مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_الأُخُوَّة_السورية_التركية_ستبقى_عَصِيَّةً_على_العُنصريين
عادةً ما تَبْرُز في إطار الحديث عن سياسة القمع والتمييز العنصري أو الطائفي صور لسياسات عنصرية تمارسها الأكثرية بحق الأقلية المضطهدة، كَمِثْلِ ما يحدث في الصين والهند ومنيمار، ولكن في الحالة السورية تبدو الصورة معكوسة فالأقلية النُصَيْرِيَّة هي التي تحكم وتقمع وتضطهد الأكثرية منذ أكثر من خمسة عقود.
وتتجلى هذه الصورة العنصرية بشكل واضح في تركيبة الجيش السوري الذي تَحَوَّلَ منذ وصول الأسد الأب إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1970م، إلى مجرد فصيل طائفي يعبث بمقدرات البلاد ويبطش بأهلها على نحو لم تمارسه أعتى الأنظمة الديكتاتورية.
سورية وشعبها الطيب الكريم والمعطاء لم يَعرف العنصرية ولا الطائفية منذ أن عُرِفتا في العالم القديم والعالم الحديث، إلى أن تَوَسَّدَ الحُكْمَ فيها حافظ الأسد الذي تَسَلَّقَ سُدَّةَ الحُكْمِ في 16 تشرين الثاني 1970م بعد أن غدر برفاقه البعثيين، وينتمي حافظ الأسد للطائفة النُصَيْرِيَّة التي انساقت وراءه بكل طواعية وعلى غير هُدى، مبهورة بما نالت من حظوظ الدنيا على حساب الأكثرية السُنِّيَّة التي باتت في الجيش أقلية لا وزن لها، بعد أن تقلَّدت الأقلية النُصَيْرِيَّة معظم الرتب العسكرية العالية لتتحكم بمفاصل الجيش دون منازع، ليصبح الجيش السوري مُوَزَّعَاً على الشكل التالي: (80% نُصيريين، 10%سُنَّة، 10% باقي الطوائف والأديان).
ومنذ بداية الثورة الشعبية في سورية عام 2011م المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، استخدم النظام السوري الطائفية بوصفها استراتيجية للدفاع عن وجوده وبقائه في السلطة، وذلك من خلال تسويق ادعاء بأن قوى المعارضة تسعى إلى إقامة دولة سُنِّيَّة لا مكان فيها للأقلية النُصَيْرِيَّة، وهذا ما انعكس في حجم العنف الذي مارسه ضباط الطائفة النُصَيْرِيَّة، الذين كانوا يمسكون بمفاصل الجيش بكل وحداته وتشكيلاته؛ في قمع التظاهرات الشعبية بداية الاحتجاجات بكل وحشية.
ولم تقتصر صور التمييز العنصري في الجيش السوري على قمع المدنيين السُنَّة وإسقاط البراميل المتفجرة فوق رؤوسهم، بل شملت أيضا ضباطاً وعناصر في الجيش من أبناء الطائفة السُنِّيَّة، إذ إنَّ عدداً من هؤلاء الضباط والعناصر لَقُوا حَتْفَهُم على خطوط النار التي عادةً ما تخلو من الضباط النُصيريين الذين لا تُوكَلُ لهم سوى المهام القيادية؛ والمراتب العليا التي تنأى بهم عن الوقوع ضحايا لِلْأَسْرِ أو الموت أو في مواجهة الجيش الحر.
وشاء الله أن تطول هذه المواجهات، وقد استقدم مجرم الحرب بشار الأسد الروافض من لبنان وإيران، والعراق وأفغانستان واستقدم الروس المرتزقة بما يملكون من ترسانة مُدَمِّرَة بكل أشكالها ومكوّناتها، وتسيل الدماء على ثَرَىَ سورية بفعل القوة الغاشمة التي يمسك بها مجرم الحرب بشار الأسد ومن خلفه جيشه بقيادته النُصَيْرِيَّة، وقَدَّرَتْ منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الدولية؛ مقتل ما يزيد على مليون سوري مدني واعتقال وسجن نصف مليون أكثرهم فارق الحياة بفعل التعذيب أو التجويع، وقد كشف عن ذلك قيصر بما قَدَّمَ من وثائق ومستندات، وما قَدَّمَهُ حفار القبور من صور وفديوهات للمقابر الجماعية التي كان يشارك فيها.
إضافةً إلى نزوح نحو سبعة ملايين من بيوتهم ومدنهم وبلداتهم وقراهم التي دمرتها براميل وصواريخ ومقذوفات جيش الأسد ومرتزقة بوتين وطيرانه، وتهجير نحو سبعة ملايين إلى خارج الحدود السورية إلى مختلف بلدان العالم سعياً للاستقرار والأمان، وكان من نصيب الشقيقة تركيا نحو أربعة ملايين ونصف لاجئ سوري، وثلاثة ملايين موزعين بين الأردن ولبنان ومصر ودول الخليج وأوروبا وأمريكا وكندا، ومع تطاول الأيام والسنين تناقصت أعداد اللاجئين في تركيا إلى نحو ثلاثة ملايين، آثروا الاستقرار في تركيا وتقديم خبراتهم الفنية في السوق التركية حتى لا يكونوا عالة على أحد، وكان لأصحاب رؤوس الأموال السوريين دوراً بارزاً في تنشيط إقامة المشاريع والاستثمار التجاري والعقاري، بمشاركة العديد من أصحاب رؤوس الأموال الأتراك الذين وجدوا في السوريين اليد العاملة والخبرات الفنية في كل المجالات، حتى غدت الكثير من المعامل والمصانع تعتمد على اليد العاملة السورية.
وعاش السوريون في معظم المدن التركية بأمان وسلام مع إخوانهم الأتراك دون مُنَغِّصَات أو مشاحنات أو مضايقات، إلى أن برزت مجموعة من المتعصبين المدفوعين من بعض رجالات الأحزاب المعارضة العنصريين؛ ليفعلوا ما فعلوه في مدينة قيصري، ويُعَكِّروا أجواء الحب والود والتعاون القائمة بين السوريين والأتراك لأكثر من عشر سنوات دون أي مُنَغِّصَات في تلك المدينة الوادعة.
وعندما قام رجال الأمن والدرك بإلقاء القبض على بعض من قاموا بهذه الأفعال الإجرامية غير السَوِيَّة والتي لا تنتمي لعادات الأتراك وقيمهم، تبين أن معظمهم من ذوي السوابق الإجرامية وممن يتعاطون المخدرات، ويشحنون الشباب والفتيان بروح العصبية المَقيتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ختاما:
أتوجه بالشكر إلى الشعب التركي الشقيق والحكومة التركية على ما قاموا ويقومون به لإنصاف السوريين وحمايتهم من العصابات العنصرية، ولا أنسى أن أتوجه إلى أهلنا في الشمال السوري المحرر من عدم الانجرار وراء بعض متسلقي ثورتنا المباركة؛ لصب الزيت على النار، ونُفَوِّتَ عليهم الفرصة في إيقاع الفتنة بيننا وبين إخواننا الأتراك، الذين وقفوا إلى جانبنا منذ انطلاقة ثورتنا، وعلينا أن لا نبخسهم حقهم ونَرُدُّ لهم الجميل، وأن يكون دَيْدَنَنَا (وما جزاء الإحسان إلا الإحسان).
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_الأُخُوَّة_السورية_التركية_ستبقى_عَصِيَّةً_على_العُنصريين