحتية فيها وبإجبار سكانها على ترك بلادهم إلى بلدان أخرى. ومن أجل تحقيق ذلك المشروع ركَّزوا على استعمال البراميل المتفجرة، وعلى قصف الأسواق، والمستشفيات، ودور العبادة، والمدارس، والتجمعات السكانية. كما عملوا على حصار القرى والمدن قَصْدَ إماتتهم جوعا أو إخراجهم من بيوتهم. وهذه المسألة حصلت وفي كثير من المدن المحاصرة.
وهذا المشروع وهو مشروع صفوي شيعي رافضي أخذ طريقه إلى التحقيق في سورية على أيدي تلك القوى الغاشمة التي تمثّلت بالثلاثي (الروسي – الإيراني – السوري) ويُعَدُّ مايفعله الطيران الروسي والميليشيات الرافضة وقوات النظام في سورية وهو جرائم ضد الإنسانية شاهد على ذلك.
وفي موازاة ذلك مشروع آخر لا يَقِلُّ خطراً عن سابقه يتمثل بتجزئة سورية على أساس عِرْقي ومذهبي وتحويلها إلى دول متناحرة فيما بينها، وهذا المشروع يتبناه التحالف الدولي، الذي تتزعمه الصليبية الدولية، ويُلَبِّي الطموحات الصهيونية التي سبق أن تحدَّث عنها تيودور هرتزل في مؤتمر بازل في سويسرا سنة 1897م وقد كان أشار إلى ضرورة أن تخضع منطقة الشرق الأوسط إلى تقسيمات على أساس عِرْقي ومذهبي، وأن تُشَكِّلَ فيما بينها كومنولث شرق أوسطي، يكون للدولة اليهودية في فلسطين السيادة فيه. كما أنها جاءت استجابة لوثيقة هنري كامبل التي أسست لمشروع الشرق أوسطي الجديد، الذي عُدَّ استجابة – للمطامح الصهيونية التي سعت لمثل ذلك.
وعلى أساس منه جاء اتفاق سايكس بيكو سنة 1916م ووَعْد بلفور سنة 1917م، وبعده جاءت سياسة المندوبين الساميين في سورية التي عملت على إحداث البُنَى الطائفية التي كان لها شأنها فيما بعد، ومن ذلك إحداث قوات المشرق الخاصة التي أسسها الجنرال غورو سنة 1924م، والتي نَصَّت أن تكون عُمدتها من العلويين وألَّا تزيد نسبة السُنَّة فيها على 30%. والذي حدث بعد أن هذه القوات سنة 1946م تحولت إلى الجيش العربي السوري جيش (حُماة الديار عليكم سلام)، الأمر الذي أدخل سورية في مشكلة لا حَلَّ لها وقد فقدت أمنها الوطني بسبب حُمّى الانقلابات التي لازمتها والتي تُوِّجَت بانقلاب 1963م، الذي تبنى زعماؤه ومنهم حافظ الأسد مشروع الدولة الطائفية – وهو مشروعٌ بالغ الخطورة – في سورية العربية المسلمة التي تبلغ نسبة المسلمين فيها 95% ونسبة المسلمين السُنَّة منهم 79% وهو الذي أدى إلى اندلاع الثورة السورية التي نعيش أحداثها اليوم.
والمشروعان الصفوي الإيراني والصهيوني الصليبي يشتركان في كثير من الخصائص والميزات، التي تكاد تكون متطابقة، مع وجود اختلاف كبير يعود لأصل النشأة لكل منهما. ومع ذلك فهما يُنفِّذان مُهمّات مشتركة، ويعملان معاً من أجل هدف عام بالرغم من ذلك الاختلاف.
