مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_فادي_شامية_ما_بعد_الهجوم_البَرِّيّ_على_غَزَّةَ
غير معروف حتى الآن إلى أي مدى ستصل ’’المناورة البَرِّيَّة‘‘ في غَزَّةَ، ولا نتيجتها العسكرية والسياسية، لكن العملية كانت متوقعة، باعتبارها كأساً مُرَّاً لا بُدَّ لـ ’’إسرائيل‘‘ من أن تتجرعه، وبغض النظر عن الكلفة الباهظة المتوقعة؛ فبدون عملية بَرِّيَّة لا يمكن إعلان أي إنجاز عسكري، وستكون حماس منتصرة مرتين؛ في الهجوم المباغت على منطقة غلاف غَزَّةَ وفي عجز الجيش الإسرائيلي عن دخول قطاع غَزَّةَ، وتالياً فإن ’’غلاف غَزَّةَ‘‘ لن يعود كما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين، لأن حماس قد تعيد كَرَّة الهجوم على المستوطنات والقواعد العسكرية، وستفاوض على الأَسْرَى بسقوف عالية جداً. بمعنى آخر؛ فإن نتيجة من هذا النوع لن تعني هزيمة مُذِلَّة لـ ’’إسرائيل‘‘ فحسب، وإنما نهاية هذا الكيان.
وعليه؛ فإن ’’الحرب في غَزَّةَ مسألة حياة أو موت‘‘ (التعبير لنتنياهو نفسه)، لأن هذه الحرب لا يمكن أن تنتهي – من وجهة النظر الإسرائيلية – دون إحراز إنجاز؛ أقله؛ أن لا يتكرر ’’طوفان الأقصى‘‘ مرة أخرى.
ولأن الحرب داخل القطاع صعبة ومكلفة – وقد جرى تأجيلها وتعديلها أكثر من مرة؛ فقد قسّم الجيش الإسرائيلي القطاع إلى منطقتين؛ شمال وجنوب للمرة الأولى، وحاول إفراغ شمال القطاع من سكانه بالكامل، واستعان بخبرات ومقاتلين وأسلحة أمريكية، كما اعتمد ’’قواعد حماة‘‘ (انظر: مقال سابق بعنوان؛ قواعد حماة وإشكالية الاستلهام)، وتبدّى ذلك في قطع خطوط الاتصال والإنترنت وقصف المشافي والمدارس والبنى التحتية المدنية.
بناءً عليه؛ ستتحول غَزَّةَ اعتبارا من ليلة 28/10/2023م إلى قطعة من الجحيم، الذي يصعب معرفة حجمه وما يجري فيه؛ يسري ذلك على ’’الجرائم ضد الإنسانية‘‘ التي يرتكبها الاحتلال في غَزَّةَ، ويسري أيضاً على المعلومات العسكرية التي يبثّها الجيش الإسرائيلي، سواء لجهة إخفاء حجم الخسائر، أو تكبير حجم الضرر اللاحق بالمقاومة.
في هذا الوضع؛ يتوقع استعمال أسلحة مُحَرَّمَة دولياً، أو تجريب أسلحة أكثر فتكاً، كما يتوقع اعتماد الغازات السامة في الأنفاق، أو اللجوء إلى أسلحة كيماوية، وغير ذلك مما يُمَكّن ’’إسرائيل‘‘ من القول إننا ’’انتصرنا‘‘ و’’قضينا على الأعداء‘‘.
ومع أن إمكانية تحقيق هذا الهدف متوفرة نظرياً، إلا أن للميدان كلمته، وإرادة المقاومة وتحضيراتها سيكون لها وزناً في المعادلة أيضاً؛ أقله في تكبيد الجيش الغازي خسائر كبيرة، وإعاقة ’’مناورته‘‘ قدر الإمكان، ولأطول مدة ممكنة، لأن الوضع الراهن لا يمكن السكوت عليه طويلاً، وستكون ’’إسرائيل‘‘ مُلْزَمَةً خلال فترة ليست بالطويلة في أن تُوقِفَ هذه المقتلة؛ التي ترقى إلى مستوى الإبادة.
هذه الوقائع الميدانية لا تُخفي قلقاً موازياً لدى الحكومة الإسرائيلية وداعميها الدوليين؛ ماذا بعد اجتياح شمال غَزَّةَ أو أجزاء منه؟ كيف يمكن تثمير ذلك في السياسة، ومن سيدير القطاع المحتل. هل ستجد ’’إسرائيل‘‘ بين الفلسطينيين ’’عميلاً‘‘ يتولى المهمة، أو أنها ستترك القطاع لقوات دولية وإدارة مدنية بإشرافها، وكم من الوقت سيصمد هذا الواقع المستجد؟!
ماذا عن باقي الجبهات والقوى الدولية الأخرى؟
لا يبدو – حتى الآن – أن القوى الدولية الداعمة للمقاومة؛ قادرة على اختراق الدعم متعدد الأوجه لـ ’’إسرائيل‘‘، والتحالف الدولي – غير المعلن – الذي نشأ عقب ’’طوفان الأقصى‘‘، خصوصاً أن أمريكا بثقلها على الخط، وهي حاضرة في اجتماعات خلية الحرب الإسرائيلية، وعلى الأرض، وأساطيلها في البحر، وطائراتها المُسَيّرَة وغير المُسَيّرَة في الجو، ودبلوماسيتها تحمي العدوان في مجلس الأمن.. لكن ذلك لا يعني أن الأمور يمكن أن تستتب طويلا على هذا المنوال، سِيَّمَا مع ارتفاع درجة غليان الشعوب وقوى سياسية كثيرة في العالمين العربي والغربي، وهذا ما يفسر التحذيرات الدولية المتتالية من إمكانية الانزلاق نحو حرب إقليمية أو تفجر جبهات أخرى، أو وقوع أحداث غير متوقعة؛ تعيد خلط الأوراق.
في الأثناء؛ تعيش حماس واقعا متناقضاً؛ سطّرت ملحمة فاقت الخيال، وانتصرت عن نفسها وكل الأمة، لكنها نجحت أكثر مما تستطيع أن تتحمل، سواء في الميدان أو عندما تضع الحرب أوزاها.
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_فادي_شامية_ما_بعد_الهجوم_البَرِّيّ_على_غَزَّةَ