مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_أمريكا_وراء_كل_الشرور_في_سورية
في ظل الاحتلال الفرنسي، نشطت الحركة الوطنية بزعامات مختلفة، وحاولت إنشاء المجلس الوطني ’’البرلمان‘‘، وَسَعَتْ بكل سبيل ممكن لإنهاء الانتداب الفرنسي في البلاد، وكان من جُملتهم ’’شكري القُوَّتلي‘‘، الذي يعود نسبه إلى أسرة عربية عريقة جاءت من الجزيرة العربية واستوطنت سورية، وقد تَمتّعت بالمكانة الاقتصادية والتجارية العالية حتى باتت من كبار العائلات في دمشق.
وعلى مدار العشرينيات والثلاثينيات انخرط القوّتلي في الحركة الوطنية ضد الوجود الفرنسي، وأسس عام 1932م مع ثُلةٍ من رجالات سورية الوطنيين ’’الكتلة الوطنية‘‘ لمقارعة الانتداب الفرنسي من أجل استقلال سورية، ومنهم ’’هاشم الأتاسي‘‘ و’’جميل مردم بك‘‘ و’’فخري البارودي‘‘. وقد شاركت الكتلة في ’’جمعية تأسيسية‘‘ وافق عليها الشعب السوري للتواصل مع سلطة الانتداب الفرنسي وصياغة دستور للبلاد، كانت أبرز بنوده ’’إقامة حكومة تمثيليّة ودستور ليبرالي‘‘، لكن الانتداب الفرنسي عَطَّلَ خمسة من بنوده بِحُجَةِ ’’تعارض البنود مع سلطات الانتداب‘‘، وانتهى الأمر باتفاق آخر عام 1936م على غرار المعاهدة العراقية البريطانية.
ووفقا للاتفاق الذي جرى بين فرنسا والحركة الوطنية، انتُخِبَ ’’محمد علي العابد‘‘ أول رئيس للجمهورية السورية (1932-1939م)، وكان من الطبقة الأرستقراطية الدمشقية، حيث وقف على الحياد بين مؤيدي الانتداب الفرنسي والحركة الوطنية، وحين اشتعلت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر / أيلول 1939م سرعان ما وقعت فرنسا تحت الاحتلال الألماني عام 1940م، وانقسمت بين حكومتَي ’’فيشي‘‘ الموالية للألمان، وحكومة ’’فرنسا الحرة‘‘ بزعامة الجنرال ديغول.
وقد أثّرت هذه الأحداث على وضع الاحتلال الفرنسي في المنطقة العربية، لا سيَّما في سورية ولبنان، ومع وَعْدٍ من ديغول باستقلال سورية ولبنان شريطة التعاون مع حكومة فرنسا الحرة، حصلت سورية على استقلالها قانونيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم واقعيا مع جلاء الفرنسيين عن سورية عام 1946م.
في عام 1943م انتُخِبَ شكري القوَّتلي مرشح الكتلة الوطنية رئيسا لسورية خلفا لـ ’’تاج الدين الحسني‘‘ الذي وافته المنيّة أثناء رئاسته، وبهذا أصبح القوَّتلي الرئيس الأول لسورية بعد استقلالها. ولم تمضِ سوى ثلاث سنوات على استلام وحدات الجيش السوري من السلطات الفرنسية، حتى خاض هذا الجيش – ضمن الجيوش العربية الأخرى – حرب فلسطين عام 1948م التي أدت إلى كارثة النكبة، وقد كان الشعور العام لدى قيادة الجيش السوري وضباطه أن القيادة السياسية لم تكن على مستوى الطموحات والآمال المعقود عليها، وأنه كان بالإمكان الخروج بنتائج أفضل لو جرى الإعداد الكافي من المؤسسات السياسية الحاكمة، وهو الشعور ذاته الذي انتاب المصريين آنذاك، وبدورها، أخذت المؤسسات السياسية على القيادة العسكرية ما أفضت إليه الحرب من نتائج وما شهدته من أداء أدنى من المأمول، ولذا عملت على إقالة قائد الجيش ’’عبد الله عطفة‘‘، وقائد الرتل السوري المُكلَّف بالهجوم العقيد ’’عبد الوهاب الحكيم‘‘.