وأوجه الاختلاف هذه يمكن الحديث عنها بشكل منفصل، من خلال وقفة مفردة لكل منها:
أولا- أوجه الاتفاق بين المشروعين:
يتفق المشروعان الصفوي الإيراني والصهيوني الصليبي في مسألتين:
1-في طبيعة العداء القديم الذي يكنّه كل منهما للعرب والمسلمين بعامة. وإن اختلفا في أصل ذلك العداء وفي منشئه وفيما هما عليه الآن من سياسة. فطبيعة العداء تشير إلى أن الجنس الفارسي لم يهدأ يوما واحدا في معاداته للعرب منذ قَوّضَ الفاتحون المسلمون عرش كِسْرَى وإلى اليوم. ولذلك فَهُم في حُكْمِ المَوتُور، وسياساتهم كلها لا تُفسّر إلا من خلال مشاعر الحقد والكراهية للعرب جميعا، وعلى وجه الخصوص للمكوّن السُنِّيّ الذي يقفون معه على نقيض، ويحاولون جاهدين لصق تهمة الإرهاب به قصد استعداء العالم عليه، وهذا هو الذي يحصل الآن على الساحتين الدولية والإسلامية. وكذلك الحال بالنسبة للصهاينة والصليبين الذين لم يغب عن أذهانهم ما حصل لهم في القرن الهجري الأول، في أثناء الفتح الإسلامي، وكيف خرجوا صاغرين من بلاد الشام، وكيف تعقَّبهم المسلمون في البَرِّ والبحر، وكيف كانت المعارك معهم سجالا منذ سِنِيّ الفتح الأولى، وحتى معركتي الزلاقة وملاذ كرد في القرن الخامس الهجري، والتي استمرت إلى ما بعد فتح القسطنطينية في القرن التاسع الهجري وإلى عصر الاستعمار حيث عادت الكَرَّة لهم فكانت الحركة الصليبية الصهيونية الحديثة امتدادا لتلك السياسات التي جمعت الصليبين والصهاينة في خانة واحدة، فجاء وعد بلفور مُلبياً لطموحات هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية سنة 1897م.
2-في طبيعة السياسات العدوانية الحديثة التي يرسمها الإيرانيون والصليبيون ضد المسلمين السُنّة في كل مكان من العالم سِيَّما في بلاد العرب. فكلاهما الإيرانيون والصليبيون اليوم يعملون معا ضد المكوّن السُنِّيّ، في سورية وفي العراق، وفي بلدان أخرى من العالم العربي والإسلامي. ففي الوقت الذي تحتشد فيه الشيعة تحت مُسمَّى (الحشد الشعبي أو القوات العراقية) في العراق، تحتشد الميليشيات الشيعية القادمة من لبنان وإيران وباكستان وأفغانستان على الساحة السورية قَصْدَ القضاء على المكوّن السُنِّيّ، وإحداث التغيير الديموغرافي الكامل لصالح الشيعة. ويكون غطاء الحشد الشعبي والقوات العراقية والميليشيات الشيعية الطيران الروسي والحليف، وذلك من خلال تعاون لوجستي وتنسيق عسكري لم يحدث له نظير منذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن. وتأتي المواقف الدولية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفي الهيئات الدولية بعامة مُعَبِّرة ودالَّة على طبيعة ما يختزن في داخل تلك الأطراف من مشاعر ومن سياسات ومن صور العداء المستحكم، ضد المسلمين بعامة ومنهم المكوّن السُنِّيّ الذي يُعَدُّ مُسْتَهْدَفَاً في عُقْرِ داره وحتى في بلدان النزوح حيث يُعَدُّ إرهابيا، وأصبحت تهمة الإرهاب جاهزة لِتُلصق به حتى ولو كان خارجا من دور العبادة. ويُعَدُّ اشتراك الروس والأمريكان ومن خلفهم التحالف الدولي في الحرب ضد المقاومة في سورية والعراق الدليل الأكبر على طبيعة ذلك التحالف الشرير، الذي استغل ضعف العرب والمسلمين ليفعل فعلته معهم وبلا أخلاقية لم تعرفها الدنيا منذ ما وراء التاريخ المكتوب وإلى اليوم. وإطلاق يد إيران في العراق وسورية وبدون رد فعل يُذكر من الهيئات الدولية بعامة يُعَدُّ بمثابة البيان رقم واحد عن ذلك التحالف، وعن سياساته الخفية والمعلنة، وهي كثيرة وكثيرة جدا.
ثانيا- أوجه الاختلاف بين المشروعين:
يأتي الاختلاف بين المشروعين الصفوي الإيراني والصهيوني الصليبي في دائرة المصلحة فحسب. وذلك على وفق رؤيتين:
الرؤية الأولى – إنه اختلاف مصالح: فالمصالح الإيرانية غير المحدودة والتي تمتد لتشمل سورية والعراق، تصطدم مع المصالح الصهيونية، التي ترى أن حدودها الطبيعية من العراق إلى النيل. ولذلك كثيراً ما تتضارب المصالح الإيرانية مع المصالح الصهيونية والصليبية. ففي الوقت الذي ترى فيه إيران أن من مصلحتها القضاء على البنية الديموغرافية في سورية والعراق، وذلك تمهيدا لإقامة الدولة الشيعية الممتدة من باكستان إلى البحر الأبيض المتوسط يرى الصهاينة والصليبيون، أن تمدد إيران وعلى هذه الطريقة سيكون خطرا على الدول الحليفة، لأنه سيؤدي إلى قيام دولة كبرى فارسية الطابع. وهو ما لم يُسلّم به جدلا، حتى وإن قيل: إن ذلك يضعف المكوّن السُنِّيّ بل ويشلّه تماما.
