مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_المُبَادَرَة_التي_يُمكن_أن_تُخْرِجَ_سورية_من_حالة_نسيان_قضيتها
إنّ حَل القضية السورية مرهونٌ بحلحلة كثير من القضايا العالقة أو السير على طريق حلحلتها – على أقل تقدير -بما يتوافق وتطلعات الشعب السوري، بضمان وكفالة المجتمع الدولي، أن ينعم بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وبوحدته وتكامله، وهذا أقل ثمن يمكن أن يقبل به الشعب السوري في مقابل ما قَدَّمَ من تضحيات على مدار اثني عشرة سنة، وبما يتوافق وينسجم مع السياسة الدولية القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، والقانون الدولي الناظم لعلاقات المجتمع الدولي، وتطبيق القرار الأممي رقم 2254.
وعليه، ومن خلال هذه التقاطعات، تتبلور الحقيقة، التي لا بُدَّ من أنْ ترى النور، والتي تؤكّد أنّ الصِدام العسكريّ انتهى، وحلوله باتت طيّ النسيان لكل الأطراف الفاعلة على الأرض السورية، ولن يتمكن أحدٌ من فرض قوّة أمر واقع تُحْكِمُ قبضتها على البلاد لصالحِ قوّةٍ من القوى المتصارعة، سواء المحلية أو الدوليّة، وأنّ المشهد الأخير لا يمكن لطرفٍ أنْ يرسمه بِمَعْزِلٍ عن الأطراف الأخرى محلياً وإقليمياً ودوليّاً، لتكون هذه الحقيقة واضحة المعالم بأمور ثلاث:
الأول: تنبثق من الداخل السوري حكومةً لا يكون بشار الأسد جزء منها، وكذلك كل من تلطَّخت يداه بدم السوريين، ومعارضةً يختارها الشعب السوري بملء حريته بعيداً عن تدخلات الأطراف الخارجية مهما كان حجمها، وتتمثل في إنهاء المماطلة والمماحكة، التي لا طائل منها، بما يضمن التوازن وتجنّب فكر الإقصاء، الذي لن يقود إلّا إلى المزيد من التعقيد والهدر والاستنزاف للبلاد أرضاً ومُقدّراتٍ وشعباً، وأنّ هذا التوازن يتوجب عليه أنْ يكونَ مدعوماً ومؤسّساً على فقهٍ سياسيٍّ واقعيٍّ يتماشى مع تطلعات الشعب السوري ووحدة صفه، وينسجم به ومعه في الميادين السياسية الدولية، المتمثلة في المجتمع الدولي وتحت مظلة القوانين الأممية الناظمة والضامنة لسير تصحيح مسار الحلّ.
الثاني: ينطلق من المنظومة العربية وممثلتها الجامعة العربية، لأنّ أيّ حلٍّ خارج إطار المرجعيات العربية المتأصلة أساساً في نفوس السوريين وفكرهم وسياستهم كأفراد ومواطنين قبل القادة والسياسيين لن يُكتب له الحياة، لا سِيَّما وأنّ الرياح اليوم مواتية وتسير بما تشتهي سفن الإصلاح لمن أرادَ إصلاحاً، والدول العربية أن تَمُدُّ يدها اليوم لكلّ السوريين لإيقاف النزيف السوريّ ودَمْلِ جراحه، كما أنّ المجتمع العربي مُطالبٌ بفرض رؤيته الضامنة لكيانه الموحّد على السياسة الدوليّة من خلال تكاتفه وفتح الأبواب العربية لاحتضان جميع السوريين، والخروج بمقتضيات الحلول الواقعية التي لا بُدَّ للسوريين من التمثّل بها حتى تتبلور حقيقة الحل محليّاً وعربياً، ومنه دوليّاً.
الثالث: ويتمثل في الجانب الدولي وتصريحات الممثل الأممي ’’بيدرسون‘‘ عن ’’جديّة‘‘ موسكو وواشنطن لطرح آليّاتٍ جديدةٍ لبلورة الحلّ، والتي لا بُدَّ لها بدايةً أنْ تُراعي الواقع المفروض، الذي تعيشه سورية بعد سِنْيِّ الصراع على المستويات العسكرية والأمنيّة والاقتصادية والسياسية، ومن ثمّ مراعاة أنّ سورية مهما حدث تبقى دولةً عربيّةً يرتبط مصيرها بمصير شقيقاتها العربيات والعكس صحيح.
وهذا وحده يجعل هذه المبادرة، التي تقاطعت التصريحات الأممية والعربية على ضرورتها بصرف النظر عما إذا كانت بتنسيق واطلاعٍ أمميٍّ عربيٍّ أو بقراءةٍ دقيقةٍ للواقع دوليّاً وعربيّاً، فالنتيجة واحدة، وهي أنّ الحقيقة الثابتة تكمن في صحّة هذه التقاطعات، التي لا بُدَّ من بلورتها لتكونَ أمراً واقعاً، وأيّ خللٍ في زاويةٍ من زوايا المثلّث لهذه المعادلة يُعيدها إلى المربع الأول واستحالة الحلّ، ومزيداً من المعاناة ونزيف الدم وتكريس الواقع المؤلم الذي تعيشه سورية منذ اثني عشر عاماً.