تفاقمت أزمة انعدام الثقة وتبادل الاتهامات بين الطرفين مطلع العام 1949م جرَّاء إقدام بعض النواب والزعماء السياسيين على انتقاد قيادة الجيش تحت قبة البرلمان وعلى صفحات الجرائد، بعد العثور على بعض العقود الفاسدة في مؤسسات التموين العسكرية التي تتبع رئيس الأركان في الجيش، لا سيَّما قضية توريد ’’السمن المغشوش‘‘ إلى الجنود، حيث تفقَّد الرئيس القوَّتلي آنذاك أحد مستودعات الجيش في مارس / آذار 1949م، ووجد سمناً فاسدا مُوَرَّدَاً إلى الجيش، ولذا اتُّهِمَ رئيس أركان الجيش ’’حسني الزعيم‘‘ بالفساد، وكان على الرئيس شكري القوتلي إحالة الزعيم إلى المحكمة العسكرية ولكنه لم يفعل، رغم نصيحة عدد من الوطنيين بإبعاد الزعيم عن قيادة الجيش.
وكان من نتيجة هذه الحملة البرلمانية والصحفية الشعواء ضد الفساد الحاصل في الجيش، اجتماع كبار الضباط بقيادة رئيس الأركان ’’حسني الزعيم‘‘ وقرروا إرسال مذكرة احتجاج وقائمة مطالب إلى رئيس الجمهورية، وكانت هذه المذكرة خدعة من الجيش ريثما يتدبروا أمورهم في تنفيذ انقلاب ضد القوتلي وحكومته.
قَدَّمَ الزعيم في 25 مارس / آذار 1949م للقوَّتلي مذكرة خطية مُوَقَّعٌ عليها من حوالي خمسة عشر ضابطا من كبار ضباط القيادة بها مطالب بإصلاح الوضع، أبرزها محاكمة المسؤولين عن عدم تحضير الجيش وإعداده وتسليحه وتجهيزه منذ عام 1945م حتى حرب فلسطين، وعدم التعرُّض في المستقبل لمناقشة أمور الجيش في جلسات علنية، والكفّ عن مناقشة المسائل العسكرية من قبل المدنيين، وتعيين اللجان لها من العسكريين الموجودين في الخدمة الفعلية.
بَيْدَ أن الرئيس القوتلي لم يقرأ المذكرة ولم ينظر في مطالب القادة العسكريين الذين قدَّموها، بل وجَّه اللوم إلى حسني الزعيم على استلامها منهم وتقديمها باسمهم، قائلا إنه من الأفضل الاهتمام بتدريب الجيش وتنظيمه بدلا من تقديم الاستدعاءات. وقد كانت هذه المذكرة وعدم اكتراث القوتلي بفحواها السبب المباشر الذي حَفّزَ حسني الزعيم على أن يجمع قادة الضباط في القنيطرة ومفاتحتهم في أمر الانقلاب.
لكن مناقشة الانقلاب العربي الأول بمنأى عن الأوضاع العالمية بعد الحرب العالمية الثانية وبروز القوتين الأمريكية والروسية يحرمنا من زاوية مهمة، فقد سعى الروس آنذاك إلى تصدير الشيوعية ومد نفوذهم إلى الشرق الأوسط، وأدركت أمريكا أهمية الشرق الأوسط بوصفه قاعدة لمواجهة هذا المد بعد أن نجحت في جذب تركيا واليونان إلى مدار نفوذها، ولذا تواصلت واشنطن مع شكري القوَّتلي، واقترب جواسيسها ومحللوها عن قرب من الأوضاع الداخلية في البلاد، وخلصوا إلى أن الوضع الداخلي ’’يتراوح بين ثورة دموية يُسلّحها السوفييت، أو انقلاب عسكري يقوم به ضباط من الأقليات المذهبية والعرقية في الجيش السوري ضد القوَّتلي‘‘.
قطعت إذاعة دمشق برامجها المعتادة وبثَّت الموسيقى العسكرية، وفي السابعة صباحا قطع المذيع ’’المارش العسكري‘‘ وأعلن بصوت جهوري مرتجف النبرات ما يلي: ’’بلاغ رقم واحد، مدفوعين بِغَيْرَتِنَا الوطنية، ومتألمين مما آل إليه وضع البلد من جرّاء افتراءات وتعسُّف من يدّعون أنهم حكامنا المخلصون؛ لجأنا مضطرين إلى تسلم زمام الحكم مؤقتا في البلاد… وسنقوم بكل ما يترتب علينا نحو وطننا العزيز، غير طامحين إلى استلام الحكم، بل القصد من عملنا هو تهيئة حكم ديمقراطي صحيح، يحل محل الحكم الحالي المزيف‘‘.