الرؤية الثانية – إنه اختلاف على الكعكة: والاختلاف على الكعكة يدخل في دائرة الأخذ والرد وفيه ما يُسمَّى بتقايض المصالح. فأكثر من مرة صرح المسؤولون الإيرانيون، أنه لولا إيران لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان. ونحن نضيف أنه لولا خيانة الشيعة في العراق وتآمرهم مع الإيرانيين ضد العراقيين لما تمكن الأمريكان من احتلال العراق، ولَظَلَّ العراق شوكة في حلق الإيرانيين الذي ذاقوا الويلات في حرب السنوات الثماني التي دارت بينهم وبين العراقيين.
وعلى أساس منه فإن ذلك الخلاف لم يمنع من الاتفاق وسببه أنه خلاف على المصالح فحسب، وهو أمر وارد.
وعلى أساس منه فالمشروعان الصفوي الإيراني والصليبي الصهيوني وإن اختلفا منشأً فقد اتفقا مَسلكاً، وقد جمعتهم أحقادهم القديمة، وسياساتهم الحديثة عند خانة واحدة وهذه الخانة إذا عنت شيئا فإنما تعني قتل العرب وهذا ما تهش له الصليبية الحديثة، وتؤمن به الصهيونية، وتعمل من أجله دولة الولي الفقيه التي تبشر بالمهدي المنتظر الذي حال ظهوره سيقتل العرب جميعا!!
وهذا هو الذي جعلهم يلتقون معا ويتفقون على قتل العرب وذلك على وفق ثلاث نظريات:
النظرية الأولى – نظرية تفكيك البنى الديموغرافية: وهذه النظرية تُعَدُّ الأكثر خطرا. وهي ذات أسلوبين: الأسلوب الأول يتمثل بقتل السكان وتخريب بيوتهم فوق رؤوسهم، وما يقوم به الطيران الروسي حاليا من تدمير يؤدي إلى قتل المدنيين الذين هُم مادة المكوّن السُنِّيّ سواء أكان ذلك في حلب وأريافها أو في أي مكان كان في سورية وما أكثر التجمعات البشرية التي تقتل قتلاً هادئا وبدم بارد بجعلها تموت جوعا بعد إحكام الحصار عليها، وبعد إدامة قَتْلِها بالبراميل المتفجرة وبالقنابل العنقودية وبالغازات السامة. والأسلوب الثاني يتمثل بالتهجير القسري، وبفتح أبواب الهجرة أمام السوريين أو الحضّ لها. وتُعَدُّ المناشير التي ألقاها طيران النظام بعد حصاره حلب وما قيل عن الخروج الآمن مما يعمل على تفكيك البنى الديموغرافية وعلى استبدال تلك البُنَى بالمكوّنات الشيعية التي ستجعل من سورية العربية المسلمة ذات الأكثرية السُنِّيَّة بلدا أعجميا خالصا يدور في فلك ولاية الفقيه الشيعية التي تصب نار حقدها اليوم على العرب تحديدا وليس على غيرهم من البشر.
النظرية الثانية – نظرية تفكيك الدول ذات السيادة: وذلك بتجزئتها إلى دويلات عِرْقية ومذهبية، وذلك حسب نظرية هرتزل التي دعى إليها مع نهاية القرن التاسع عشر والتي نشهد بعض إنجازاتها اليوم بقيام الدول ذات الطابع العرقي. ودعم قوات سورية الديمقراطية لا يخرج عن ذلك. وهذه السياسة سبق أن جربها غورو سنة 1920م في سورية، ويراد لها الآن أن تُجرب في سورية والعراق، وربما في بلدان عربية أخرى كاليمن وليبيا والسودان وغيرها من الدول.
النظرية الثالثة – نظرية القضاء على المرافق الحيوية في الدولة ذات السيادة: والمعروف أن البلاد العربية جميعها تُعَدُّ من دول العالم الثالث ومن البلدان النامية، والقضاء على المرافق الحيوية فيها سيعيدها إلى عهد الجمل والحصان، وهذا هو الذي قاله وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر لطارق عزيز في أثناء محادثاتهما في جنيف بعد اجتياح الكويت في مطلع التسعينيّات من القرن الماضي.
وهذه النظريات الثلاث هي التي تُتبنى من قبل أنصار المشروعين، وهي التي تُنَفَّذُ اليوم على الأرض السورية وقد هيأت لها المناخات المناسبة، بعد شرذمة الثوار وبعد حرف اتجاهات كثير منهم. أما الذي يقولونه فسلسلة من أكاذيب لا ولن تنتهي. حتى تستتم المؤامرة وينتهي المشروع.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_المشروعان_الصفوي_الإيراني_والصهيوني_الصليبي_الرؤية_والتحليل