كان هذا جزءً من البيان رقم واحد في تاريخ الانقلابات العسكرية، لا في سورية فقط التي شهدت بين عامي 1949 و 1970م عشرين انقلابا، بل في كامل بلدان الشرق الأوسط التي ستتابع فيها الانقلابات العسكرية وتغيِّر نمط وأفكار الأنظمة الحاكمة إلى يومنا هذا.
بعد القبض على رئيس الجمهورية وأعضاء حكومته ثم صدور قرار بنفيه، أصبح القائد العسكري الانقلابي ’’حسني الزعيم‘‘ رئيس الجمهورية بالانتخاب، وهو صاحب الأصول الكردية القادم من ريف مدينة حلب، وابن الثانية والخمسين عاما في ذلك الحين، وقد عمل على خطين متوازيَينِ: الأول توجيه رسائل إلى الشعب عبر الإذاعة أطلعه فيها على حقيقة حركته وأسباب قيامه بها وبرنامجه الإصلاحي المنشود، من حيث تقليل عدد النواب، وإعطاء المرأة حق الانتخاب، وتطهير الجهاز الحكومي، ومكافحة الغلاء، وتحديد الملكية الزراعية، والقضاء على البطالة، ثم محاربة المذاهب الهدَّامة وعلى رأسها الشيوعية، وتدعيم الجيش وتقويته.
أما الخط الآخر فهو إصدار الأوامر العسكرية والمراسيم التي عزَّزت مركزه وحصرت السلطة بيده، إذ بات الحاكم الأوحد العسكري والمدني لعموم سورية، وحصر كذلك حق إصدار المراسيم في القيادة العامة للجيش، وبذلك صار على رأس السلطة التشريعية والتنفيذية ريثما تعود الحياة النيابية.
وجاء هنا دور الولايات المتحدة باعترافها الفوري بانقلاب حسني الزعيم ومباركتها له، وكانت الحكومة السورية السابقة قد رفضت توقيع اتفاقية الهدنة مع الدولة الصهيونية، وتردَّدت في توقيع اتفاقية خطوط التابلاين لصالح شركة أرامكو السعودية – الأمريكية (في ذلك الحين)، فجاء حسني الزعيم ليرد الجميل لأمريكا بتوقيعه على الاتفاقيتين، بل إننا نجد في كتاب ضابط المخابرات الأمريكية والمتصل بحركة الانقلابات العسكرية هذه في سورية ومصر ’’مايلز كوبلاند‘‘ قوله: ’’إن الزعيم وعد الأمريكيين بأنه سيقوم بحركة إيجابية تجاه إسرائيل إذا نجح الانقلاب‘‘.
كانت خطوات حسني الزعيم وتقاربه مع الولايات المتحدة حتى ذلك الحين سريّة؛ ولهذا دعمه العديد من الأشخاص والأحزاب القومية والوطنية، وعلى رأسهم ’’أكرم الحوراني‘‘ السياسي القومي و’’أديب الشيشكلي‘‘ و’’عدنان المالكي‘‘ وغيرهم من الضباط المؤيدين للحركة القومية واليسارية، لكن شهر العسل الذي رافق الانقلاب كان قد شارف على الانتهاء سريعا بسبب ظهور الوجه الحقيقي لحسني الزعيم وتَقَرُّبَهُ من أمريكا وفرنسا بل ودولة الاحتلال الصهيوني، إذ أعلن الزعيم دعمه لمشروع عسكري أمريكي يضم عددا من دول الشرق الأوسط للوقوف بوجه الشيوعية، فبادر إلى حل ’’الحزب الشيوعي‘‘ السوري ثم أحزاب أخرى، ووضع قيودا على النشاط السياسي المعارض وقمع الصحف، وفي يونيو / حزيران 1949م نُصِّبَ رئيساً لسورية عبر استفتاء صُوري، تسبَّب في القطيعة بينه وبين القوى المؤيدة له والداعية إلى الإصلاح الحقيقي.
كان الشعب في سورية كثير الحساسية بالنسبة لعودة النفوذ الفرنسي ورجال الانتداب، وإذا لم تجد عودة النفوذ الفرنسي امتعاضا في أوساط كبار ضباط الجيش فإنها أوجدت نقمة في أوساط صغار الضباط حتى تسرَّبت شائعات عن نية حسني الزعيم لتشكيل فرقة أجنبية تدعيما لسلطانه وعودة نفوذ فرنسا.
أمام هذه الحقائق قرَّر الفرع القومي داخل الجيش السوري، بدعم من العقيد ’’أديب الشيشكلي‘‘ وبقيادة العقيد ’’سامي الحناوي‘‘، تدبير انقلاب عسكري في أغسطس / آب 1949م ضد حسني الزعيم؛ حيث سقط صيداً سهلاً أمام هؤلاء دون مقاومة تُذْكَر، بل تواطأ حُرَّاسه على تسليمه لأعدائه.
وفي صبيحة يوم 14 أغسطس / آب قرروا إعدام حسني الزعيم ورئيس وزرائه ’’محسن البرازي‘‘، وأرسل العقيد الشيشكلي للأمريكيين يقول لهم: ’’إننا نقدم لكم خدمة بمعاملة حسني الزعيم كعميل فرنسي لا كعميل أمريكي‘‘؛ لأن حسني الزعيم دُفِنَ في المقبرة الفرنسية، ثم انتخب البرلمان السوري ’’هاشم الأتاسي‘‘ رئيساً شكلياً للبلاد واستلم العسكر السلطة وحكم البلاد.
وبذلك انتهى حسني الزعيم وانقلابه الأول من نوعه في سورية الذي دبَّرته أمريكا ودعمته، إنها العقلية والعقيدة الأنجلوسكسونية التي تَكَلَّمَ عن حقيقتها مايلز كوبلاند أحد مؤسسي وكالة المخابرات الأمريكية بقوله (سياستنا في الشرق الأوسط سيكون الحلال والحرام شأنه من شأن الكنيسة ففي سياستنا لا يوجد حلال أو حرام أو عيب فإذا اقتضت مصلحة أمريكا أن نضحي بدولة صديقة أو رئيس حليف فلا ضير في ذلك) وهذا المجرم الصهيوني الوضيع بايدن الذي يتصرف بنفس منطلقات كوبلاند الفكرية والعقائدية، هي عقيدة كل السياسيين الأمريكيين الذين تبوؤا منصب الرئاسة في أمريكا، وكانت سورية من ضحايا هذه السياسة، فقد كان من نصيب سورية تسعة عشر انقلاباً على يد المخابرات الأمريكية، وكان آخرها انقلاب الطاغية الطائفي حافظ الأسد عام 1970م، وقد تخضَّبت سورية بعهده بالدماء والتقلُّبات السياسية والاجتماعية والطائفية العاصفة، كما فُتِحَ الباب على مصراعيه منذ ذلك الحين أمام الانقلابات العسكرية في العالم العربي.
المراجع
– الجزيرة – 22/4/2022م.
– هاشم عثمان – تاريخ سورية الحديث ص183.
– نذير فنصة – أيام حسني الزعيم ص8.
– لعبة الأمم – مايلز كوبلاند.
– مذكرات أكرم حوراني – ص 2/981.
– الحياة السياسية في سورية – عهد الاستقلال – محمد فاروق الإمام.
– إنها العقلية والعقيدة الأنجلوسكسونية التي تكلم عن حقيقتها مايلز كوبلاند أحد مؤسسي وكالة المخابرات الأمريكية بقوله (سياستنا في الشرق الأوسط سيكون الحلال والحرام شأنه من شأن الكنيسة ففي سياستنا لا يوجد حلال أو حرام أو عيب فإذا اقتضت مصلحة أمريكا أن المجرم الصهيوني الوضيع بايدن الذي يتصرف بنفس المنطلقات الفكرية والعقائدية التي تكلم عنها مايلز كوبلاند نضحي بدولة صديقة أو رئيس حليف فلا ضير في ذلك) ويا حبذا أن نستمع للخبير العسكري توفيق ديدي وهو يُكَذِّب وهي عقيدة كل السياسين الأمريكيين.
الخبير الجنرال توفيق ديدي يُسَلِّط الضوء على سطحية طرح الصهيوني بايدن وأسلوبه المتدني مستخفاً بدماء أهلنا في غَزَّةَ والمنطقة وشعوبها.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_أمريكا_وراء_كل_الشرور_في_سورية